شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أنوثتي تحت الميكروسكوب... الخوف من فضيحة جنسية

أنوثتي تحت الميكروسكوب... الخوف من فضيحة جنسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والنساء

السبت 19 أغسطس 202312:00 م



بكيت بحرقة في الجلسة السادسة من جلسات علاجي النفسي السلوكي، وسيطرت على أطرافي رجفة عنيفة وأنا أخبر الطبيبة النفسية أن  هاجساً يطاردني دائماً وبشدة: بانتظاري فضيحة جنسية من العيار الثقيل.

تحت الميكروسكوب

ملأت أوراق المناديل المبللة بدموعي حاوية مهملات غرفة الكشف، ورحت أسرد لها طبيعة هذه الهواجس. كانت بداية حديثي عن توقيت مطاردة هذه الهواجس لي، ودائماً تأتي بشكل فوري بعد انفصال عاطفي، وتغيب كل الغياب في فترة الاستقرار. سألتني عن شكل حياتي الجسدية في أوقات حضور العاطفة. أخبرتها بأنها عادية جداً، لا شيء أكثر من العناق والطبطبة، والأحاديث التي تحمل الغزل، وتجعل حياة العلاقة مليئة بخليط الأنوثة والرجولة الرائع، دون لقاء جسدي حقيقي، بالإضافة إلى بعض الصور شبه الخاصة، لكنها ليست صوراً فاضحة أو صوراً ذات خصوصية شديدة، لتثير فزعي لهذه الدرجة إن خرجت في يوم من الأيام للعامة.

بعدها وضعت الطبيبة هواجسي التي أبكي وأرتجف ويهجرني الهدوء واستقرار النوم بسببها تحت الميكروسكوب، ولكنها سألتني قبل بداية كشفها، إن كان لدي تفسير لتوقيت غياب أو عودة الهواجس لي. أجبتها فوراً بأن مشاعر الخذلان التي تلحق الانفصال تجعلني نادمة على ثقتي في الحب والحبيب، تجعلني أعود لحقيقة عائلتي ومجتمعي بمفردي، وكيف أنني جازفت بنفسي من أجل عيش الحب، فتصبح هواجسي هذه جزءاً كبيراً من مخاض الانفصال، وهذا يجعلني أشعر أنني سأكون أمام الفضيحة المنتظرة بمفردي، ويظلّ عقلي يخلق لي دوامات تطير فيها الأفكار فوق بعضها، وتصبح جميعها أفكاراً تشكك في نزاهة وأخلاق من كان حبيبي، يصبح وغداً أحبني من أجل تلك الأشياء، وحين زهد فيها رحل، وبرحيله سيخرج كل ما كان بحوزته للعالم.

في النهاية لا وجود واقعي لاحتمال حدوث فضيحة جنسية لي، ولا هناك أي علاقة تربط بين غياب حبيبي وبين أنه سيصبح فجأة وغداً دخل حياتي ليلحق الأذى بي، لكنني أعاني وأخاف، وأعيش جحيماً واسعاً لا يمكن أن يتخيله أحد... مجاز

ثم وضحت لها فكرة أن الحب في حياتي لا يأتي بسهولة، فحين يسكن الحب قلبي بعد مراحل من التفكير ومحاولات السيطرة على اندفاعاتي، أصبح مثل لعبة خرجت من مصنعها للتو، لعبة لا ماض لها، ولا مخاوف، ولا قواعد صارمة، لعبة فقط تعيش حاضرها مع مالكها الجديد.

صمت أمام صمت الطبيبة، ثم أخبرتها بمعلومة أخيرة استنتجتها عن نفسي، وهي أنني حين أحب أثق في الحبيب وأثق في الحب، وهذا أكبر أخطائي، لأن من المفترض ان تكون ثقتي مبنية على إدراكي لطبيعة مخاوفي، وطبيعة حياتي قبل الحب، من المفترض أن أكون واعية بحجم قدرتي الحقيقة على احتمال هذا وعدم احتمال ذاك.

وافقتني جداً على تشخيصي، ومدحت محاولتي الذاتية في تشخيص علتي وفهم أبعادها، وطلبت أن أعود معها للماضي، بالأخص تلك الفترة التي اطلعت فيها على معنى الجنس، ودوري في الحفاظ على عذريتي في ظل العادات والتقاليد والأعراف والدين.

الماضي/الحاضر

في بداية حديثنا عن الماضي، سألتني لو كنت ولدت مواطنة أمريكية، هل ستكون لدي نفس الهواجس بعد الانفصال عن الحبيب؟ أجبتها ومن دون تفكير بــ "لا"، ثم لحقت إجابتي جملة تبرّعت بطرحها، وهي أن بالإضافة إلى أنني سأكون ناجية من الهواجس، سأكون أيضاً في نظر نفسي إنسانة صالحة بكل معاني الصلاح، لأنني بالفعل صالحة، وطيبة، ومؤمنة، وبارّة بأهلي، ولا أكره أحداً، ولا أؤذي أحداً، أشعر بالذنب، وأبذل ما في وسعي لجعل من حولي بخير، وأشياء أخرى كثيرة.

