شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رغم التصريحات المتشائمة والرؤى المتباعدة… مصر تدفع باب مفاوضات سد النهضة

رغم التصريحات المتشائمة والرؤى المتباعدة… مصر تدفع باب مفاوضات سد النهضة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بعد شهر ونصف الشهر من الجمود التام، بدأت في القاهرة اجتماعات للتفاوض بين مصر وإثيوبيا بهدف الوصول إلى صيغة لاتفاق نهائي بين البلدين حول إدارة إثيوبيا للسد ووضع معايير، تريدها مصر ملزمة، لضمان الأمن المائي لدولتي المصب مصر والسودان.

المفاوضات التي انعقدت جلستها الأولى أمس الأحد 27 أغسطس/ آب، جمعت وفوداً للتفاوض من مصر والسودان إلى جانب إثيوبيا، وهي تأتي بعد مرور شهر ونصف الشهر، منذ اتفق الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على العودة لمائدة المفاوضات، للانتهاء من اتفاق حول سد النهضة والمشكلات المتعلقة به بين البلدين والمتصلة بإدارة السد بشكل يضمن مصالح دولتي المصب. 

الصورة الباسمة للزعيمين التي نشرت صحبة الخبر في منتصف يوليو/ تموز الماضي، لاجتماعهما على هامش قمة القاهرة لدول جوار السودان، كادت أن تصبح الأثر الوحيد المتبقي من ذلك الاتفاق على التوصل إلى اتفاق. إذ أنه رغم اقتراب انتصاف المدة المحددة للتوصل إلى الاتفاق المزمع خلال 4 أشهر، بدأت في منتصف يوليو/ تموز، لم تبارح وفود الدول الثلاثة مكانها، ولم تعقد اجتماعاً واحداً حتى اجتماع الامس، فمن المسؤول عن جمود المفاوضات طوال تلك الفترة؟ وما الذي يؤشر إليه هذا الجمود بخصوص اتفاق إدارة السد الذي تطمح إليه دولتا المصب، فيما تقترب إثيوبيا من إكمال الملء الرابع؟ 

سد النهضة

ماذا جرى في اجتماع القاهرة؟ 

لا توجد تفاصيل كثيرة حول اجتماع الأمس، إذ ينتظر أن تمتد دورة المفاوضات الأولى بضعة أيام، إذ لم تتعد التصريحات التي قبل المسؤولين في الدول الثلاثة الإدلاء بها سوى التأكيد على حرصهم على التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الاطراف وتأكيد إثيوبيا على التزامها بالتنمية من دون إضرار بمصالح دولتي المصب والاحتياجات المائية لشعبيهما، وهي تصريحات تتناقض مع إشارات وتصريحات إثيوبية سابقة صادرة عن مسؤولين رسميين تتصل بمسألة "بيع المياه" إلى دولتي المصب وتحديداً إلى مصر.

بسبب مواصلة إثيوبيا الملء الرابع خلال فترة تجمد المفاوضات، تحولت مسألة التحكم الإثيوبي في أنصبة دولتي المصب من إيراد فيضان النيل إلى أمر واقع

تمهيداً لدورة المفاوضات الحالية والتي تعول عليها مصر كثيراً في ظروف اقتصادية وأوضاع داخلية حرجة، اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي في القاهرة في شهر يوليو/ تموز الماضي على العودة للمفاوضات، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام المصرية تحرص حرصاً كبيراً على نقل الاخبار المتعلقة بمؤسسة الرئاسة، إلا أن خبر اتفاق الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على العودة لمائدة المفاوضات بخصوص سد النهضة ضمن إطار زمني، لم يلق اهتماماً يذكر من وسائل الإعلام المحلية لأسباب غير معلنة. فيما اهتمت وسائل إعلام عربية وإقليمية بأول لقاء ودي بين الزعيمين منذ سنوات.

اللقاء جرى في 13 يوليو/ تموز الماضي، واتفق خلاله الحاكمان على أن تعقد الجهات المسؤولة عن ملف السد في بلديهما لقاءات تنتهي إلى اتفاق نهائي بين البلدين خلال أربعة أشهر على لقائهما، لكسر الجمود في ملف السد، إلا أن تلك المفاوضات نفسها قد تجمدت. 

وفي وقت تشتعل فيه الساحة بالتصريحات المتناقضة أكد مصدر في وزارة الخارجية المصرية مطلع على ملف الشؤون الأفريقية لرصيف22، أن مفاوضات سد النهضة "لا تزال تراوح مكانها".

يوضح المصدر أن مصر هي من حددت سقفاً زمنياً للوصول إلى صيغة أولية للاتفاق بين دولتي المصب من جانب، وإثيوبيا على الجانب الآخر، "مصر تراقب الوضع عن كثب، إذ أن سد النهضة يعد قضية أولوية وتمس حياة ملايين المصريين، ومصر لن تتوقف عن تحركاتها وجهودها للحفاظ على حقوقها المائية دون الإضرار بالمصالح الإثيوبية".

 وعن مواصلة إثيوبيا الملء الرابع خلال فترة تجمد المفاوضات، ما حول مسألة التحكم الإثيوبي في أنصبة دولتي المصب من إيراد فيضان النيل إلى أمر واقع؛ أكد المسؤول في الخارجية المصرية المطلع على ملف المفاوضات، أن مصر "لن تقبل أبداً بسياسة فرض الأمر الواقع التي يمارسها الجانب الإثيوبي"، مشيراً إلى أن مصر "دائماً ما تفضل الحلول الدبلوماسية، إلا أن كل الخيارات متاحة في حال تعثرت المفاوضات من جديد". مشدداً على أن مصر تسعى لإقامة "علاقات متوازنة مع كل الدول، والسياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل خاصة ولها أهمية وأولوية كبيرة".

ويزيد: "ويجب أن أؤكد أن المطالب المصرية لم تتغير، وهي واضحة منذ البداية: الحفاظ على حصة مصر المائية والاتفاق على قواعد الملء والتشغيل".

بعد عشرة أيام فقط من الإعلان عن اعتزام الدولتين العودة لمائدة المفاوضات، قال وزير الري المصري إنه "لا ضمان للتوصل لاتفاق مع إثيوبيا في غضون 4 أشهر (المدة التي حددتها مصر للتوصل لاتفاق)

هل تستجيب إثيوبيا للمطالب المصرية والسودانية؟

قبل جلسة المفاوضات الأخيرة، لم تكن التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين المصريين مبشرة، فبعد عشرة أيام فقط من الإعلان عن اعتزام الدولتين العودة لمائدة المفاوضات، قال وزير الري المصري هاني سويلم إنه "لا ضمان للتوصل لاتفاق مع إثيوبيا في غضون 4 أشهر (المدة التي حددتها مصر للتوصل لاتفاق)، وكلنا نسعى أن نرى تغيراً في الموقف الإثيوبي".

يذكر أن مصر تعتمد اعتماداً يكاد يكون كاملاً على نهر النيل في تغطية احتياجاتها المائية سواء للاستخدامات المنزلية أو الصناعية والزراعية، إذ تشكل مياه النيل 97% من موارد مصر الاستهلاكية من المياه.

نهر النيل والأراضي المحيطة به

وسبق أن قادت إثيوبيا اتفاقاً بين  6 من دول المنبع، وأعادت بموجبها تقسيم حصص المياه بين دول حوض النيل، لتعلن الدول الموقعة على "اتفاقية عنتيبي" في مايو/ أيار 2010 إنهاء ما يعرف بـ"الحصص التاريخية لمصر والسودان" في مياه النيل والمحددة بموجب اتفاقيات عدة يعود أقدمها إلى 1929.

في العام 2021، جددت إثيوبيا دعوتها لدول المنبع التي لم توقع بعد على اتفاقية عنتيبي إلى التوقيع على الاتفاقية، من دون اعتبار للمطالب المصرية والسودانية وبخاصة إصرارهما على الحصص المتفق عليها منذ مطلع القرن الماضي، في وقت لم تعد فيه تلك الحصص التاريخية أصلاً كافية لاحتياجات السكان والتنمية وخاصة في مصر، التي تحتل موقع الدولة الأعلى سكاناً في حوض النيل.

ومن أكبر المخاوف التي تزعج مصر أن السد سيقلص حجم حصتها من مياه النيل، وتعاني دولة المصب الكبرى عجزاً يصل إلى 55 مليار متر مكعب سنوياً، لأن احتياجاتها تقدر بنحو 114 مليار متر مكعب سنوياً، في حين تحصل على 60 مليار متر مكعب منهم فقط، وهي قابلة للانخفاض. 

دكتور محمد عبد اللطيف، خبير الموارد المائية: "الأضرار لن تتوقف عند حد التعطيش، بل ستتعرض لمصر لانتكاسة كبيرة بسبب فقدان مئات الآلاف لوظائفهم بعد فقدان ما يقرب من 20% من مساحات الأراضي الزراعية وبالتالي قد يشهد القطاع الزراعي في مصر صدمة كبيرة"

"أضرار لا حصر لها"

تحدث الدكتور محمد عبد اللطيف، خبير الموارد المائية لرصيف22 مؤكداً أنه يأمل في التوصل لاتفاق ملزم مع إثيوبيا، رغم أنه يستبعد ذلك: "المؤشر هو سنوات المماطلة والمراوغة التي تجاهل فيها الجانب الإثيوبي كافة المناشدات المصرية والسودانية". 

ولفت خبير الموارد المائية أن مصر منتبهة إلى احتمالات تعطل أو فشل التوصل إلى اتفاق، ما دفعها إلى العمل على عدد من المشروعات القومية الهادفة لتوفير المياه.

كما يذكر عبد اللطيف أن الملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي "مستمر وبكميات كبيرة للغاية، وكأنها [أي إثيوبيا] في سباق مع الزمن". مطالباً بضرورة الإسراع في عقد وإنجاز المفاوضات بشكل مرضي لمصر "الوقت ليس في صالحنا. إثيوبيا تستخدم سلاح المراوغة لكسب الوقت وفرض سياسة الأمر الواقع، فلم تنصع لمناشدات ومطالبات الاتحاد الأفريقي، كما أنها واصلت تعنتها ولم تبد مرونة أو استجابة رغم توصيات مجلس الأمن منذ ما يقرب من عامين باستئناف المفاوضات وحتى الآن لم يتم عقد جلسة واحدة". أدلى عبد اللطيف بتلك التصريحات لرصيف22 قبل الإعلان المفاجئ عن جلسة المفاوضات التي عقدت في 27 أغسطس/ آب الجاري.

وأضاف عبد اللطيف أن "الأضرار لن تتوقف عند حد التعطيش، بل ستتعرض لمصر لانتكاسة كبيرة بسبب فقدان مئات الآلاف لوظائفهم بعد فقدان ما يقرب من 20% من مساحات الأراضي الزراعية وبالتالي قد يشهد القطاع الزراعي في مصر صدمة كبيرة".

ويشكك في أن تكون لإثيوبيا نوايا طيبة على الرغم من تأكيداتها المتكررة: "سياسة إثيوبيا طوال السنوات الماضية تؤكد نواياها في التعامل مع دولتي المصب، إذ سيكون لها الحرية في تحديد كميات التخزين والتشغيل خلال الفيضان من دون مراعاة لاحتياجات أي دولة، كما أنها أعلنت مرارا عن عزمها بناء 4 سدود أخرى على غرار سد النهضة، وهو ما يؤكد أن النوايا الاثيوبية ليست سليمة، وأن وراءها أغراض سياسية وليست تنموية كما تدعي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image