عندما ينظر المخرج السوري الشاب أمير ظاظا إلى الخلف متذكراً كل الآراء المثبطة التي حاول أصحابها عن طيب نيّة، ثنيه بها عن اختيار قصة صعبة البلورة عن معتقلين سوريين ليكون موضوع فيلم تخرجه، يعني له أكثر اليوم وصول فيلمه إلى القائمة النهائية من أوسكار طلاب السينما عن فئة الأفلام الروائية.
ويدور فيلمه "ستمطر" حول شقيقين سوريين اعتقلهما النظام السوري في العام التالي لاندلاع الثورة، عندما شاركا في مظاهرة. داخل المعتقل، يقاومان تعذيباً يومياً، ويتسابقان على التضحية بنفسيهما، كل لأجل الآخر، في أكثر لحظات حياتهما ضعفاً وظلمة، وقد وجدا نفسيهما ضحية لعبة روليت لا رابح فيها. عندما ينجو أحد الشقيقين، سيتوجب عليه وعلى والدته اتخاذ قرار البقاء ومحاولة الانتقام أو مغادرة البلاد.
يدور فيلم "ستمطر" حول شقيقين سوريين اعتقلهما النظام السوري في العام التالي لاندلاع الثورة. داخل المعتقل، يقاومان تعذيباً يومياً، ويتسابقان على التضحية بنفسيهما، كل لأجل الآخر
في حوار مع رصيف22، يقلب أمير مختلف العقبات التي اعترضته وفريقه خلال العام الذي عمل فيه على الفيلم، حولته إلى "جحيم" حقيقية، واضطرته إلى “القتال" لأجل بلورته إلى حقيقة.
تطرق أمير ظاظا عبر فيلمه، إلى الأسباب التي دفعت السوريين/ات إلى مغادرة سوريا، وتقديم طرح مقابل لبعض الآراء الأوربية ممن يرون بأن السوريين غادروا بلادهم ببساطة.
هال أمير قلة معرفة الهولنديين بالقصة السورية، كما يقول، ما اضطره إلى كتابة عدد كبير من مسودات السيناريو وتبسيط القصة وتقديم بديهيات بالنسبة للمشاهد/ة السوري، لتصبح مفهومة للفئة المستهدفة بالفيلم وهم المقيمون/ات في هولندا، مشيراً إلى آراء مشككة في اختياره قصة معتقلين سوريين في أكاديمية الفيلم الهولندية خاصة في ظل التطبيع الحاصل مع النظام ولصعوبة التصوير، لكنه أصر على اختياره.
وأراد أمير عبر فيلمه التطرق إلى الأسباب التي دفعت السوريين/ات إلى مغادرة سوريا، وتقديم طرح مقابل لبعض الآراء الأوربية ممن يرون بأن السوريين غادروا بلادهم ببساطة.
ويعيد أمير، القادم من ببيلا في ريف دمشق، الفكرة التي انطلق منها لكتابة سيناريو الفيلم إلى كابوس مشترك لطالما نغص على السوريين نومهم، حيث يجدون أنفسهم فيه وقد اعتقلوا على حاجز أمني في مناطق سيطرة النظام السوري أو يجدون أنفسهم هاربين من الملاحقة الأمنية. هذا الكابوس ظل يزوره لفترة طويلة مزعجة، فقرر اتخاذ الاعتقال موضوعاً لفيلم تخرجه.
خلال التحضير للكتابة ومتابعة قصص الاعتقال، يتذكر كيف لامسته قصة اعتقال النظام للشاب عمر الشغري وأقاربه، وباتت مصدر إلهام له، دون التقيد بها بشكل توثيقي، خاصة عندما أدرك سريعاً استحالة تحويلها إلى فيلم قصير.
وستبدو المشاهد التي تصور تعامل السجانين مع المعتقلين في الفيلم "لطيفة" للغاية بالنسبة للمشاهد السوري. يوضح أمير أنه اضطر لحذف الكثير من المشاهد التي تتضمن عنفاً مستنداً لواقع الاعتقال في سوريا، لأن أفلام التخرج تعرض على التلفزيون الهولندي، لينتهي به الأمر بفيلم لا يعرض سوى 10٪ من العنف الممارس في المعتقل. مع ذلك كان وقع المشاهد صعباً على المشاهدين/ات في السينما بحسب ما راقب.
رحلة البحث عن مواقع مناسبة لخلق بيئة سجن سوري وتصوير المشاهد الخارجية داخل سوريا كانت طويلة وصعبة، يقول أمير، جوبهوا برسائل رفض متتالية من مواقع أثرية مرتبطة بالحربين العالميتين داخل هولندا، حتى صادفوا شخصاً مسؤولاً عن موقع شهد الحرب العالمية الأولى، تلكأ في البداية في القبول ثم قبل معبراً عن دعمه الكامل لتصوير الفيلم بعدما تأثر بالقصة، فبنوا السجن المفترض الذي صُورت المشاهد الداخلية فيه ضمن الموقع. فيما صوروا المشاهد الخارجية في ألميريا في إسبانيا.
هنا أيضاً تحتّم على طاقم الفيلم اقناع إدارة الجامعة بأهمية التصوير خارج هولندا. ومن ثم توجب عليهم الحصول على تمويل إضافي، إلى جانب 10 آلاف يورو حصلوا عليها من الجامعة والتلفزيون الهولندي، في النهاية تمكنوا من جمع 30 ألف يورو من شركات خاصة اقتنعت بمشروعهم "الطموح".
يشارك في تمثيل الفيلم نوار بلبل وعبدالقادر منلا، ويلعب الدور الرئيسي فيه مصطفى كور. ويشير أمير إلى أن غالبية المشاركين في الفيلم ككومبارس، هم معتقلون سوريون سابقون.
عانى الممثل مصطفى كور، الذي لعب الدور الرئيسي في الفيلم، لفترة بعد تصوير الفيلم من عبء لعب الدور لكونه معتقلاً سابقاً أيضاً
ورداً على سؤال هل استعان بمتخصص بعلم النفس ليرافقهم خلال التصوير، قال أمير إن ذلك لم يكن ممكناً نظراً للظروف، مع ذلك شرح لطاقم العمل المكون من طلاب هولنديين ظروفهم وتطوعهم لإعادة خوض هذه التجربة القاسية رغم العبء الذي يشكله ذلك عليهم والعمل في طقس بارد لأيام، ما يعني عدم جواز التعامل معهم ككومبارس محترف، ما انعكس على التعامل معهم خلال التصوير.
ويوضح أن الممثل الذي لعب الدور الرئيسي مصطفى، عانى لفترة بعد تصوير الفيلم من عبء لعب الدور لكونه معتقلاً سابقاً أيضاً، خاصة صعوبة التعايش مع عدم الاكتراث بوجود معتقلين/ات في سوريا.
ويستدرك أمير بأنه شرح باستفاضة المشروع لكل المشاركين فيه، وما الذي تعنيه المشاركة، وإلى أي درجة قد يؤثر عليهم. ويشير إلى أنه كان ينصت لاقتراحاتهم المقتبسة من تجربتهم المريرة في المعتقل، رغم الوقت الضيق المتاح للتصوير.
بعد أن وصل إلى هولندا في العام 2015، ومر بمرحلة استكشاف طويلة عما يريد دراسته، استقر أمير على دراسة صناعة الأفلام. قبل أن يتقدم لاختبارات الأكاديمية الهولندية لصناعة الأفلام، تدرب مدة عام لدى شركة إعلانات، تعرف خلالها على مختلف قطاعات الصناعة، وصنع فيلماً قصيراً.
اليوم، يمني أمير نفسه بأن يكون الترشيح للأوسكار الطلابي والفوز ربما، عندما تعلن الجوائز في سبتمبر الجاري، دفعة له في بداية مسيرته الفنية، إن لم يكن ذلك في هولندا التي لم يوفق حتى الآن في الاتفاق على صناعة فيلمه الطويل الأول فيها، ربما في أمريكا أو المنطقة العربية.
ويعبر عن سعادته لوصول فيلمه وفيلم تخرج المخرج السوري توفيق صابوني "بلا وطن"، للقائمة النهائية، آملاً أن يكون ذلك محفزاً لسوريين آخرين، مؤكداً أنهما ليسا استثناء، بل هناك مواهب أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه