شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
بعد حظرها في المخابز... هل تنجح تونس في منع الأكياس البلاستيكية؟

بعد حظرها في المخابز... هل تنجح تونس في منع الأكياس البلاستيكية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الجمعة 18 أغسطس 202308:56 ص

"تلقيت نبأ حظر استعمال الأكياس البلاستيكية في محلات بيع الخبز في تونس بكثير من الصدمة والاستغراب، فأنا تعودت منذ سنوات شراء الخبز في كيس أبيض شفاف يوفره صاحب المخبز مجاناً لكل الزبائن"، تقول شيماء الحوات (25 عاماً) لرصيف22.

تضيف شيماء وهي من محافظة نابل: "أذكر أنه في الأيام الأولى لسريان قرار الحظر، اضطررت أكثر من مرة لحمل الخبز في يدي دون كيس يحميه من خطر التلوث والجراثيم، لكنني اليوم لا أخرج لشراء الخبز إلا ومعي قفة مصنوعة من السعف لا تضر بالصحة وصالحة لعشرات السنين".

وتشير إلى أنها بعد البحث فهمت أن هذا النوع من الأكياس يضرّ بصحة الإنسان ويهدد البيئة. وتتابع: "ببساطة أصبحت اليوم أحمل معي قفة صغيرة لشراء الخبز ومقتنيات أخرى، وأنصح الجميع بالتخلي عن استعمال هذه الأكياس الضارة".

تعودت منذ سنوات شراء الخبز في كيس أبيض شفاف يوفره صاحب المخبز مجاناً لكل الزبائن.

لا أكياس داخل المخابز

في مارس/ آذار الماضي، قررت الحكومة التونسية حظر استخدام الأكياس البلاستيكية في كافة متاجر بيع الخبز، وهي خطوة تقول عنها السلطات الرسمية إنها نقطة البداية لوقف تصنيع هذه الأكياس بشكل نهائي والتوجه نحو أخرى صديقة للبيئة.

وجاء قرار الحظر في إطار التزام تونس باستكمال استراتيجية التنمية المحايدة للكربون والمتأقلمة مع التغيّرات المناخيّة، وتنفيذاً للأمر الحكومي رقم 32 الصادر في 16 كانون الثاني/ يناير 2020، المتعلّق بضبط أنواع الأكياس البلاستيكيّة التي يمنع إنتاجها وتوريدها وتوزيعها ومسكها في الأسواق التونسية.

وعلى عكس شيماء، لا يزال الآلاف من التونسيين يستخدمون حتى اليوم الأكياس البلاستيكية لشراء الخبز، فبعد قرار الحظر انتشر الباعة المتجولون بشكل لافت أمام المخابز والمحلات التجارية لبيع هذه الأكياس بجميع الأنواع والأحجام، وهو مشهد لم يتعوده التونسيون في السابق.

سامي من محافظة منوبة يضطر لشراء كيس بلاستيكي يومياً لحفظ الخبز الذي يشتريه من المخبز بعد أن كان يحصل عليه بالمجان. يقول لرصيف22 إنه يتوجه لشراء الخبز بعد الخروج من عمله عند المساء، لذلك لا يمكنه حمل قفة من السعف أو كيس مصنوع من القماش معه إلى العمل.

بعد حظرها في المخابز... هل تنجح تونس في منع الأكياس البلاستيكية؟

يواصل سامي (42 عاماً) حديثه: "إذا كان قرار الحظر يحمي البيئة فنحن نرحب به، لكن من غير المعقول أن تمنع وزارة البيئة بيع الأكياس داخل المخابز وتسكت عن بيعها في الخارج بطريقة فوضوية وفيها الكثير من الاستغلال".

ويضيف: "أعتقد أن هذا القرار ساهم في خلق سوق موازية لبيع الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد، وهناك أطراف خارجة عن القانون استفادت وأصبحت تحقق أرباحاً مالية كبيرة".

ويؤكد محدثنا أن المخبز الذي تعوّد على شراء خبزه منه لم يوفر إلى اليوم أكياساً بديلة تكون صديقة للبيئة، وهو ما دفعه لشراء الأكياس المعروضة للبيع في الخارج والتي هي عرضة للتلوث ولأشعة الشمس الحارقة، وفق قوله.

وعلى الرغم من تواصل بيع الأكياس البلاستيكية بطريقة موازية، قالت وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي في تصريحات صحافية إن قرار منع استعمال الأكياس ذات الاستعمال الواحد في المخابز مكّن بلادها حتى الآن من إلغاء استعمال 5 ملايين كيس يومياً.

هذا القرار ساهم في خلق سوق موازية لبيع الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد. المخبز الذي تعوّدت على شراء خبزه منه لم يوفر إلى اليوم أكياساً بديلة تكون صديقة للبيئة، ما يدفعني لشراء الأكياس المعروضة للبيع في الخارج والتي هي عرضة للتلوث ولأشعة الشمس الحارقة

وأكدت الشيخاوي أن "الحوار متواصل مع مصانع الأكياس البلاستيكية والوزارات المعنية من أجل إيقاف تصنيع هذه الأكياس بشكل نهائي والتوجه نحو تصنيع أكياس صديقة للبيئة وغير ملوثة"، وأشارت إلى أن "تطبيق هذا القرار هو مسؤولية الجميع من مواطنين وأصحاب مخابز والوزارة".

وتتوعد الوزارة بتسليط عقوبات سالبة للحرية ومالية على كل من يخالف هذا القرار من أصحاب المخابز، إذ إن كل مخالف تنتظره عقوبة وغرامة مالية تراوح بين 100 دينار و50 ألف دينار (33 إلى 16 ألف دولار)، لكن هذه العقوبات لا تشمل الباعة المتجولين.

مكافحة التلوث البلاستيكي

منذ سنة 2015، بدأت تونس خطة لحماية البيئة والحدّ من الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد، نتج عنها حظر استغلال وتوزيع هذه الأكياس في الفضاءات التجارية الكبرى والصيدليات بداية من عام 2020.

ومع دخول 2023 توسع قرار الحظر ليشمل محلات بيع الخبز البالغ عددها 5 آلاف مخبز، وهي خطوة أعادت الأمل إلى منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال البيئة التي تكافح منذ سنوات من أجل بيئة سليمة دون مواد بلاستيكية.

بعد حظرها في المخابز... هل تنجح تونس في منع الأكياس البلاستيكية؟

وتمنع تونس إنتاج وتوريد وتوزيع ومسك 6 أنواع من الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد، ومنها الأكياس ذات السماكة القليلة جداً (أقل من 40 ميكروناً)، والقابلة للتفكك عن طريق الأكسدة، والتي تحتوي ضمن تركيبتها الكيميائية على تركيز عالٍ من المعادن الثقيلة.

ويرى الناشط البيئي نضال عطيّة أن قرار تونس حظر استعمال الأكياس البلاستيكية يندرج في إطار التوجه العالمي الذي يسعى لصياغة بروتوكول دولي لمكافحة التلوث البلاستيكي بحلول عام 2024، ويشير إلى أن بلاده بدأت بالفعل قبل سنوات في وضع خطة لمكافحة التلوث البلاستيكي، من خلال قيام وزارة البيئة بإبرام جملة من الاتفاقيات للحدّ من استعمال الأكياس البلاستيكية التي تعتبر آفة تهدد البرّ والبحر.

ويضيف في حديثه لرصيف22: "هذه الخطوة مهمة، ومن الضروري البدء بتقليص الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد، ثم بقية المواد المصنوعة من البلاستيك. يجب القضاء على المواد البلاستيكية التي تمثل نسبة 10 بالمائة من النفايات المنزلية في تونس. لا مستقبل للبلاستيك في تونس ولا في العالم فهو مادة خطيرة على البيئة وتسبب أضراراً جسيمة على الإنسان والحيوان والمحيطات. حماية البيئة من المواد البلاستيكية يجب أن تكون هدفاً للجميع".

يستهلك المواطن التونسي بين 350 و400 كيس بلاستيكي سنوياً.

ويلفت إلى أهمية أن تتعاون جميع الأطراف للانخراط في إنجاح هذا التوجه، وضرورة العمل على حملات مؤثرة لتوعية المواطنين بضرورة التوقف عن استعمال الأكياس البلاستيكية، واستخدام قفاف السعف والأكياس المصنوعة من الورق والقماش أثناء التسوق.

بين الترحيب والرفض

رحب الصندوق العالمي للطبيعة بقرار حظر استخدام الأكياس البلاستيكية في المخابز التونسية، معتبراً إياه "خطوة لمكافحة التلوث البلاستيكي".

وعلى الرغم من أن هذا التوجه يحظى بدعم الصندوق، فقد قوبل بالرفض من قبل أصحاب مصانع البلاستيك في تونس، الذين يتمسكون بضرورة مراجعة الأمر الحكومي القاضي بضبط الأكياس البلاستيكية ومنع إنتاجها وتوريدها وتوزيعها في السوق الداخلية.

وفي حديثه مع رصيف22، اعتبر الممثل عن المجمع المهني لمصنّعي البلاستيك أسامة المسعودي أن هذا التوجه "غير مدروس" وتسبب في أضرار مادية هائلة لثمانين مصنعاً تُوفر قرابة 3 آلاف فرصة شغل في تونس.

بعد حظرها في المخابز... هل تنجح تونس في منع الأكياس البلاستيكية؟

ونوّه المسعودي بأن أصحاب مصانع البلاستيك يرفضون الأمر الحكومي في صيغته الحالية، ويعتبرونه غير مدروس ويعاني العديد من النقائص، كما أنه لم يأخذ الوضع الاقتصادي والمالي للصناعيين بعين الاعتبار. كما كشف في نفس السياق، عن انطلاق جلسات حوار بينهم وبين وزارة البيئة وعدد من الوزارات الأخرى لإيجاد حل ناجع يتماشى مع الوضع الاقتصادي للصناعيين ويفتح الباب لتصنيع أكياس بلاستيكية صديقة للبيئة.

وتسمح وزارة البيئة حالياً بصناعة أكياس سمكها 40 ميكروناً بهدف استخدامها أكثر من مرة، وهي نوعية عجزت مصانع البلاستيك عن تصنيعها، بحسب ما أكده المسعودي، الذي أشار إلى أن جلسات الحوار متواصلة من أجل صياغة اتفاق جديد يقضي بمراجعة المقاييس التقنية "الخاطئة" التي وضعتها الوزارة لوقف تصنيع الأكياس البلاستيكية، ووضع مقاييس جديدة تدعم الصناعيين لصنع أكياس غير مضرة بالبيئة.

من المهم أن تتعاون جميع الأطراف للانخراط في إنجاح هذا التوجه، وأيضاً العمل على حملات مؤثرة لتوعية المواطنين بضرورة التوقف عن استعمال الأكياس البلاستيكية، واستخدام قفاف السعف والأكياس المصنوعة من الورق والقماش أثناء التسوق

من جهته، أكد الخبير في السياسات البيئية عامر الجريدي أن حديث وزيرة البيئة عن توجه بلادها لحظر تصنيع الأكياس البلاستيكية المضرة بالبيئة لقي ترحيباً واسعاً من المنظمات المحلية والدولية المهتمة بالبيئة.

وأضاف في حديثه لرصيف22 أن منع تصنيع الأكياس البلاستكية بصفة نهائية لن يقع تطبيقه في الوقت الحالي وإنما يحتاج لبضعة سنوات، وأن وزارة البيئة مطالبة بوضع استراتيجية واضحة تخدم البيئة من جهة ولا تضرّ مصانع البلاستيك من جهة أخرى.

وتهدد المواد البلاستيكية في تونس صحة المواطنين وتتسبب في أضرار بيئية خطيرة، خصوصاً أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن نحو 9.5 كيلوغرام من البلاستيك تتدفق يومياً على كل كيلومتر واحد من السواحل التونسية.

كما يصل استخدام البلاستيك عموماً في تونس إلى 4.2 مليار كيس سنوياً، منها 3 مليارات مصنعة محلياً، والبقية يتم استيرادها، في حين يستهلك المواطن بين 350 و400 كيس سنوياً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard