شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
من سائق تاكسي إلى صهر رئيس جيبوتي... قصة الصومالي صادق جون

من سائق تاكسي إلى صهر رئيس جيبوتي... قصة الصومالي صادق جون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الجمعة 1 سبتمبر 202302:30 م

في لندن، جمعت صداقة بين الصومالي صادق عمر حسن، الشهير بـ"صادق جون"، وسفير الصومال السابق في لندن عبد الله محمد علي (سنبلوشي) في العام 2013. شكّلت تلك الصداقة البوابة التي فُتحت أمام جون ليعود إلى بلاده، ويبدأ قصة صعوده المثيرة للجدل.

تولى سنبلوشي منصب رئيس وكالة الاستخبارات والأمن الوطني (NISA) عام 2014، في العهد الرئاسي الأول للرئيس الحالي حسن شيخ محمود (2012-2017)، وعاد صادق جون إلى مقديشو، ليتحول من سائق تاكسي في شمال لندن، إلى ضابط في وكالة المخابرات بدعم من صديقه سنبلوشي.

صعد جون في مسيرته لينال رتبة "عميد"، وأصبح قائداً لشرطة إقليم بنادر، ثم مغضوباً عليه من الرئيس السابق فرماجو، ومجرداً من رتبه العسكرية. في العهد الرئاسي الحالي لحسن شيخ، نال جون التقدير مرةً أخرى، واستعاد رتبته وحقوقه العسكرية، وكان قد فاز بمقعد في البرلمان الفيدرالي قبل ذلك، ثم تُوّجت قصته بالزواج من ابنة رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، ليبدأ فصل جديد من حياته، وسيحاول التقرير الإضاءة على أبرز محطات حياته، والتي تأخذ اليوم منعطفاً جديداً، وبالغ الأهمية. 

هل هو قاتل مأجور؟

ترتبط قصة صادق جون بالكثير من الغموض والاتهامات. البداية كانت من تاريخ خروجه من الصومال إلى كينيا، ثم استقراره في لندن، حيث سيتعرف إلى السفير سنبلوشي، قبل أن يصعد سلّم السلطة في مقديشو.

أولى التهم المنسوبة إلى صادق جون، هي فتح النار على حافلة تقلّ طلاب مدرسة "أحمد جيري"، عام 2002، وهو أحد تاريخَين حددهما موقع "بي بي سي صوماليا"، لخروج جون من الصومال إلى كينيا، بينما في تقرير آخر يحدد الموقع العام 1998، تاريخاً لذاك الخروج. تلك التهمة رددها نائب رئيس وكالة المخابرات السابق، في فيديو منشور عبر موقع فيسبوك، وتحدث عنها العديد من المدوّنين الصوماليين. وقعت الحادثة بالخطأ؛ حين علقت حافلة الطلاب في وسط اشتباكات بين مجموعتين من قبيلة "هوية" التي ينتمي إليها جون، في حي "Warta Nabada" في العاصمة مقديشو.

يقول مصدر صومالي من قبيلة جون لرصيف22، إنّ صادق جون مسؤول عن قتل الطلاب، وهي حادثة لم تعد معروفةً لكثرة ما شهدته البلاد من جرائم. ويضيف المصدر أنّه حتى لو كان جون أو غيره لم يتعمدوا قتل الطلاب، فإنّه متهم بتنفيذ اغتيالات مقابل المال، ومعروف عنه أنّه "قاتل مأجور".

قصة صادق جون المثيرة للجدل والدهشة، بما تمثّله من رحلة صعود من سائق تاكسي إلى قائد عسكري وبرلماني ورجل أعمال وزوج ابنة رئيس جيبوتي، دخلت فصلاً جديداً في معركة رئاسة دولة جيبوتي

وبرغم أن آخرين يحمّلون مسؤولية مقتل الطلاب لصادق جون، إلا أنّ ذلك يبقى ادعاءً، وربما لا يخلو من المناكفة السياسية التي تطبع الساحة الصومالية. هناك حادثة أخرى اتُّهم فيها صادق جون، بقتل خمسةٍ من حراس رئيس حزب "ودجر"، عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، الذي يشغل منصب مبعوث الرئيس الحالي لشؤون الجفاف. وقعت الحادثة في عام 2017، في عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، الذي شهد عهده قمعاً شديداً بحق المعارضة. وقتها كان صادق جون معيّناً حديثاً في منصب قائد الأمن الوطني في إقليم بنادر، الذي تتبع له العاصمة مقديشو.

العميد صادق جون

وبحسب "بي بي سي صوماليا"، وُلد صادق عمر حسن، المعروف بـ"صادق جون" عام 1980. ويورد الموقع مكانين منفصلين لميلاد جون؛ الأول في الإقليم الصومالي في إثيوبيا، والثاني في إقليم بنادر في الصومال. يقول المصدر القبلي الذي تحدث إلى رصيف22، إنّ جون ربما وُلد في محافظة "مدغ" في ولاية "غلمدوغ" حيث موطنه، فهو ينتمي إلى فخذ "صاليبان" من فرع "هبرجدر" من قبيلة "هوية"، وفي مطلق الأحوال هناك اتفاق على أنّه انتقل إلى مقديشو عام 1993، حيث تتمتع قبيلته "هوية" بموطن قوة.

منذ الاستقلال عام 1961، تعاقبت قبيلتا "هوية" و"دارود" على السلطة. ينتمي الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، إلى "هوية"، وينتمي سلفه فرماجو إلى "دارود". وإلى "هوية" ينتمي صادق جون، وكذلك السفير سنبلوشي الذي كان وراء تعيينه في وكالة المخابرات والأمن الوطني.

في 2014، عاد جون إلى مقديشو، والتحق بوكالة المخابرات والأمن الوطني (NISA)، بعد تولّي سنبلوشي المنصب (أُعفي من منصبه بعد أشهر وتولاه مرةً ثانيةً عام 2017)، ثم عُيّن جون في منصب مدير فرع الوكالة في ولاية غلمدوغ، وفي 2017 عُيّن مديراً للوكالة في إقليم بنادر، وفي 2018 مديراً للشرطة في إقليم بنادر، وظل في منصبه حتى الخلاف مع فرماجو، في 2021.

خلال مسيرته لم يتلقَّ جون تعليماً عسكرياً، وبرغم ذلك يحمل رتبة "عميد". تميّز بالبراغماتية؛ إذ ظلّ مقرباً من السلطة برغم انتهاء ولاية حسن شيخ الأولى، وتولّي محمد عبد الله فرماجو الرئاسة (2017-2022). يقول مصدر ثانٍ، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنّ سنبلوشي عُيّن في نهاية حكم حسن شيخ مرةً أخرى، رئيساً لوكالة المخابرات، وظلّ في منصبه لمدة أشهر بعد تولّي فرماجو، لكن الأخير فصله من منصبه بناءً على نصيحة من فهد ياسين، الذي تعرّف في ذلك الوقت إلى صادق جون. وأوضح المصدر أنّ ياسين اعتمد عليه بسبب قبيلته القوية في مقديشو، ولهذا قرّبه من الرئيس فرماجو.

صادق جون قدّم روايةً أخرى، عن نفسه في تصريحات لـ"بي بي سي صوماليا"، ذكر فيها أنّه درس السياسة والأمن والاستخبارات في لندن، ثم أصبح قنصل بلاده في لندن عام 2013. لكن حديث جون لا يمتّ إلى المصداقية بصلة؛ إذ ذكرت العديد من المصادر أنّه كان سائق تاكسي في لندن، فضلاً عن أنّه لا توجد معلومة تدعم حديثه، كما أنّ البحث لم يُظهر وجود مهمة قنصلية صومالية في لندن، ولا يرد اسمه في أي منصب دبلوماسي.

علاقته بالمخابرات الجيبوتية

يقول المصدر السابق، إنّ صادق جون كان يشتري الأسلحة الصغيرة من جيبوتي للمسؤولين الصوماليين، ومن يعمل معهم، وينسق مع الاستخبارات الجيبوتية تحت رعاية فهد ياسين، وقد جنّدته جيبوتي لينقلب على فرماجو، المتحالف مع عدوّها، رئيس إريتريا أسياس أفورقي.

قبل الصدام مع فرماجو، اتُّهم صادق جون، عام 2019، بالارتباط بحركة الشباب المصنّفة إرهابيةً، حين وجّه محققون أمميون اتهامات إليه بانتهاك حظر توريد الأسلحة إلى الصومال، عبر إقامة علاقات مع حركة الشباب، وطالت الاتهامات العديد من المسؤولين الصوماليين. لم تجد اللجنة المعنية في مجلس الأمن الدولي ما يربط جون بحركة الشباب، وأسقطت القضية. وكانت الحكومة الصومالية قد عيّنت محامياً أمريكياً للدفاع عنه، وهو الأمر الذي استنكره السياسي عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، واتّهم جون بالتواصل مع حركة الشباب.

يذكر المصدر القبلي، أنّ مقديشو شهدت أوضاعاً سيئةً في ظلّ تولّي صادق جون مسؤولية الأمن في إقليم بنادر، وانتشرت الاغتيالات والفوضى، وساءت سمعته بين السكان أكثر مما كانت عليه، لكن الوضع تغيّر نسبياً حين تصدى لمخطط فرماجو لتمديد حكمه.

تعود القضية إلى نيسان/ أبريل 2021، حين طلب الرئيس السابق فرماجو من البرلمان الفيدرالي الانعقاد للتمديد للبرلمان ولنفسه لمدة عامين، بينما كانت ولايته قد انتهت في شهر شباط/ فبراير 2021. اكتسب صادق جون شعبيةً كبيرةً بعد منعه عقد الجلسة، لكن سرعان ما عُقدت وعُزل جون من منصبه كقائد شرطة بنادر، وجُرّد من رتبته وحقوقه العسكرية، وتحركت قوات للقبض عليه. لجأ جون إلى منزله في مقديشو، واجتمعت حوله قوات من قبيلته، وحظي بدعم واسع من نواب برلمانيين ومعارضين، من بينهم مهد صلاد، الذي يشغل منصب رئيس وكالة المخابرات حالياً.

اكتسب صادق جون شعبيةً كبيرةً بعد منعه عقد جلسة برلمانية لتمديد ولاية الرئيس فرماجو، حين كان قائداً لشرطة بنادر، لكن فرماجو نجح في التمديد وقبض عليه إلى أن انشقّت قبيلته عن الجيش فتراجع الرئيس وأطلق سراحه

وذكر المصدر الثاني، أنّ قوات قبيلة "هوية" (جيش الإنقاذ الوطني سابقاً)، انشقّت عن الجيش، وسيطرت على 80% من مقديشو، وأجبرت فرماجو على التراجع عن قرار القبض على صادق جون. وتابع أنّ جيبوتي عن طريق جون موّلت حسن شيخ والمعارضة خلال الانتخابات البرلمانية. وكمكافأة له، حين أصبح حسن شيخ رئيساً للمرة الثانية، أصدر قراراً بعد وقت قصير من تنصيبه، في آب/ أغسطس 2022، بإعادة الرتبة والحقوق العسكرية إليه.

زواجه من ابنة رئيس جيبوتي

وكان جون قد أصبح نائباً في البرلمان الفيدرالي، حين فاز بالمقعد رقم "Hop248" عن ولاية غلمدوغ، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مطلع العام 2022. وانتُخب رئيساً للجنة "الصداقة بين البرلمان الصومالي ومجلس الأمة التركي".

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، نشرت المواقع الصومالية عن زواج صادق جون من هيبادو "Haibado"، الابنة الصغرى لرئيس جيبوتي، إسماعيل عمر جيلي. ومثّل جون في الزفاف الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بينما مثّل رئيس إقليم صوماليلاند (المستقل عن الصومال من طرف واحد)، موسى بيحي، العروس هيبادو، كونه في مقام خالها، إذ تنتمي والدتها إلى فخذ بيحي نفسه في قبيلة الإسحاق.

يقول المصدر السابق، إنّ صادق جون تعرّف إلى هيبادو عن طريق أخيها من أمّها، الذي تجمعه به علاقات عمل في مجال الأسلحة وغيره، ورحّب والدها الرئيس بهذا التعارف، كونه يعزز حظوظ ابنته في أن تكون خليفته في الرئاسة، بدعم من زوجها ونفوذه الكبير في الصومال، وخالها في صوماليلاند.

تعرّف صادق جون إلى هيبادو عن طريق أخيها من أمّها، الذي تجمعه به علاقات عمل في مجال الأسلحة، ورحب والدها الرئيس الجيبوتي بهذا التعارف، كونه يعزز حظوظ ابنته في أن تكون خليفته في الرئاسة

وبحسب معلومات حصل عليها رصيف22، من مصدر في جيبوتي، فإن صادق جون بات جزءاً من التنافس على خلافة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي، من خلال دعم زوجته التي تحظى بدعم والدها، كما أنّه استقدم 1،200 مسلح من قبيلته "هوية"، ويعمل على إلحاقهم بالحرس الوطني في جيبوتي، لتعزيز مركزه في الصراع المقبل على خلافة جيلي.

قصة صادق جون المثيرة للجدل والدهشة، بما تمثّله من رحلة صعود من سائق تاكسي إلى قائد عسكري وبرلماني ورجل أعمال وزوج ابنة رئيس جيبوتي، دخلت فصلاً جديداً، سيكون عنوانه دور جون في معركة خلافة والد زوجته، رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image