وقّع نواب أعضاء في البرلمان الأوروبي، رسالةً جديدةً تم توجيهها، في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، إلى كل من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ومفوض الشؤون الخارجية جوزيب بوريل، للتعبير عن القلق بشأن ما وصفوه بالدعم الجزائري لموسكو.
17 نائباً من فرنسا وليتوانيا والمجر وإستونيا والسويد وبلغاريا وفنلندا وبولندا والدنمارك وسلوفاكيا، يقودهم رئيس الوزراء الليتواني السابق أندريوس كابيليوس، أشاروا في الرسالة إلى "أننا نشعر بقلق عميق إزاء التقارير الأخيرة عن توثيق العلاقات بين الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهو وضع يُترجم إلى دعم سياسي ولوجستي ومالي، لعدوان بوتين على أوكرانيا، فالجزائر تُعدّ من بين أكبر أربعة مشترين للأسلحة الروسية في العالم".
إذا عُرف السبب بطل العجب!
من بين النقاط التي أزعجت النواب الأوروبيين، والتي تطرقوا إليها في رسالتهم، هي بلوغ العلاقة الروسية الجزائرية ذروتها، بعقد صفقة أسلحة تزيد قيمتها عن سبعة مليارات يورو في عام 2021 وحده، ما سيؤدي حسب قولهم إلى تدفق الأموال إلى روسيا، وتقوية آلة الحرب الروسية في أوكرانيا.
وبصرف النظر عن حسابات الكريملين والناتو، تعيش الجزائر وضعاً استثنائياً، وحالة استنفار أمني تستدعي تجديد منظومة أسلحتها وتطوير عتادها العسكري، فحدودها مشتعلة من شرقها إلى غربها إلى جنوبها، بدايةً من ليبيا مروراً بمالي والنيجر والتشاد وصولاً إلى الصحراء الغربية، والتوتر الحاد للعلاقة مع المغرب التي قُطعت في آب/ أغسطس 2021، حين وقعت الأخيرة اتفاقيات أمنيةً ومذكرات تعاون عسكري واستخباراتي بين الرباط وإسرائيل، وهو ما دفع بالجزائر إلى زيادة ميزانيتها الدفاعية في عام 2023، بأكثر من الضعف مقارنةً بـ2022، لتصل إلى أكثر من 22 مليار دولار، وفق ما جاء في قانون المالية الأخير.
الجزائر تعمّق علاقاتها مع موسكو
بالرغم من أنها تؤكد أن موقفها هو الحياد الإيجابي في حرب روسيا وأوكرانيا، مع دعم الحوار البنّاء والهادف، للوصول إلى حل الخلافات بين موسكو وكييف، وضرورة احترام الشرعية الدولية، غير أن الجزائر على أرض الواقع ما زالت حليفةً لموسكو، وما يقلق الغرب أكثر، أنها وفرت إسناداً سياسياً لروسيا، عبر الامتناع عن التصويت على قرار الأمم المتحدة، الذي يدين الحرب في أوكرانيا، في الثاني من آذار/ مارس 2022، وبعد شهر واحد فقط، انضمت الجزائر إلى 24 دولةً عضوةً أخرى، في تصويت ضد استبعاد روسيا، من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى، أعلنت الجزائر مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عن تقديمها طلباً رسمياً للانضمام إلى مجموعة "بريكس" التي تضمّ كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وهو ما أيّدته موسكو بشدة.
التعاون العسكري يتجاوز شراء الأسلحة الروسية، ويشمل التدريب المشترك وتبادل المعلومات والتنسيق الأمني، حيث أُجريت مناورة عسكرية روسية جزائرية في منطقة أوسيتيا الشمالية الروسية في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، فيما أُجريت مناورة أخرى الشهر الماضي في البحر المتوسط.
ما زالت الجزائر على أرض الواقع حليفةً لموسكو، وما يقلق الغرب أكثر، أنها وفرت إسناداً سياسياً لروسيا
قانون أعداء أمريكا
تأتي رسالة النواب الأوروبيين، بعد أقل من ثلاثة أشهر من رسائل نواب أمريكيين، عبّروا فيها عن مخاوفهم بشأن ما وصفوه بتنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا.
إذ وجّه 27 عضواً من الكونغرس الأمريكي، رسالةً إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، طالبوا من خلالها بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب صفقات الأسلحة مع روسيا.
ودعا المشرّعون الأمريكيون بقيادة عضو الكونغرس الجمهورية ليزا ماكلين، إلى تنفيذ قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، الذي أقرّه الكونغرس في عام 2017، وتحدثوا عن التقارير التي ذكرت أن الجزائر وقّعت العام الماضي، صفقات أسلحة مع روسيا قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار، وأن من بينها بيع روسيا للجزائر طائرات مقاتلةً متطورةً من طراز سوخوي Su-57، والتي لم تبعها روسيا لأي دولة أخرى، ما يجعل من الجزائر ثالث أكبر متلقٍّ للأسلحة من روسيا، وما يستدعي حسب النواب الأمريكيين، البدء فوراً بتنفيذ عقوبات كبيرة، على من هم في الحكومة الجزائرية ومتورطون في شراء الأسلحة الروسية.
وجاءت رسالة هؤلاء البرلمانيين إلى وزير الخارجية الأمريكي، بعد دعوة مماثلة، أطلقها ماركو روبيو، السيناتور الجمهوري، ونائب رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس، لبلينكن، لفرض عقوبات على الجزائر.
صحيفة شهيرة تحرّض ضد الجزائر
وتتزايد المخاوف الغربية والأمريكية من النمو المطّرد لعلاقات الجزائر مع روسيا، وقال الكاتب أليكس غرينبرغ، في مقال طويل نشرته مجلة "ناشونال إنترست"، تحدث فيه عن التعاون العسكري الروسي الجزائري، ومخاوف أمريكا من ذلك، وإمدادات الغاز الجزائري لأوروبا، إلى درجة أنّ وزير الخارجية أنتوني بلينكن، توجّه إلى الجزائر في شهر نيسان/ أبريل الفائت، لمناقشة علاقاتها بموسكو".
وواصل الكاتب: "لسوء الحظ، لم تلقَ محاولات بلينكن لإغراء الجزائر للابتعاد عن روسيا آذاناً صاغيةً، وفي الشهر الماضي، أجرت الجزائر وموسكو تدريبات عسكريةً مشتركةً في البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي أثار استياء الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يُتمّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، صفقة أسلحة تزيد قيمتها عن 12 مليار دولار خلال زيارة لموسكو هذا الشهر، لتصبح الدولة الإفريقية التي تتمتع بأكبر إنفاق عسكري".
"الغاز سلاح الجزائر السياسي في وجه أوروبا"
من وجهة نظر الكاتب أليكس غرينبرغ، في مقاله المطول على مجلة "ناشونال إنترست": "قد تكون موسكو قادرةً على دفع الجزائر العاصمة، إلى استخدام مصادر الطاقة كسلاح سياسي لإحداث المزيد من الخراب في شبكة الطاقة الأوروبية وأسعار الغاز الطبيعي، فعلى خلفية الحرب الأوكرانية، أصبحت الجزائر في وضع يمكّنها من أن تصبح مورّداً أساسياً للغاز إلى أوروبا، وهي تزوّد إيطاليا وإسبانيا بما يقارب 49% من غازها المستورد".
وفي تموز/ يوليو 2022، وقّعت شركة النفط والغاز الجزائرية العملاقة "سوناطراك"، عقداً لتقاسم إنتاج النفط والغاز بقيمة 4 مليارات دولار مع شركتين نفطيتين أوروبيتين: "إيني" الإيطالية، و"توتال" الفرنسية وأوكسيدونتال الأمريكية.
وهنا ركزت المجلة على شركة "سوناطراك" المملوكة للدولة، ما يضفي حسبها، "مصداقيةً على فكرة أن الحكومة الجزائرية يمكن أن تستخدم هذه المؤسسة كأداة جيو-سياسية، تماماً كما تفعل روسيا".
وختم الكاتب مقاله بعبارات تحمل الكثير من عبارات التحريض ضد السلطات الجزائرية، قائلاً:
"يبدو أنَّ فكرة عزم الاتحاد الأوروبي على التخفيف من اعتماده على الطاقة الروسية، بزيادة الاعتماد على أهم حليف لروسيا في شمال إفريقيا، تأتي بنتائج عكسية، وقد تعطي المزيد من النفوذ لروسيا، على أسعار الغاز وإمدادات الطاقة في القارة، وهو ما يحاول الاتحاد الأوروبي تجنّبه بأي ثمن، وقد حان الوقت لأن تعترف الولايات المتحدة وأوروبا بما تمثّله الجزائر، وتتخذ الاحتياطات اللازمة بإبقاء الأعين مفتوحةً على الجارة الجنوبية".
تدرك الجزائر أن اللعب جيداً سيجنّبها الإعصار، فعلاقتها مع موسكو قد تكلّفها عداءً مستديماً بعد نهاية الحرب في أوكرانيا.
