شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"على الواقف"... أشهى أكلات العربات والسوق في دمشق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتنوّع

الأربعاء 6 سبتمبر 202301:49 م

المشي في أحياء دمشق لذة للجائعين، للفقراء والأغنياء، ولأهل المدينة والسياح على حد سواء، إذ تبدو "الكزدورة" في الأحياء والأسواق القديمة وتحديداً "سوق الأكل" كحفلة تذوق طويلة وممتعة لأصناف الشراب والطعام التي ينادي أصحابها عليها من العربات والأكشاك.

لطالما لعبت المشروبات الباردة، والحلويات، والمأكولات الشامية، التي لا يحتاج تناولها إلى طاولات أو مقاعد للجلوس مصدر إغراء للمارة، رصيف22 قام بجولة في شوارع العاصمة السورية، للتعرف على أنواع هذه الأطعمة، وجودتها، والتطورات التي طرأت عليها وأسعارها، وأيضاً على أذواق عشاقها.  

شرقي أم غربي؟

تقول رنيم الطالبة الجامعية العشرينية لرصيف22: "مأكولات التسالي في الأحياء الغنية، لا تمت بصلة للطبق الشامي التقليدي، فقطعة الكيك المغلفة على الطريقة الغربية، وإن كانت تضيف متعة أخرى لطقس انتظار الحافلة التي تقلني كلّ صباح إلى جامعتي، لكنها لن تستطيع  ومهما تمادت في الجودة والأناقة، منعي من ارتياد سوق الأكل في دمشق القديمة للتلذذ برائحة وطعم مأكولات التسالي الشامية، وخاصة في أيام العطل والأعياد". 

دمشق من العواصم القليلة التي لا يزال طعامها محلياً غير معولم في الغالب، فعلى الرغم من ظهور البيتزا والحلويات الغربية لم تزل الغلبة للطعام الشامي على العربات وفي الأكشاك الصغيرة 

ربما لم تستطع الحلويات الغربية أن تنافس الحلويات الشامية الشهية، لكن البيتزا دخلت بالفعل ضمن طعام الشارع الدمشقي، وأمست تنافس بقوة الوجبات التقليدية في الأكشاك والعربات.

يقول أبو جودت بائع البيتزا في سوق الأكل في دمشق لرصيف22: "البيتزا صنف جديد في السوق، وقد تمكن خلال العشر سنوات الأخيرة من التفوق على بعض الوجبات السريعة التقليدية، مثل ساندويشات كبدة الدجاج، ونخاعات الأغنام، والجبنة مع الحلاوة الطحينية، أو مربيات الفواكه، لكن ليس أكلات التسالي والبسكويت والمقرمشات، وبالطبع البيتزا لن تستطيع هزيمة أو منافسة الفلافل والشاورما لأنها أكلات تدخل في الذائقة الجماعية للسوريين". 

مقاومة الإغراء

يبدو أن طقس الأكل في دمشق متلازم مع طقس الانتظار، سواء للمواصلات العامة أو للأشخاص. زياد الذي يستخدم الحافلة يومياً للذهاب والعودة من وظيفته يواجه نفس التحدي اليومي الذي تواجهه رنيم أثناء انتظار الحافلة للجامعة، فلا يرحمه الباعة من مناداتهم على الطعام وهو في قمة الجوع، فيصف حالة انتظار المواصلات وسط أصوات الباعة الشعبيين بـ"مقاومة الإغراء اليومي"، مع اعترافه بأن هذه الحالة الصوتية تكسر ملل الانتظار وتضفي جمالاً على الشارع، إلا أنها قد تؤدي إلى الإفلاس إذا انصاع الشخص يومياً لها. 

لا تنصح فريدة الفتيات بأن يفعلن مثلها ويزرن سوق الأكل يومياً بعد العمل، وإلا سيخسرن رشاقتهن كما تقول 

يقول: "أصوات الباعة على مواقف النقل الداخلي تحارب مع أمثالي ملل الانتظار، والمغامرة بشراء وجبة شهية مثل الكروسان، المعروكة، الفول النابت، الذرة المسلوقة، المقرمشات متعددة الأشكال، الحلويات الشعبية أو المشروبات قد تؤدي إلى الإفلاس بسرعة".

لذة لم تأخذها الحرب

لكن هل لا زال مذاق الطعام الدمشقي هو ذاته في ظل الظروف التي تعيشها البلاد؟ أو بكلمات أخرى هل يحصل من يقطن المدينة ومن يزورها على نفس المذاق؟

تصف فريدة (30 عاماً) نفسها بأنها مدمنة على ارتياد سوق الأكل، فهي زائرة دائمة له حيث تذهب بشكل شبه يومي بعد عملها الأول لتناول وجبة الغداء سيراً على الأقدام قبل العودة إلى عملها المسائي من جديد.

تقول لرصيف22: "لا أنصح الأخريات بالمجيء إلى هنا، ليس لأن منقوشة زعتر، تليها شريحة بيتزا، متبوعة بطبق من الكنافة الشامية، وكوب آيس كريم سوف يجعلون الجيب يتحسر على ماضيه القريب، بل لأن الزيارة المتكررة إلى هنا سوف تفقد الفتاة رشاقتها ونحافة خصرها". وتكمل ضاحكة: "لكن هذا لا يهمني أنا بالذات، فالشباب سافروا بسبب الحرب والفقر وقلة العمل،  ولم يبق لنا، نحن البنات الذين نملأ السوق بضجيجنا، سوى لذة مأكولات دمشق الشهية".

الأسعار

يصطحب تمام زوجته وأطفاله الأربعة إلى احدى الحدائق العامة رغم معرفته أنه لن يتمكن من شراء كل ما يرغب به أطفاله من حلويات وتسالي لهم براتبه الشهري القليل.

يقول لرصيف22: "جنة الأطفال بيوتهم، الأسعار ترمي بفرحة الأطفال ومن يعيلهم في سلة المهملات، سعر كيس غزل البنات الذي يثير شهوة الطفل يصل اليوم إلى 4 آلاف ليرة (0.4 دولار) علماً أن تكلفته لا تتجاوز ملعقة سكر واحدة. فما بالك إذا اختار الأطفال قطعة كروسان، أو كأس من البطاطا، أو مشروباً غازياً؟ 100 ألف ليرة لن تكفي الطفل الواحد". 

يعجز  تمام أن يشتري لأطفاله الأربعة التسالي البسيطة خلال وجودهم في الحديقة لشكواه من غلاء الأسعار، على العكس منه محمد وزوجته اللذان يعملان في دبي ويقضيان إجازتهما من دمشق عند الأهل، ويصفان الأسعار بالعادية

في المقابل، وفي مقارنة قاسية لا يشتكي محمد وزوجته اللذان يعملان في دبي ويقضيان إجازتهما السنوية في دمشق لزيارة الأهل من الأسعار، فيصفانها بالعادية، وحتى الرخيصة مقارنة بالمدن والعواصم الأخرى، باستثناء ساندويش الشاورما الذي قد يصل سعره إلى 2.5 دولار، ووفق حسبتهما فإن 100 دولار قادرة على جعل كل واحد منهما سائحاً بامتياز ليومين إلى ثلاثة.  

الشكوى من غلاء الأسعار لا تقتصر على المشترين وعشاق أكل الشارع، بل تتجاوزهم إلى الباعة الذين تقلص هامش ربحهم أيضاً، يقول أبو وديع الذي يعمل بائعاً على احدى عربات الطعام لرصيف22 إن أسعار مأكولات التسالي الشعبية تجاوزت المعقول، كان سعر الوجبة الواحدة من أي صنف  يتراوح من 2500 إلى 5 آلاف ليرة سورية، أي من (0.25 إلى 0.50 دولار)، أما الآن فالأسعار تزداد وتتقلب دائماً.  

"المتعيّش" في دمشق هو صاحب العربة الذي لا يمتلك غيرها ويبيع ما تيسر عليها لتأمين قوت يومه 

ويضيف أن هذا الأمر هذا انعكس على البائع "المتعيش" كما أسماه أي الذين لا يمتلكون سوى عرباتهم، لذا طالت ساعات عملهم وأصبحوا يبيعون ليلاً نهاراً، يقول: "في الشتاء والربيع، أقدم لزبائني الحليب والكعك الشامي، وفي المساء أقدم لهم فول التسالي المسلوق، أو الحلويات الشعبية مثل المشبك والعوامات وشعيبيات". 

"الأكل عالواقف" كما يسمى، كان وسيظل من أجمل التجارب التي تقدمها دمشق لأهلها قبل زوارها، فمن التسالي إلى الحلويات إلى الساندويشات إلى الفواكه والأكلات الموسمية كالصبر والتين، هناك ما لا يتغير في دمشق، أصوات الباعة وروائح الطعام الشهية.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image