"عاوزة حاجة من قَطَرُه أو ريحته"؛ مقولةٌ تردّدت في مشاهد تمثيليّة في أفلام ومسلسلات مصريّة عديدة عند لجوء رجال ونساء إلى دجّال لصنع أعمال من أجل جلب الحبيب وكسب قلبه عن طريق رائحته المُميّزة.
لقد استُخدمت العطور وما زالت تُستخدم عبر قرون عديدة، من أجل إكساب الجسم رائحةً عَطِرةً، بالإضافة إلى جذب الأشخاص وإغرائهم من أجل لقاءات رومانسيّة ممتعة.
ولكن هل تلعب روائح الجسد دوراً فعّالاً ومُمتعاً في أثناء اللقاءات الجنسيّة؟ ومن الأكثر انجذاباً إلى هذه الروائح، الرجال أم النساء؟
تشير دراسة علميّة أُجريت عام 2018، إلى أنّ روائح الجسد تلعب دوراً مهماً في الانجذاب الجنسيّ لكلا الطرفَين، إذ وجدت أن الأشخاص الذين/ اللواتي لديهم/ نّ حاسة شمّ حادّة، يتمتعون/ ن بحياة جنسيّة ممتعة، كما أوضحت أن نصف الأشخاص الذين فقدوا/ ن حاسة الشّم جرّاء إصابة أو عدوى، أبلغوا/ ن عن تأثير سلبيّ لذلك على السلوك والاستثارة الجنسيّة لديهم/ نّ.
وتوصلت الدراسة أيضاً إلى أن النساء ذوات الحساسيّة العالية للرّوائح، يصلن إلى هزّات جماع أقوى.
ما هي "الفيرمونات"؟
الفيرمونات، كلمة مُشتقّة من كلمتين باللّغة اليونانيّة، هما: "Pherein"وتشير إلى الانتقال، و"Hormone" تشير إلى الإثارة، لتصبح الترجمة الحرفيّة لها هي" هرمونات انتقال الإثارة".
الفيرمونات هي جزيئات كيميائيّة تتواجد داخل أجسام جميع الكائنات الحيّة سواء كانت كائنات بحريّةً، حشرات، حيوانات وأيضاً داخل جسم الإنسان. وظيفتها الأساسية استثارة تغييرات هرمونيّة أو استثارة سلوكيّات جنسيّة مُحدّدة، كما تلعب دوراً ضروريّاً في الانجذاب الجنسيّ، عن طريق التّأثير في استجابة أحد الجنسين للآخر.
هل تلعب روائح الجسد دوراً فعّالاً ومُمتعاً في أثناء اللقاءات الجنسيّة؟ ومن الأكثر انجذاباً إلى هذه الروائح، الرجال أم النساء؟
فالفيرمونات تستخدمها قنافذ البحر كمثالٍ لإرسال إشاراتٍ حسيّة عن طريق حاسة الشم إلى الجنس الآخر، من أجل التّزاوج والتّكاثر، أي أنّ الرائحة لديها هي المُثير الأوّل في أثناء التزاوج والتكاثر الجنسيّين.
والفيرمونات بطبيعة الحال متواجدة عند البشر، فعندما يضع الرجل على سبيل المثال عطراً، فإنه يُوسّع أو يُضخّم إشارات الفيرمونات لديه مما يساعد على خلق شعور بالسرور عند النّساء اللواتي يستنشقن هذا العطر، وتالياً يجعلهن ذلك أكثر جاذبيةً للطرف الآخر، مما يزيد من الاستثارة الجنسيّة لديهنّ؛ لأن النّساء لديهنّ القدرة على تخزين الرّوائح في ذاكرتهنّ العقليّة وبتفضيلات معيّنة.
الفيرمون الذكري يُطلَق عليه androstenone ويُؤثّر إطلاقه إيجابياً على المرأة، من حيث تحسين المزاج، واستثارة الجهاز العصبيّ السيمبثاويّ لديها، وتالياً يحقق ذلك استثارةً جنسيّةً أفضل لها.
أما الفيرمون الأُنثويّ، فيُطلق عليه androstenol ويُحفّز الاستثارة الجنسيّة لدى المرأة عن طريق استنشاق الروائح الجسديّة للزوج أو الشريك.
كيف تؤثر الفيرمونات أو روائح الجسد على العلاقة الحميميّة؟
"أُحبّ شراء العطور بإدمان لزوجي ولوشنات الجسم ذات الروائح النفّاذة. أشعر بأنني ضعيفة أمام هذه الروائح في أثناء اللقاء الحميميّ"؛ بهذه الكلمات بدأت راندا محمود (اسم مستعار) حديثها إلى رصيف22، وتابعت قائلةً: "تُؤثّر الروائح في استثارتي الجنسيّة بمُعدّل كبير؛ فالتّواصل عن طريق حاسة الشّم هو المثير الجنسيّ الأول لي. فمثلما أشعر بانجذاب نحو رائحة أكلة لذيذة وأُقبل عليها بنهم، أُقبل أيضاً على العلاقة الجنسيّة مع زوجي بنهم ونشوة كبيرة عند استنشاق العطور والروائح العطريّة النّفاذة".
تكشف نهلة سامي (اسم مستعار)، لرصيف22، أنها تحب استنشاق روائح العطور في أثناء العلاقة الحميميَّة، وتستدرك: "لكنني أشعر باشمئزاز منها حالياً في فترة الحمل لأنها تُسبّب لي الغثيان والقيء في أوقات كثيرة، فأطلب من زوجي عدم الإسراف في وضعها في أثناء العلاقة الحميميَّة".
بدوره أعرب عماد سعيد عن رأيه برائحة الجسد، لرصيف22، قائلاً: "أحب التّواصلين الجسديّ والبصريّ في أثناء العلاقة الحميميَّة، أكثر من التواصل عن طريق حاسة الشّم. من المؤكد أنني أحب أن تكون رائحة زوجتي جميلةً، ولكن الرائحة ليست مثيراً جنسيّاً أساسيّاً بالنسبة لي".
الروائح مثير جنسيّ قوي لاجتذاب النّساء
كشف بحث علمي جديد أُجري عام 2023، أن الرائحة تلعب دوراً فعّالاً وأساسيّاً في الانجذاب الجنسيّ لدى النساء في أثناء العلاقة الحميميَّة.
وقد خلصت نتائج هذا البحث إلى أن الغالبيّة العظمى من النساء ينجذبن إلى الرائحة في أثناء العلاقة الحميميَّة، وهي تلعب دوراً ضروريّاً من أجل الاستثارة الجنسيّة لديهنّ، وتالياً الوصول إلى أورغازم مُمتع وهزّات جماع أقوى خاصةً خلال فترة التبويض.
"تُؤثّر الروائح في استثارتي الجنسيّة بمُعدّل كبير؛ فالتّواصل عن طريق حاسة الشّم هو المثير الجنسيّ الأول لي. فمثلما أشعر بانجذاب نحو رائحة أكلة لذيذة وأُقبل عليها بنهم، أُقبل أيضاً على العلاقة الجنسيّة مع زوجي بنهم ونشوة كبيرة عند استنشاق العطور والروائح العطريّة النّفاذة"
بينما أكدت نتائج البحث أن الرجال يُستثارون جنسيّاً عن طريق حاسة البصر بمعدل أقوى من استثارتهم عن طريق حاسة الشّم على عكس النساء.
وقد تم التّوصل إلى تلك النتائج المُثبتة بعد استبيان لرجال ونساء تضمن مجموعةً من الأسئلة، من بينها:
- ما هي المُثيرات الخارجيّة التي تُسبب الاستثارة الجنسيّة قبل اللقاء الحميميّ؟
- ما هي المُثيرات التي تسبب استثارةً جنسيّة في أثناء العلاقة الجنسيّة؟
- ما هي المُثيرات التي تُحدّد اختيارات الرّجال والنّساء الجنسيّة؟
- ما هي عوامل تحفيز الذكريات لديهم/ نّ؟ وما هي الروائح الضروريّة من أجل استعادة تذكّرها؟
وتوصلت النّتائج إلى أن حاسة البصر بالنسبة إلى الرجال أقوى من حاسة الشّم في أثناء العلاقة الحميميَّة، أما المرأة فهي أكثر قدرةً على اكتشاف قدرة الرجل البيولوجيّة، عن طريق الإشارات التي تُرسَل إليها عبر روائح جسده النفّاذة.
وتعليقاً على هذه النقطة، أوضح الخبير الاستشاري للعلاقات الزوجية والأسرية، هشام طه محمود لرصيف22، أن العلاقة الحميميَّة بين الزّوجين تحكمها ضوابط محدّدة مثل المُداعبة، والتّواصل الجسديّ: "لا شك في أنّ رائحة الشّخص ونظافته الشخصيّة أيضاً تلعبان دوراً مهماً؛ فحاسة الشم لها دور فعّال في الاستثارة الجنسيّة بين الزوجين في أثناء العلاقة الحميميَّة".
وتابع: "تبدأ العلاقة الحميميَّة غالباً بالمداعبة بين الزوجين سواء بالحركات أو الهمسات أو اللمسات. وتُؤثر رائحة الجسد الصادرة من أحدهما على هرمونات الطرف الآخر. فبطبيعة الحال، لا يصحّ أن يُداعب الرجل زوجته وجسده مُفرز للعرق بكثافة، لذا يُنصح دائماً بضرورة مراعاة النّظافة الشخصيّة قبل العلاقة الحميميَّة، سواء عن طريق الاستحمام، أو وضع عطر أو لوشن للجسم".
واستطرد: "يمكن القول إن النّساء أكثر حساسيّةً تجاه الروائح من الرجال وتجذبهنّ الروائح العَطرة، ولذلك يمكن أن تتحطّم العلاقة الحميميَّة بين الزوجين قبل بدايتها لوجود رائحة كريهة، كالعرق".
وختم حديثه قائلاً: "إن مُراعاة النظافة الشخصية من قبل الزوجين ضرورة مُلِّحة في أثناء العلاقة الحميميَّة، وكذلك استشعار كلا الزوجين لما يريده الطرف الآخر ويرغب فيه، يُحقق متعةً ونشوةً كبيرتين في أثناء العلاقة الجنسيّة".
في السياق نفسه، أوضحت دراسة أخرى أُجريت عام 2022، وجود علاقة طرديّة قويّة بين الرائحة والرغبة أو السّلوك الجنسي لدى المرأة، فكلما كانت الرّائحة قويةً وجذّابةً من قبل الرّجل، ازدادت الاستشارة الجنسيّة لديها والعكس صحيح. حيث أن روائح جسد الرجل تُرسل لها إشارات كيميائيّةً وهي الفيرمونات التي تساعد على تحسين الرّغبة والاستثارة الجنسيّتين لديها.
"النّساء أكثر حساسيّةً تجاه الروائح من الرجال وتجذبهنّ الروائح العَطرة، ولذلك يمكن أن تتحطّم العلاقة الحميميَّة بين الزوجين قبل بدايتها لوجود رائحة كريهة، كالعرق"
كما توصلت دراسة أخرى عام 2020، إلى أن الرجل لديه القدرة على استنشاق رائحة الاستثارة الجنسيّة التي تحدث لزوجته وشمّها في أثناء العلاقة الحميميَّة، جرّاء الإحساس العالي لديه برائحة جسدها، مما يزيد من الدافع الجنسيّ لدى كلا الطرفين على حدّ سواء، كما في استطاعته أيضاً اكتشاف عدم استثارة المرأة جنسيّاً من خلال حاسة الشمّ.
في النهاية يمكن القول إن الرائحة تلعب دوراً مهماً في أثناء العلاقة الحميميَّة ولكن بنسب مُتفاوتة بين الجنسين، فالنّساء أكثر استثارةً مع الروائح الجسديّة من الرجال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...