صمت رسمي
هذه المطالب المتعالية ضد الجزائر، قابلتها السلطات العليا في أمريكا وأوروبا والجزائر أيضاً، بصمت وتجاهل، كونها معاكسةً للخطابات الرسمية.
فعلى أرض الواقع، تتوالى زيارات المسؤولين الكبار في دول تابعة لحلف الناتو، بدايةً من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أونتوني بلينكن، وقبلها زيارة نائبته ويندي شيرمان، وقائد القوات العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، الفريق أول ستيفان تاوسند، وكلهم التقوا الرئيس عبد المجيد تبون، وأشادوا بالدور الجزائري في ضمان الاستقرار والأمن في المنطقة، وكذا تجربتها الفريدة في مكافحة الإرهاب.
كما عرفت الجزائر إنزالاً دبلوماسياً منذ بداية أزمة الطاقة العالمية، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، آخرها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزرائه إيليزابيث بورن.
إلى إيطاليا درّ
هي لعبة شطرنج في أروقة السياسة، وتدرك الجزائر أن اللعب جيداً سيجنّبها الإعصار، فعلاقتها مع موسكو باتت تحت أنظار الغرب، وقد تكلّفها عداءً مستديماً بعد نهاية الحرب في أوكرانيا.
ولهذا أدارت الرئاسة الجزائرية بوصلتها، داخل معسكر الغرب، ونسجت خيوطها مع إيطاليا، إحدى الدول الصديقة منذ فترة الاستعمار الفرنسي، وبنت على دعائم الماضي علاقةً قويةً مع روما، بزيارات متبادلة بين رئيسي البلدين عبد المجيد تبون وسارجيو ماتاريلا، ورئيسي الحكومتين ووزيري الخارجية.
كما وقّع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي، 15 مذكرة تفاهم واتفاقاً، تتعلق بمسائل القضاء والمؤسسات الصغيرة والشركات الناشئة والتعاون في مجالات الصناعة والطاقة والتنمية المستدامة، وتم الاتفاق خلال القمة الجزائرية-الإيطالية الرابعة، على زيادة إمدادات الغاز الجزائري إلى روما، بعد تمديد مدة العقد لثماني سنوات إلى غاية 2027.
وأضحت الجزائر بموجبه، المزوّد الأساسي لإيطاليا بالغاز، فمنذ مطلع العام، أرسلت 13.9 مليارات متر مكعب من الغاز، أي أكثر بـ113% من الكميات المتوقعة. ويُتوقع أن تزوّدها بستة مليارات مكعبة إضافية بحلول نهاية العام، على أن تصل إلى 9 مليارات متر مكعب إضافية في 2023-2024، تضخّ سنوياً عبر خط أنابيب "ترانسميد" الذي يربط الجزائر بإيطاليا، مروراً بتونس، والذي تبلغ طاقته الاستيعابية 33 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي.
فهمت موسكو وأغلق الغرب رأسه
اتهامات الغرب ضد الجزائر، ركزت على صفقات السلاح، وتناست أن الجزائر وضعت مصلحتها في منزلة أولى، حتى ولو كان ذلك على حساب روسيا نفسها، فقبل أيام قليلة، وقّعت شركة سوناطراك النفطية الجزائرية، مع الشركة السلوفينية "جيوبلين"، لإمداد سلوفينيا بالغاز الطبيعي، لمدة ثلاث سنوات بدءاً من كانون الثاني/ يناير 2023.
الاتفاقية وُقّعت خلال زيارة إلى الجزائر، أجرتها نائبة رئيس الوزراء، وزيرة الخارجية السلوفينية، تانيا فايون، التقت خلالها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وأوردت وسائل إعلام سلوفينية، أن الاتفاقية تنص على إمداد البلاد بـ300 مليون متر مكعب في السنة، عبر خط أنابيب "ترانسميد" الذي يربط الجزائر بإيطاليا.
وقد أبدت موسكو على لسان سفيرها في الجزائر، تفهمها لرغبة الجزائر في الاستفادة من أسواق جديدة وتعزيز اقتصادها بالتزامن مع الطلب المتزايد للغاز وارتفاع أسعار النفط عالمياً.
وإن تفهمت روسيا موقف الجزائر واحترمت سيادتها، بالرغم من أن منح بدائل لغازها في أوروبا يضعف شوكتها، ففي المقابل تتواصل الضغوط الأمريكية الأوروبية، إذ باتت في زمن الحرب الروسية الأوكرانية، العلاقة مع روسيا تهمةً تستوجب العقاب من الغرب!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...