وضعت بعدها الطبيبة يدها على بداية العلة وهي الماضي، وكيف تعرّفت على الجنس والجسد من خلال أحاديث والدتي، التي تطرح ما تريد تعريفي به بشكل مغلف مبهم ومفخّخ، طال الحديث عن هذه النقطة، التي اكتشفت وأنا أعود إليها كيف كانت تلك الفترة شديدة الثقل والسواد، ثم عدت مرة أخرى إلى الحاضر، وكيف أجد أحيانا العلة في أنني أتخبط بين عالمين مختلفين في طبيعتهم بحقيقة كاملة.

عالم أصدقائي ومعارفي المنطلقين ناحية القراءة والفن والدراسة والسفر، وعالم عائلتي ومدينتي التي لو استطاعوا جبر الفتيات على دفع ضريبة للهواء الذي يتنفسنه تحت بند أنها عار وعيب لفعلوا، أنطلق في عالم أصدقائي بصدق لأنني مثلهم، وأنطلق في عالم عائلتي ومجتمعي أيضاً بصدق لأنني منهم، ومع الأيام أصبحت أجيد التأقلم والتعايش في العالمين بيسر وصدق غير معقول، حتى أحافظ على الحد الأدنى من سلامي وراحتي، بالأخص أن لا حلول أمامي سوى حيلة التأقلم.

وافقتني الطبيبة، ثم صعقتني بسؤال يخص هواجسي: "هل مشكلتك في الهواجس، بعد غياب الحبيب، الفضيحة الجنسية في المطلق، أم مشكلتك أن تدري والدتك بأنكِ قمتِ بكل ما ربتك على أنه كارثة؟".

ارتجفت أطرافي ودمعت عيناي، حركت رأسي للأعلى وللأسفل في وضع الإيجاب، ومن هنا ذهبنا إلى تشخيص جديد، وهو أنني أضطرب بعد الانفصال لأنني أمارس الأنوثة الزائفة.

كل الأشياء تقتلني مهما بلغت غرابتها، فضائح النساء الجنسية في الجرائد والبرامج والمسلسلات تمتصني داخلها، لأشعر أنها مستقبلي الحتمي... مجاز

الأنوثة الزائفة

ما هي الأنوثة الحقيقة وما هي الأنوثة الزائفة؟ عجزت عن الرد على هذا السؤال، لإن لم يخطر لي يوم أن أنوثتي زائفة، أمارسها لتحقيق حياة مؤقتة، وليست لخلق حياة دائمة. سألتني الطبيبة أن كنت أتقبّل الأنوثة الحقيقة التي تخصّ طبيعة جسد المرأة وفطرتها، فأجبتها أنني أكره طبيعة أجساد النساء، وأن صدري يضيق حين أرى امرأة حاملاً، أو امرأة ترضع طفلها، أو امرأة تزفّ لبيت زوجها، وذكرت لها أيضاً كيف أغضب حين تتمنى والدتي أن أتزوج وأنجب، وكيف يطفو فوق أفكاري سؤال عن كيف ستعلم والدتي أنني مارست الجنس ولا تغضب، وسؤال عن كيف يعلم الجميع بأن هذه العروس ستمارس الجنس لأول مرة الليلة ويحتفل، وعن كيف يمكن أن أتقبّل فجأة ما قيل لي عنه سنوات إنه ممنوع وحرام وفضيحة، كشيء طبيعي يستحق الفرح والاحتفال.

تلك الشعرة التي بين الصحة والخطأ بترت أثناء تكوين عقلي وإدراكي لطبيعة جسدي ودوري وحياتي، فأصبحت أنوثتي سرّية وزائفة، تخرج للحبيب في الظل، وتكره احتمال عيشها لدورها الحقيقي في النور، وتكره أن تعلم والدتها قبل الجميع أنها أنثى، تعيش أنوثتها مع رجل أحبته.

في تلك الجلسة تنفّست مساحة داخلي لا أعلم ما هي، شيء داخلي أصبح هادئاً، بالأخص حين ربطت غياب حبيبي عن حياتي بحضوري في عالم والدتي وعائلتي بقوة، العالم الذي يرفضني من داخله مهما لمس جودتي، العالم الذي يحاول التهامي طوال الوقت، العالم الذي يضعني في خانة المذنبين حتى اكتمال الأدلة.

في النهاية لا وجود واقعي لاحتمال حدوث فضيحة جنسية لي، ولا هناك أي علاقة تربط بين غياب حبيبي وبين أنه سيصبح فجأة وغداً، دخل حياتي ليلحق الأذى بي، لكنني أعاني وأخاف، وأعيش جحيماً واسعاً لا يمكن أن يتخيله أحد. كل الأشياء تقتلني مهما بلغت غرابتها، فضائح النساء الجنسية في الجرائد والبرامج والمسلسلات تمتصني داخلها، لأشعر أنها مستقبلي الحتمي، قصص قتل البنات وقصص هروبهم من أجل النجاة، تجعلني أقف عاجزة أمام تلك الطفلة الخائفة داخلي، التي ما زالت قاصرة وشاعرة بالعار.

لا أعلم إلى الآن كيف ستكون النجاة، ولا أعلم أن كنت سأتجنّب ما يخيفني حين أحب مرة أخرى أم لا، لكنني أعلم أن خوفي بسبب عالمي هو خوف حقيقي، خوف يستحق أن أقف منحنية أمامه وخاضعة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard