شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ألعاب الأنوثة... كل ما أملكه هو رغبة

ألعاب الأنوثة... كل ما أملكه هو رغبة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والنساء

السبت 9 سبتمبر 202312:58 م




كل ما أمتلكه عصا سحرية: يقول رجل

كل ما أملكه رغبة: تقول امرأة

ثم تغطي وجهها بقطع زجاج ملون

وتمشي خلف أنوثتها بقناعها الجديد؛

قديسة هذه اللحظة

بتروا جزءاً من شهوتها

واستيقظت بقبعة مثقوبة

بعدما طارحت الأرانب الغرام.

لعبة الغرائز

انتظرت أربعين عاماً لأتعرف إلى جسدي...

أظن أنه من الحماقة التعرّض لجسدك بفعل الأمر أو التجاهل أو محاولة تحييده وتقنينه كما فعلت طوال عمري؛ في سؤال السيطرة: مَن الذي يحرّك البوصلة بيننا ويوجّه الآخر ناحية شرنقته، أو يستميله إلى حوار طويل مع أجنحته؟ لطالما كنت ناكرة لصوت جسدي الزاعق، وغائبة عنه قسرياً، أو موجودة على الهامش تحت شروط مجحفة، أعقد هدنة التجاهل بيننا، ولكن فراشات هذه الأيام مهنية تماماً فيما يتعلق بترف الحياة وجوهرها.

مَن الذي يزرع في فمي القبلات والمباهج عن الجمال والرغبة والصيغة الأكثر إنسانية للشهوة والجنس، وفي دمي قبلة المسير تجذب إلى نومي صيّادين لا فرائس، وفي لمساتي مشيئة المفاتن تتغزل، تربّت وتعتصر اللذة إلى قطرات قليلة تكفي لصنع حياة... مجاز

سؤال الاحتمالات مع جسدي

مَن الذي يصعد فوق ظهر المغلوب منا، يركبه ويقوده إلى غابات الأرق والنوم على بعد خطوة، والفراش في مطاردة خطرة مع وجوه اعتقدت أنها تلائم وسادتك، تثيرك وتحبك؟ طالما كانت الخيبات حاضرة في حياتي، والارتباط الجدي نوعاً من المستحيلات التي تتنافس مع ظروفي القاسية في أيهما يؤذيني أكثر، فشلت في الحب وغصبت في خطبة، ثم تعلقت بنهاية مفتوحة على الوحدة كملجأ إلزامي لم يخب فيه أملي؛ إذا لم يرغب أحدهم في التواجد معي، فأنا على الأقل أكثر صحبة مُرضية تواجدت مع نفسي.

سؤال السرير لجسدي

 مَن الذي يزرع في فمي القبلات والمباهج عن الجمال والرغبة والصيغة الأكثر إنسانية للشهوة والجنس، وفي دمي قبلة المسير تجذب إلى نومي صيّادين لا فرائس، وفي لمساتي مشيئة المفاتن تتغزل، تربّت وتعتصر اللذة إلى قطرات قليلة تكفي لصنع حياة. كان الأمر سيبدو على هذا النحو رائقاً ومثيراً لو أنني وجدت من يشاركني سريري وجسده وأقاسمه أيامه ورغبته ومخابئ جسدي ومنافي حياته.

أسئلة كثيرة احتجتها على مدار سنوات عمري، لأصنع قميص نوم يلائمني وأجلس بكامل أنوثتي على طرف السرير، أتابع الغموض الذي يشعّ من جسدي وأحاول أن أفسره وأذيعه إلى العالم.

لعبة الخرائط

كانت الأنوثة أمنيتي المرتقبة تحت جلدي، وأنا أرتدي ملابس أمي الفاتنة، أتأمّل جسد طفولتي الأملس بنعومة أمام المرايا، كلوحة فارغة طوع أصابعي، وأرسم فوقها تضاريس مقدسة وقبيلة بدائية ترعى حياة خلف جبالها وهضابها ووديانها وحشائشها، كانت الأمنيات على هذا النحو قريبة ورقيقة وتناسبني، لم يكن هناك شيء يؤرقني في فكرة أن أصير امرأة، حتى وأنا ذاهبة إلى المدرسة بزي إلزامي، أترك مطمئنة فساتيني الزاهية في دولابي وقلم الكحل تحت الوسادة يظلل أحلامي بغواية لا تنتهي.

لعبة المعرفة

في الجانب الملح للمعرفة، نادراً ما تعطي الطبيعة للصغار ما يميزهم، لذلك تركنا في البداية للأهل التفرقة بين الأنثى والذكر بالتعليمات والإنذارات، والمحاذير طالما كانت الأعضاء الحميمية مختبئة تحت الملابس التحتية، فلا أمل في أن يعرف الطفل نفسه إلى أن تخرجه أمه مثلاً من عالمه البسيط الضيق، بكلمة "عيب أنتِ بنت/ أو ميصحش كدا أنتَ راجل...".

"أنت" هذه كان يتبعها دائماً التمييز الجنسي، من هنا أدركت أنني مختلفة، وأن هناك أشياء معيبة كثيرة تنتظرني بقدر أنوثتي، بالإضافة إلى رغبتي في اكتشاف العالم السحري الخفي للأولاد الذي أتى متأخراً حين وضعت أمي بعد أربع بنات، أخاً لي، فوجئت أن الأمور تبدو بسيطة، فلماذا صنعوا كل هذه المحاذير تجاه كوني بنتاً.

ربما فهمت هذا الأمر تشريحاً بشكل أفضل وأعمق في حصص الأحياء بالمدرسة دون أن تكون أمي دليلي فيه أو تحاول ولو لمرة نصحي أو إرشادي إليه، لأن هذا يعتبر عيباً أيضاً، وأمراً غير مقبول مناقشته، أو فتح مجال بيننا لاستيعاب طلباتي المحرجة حتى أقفز إلى سؤال: من أين أتى أخي ولماذا هو مختلف عنا؟

تركنا في البداية للأهل التفرقة بين الأنثى والذكر بالتعليمات والمحاذير، طالما كانت الأعضاء الحميمية مختبئة تحت الملابس التحتية، فلا أمل في أن يعرف الطفل نفسه، إلى أن تخرجه أمه مثلاً من عالمه البسيط الضيق، بكلمة "عيب أنتِ بنت/ أو ميصحش كدا أنتَ راجل..."... مجاز

لعبة الزواج

مَن الذي يريد أن يصير أيقونة الزفاف في لعبة العروس والعريس هذه الليلة؟ تلك كانت لعبة أولاد شارعنا المفضلة حتى وقت قريب، كل ليلة تتبادل البنات أدوار العرائس وطرحة الزفاف الدانتيل، ويتقاسم الأولاد مهمة الزوج المرتقب في جولة مع عروسه المختارة بطول الطريق إلى حارتنا، تزفّ كل يوم زيجة جديدة مع أهازيج وأغان ورقصات مقنعة لصنع حفل يليق بأمنيات أطفال سذج عن الزفاف، يتبعها استدعاء الأهل لنا حين يتأخر الوقت، أو بالأحرى حين يصير الزواج جدياً ويتبادل الجميع التهاني والقبلات.

لم تتح لي الحياة أداء دور العروس في الحقيقة أو حتى في هذه اللعبة، اكتفيت بالفرجة والمراقبة من بعيد دون التورّط في علاقة أو الاستجابة لملاحقة الفتيان، أو ربما لأنني انتبهت مبكراً إلى الخلافات الزوجية بين جارتنا وزوجها؛ حين هربت نصف عارية بملابس النوم وهو يضربها ويطاردها بالشتائم.

كانت أنوثتها حزينة تغالب الدموع حتى وهي تتكوّم قرب الحائط كخرقة هالكة بعد يوم تنظيف، لم تتحر عيني البكاء وقتها فقط، ولكن صنعت بهواً من الذكريات باتت فيه هذه المرأة لا تفارقني، بضعفها المخيف المهان ووجهها الملطخ بالكدمات ورماد السجائر، وبقايا الطعام على قميصها السماوي.

لعبة النقص

كان يجب أن أصير ناقصة فعلاً ليتحكموا بأنوثتي بحرية، أطلقوا أياديهم في حياتي بالصفع مرّة وبالتوبيخ مرات، وفي أوقات الذروة كانوا يمدون إليّ كتيب الوصايا في البيت والمدرسة والشارع، ثم على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى شعرت أنني موصومة، كوني بنتاً، في غابة من المنتفعين بتفسير الدين بما يناسب طموحهم الذكوري المتطرّف أو النسوي المتسلّط في أحيان أخرى.

الأهل لا يكتفون بالانتقاص منكِ بل يمحونكِ تماماً؛ بمناداتك بأسماء إخوتك الذكور في الشارع، أو أثناء حضور الضيوف كتقليد بارد تنسين فيه اسمك، أو بالصراخ فيك حتى تخفضي صوتك لأنه عورة، وتعيشي هذا النقص بكل تفاصيله حتى يختفي وجهكِ واسمك تماماً في الصور المرفقة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو أثناء التجمعات العائلية والنزهات وفي كروت الدعوة إلى الزفاف أيضاً.

في البيت يطاردون أنوثتك بالأمواس أثناء الختان، وتصير هذه اللحظة الباردة المجلوبة من الجحيم أبديتك؛ لتصبحي كما يعتقدون زوجة نظيفة، بعدما تهيأ جسدك النجس للطهارة، وفيها تقرفص امرأة خلف جلستك وتفتح رجليك وتشدها عليها بازدراء وإهانة، ثم تشحذ الأخرى الموس بحدّة، وتبدأ بعد التخدير الحارق في قطع عضوك، ثم تتولى أمك بعدها مهمة الزغاريد، لا تعرفين إلى الآن لماذا كان هذا النقص المؤلم يدعو إلى الفخر والعزة؟

تقرفص امرأة خلف جلستك وتفتح رجليك وتشدها عليها بازدراء وإهانة، ثم تشحذ الأخرى الموس بحدّة، وتبدأ بعد التخدير الحارق في قطع عضوك، ثم تتولى أمك بعدها مهمة الزغاريد، لا تعرفين إلى الآن لماذا كان هذا النقص المؤلم يدعو إلى الفخر والعزة؟... مجاز

في الشارع يحيطون بك بالنظرات الوقحة المغرضة التي تعريك مع الابتسامات اللزجة المسمومة، وفي المدرسة يحضرونك أيضا للزواج في دروس التربية الدينية واللغة العربية، يعطونك دروساً تدور في فلك نتف ريش البنات، مثلاً كوصايا أم لابنتها، أو كيف تكونين زوجة طوع زوجك وتحت إمرته، على الرغم من أن مراحل التعليم التي ينتمي إليها الذكور أيضاً ليس فيها دروس عن الكيفية التي تجعلك زوجاً متفهماً أو رجلاً محترماً، أو أن  تحافظ على مسافة مهذبة لا تلاحق فيها النساء بنظراتك، أو تترك الآخرين وشأنهم وتبتعد عن ملابسهم بكودك الأخلاقي.

لعبة النهايات العالقة

ليس كل ما يعميك كان يضيء لك. هناك أشياء كان يجب عليّ فعلها قبل الأربعين أو على الأقل تأملها بدقة حتى تختفي عيناي في تفاصيلها، وتصير جزءاً مني.

هل جربت مثلاً الهرولة خلف جسدك، العبور إليه من الحيز الضيق لرغبات الآخرين والاستسلام بثقة لغريزتك، ثم الوقوع تحت وصايته وملاطفة مفاتنه؟ هل جربت ممارسة الحب بعينين مفتوحتين، ثم الفناء في الآخر حتى تنسى جوانب حياتك الأكثر ألما ويصير مكانك وكينونتك معجونة بخليط عرقه وأنفاسه؟

هذه أحلامي التي وددت أن أمضي يوماً معها، ولم يحدث قبل الأربعين أن وجدت الأمان اللازم لأحققها، أو رجالاً يستطيعون المغامرة بالحياة معي فيها، لذا لم أحمل ضغينة تجاه هذه الأمنيات، بل وضعتها أسفل سريري في كرتونة النهايات العالقة في عالمي إلى الأبد، حتى استدعيها واستعيدها حين أجد مَن يستحق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image