شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
حديث توسيعها وتصعيد المنافسة والعناوين الكبيرة… هل يتوافق طموح

حديث توسيعها وتصعيد المنافسة والعناوين الكبيرة… هل يتوافق طموح "بريكس" مع واقعها؟

سياسة نحن والتاريخ

الخميس 7 سبتمبر 202301:15 م

دعا رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، في المؤتمر الصحافي الخاص بقمة بريكس الأخير في جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا في 24 آب/ أغسطس الجاري، كلاً من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، للانضمام إلى المجموعة، وهو أول توسع لتجمع بريكس منذ عام 2010، عندما انضمت جنوب إفريقيا إليه.

هناك رغبة عند بعض الدول في الانضمام إلى بريكس، وهي رغبة متبادلة، بحسب مركز تريندز للبحوث والاستشارات، نتيجةً لتطور الأحداث العالمية، لا سيما الانقسام الذي أعقب الحرب الأوكرانية. وعليه اقترحت الصين بدء عملية توسيع مجموعة "بريكس"، فالهدف الواضح والعلني للمجموعة هو إقامة نظام عالمي "متعدد الأقطاب"، والمقترح الصيني واضح في طرح إستراتيجية اقتصادية جديدة تخدم هدف المجموعة.

وحسب السفير الصيني في جنوب إفريقيا، تشن شياو دونغ، تأمل المزيد من الدول في الانضمام إلى المجموعة بهدف "حماية مصالحها المشروعة". مضيفاً: "في مواجهة بعض الدول التي تستخدم العصا الغليظة للعقوبات الأحادية الجانب، تصرّ دول بريكس على الحوار والتشاور على قدم المساواة".

أما السفير الأرجنتيني في بكين، سابينو فاكا نارفاجا، فقد اعتبر "هذا التوسيع أمراً أساسياً لبناء نظام عالمي أكثر انسجاماً، حيث يحل التعاون محل المواجهة. التنمية الإنتاجية مكان المضاربة المالية، ومبدأ الاحترام المتبادل، والتكامل الاقتصادي، بدلاً من العقوبات التي عفّى عليها الزمن، وتبادل التكنولوجيا، بديلاً للحصار التكنولوجي".

وفي كلمته للمؤتمر عبر الفيديو، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أن "إزالة الدولار" عملية "لا رجعة فيها" و"تكتسب زخماً". وبدوره رأى نائب رئيس جامعة طهران، البروفيسور محمد ماراندي، في انضمام منتجي النفط الرئيسيين، كالسعودية وإيران إلى "بريكس"، أن تجارة النفط سوف "تخضع بسهولة للتخلص من الدولار".

ينظر تريتا بارسي، من معهد كوينسي، إلى قبول إيران في المجموعة، على أنه علامة على أن واشنطن لم تعد قادرةً على حراسة بوابة دخول الدول التي لا تحبها إلى التجمعات العالمية الكبرى، وهي علامة أخرى على أن عصر الأحادية القطبية يقترب أو قد وصل بالفعل إلى نهايته، حسب موقع فن الحكم المسؤول. يعارضه في ذلك، سارانج شيدور، برؤيته لدول في مجموعة "بريكس"، القديمة والجديدة، غير معادية لواشنطن، لكنها تريد تطوير هياكل جيو-اقتصادية بديلة يمكنها سد الفجوات العميقة وأوجه القصور في النظام الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وفي المحصلة، يبدو أن الترابط الاقتصادي للتكتل أحد مداخل تحقيق التعاون السياسي، إذ بدأت دول "بريكس" بتشكيل مجموعة من المؤسسات والأنظمة المالية، كـ"بنك التنمية الجديد" و"صندوق بريكس"، ليكونا بمثابة بديلين للبنك الدولي وصندوق النقد الدّولي، اللذين تهيمن عليهما الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، أو موازيين لهما.

واشنطن لم تعد قادرةً على حراسة بوابة دخول الدول التي لا تحبها إلى التجمعات العالمية الكبرى، وعصر الأحادية القطبية يقترب أو قد وصل بالفعل إلى نهايته

ووفقاً لرئيس قسم العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز جنيف للسياسات، ناصر زهير، فإن عملية التوسيع التي أقدمت عليها مجموعة "بريكس" تشي بأن هناك حالةً من تعدد الأقطاب الدولية قد بدأت. لم ينتهِ القطب الواحد بعد، ولكن على الأقل بدأت تحالفات اقتصادية قوية تتحرك حول العالم.

ويشير زهير لرصيف22، إلى أن هذا الأمر مفيد للاقتصاد العالمي، لأن السياسات الاقتصادية الواحدة لم تعد مفيدةً بشكل أو بآخر، وتالياً عندما تكون هناك تحالفات اقتصادية وسياسية فهذا أمر جيد بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.

النشأة والطموح

في أيلول/ سبتمبر عام 2006، تم تأسيس مجموعة "بريك" بعضوية البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، تحقيقاً لطرح جيم أونيل عام 2001، في تقريره "العالم يحتاج إلى دول بريكس أفضل". وفي عام 2009، انعقدت أول قمة لـ"بريك" في مدينة يكاترينبرغ الروسية، عبّر بيانها الختامي عن رغبة مشتركة في تنسيق المواقف بشأن قضايا التنمية والأمن الدولي. وبعد انضمام جنوب إفريقيا إليها، عام 2010، عُرفت المجموعة باسم "بريكس"، ممثلةً تكتلاً اقتصادياً قابلاً لأن يكون تجمعاً سياسياً مؤثراً على صناعة القرارات المصيرية العالمية في المستقبل المنظور، بحسب تريندز للأبحاث.

في قمتها المنعقدة في نيودلهي عام 2012، وقّعت المجموعة على اتفاقية لإيجاد آلية تعاون بين مصارف دول البريكس، بهدف زيادة عمليات الإقراض بالعملات المحلية، عدّها الخبراء حينها خطوةً من خطوات دول "بريكس" لاستبدال الدولار كعملة رئيسية في تجارتهم البينية، حسب مركز الإمارات للدراسات. كما وقّعت "اتفاقية تسهيل التصديق على خطابات الاعتماد متعددة الأطراف"، التي توفر بموجبها بنوك التنمية المعنية في دول مجموعة "بريكس" ضمانات الاعتماد لبعضها البعض. وهي المهمة التي تقوم بها المصارف الأمريكية والأوروبية بشكل رئيسي. وصادقت المجموعة على مقترح لدراسة إنشاء بنك التنمية لدول "بريكس"، بغية تعبئة الموارد لإقامة البنية التحتية ومشروعات التنمية المستدامة داخل دول المجموعة وغيرها من الدول الصاعدة والنامية.

يشير الباحث في الاقتصاد والجغرافيا السياسية، عبد الرحمن عبد الله سيد أحمد، إلى توسيع "بركس" على أنه خطوة روسية-صينية بامتياز، ضمن رغبتيهما الملحّتين لتشكيل نظام جديد أو كتلة من الدول الكبيرة المؤثرة حول العالم. "فروسيا ترجو الخروج من عزلتها الدولية من خلال توسيع نطاق صداقاتها، بعد عزلتها الدولية المفروضة نتيجة غزوها لأوكرانيا، والتي بلغت مبلغ وضع رئيس الدولة وكبار المسؤولين الروس على قوائم الحظر العالمي. فيما يأمل الرئيس الصيني مواجهة التحديات الداخلية الناشئة عن تمديد ولايته لفترة رئاسية ثالثة، وهو ما لم تعهده الأدبيات السياسية الصينية، مبرراً ضرورته بأنها لحسم قضية تايوان. وعليه، يسعى إلى تأسيس تكتل أو رأي عام سياسي عالمي يؤازره أو يقف على الحياد، في حال التدخل الصيني في تايوان، التي يدعمها الغرب".

ويقول في حديثه إلى رصيف22: "التوسيع جزء من التنافس الصيني الأمريكي، مع تحويله بريكس من مجموعة اقتصادية إلى مجموعة سياسية، ما سيؤدي إلى زعزعة داخل المجموعة، نتيجة وجود دول صغيرة إلى جوار دول كبرى ما سيسبب عدم تجانسها، بالإضافة إلى إمكانية شعور الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل مستقبلاً، بأن المجموعة باتت تحت وصاية روسية صينية، كمثيل لشعور دول مجموعة السبع، بأنها باتت في المخلب الأمريكي".

من جهتها، ترى الإعلامية والباحثة في الدراسات العليا في قسم دراسات الحرب في كينغز كولج في لندن، صبا مدور، أن توسيع "بريكس يمثّل تطوراً في مسار المجموعة التي تضم أكثر من 40%؜ من سكان العالم، واقتصادات مهمة، أبرزها الصين. فانضمام دول ذوات اقتصادات صاعدة ومؤثرة سيساعد في تعزيز دور المجموعة وحضورها على المستوى الدولي، وبدوره سيؤدي إلى استقطاب المزيد من الاقتصادات الناشئة".

وتضيف في حديثها إلى رصيف22، أن "دعوة دول من قارات مختلفة ومنها من هي محسوبة على التحالفات الغربية التقليدية للانضمام إلى مجموعة بريكس، له دلالاته المهمة على صعيد التعددية القطبية والتوازنات الجيو-سياسية، وقد تدفع للنظر إليه (أي التوسيع)، كتوجيه عمل المجموعة إلى تعاون جيو-سياسي يتجاوز البعد الاقتصادي".

ووفقاً للأستاذ المشارك في العلاقات الدولية والسياسة في جامعة جوهانسبرغ، بهاسو ندزندزي، "إضافة أعضاء من شأنها أن توسع الوجود العالمي للمجموعة وتزيد من التأييد لأجندتها لمواجهة الهيمنة السياسية الغربية...". أما مديرة برنامج الصين في مركز ستيمسون للأبحاث، يون سون، فقد اعتبرتها "صوتاً أقوى بشكل جماعي، وزيادةً لقوة الصين باعتبارها الأكبر من حيث الاقتصاد والتمثيل في العالم النامي".

هل من أحد تنبه إلى العداء الصيني الهندي ضمن بريكس وتأثيره القوي على عملها، فنيودلهي لن تقبل بالإيوان عملةً مرجعيةً في بريكس، أو بوجود البنك المركزي في الصين، والصين لن تقبل ببديل منها!

"الأعضاء الراغبون في الانضمام إلى بريكس يحسبون أنهم ضد التوسع الإمبريالي الغربي، وكأن التوسع الإمبريالي الصيني مسموح والغربي ممنوع"، حسب المستشار الاقتصادي الدولي ورئيس مجموعة اقتصاد سوريا، الدكتور أسامة القاضي، الذي يقول إن "الصين باستخدام سياسة الحزام والطريق وفخ الديون، استولت على 34 ميناءً ومطاراً في العالم. فأمريكا والغرب ليسا الحل المثالي، لكن المثال الصيني ليس الحل المقنع للعالم".

ويشير القاضي لرصيف22، إلى "العداء الصيني الهندي ضمن المجموعة وتأثيره القوي على عملها، فنيودلهي لن تقبل بالإيوان عملةً مرجعيةً في بريكس، أو بوجود البنك المركزي في الصين، والصين لن تقبل ببديل منها. كما تشترك نيودلهي مع الولايات المتحدة في شراكات هائلة، آخرها نادي الأربعة عشر (المحيط الهادي والهندي) والشراكة العالمية للاستثمار والتنمية"، وبرأيه "هناك وهم اسمه دول بريكس، لاعتبارات عدة، أوّلها أنها دول غير متجانسة ولا يوجد تبادل تجاري حقيقي في ما بينها، وإن وُجد فنسبته ضعيفة جداً، وما يجمع هذه الدول هو كرهها للولايات المتحدة والغرب، والحلم بخلق نظام جديد، من دون وجود رابط يجمع بينها".

كذلك يشير تقرير في صحيفة ذا نايشن، إلى أن "العائق الكبير لامتلاك مجموعة بريكس القوة الأكبر، هو انقسام عملاقيها، الهند والصين، لا سيما بعد اشتباك قواتهما عام 2020، بالرغم من عدم سماحهما لانعدام الثقة العميق هذا، بالتأثير على مشاركتهما ومحادثاتهما داخل بريكس".

ويلفت أيضاً إلى "تنافسهما داخل المجموعة وسعيهما إلى أن لا يصبح أيّ منهما طرفاً مهيمناً في بريكس". ويرى التقرير أن إزاحة الدولار من التجارة بين دول "بريكس" الخمس، هدف طموح للغاية، ومن الصعب التنبؤ بإحراز تقدم كبير، لأن الإعداد المطلوب لتوليد مثل هذه العملة هائل، ويتطلب تنسيقاً أعمق من قبل البنوك المركزية في البلدان المعنية، وهو ما يتطلب قضايا شائكةً تتعلق "بالتنازل عن درجة من السيادة".

عرب "بريكس"

الدول النفطية التي حظيت بالانضمام إلى البريكس (السعودية والإمارات وإيران)، لديها 14.4 ملايين برميل حصة إنتاج يومي، وبإضافة حصة روسيا، 10.6 ملايين برميل يومياً، فإن حصة المجموعة ستبلغ 25 مليون برميل يومياً، ما يمنح "بريكس" نقطة قوة في تفعيل مقترح تسعير أو تقييم النفط بغير الدولار، وفقاً للجزيرة نت. إلا أن تراجع أو انتهاء عصر البترودولار، مرهون بالإرادات السياسية لتجمع "بريكس" تكتلاً ودولاً، حسب قواعد اشتباكها مع دوائر الصراع العالمي، وما إذا كانت لديها القدرة على تحمل تبعات هذه الخطوة. ويشير التقرير إلى تصاعد نصيب دول "بريكس" من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وصولاً إلى 25% منه، و20% من حصة الصادرات السلعية العالمية، و15.9% من حصة الواردات.

بحسب ناصر زهير، ستستفيد الدول العربية التي انضمت إلى "بريكس" من نقطتين، أولاهما؛ تنويع التحالفات الدولية، وهي نقطة مهمّة كون الصين شريكاً اقتصادياً مهماً، ومن جهة روسيا ستكون لدينا ثنائية الأقطاب الطاقوية في ما يتعلق بالسعودية وروسيا. أما النقطة الثانية، فالإفادة من فتح الأسواق بين الجهات المدعوة الآن، بالإضافة إلى الأسواق المفتوحة لمجموعة "بريكس" والتبادل التجاري بالعملات المحلية.

وتسعى مصر من خلال انضمامها، إلى تحقيق هدفين، أولهما، التعاون مع حليف جديد يمثل تكتلاً اقتصادياً متنوعاً وقوياً، وثانيهما، الذهاب إلى المستقبل برؤية إستراتيجية ضمن التحالف مع قوى تشكل "القطبية المتعددة"، حسب تريندز. وفي المقابل تدرك "بريكس"، أهمية مصر، نظراً إلى وزنها السياسي العالمي وتأثيرها في محيطها الإقليمي والقاري، بالإضافة إلى تمتعها بقدرات اقتصادية كبيرة وموقع جغرافي وإستراتيجي كنقطة عبور مهمة بين الشرق والغرب، وبين الجنوب والشمال عبر قناة السويس، وجميعها عوامل مساعدة لمجموعة "بريكس" وأولوياتها، بشكل فعال.

وتأمل إثيوبيا في تغطية نفسها سياسياً في حربها مع جبهة التغراي وانتهاكها القاسي والدائم لحقوق الإنسان، حسب سيد أحمد. ويضيف أنها "تتشارك مع مصر في استنفادهما كل فرص التمويل من مؤسسات التمويل الغربي، ومؤسسات التمويل العربي (بالنسبة إلى مصر). مع ذلك ما زالتا تعانيان من مشكلات كبيرة، وتالياً، بدخولهما "بريكس" تأملان فتح أبواب الاستثمارات الروسية والصينية بنسبة مقبولة". متسائلاً عن جدية موقف مصري صريح في حال احتدام التنافس بين "بريكس" ومجموعة "السبع" أو العالم الغربي، في ظل اعتماد الجيش المصري على الإعانات العسكرية الأمريكية، والتي إن توقفت، قد تعيق أداء مهامه؟

وبرأيه، وجدت السعودية والإمارات أن واشنطن والغرب لم يقفا معهما الموقف المأمول، حين تعرضتا لهجمات الحوثيين، برغم وقوفهما معهما واستثمار أموالهما لدى أمريكا والغرب. وعليه، وجدا ضرورة وضع بيضهما كله في سلة واحدة. معتقداً أنه شكل من أشكال المناورة والتلاعب على القوى الغربية، بإعطاء إشارة إلى أن هناك لاعبين آخرين في الساحة ولم تعودوا اللاعب الوحيد".

تنظر الرياض إلى بريكس كمنظمة اقتصادية تركز على نظام مالي يوازي سويفت، وتهتم بسلاسل التوريد العالمية، مما يفتح لها أسواقاً جديدةً للواردات النفطية، ولكن كيف ستوازن هذا التوجه مع ارتباطاتها بأمريكا؟

وينبه إلى "عقبة تعترض الدولتين جراء انضمامهما إلى بريكس، التي قد يحتدم تنافسها مع الولايات المتحدة، نظراً إلى ارتباط الدولتين العسكري والأمني والاقتصادي والمالي والاستثماري والتكنولوجي بأمريكا والغرب"، مشيراً إلى أن وجودهما في بريكس سيؤدي إلى تعقيد عملية تحويل عمليات تجارة النفط إلى عملة محلية بعيدة عن الدولار بدلاً من تسهيلها، نظراً إلى الصعوبة الشديدة في تلبيتهما رغبة الصين في مسألة تسعير النفط بالعملات المحلية، فهذا الأمر خط غربي أحمر، يتعدى العوائد المجنية أمريكياً جراء التسعير بالدولار، فللأمر رمزية سياسية.

وانضمام السعودية، حسب تريندز، يتماشى مع طموحها إلى تعزيز المكانة الدولية، مع تنويع شركائها وزيادة استقلاليتها على المسرح العالمي، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الجنوب، من دون تخليها عن شراكاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة. وتنظر الرياض إلى بريكس كمنظمة اقتصادية تركز على نظام مالي يوازي سويفت، وتهتم بسلاسل التوريد العالمية، مما يفتح لها أسواقاً جديدةً للواردات النفطية، ويوسع حجم التعاون الاقتصادي بين المملكة ودول بريكس، بالاستفادة من أسواق الأخيرة وقدراتها ومواردها في دعم خطط التنمية السعودية، بالإضافة إلى التحرر من استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية.

وجود دول عربية ذات اقتصادات صاعدة، هو اعتراف بأهمية هذه الدول ودورها الدولي، حسب مدور. وتالياً، دعوة هذه الدول للانضمام إلى مجموعة "بريكس" يعزز حضورها ويعطيها فرصاً أكبر لتطوير اقتصاداتها، من خلال الامتيازات الاقتصادية البينية، بالإضافة إلى منحها هامشاً للمناورات السياسية في توازنات العلاقة بين أمريكا والصين.

وإلى جانب الفوائد ذات الطابع الاقتصادي لانضمام الدول العربية إلى بريكس، تسعى هذه الدول إلى التأقلم مع التغيرات الراهنة، والعمل لأن تكون جزءاً من مستقبل عالم "تعدد الأقطاب"، والذي تسعى كل من روسيا والصين، العضوان الأساسيان في بريكس، إلى تشكيله، مع حفاظ هذه الدول على علاقاتها الإستراتيجية القديمة مع الغرب.

هيكلة القوة السياسية

"إذا قررت بريكس التوسع ثم عززت دورها العالمي، فإن هذا قد يدفع إلى تغيير أكبر يؤثر على النفوذ الدولي لأوروبا والولايات المتحدة"، حسب منسق مركز لابموندو لأبحاث العلاقات الدولية في البرازيل، روبنز دوارتي. مضيفاً: "كلما ازداد نشاط مجموعة بريكس، كلما فقدت الدول الأخرى السلطة".

ولا يزال الوقت مبكراً للحديث عن كسر تسعير النفط بالدولار، بحسب زهير، "فالأمر يحتاج إلى قرار مهم من السعودية والدول المنتجة للنفط، ويبدو أنهم متريثون في هذه النقطة. ولكن في مرحلة لاحقة قد يحدث هذا الأمر، أما الآن فالأمر صعب للغاية، لعدم رغبة الرياض في إحداث هزة في سوق الطاقة أو سوق النفط العالمي، وتعمل نوعاً ما على أن تكون هناك حالة من الاستقرار في أسواق الطاقة، على الأقل في الوقت الحالي".

من جهتها، ترى مدور أنه "ما زالت مجموعة السبع تضم الاقتصادات القوية ومن الصعب منافستها، ولكن ثمة تنافساً من نوع آخر، وهو عدم انفراد السبع أو البنك الدولي أو صندوق النقد بالعالم، حيث يمكن إنشاء بنك داخل بريكس واعتماد تقنيات مالية جاذبة"، من دون استبعادها لاحتدام بين المجموعتين في المستقبل البعيد.

وعن إزاحة الدولار من عمليات تسعير النفط، تقول مدور: "هذا مشروع طموح جداً ومستبعد وتغيب حوامله، إذ لا يمكن للدول المصدرة للنفط التحوط بسهولة من الجوانب المالية للمعاملات بغير الدولار، بالإضافة إلى كون الاحتياطيات المالية للدول النفطية بالدولار باعتباره ملاذاً آمناً. هذا مع صعوبة نقل الأصول السائلة إلى عملات أخرى، كما لا يبدو الإيوان الصيني ملاذاً آمناً، واليورو غير جذاب وسط الاضطرابات داخل الاتحاد الأوروبي، والذهب مستبعد والعملات المشفرة غير مفهومة لكثيرين، ولا تتمتع بالثقل الاقتصادي. لذا، فالمشروع سابق لأوانه".

وبحسب دراسة أخرى لمركز تريندز، ركزت كلمات قادة مجموعة "بريكس"، في الجلسة الافتتاحية، على مواجهة هيمنة الدولار وإعادة بناء نظام دولي أكثر عدلاً، كمحصلة للتجاذبات الدولية المتزايدة بين الولايات المتحدة وأوروبا من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر. كما عكس البيان الختامي للقمة، ومنه دعوة دول جديدة للانضمام إلى المجموعة، دلالات تتجاوز تعزيز القدرات الاقتصادية، إلى إعادة بناء وتشكيل هيكل القوة السياسية للمجموعة، من منظور جيو-إستراتيجي، مشيراً إلى أن اختيار الدول الست الجدد استند إلى معايير عدة، أبرزها مسألة بناء "حزام جيو-إستراتيجي" للمجموعة، يربط قارات العالم، ويساعد في بلورة مكانة دولية لها، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مما يعزز مكانتها في النظام الدولي، كخطوة نحو بناء "نظام عالمي متعدد الأقطاب".

توسيع بريكس مؤشر على تصاعد التنافس أو التوتر بينه وبين مجموعة السبعة. غير أن أمر الموازنة لا يزال صعباً، فمجموعة السبعة ما زالت قويةً، وما زالت تسيطر على جزء مهم من الاقتصاد العالمي

يشكك القاضي في الإمكانية أو الإرادة السعودية للتعامل بالإيوان الصيني (باعتباره العملة المستقرة من بين عملات دول مجموعة بريكس)، نظراً إلى اتفاقيات البترودولار المعقودة مع الولايات المتحدة سابقاً، منبهاً في الوقت ذاته إلى أن حسابات سياسية أكثر مما هي اقتصادية تطغى على هذه المسألة.

ويشير إلى أن السعودية لا تحتاج الانضمام إلى بريكس حتى تسعّر نفطها بالعملات المحلية بعيداً عن الدولار، فاتفاقية ثنائية بين السعودية والصين أو غيرها كافية. وفي ظل بيعها نحو 40% من نفطها لأوروبا وأمريكا، ستكون ملزمةً بتسعيره بالدولار أو باليورو. أما في ما يتعلق بالتعامل مع الصين، فتحكمه تقديرات الاقتصاديين السعوديين، وهل هم يحتاجون فعلاً إلى هذا الكم من الإيوان الصيني للتبادل مع الصين أم لا؟ في المحصلة، إذا أردت التعامل بعملة لا يتعامل بها أحد فعليك بالإيوان الصيني، التي لا يتجاوز التعامل بها عالمياً نسبة 3%، حسب القاضي.

ووفقاً لسيد أحمد، "إذا أرادت الصين استخدام السعودية والإمارات في عملية إزاحة الدولار من المعاملات النفطية، ستقابَل بأمرين؛ الأول، ضغط كبير جداً من واشنطن على الدول المنتجة للنفط، وتحديداً على الإمارات والسعودية، سياسياً وربما أمنياً. والثاني، توجيه صفعة أمريكية إلى الصين في أكثر الملفات الصينية حساسيةً، ملف تايوان.

ويُشير تريندز في دراسته الأخيرة، إلى أن توسيع بريكس قد يُعدّ بداية حقبة جديدة للتنافس الدولي بينها وبين مجموعة الدول الصناعية السبع، وبالأدق، التنافس التكنولوجي والمالي والنقدي الحالي بين الاقتصاديْن الصيني والأمريكي، كما أن هذا التوسيع ستعزز النفوذ الاقتصادي والسياسي الدولي لبريكس، كمدخل يؤدي إلى إحداث بعض التغيير في النظام الدولي الحالي.

يُقرّ رئيس قسم العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز جنيف للسياسات، ناصر زهير، بأن توسيع بريكس مؤشر على تصاعد التنافس أو التوتر بينه وبين مجموعة السبعة. غير أن أمر الموازنة لا يزال صعباً، فمجموعة السبعة ما زالت قويةً، وما زالت تسيطر على جزء مهم من الاقتصاد العالمي، بينما مجموعة بريكس ما زالت في طور التشكل نوعاً ما.

ويستبعد زهير، إمكانية إجراء مقارنة بين مجموعة "السبع"، التي تضم دولاً جميعها ذات اقتصادات قوية، وجميعها لها دور قيادي في الاقتصاد العالمي، وبين مجموعة بريكس التي تضم خمس دول، منها الصين والهند واقتصادهما جيد، فيما تعاني روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا من صعوبات اقتصادية.

المنافسة ستبدأ ولكن ليس الآن، ربما بعد خمس سنوات، يختم. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image