شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المتطفّلون على أبواب بلاط صاحبة الجلالة

المتطفّلون على أبواب بلاط صاحبة الجلالة"... الصحافة المغربية تواجه خطر من "هبّ ودب"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

السبت 19 أغسطس 202302:18 م

"السلطة الرابعة" و"صاحبة الجلالة"، توصيفان غالباً ما يشكلان هالةً حول مهنة الصحافة. لكن المنتسبين إليها في المغرب اليوم، يرون أن صفتي الجلالة والسمو ربما لم تعد تتصف بهما الصحافة في الوقت الراهن، ويُجمعون على أن مهنتهم هذه صارت "مستباحة الأعتاب"، والانتماء إليها بات "مبتذلاً"، معتبرين أن المهنة ربما "قتلها التطفل أو يكاد".

متطفلون من كل صوب

التطفل، أو الانتماء غير المشروط بمؤهلات علمية، ممارسة غير صحية تعاني منها قطاعات متعددة في المغرب، لكنها تظهر بشدة في المجال الصحافي، بعد عدم نجاح التشريعات ولا المجهودات التنظيمية في حماية هذه المهنة وصون مهنيّتها، خصوصاً مع ازدهار الصحافة الإلكترونية وما تشهده من "فوضى" بشهادة الوزارة الوصية. فهذه "الفوضى" نتجت عن تسلل أفراد لا تتوافر فيهم مؤهلات جامعية ولا شروط قانونية، إلى المهنة.

يشغل هذا الموضوع بالَ المهنيين والقائمين على أمور تنظيم المهنة منذ سنوات، لكن النقاش حوله عاد إلى الواجهة مجدداً خلال الأسابيع الأخيرة بعد تمكّن كوميدي مغربي شهير من الحصول على اعتماد صحافي من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، لتغطية مباريات المنتخب النسوي خلال مونديال السيدات في أستراليا، قبل أن يتم سحبه منه.

التطفل، أو الانتماء غير المشروط بمؤهلات جامعية، ممارسة غير صحية  تظهر بشدة في المجال الصحافي المغربي، بعد عدم نجاح التشريعات ولا المجهودات التنظيمية في حماية هذه المهنة

خلقت صورة له في إحدى الندوات الصحافية قبل إحدى المباريات، نقاشاً مستفيضاً بين المهنيين الذين تساءلوا عمن يقف وراء تحول كوميدي إلى صحافي مهني في لحظات، عادّين أن الأمر "يدخل في إطار الممارسات التطفلية على المهنة".

هي حالة من بين حالات عديدة تنتسب إلى المجال الصحافي بطرق "غير قانونية" ودون استيفاء الشروط التي ينص عليها النظام الأساسي للصحافيين المهنيين الصادر سنة 2016، في إطار مدوّنة الصحافة والنشر، في الوقت الذي سبق أن أشار فيه وزير الثقافة والشباب والتواصل، محمد مهدي بن سعيد، إلى أنه سيتم العمل على تحيين مرسوم منح بطاقة الصحافة "لعقلنة الولوج إلى هذه المهنة". وأمام هذه المعطيات، يمكن أن نتساءل عن واقع التطفل على المجال الصحافي بالنظر إلى مواد المدوّنة المنظمة للمهنة حالياً، إلى جانب موقع التنظيمات المهنية والمؤسسات الوطنية القائمة على الشأن الصحافي من هذا الوضع.

الانتماء إلى الصحافة والقانون المغربي

في الأساس، يُحدَّد انتماء أي شخص في المغرب إلى مهنة الصحافة من عدمه، من خلال توافره على بطاقة الصحافة المهنية، حيث تنص المادة الرابعة من النظام الأساسي للصحافيين المهنيين الصادر سنة 2016 تحت رقم 89.13، على أن "إثبات صفة الصحافي المهني يتم بواسطة بطاقة الصحافة المهنية المسلمة إلى المعني بالأمر وفقاً لأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه وكذا القانون رقم 90.13 المتعلق بإحداث المجلس الوطني للصحافة". أما المادة السادسة من النظام الأساسي نفسه، فتعطي حصرية منح بطاقة الصحافة المهنية للمجلس الوطني للصحافة الذي تأسس سنة 2018، وذلك بناءً على طلب من المعني بالأمر للحصول على هذه البطاقة التي تبيّن صفته كصحافي مهني والمؤسسة أو المؤسسات التي يتعامل معها. وتُعهد هذه العملية داخل المجلس إلى لجنة بطاقة الصحافة المهنية التي تختص في استقبال طلبات منح البطاقة لأول مرة أو تجديدها لسنة إضافية.

وفقاً للنظام الأساسي ذاته، فإن ولوج مهنة الصحافة ليس حكراً على فئة أو تخصصات جامعية بعينها، حيث يُشترط في الحصول على البطاقة المهنية فقط التوافر على شهادة الإجازة أو شهادة متخصصة في مجال الصحافة مسلمة من مؤسسات التعليم العالي العام أو الخاص أو دبلوم يعادلها، فضلاً عن سنتين من العمل في إحدى المؤسسات الإعلامية، وسنة فقط لحاملي الإجازة المتخصصة.

لكن ثمة فئةً واسعةً محسوبةً على المشهد الإعلامي المغربي لا تتوفر على بطاقة الصحافي المهني، ذلك أنها تكتفي فقط باعتمادات صحافية أو بطاقات يتم منحها لها بعد الانخراط في بعض جمعيات الصحافة الرياضية.

وتفاعلاً مع هذا الموضوع الإشكالي، يقول إبراهيم الشعبي رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الانسان، إن "مهنة الصحافة تعيش للأسف على وقع ممارسات تطفلية مؤسفة جداً، بخلاف مجالات مهنية أخرى تكون فيها هذه الممارسات نادرةً أو قليلةً، وسرعان ما يتم تحريك المتابعات القضائية في حقها، في حين يبقى باب الصحافة مفتوحاً على مصراعيه".

ثمة فئةً واسعةً محسوبةً على المشهد الإعلامي المغربي لا تتوفر على بطاقة الصحافي المهني، ذلك أنها تكتفي فقط باعتمادات صحافية أو بطاقات يتم منحها لها بعد الانخراط في بعض الجمعيات

يشرح الشعبي، في حديثه إلى رصيف22، بعض الأساليب التطفلية المعتمدة في هذا الصدد بالقول: "ثمة أناس أمّيون يمارسون الابتزاز ولا علاقة لهم إطلاقاً بالمجال الصحافي، يقومون بالبحث عن صحافيين حاملين لإجازة أساسية وبطاقة مهنية من أجل الحصول على ملاءمة قانونية لجرائدهم ومواقعهم الإلكترونية باسمهم، وهو ما يضمن لهم الاستمرار في مزاولة المهنة عن طريق هؤلاء الصحافيين".

ويتابع المتحدث ذاته: "على العموم، فإن مدوّنة الصحافة والنشر الصادرة في سنة 2016، تبدو متقدمةً في بعض الأجزاء على ظهير سنة 1958، الذي كان يسمح لأي كان، ومهما كان مستواه الدراسي متدنياً، بتأسيس جريدة، إلى درجة أنه كان هنالك تجار ومهنيون يمارسون بالموازاة مهنة الصحافة آنذاك. فهذه المدونة وضعت حداً لهذه الإطلاقية واشترطت على إدارة نشر الجرائد والمواقع الإلكترونية ضرورة التوافر على إجازة متخصصة في الإعلام أو دبلوم يعادلها، إلى جانب التوفر كذلك على البطاقة المهنية للصحافة"، عادّاً أن "هذه المهنة في الأصل مهنة نبيلة، لكن للأسف قضت عليها جماعات المتطفلين".

ويخلص الشعبي إلى أن "المجلس الوطني للصحافة وفي حالة إدخال تعديلات مستقبلية، فإنه مطالب بحصر مفهوم الصحافي المهني في الشخص الذي درس وحصل على الإجازة أو على شهادة عليا من معاهد وكليات الإعلام والاتصال اقتداءً بمختلف المهن الأخرى"، مشيراً إلى أن "المجلس الذي انتهت مدة صلاحيته وتسيّر شؤونه حالياً اللجنة المؤقتة للصحافة، مطالب كذلك بتبنّي إجراءات بإمكانها أن تساهم في تحصين المهنة وتقوية تنظيمها الذاتي وغلق بابها أمام الدخلاء والمتطفلين".

الصحافة الإلكترونية المغربية... تربة خصبة للدخلاء؟

يعزو مهنيون كثر استمرار زحف "المتطفلين" و"الدخلاء" على المجال الصحافي إلى تنامي نشاط المواقع الإلكترونية الإخبارية، على الرغم من أن مدوّنة الصحافة والنشر الصادرة سنة 2016، ساهمت في تنظيم عملها، إلا أن واقع نشاطها هذا لا يزال يتّسم بنوع من "الارتجالية".

وكان وزير الثقافة المغربي، محمد مهدي بنسعيد، قد كشف أن عدد الجرائد الإلكترونية المصرّح بها والتي تشتغل وفق القوانين الجاري العمل بها، يصل إلى 1،215 جريدةً، في حين أن هنالك العديد من المواقع التي تشتغل بشكل غير قانوني وغير مؤطر، وهو ما يزيد من نسب احتمال ترامي الدخلاء على القطاع.

الجهابلي: "الباب أصبح مفتوحاً في وجه كل من هبّ ودبّ (والمسؤولية تقع على) عاتق المؤسسات التي تمنح الاعتمادات الصحافية للدخلاء، عوض أن تمنحها للمهنيين

وفي ما يخص واقع الممارسات التطفلية على القطاع بشكل شامل، يرى عزيز الجهابلي، عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة ورئيس فرعها في الرباط في حديثه إلى رصيف22، أن مجال الصحافة في المغرب "أصبح مفتوحاً في وجه كل من هبّ ودبّ"، ملقياً بالمسؤولية هنا على "عاتق المؤسسات التي تمنح الاعتمادات الصحافية للدخلاء، عوض أن تمنحها للمهنيين الذين يتوفرون على البطاقة المهنية للصحافة".

يرى الجهابلي أنه "جرى تمييع المهنة حتى بات الانتماء إليها في متناول أي كان، حتى إن لم يكن يتوافر على آليات الاشتغال أو على المستوى الدراسي الذي يؤهله للاشتغال كصحافي"، مشدداً على أن "المرجعية المهنية ضرورية في الانتماء إلى الصحافة؛ عبر الحصول على تكوين جامعي متخصص في الصحافة والإعلام والدراية الشاملة بالقطاع، على اعتبار أن الصحافيين المهنيين هم من يتوفرون على هذا النوع من التكوين، إلى جانب المستفيدين من تدريبات على مستوى تقنيات التحرير الصحافي أو الأجناس الصحافية أو تقنيات الصحافة الإلكترونية".

وفق محدّثنا فإن "الصحافة كباقي المهن لها أخلاقياتها التي فصّل فيها ميثاق أخلاقيات المهنة الصادر عن المجلس الوطني للصحافة سنة 2019، والذي يشير إلى الضوابط والأخلاقيات التي من الواجب أن يتقيد بها الصحافي، على اعتبار أنها مهنة مرتبطة بالتنمية المجتمعية والمسار الديمقراطي للمملكة، في ظل ما يشكله دخول هذا المجال دون مهنية من أمر غاية في الخطورة".

الصحافة الرياضية المغربية... حصان طروادة؟

من غير المجدي الحديث عن التطفل على مهنة الصحافة في المغرب، دون إثارة وضعية الصحافة الرياضية التي تُعدّ وفق المحسوبين عليها "مجالاً رحباً للدخلاء والمتطفلين"، بالنظر إلى "التشتت" الذي تعيش على وقعه تنظيماتها. بدر الدين الإدريسي، رئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، يقول في حديثه إلى رصيف22، إن "التطفل هو أكثر شيء يؤرق حالياً كلاً من المجلس الوطني للصحافة وكذا النقابة الوطنية للصحافة المغربية والجمعيات المنظمة للصحافة الرياضية، إذ بات اختراق هذه المهنة أمراً واضحاً وواقعاً لا يمكن إنكاره، ما يستوجب علينا كمهنيين مناقشة هذه الأمور بشكل مستفيض من أجل الرفع من مستوى الحصانة ودرجات الالتزام بالأخلاقيات المؤطرة للعمل الصحافي".

يشدد الإدريسي على أن "الممارسات التطفلية على الصحافة أمر خطير بالنظر إلى أن المهنة تُعدّ رافعةً من رافعات التنمية والوجه المعبّر عن دينامية المجتمعات والشعوب. فهذه الممارسات يعرفها المجال ككل، لكن لمسنا أن الصحافة الرياضية هي الأكثر اختراقاً من طرف أشخاص لا تأهيل لهم. وعليه، فإننا ضد الترامي (التجرؤ أو التعدي) على المهنة وادعاء المهنية، لأن الممارسة الصحافية رهينة بالاحتكام إلى القوانين والضوابط والشروط التي تؤطرها".

تبقى الممارسات التطفلية واقعاً لا يرتقي بمجال الصحافة المغربية، ما دامت هنالك فراغات قانونية يستغلها المنتسبون إلى هذا المجال بطرق ملتوية

وينبه محدثنا إلى أنه "خلال تغطية المنافسات الدولية الكبرى، فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم على سبيل المثال يكون في علاقة مباشرة مع الأجهزة الإعلامية، ولا يكون للجامعة الملكية ولا المجلس الوطني للصحافة ولا حتى الجمعيات المنظمة للصحافة الرياضية أي دور في مسلسل منح اعتمادات التغطية، مما يمكن من تواجد أفراد غير مهنيين هنالك. وهذه فرصة لدعوة الاتحادات القارية وكذا الاتحادات الدولية من أجل ضرورة المرور عبر المؤسسات الوطنية الرسمية والجمعيات المهنية حتى تصادق على الاعتمادات التي سيتم تقديمها للمهنيين".

يختم الإدريسي حديثه عن عمليات توزيع بطاقات الانخراط واعتماد التغطيات الرياضية بالقول: "الذي يحصل اليوم في الصحافة الرياضية تحصيل حاصل، وسبق لنا من موقعنا أن نبهنا إليه منذ مدة. نحن لسنا ضد التعددية التي ينص عليها الدستور، بل نحن مع جهة واحدة تكون مكلفةً بإصدار الاعتمادات، ومعززةً بلجنة مكوّنة من إعلاميين مهنيين وتحت إشراف المجلس الوطني للصحافة. غير أنه من المنتظر أن يكون هنالك تشتت في الإعلام الرياضي ما دام هنالك من يرى في ذلك مصلحةً، وهو ما سيفتح الباب أمام الدخلاء".

وأمام هذه الآراء والمخاوف التي تقاسمها مهنيون مع رصيف22، تبقى الممارسات التطفلية واقعاً لا يرتقي بمجال الصحافة المغربية، ما دامت هنالك فراغات قانونية يستغلها المنتسبون إلى هذا المجال بطرق ملتوية، مما يعيد إلى الواجهة إمكانية التعجيل في تعديل النظام الأساسي للصحافيين المهنيين، في ظل توسع نشاط صنّاع المحتوى على الشبكات الاجتماعية، وهو الأمر الذي يضع المهنية الحقة أمام تحدّي الاستمرارية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض تحويلنا إلى كائنات خائفة يسهل حكمها. لذلك كنّا وسنبقى موقعاً يرفع الصوت ضد كل قمع لحرية التعبير ويحتضن كل الأفكار "الممنوعة" و"المحرّمة". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard