شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"مفيهوش مشاهد عريّ أو محتوى للبالغين"… جولة "باربي" العربية تتعثر بفعل الرقابة "الأخلاقية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ما يزال النقاش حول فيلم باربي يحتدم عربياً بينما يواصل العمل تحطيم الأرقام القياسية بشأن أرباحه عالمياً. العداء والخوف من النسوية وإلصاق "تهمة الترويج للمثلية" للعمل والتحريض على منعه كلها عوامل ساهمت في عرقلة جولة الدمية المحبوبة في دول عربية عدة، كاشفةً عن تصاعد كبير للرقابة على أسس قيمية وأخلاقية.

الفيلم الذي أخرجته الأمريكية غريتا غيرويغ، ومن بطولة مارغو روبي وراين غوسلينغ، تخطّت إيراداته المليار دولار عقب ثلاثة أسابيع فقط من بداية عرضه في جميع أنحاء العالم. وأصبح "باربي" أول عمل من إخراج امرأة تتجاوز عائداته عالمياً مليار دولار، وفق بعض التقديرات. ربما ساهم الجدل الواسع المثار حوله في تحقيق هذه الأرباح إذ وصف بعض من شاهدوه محتواه بأنه "أقل من المتوقع".

جولة "باربي" العربية بين التأجيل والمنع

مع احتدام النقاشات حول العمل ومحتواه، أعلنت عدة دول عربية تأجيل عرضه من تموز/ أيلول حتّى 31 آب/ أغسطس. لكن السعودية والإمارات والبحرين تراجعت وسمحت بعرضه الخميس الموافق 10 آب/ أغسطس، دون أسباب واضحة. في حين يبدأ عرضه في مصر اعتباراً من السبت 12 آب/ أغسطس، وفق الصحافة المحلية.

على الجانب الآخر، تعددت مواقف الدول العربية الأخرى بين المنع المعلن والتكهنات بالمنع، والتحريض على المنع. الخميس 10 آب/ أغسطس، نقلت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا) عن رئيس لجنة رقابة الأفلام السينمائية لافي السبيعي تأكيده أن اللجنة منعت عرض فيلميّ "باربي" و"توك تو مي" بذريعة "منع كل ما يخدش الآداب العامة أو يحرض على مخالفة النظام العام والعادات والتقاليد ويدعو لأفكار دخيلة على المجتمع"، منوهاً بأن اللجنة تشترط "حذف بعض المشاهد المخلة" للسماح بعرض الأعمال المدرجة تحت هذا التصنيف.

"الحرص على حماية مقتضيات المجتمع الذكوري في العالم الحقيقي" يؤدي إلى منع وتأجيل عرض فيلم باربي في دول عربية، ومعلقون يسألون: لو أن فيلماً كهذا روَج لتبعية المرأة للرجل وسعيها لإسعاده وإشباع ذكوريته، هل كان سيمنع بحجة ضرب القيم الأسرية؟

قبل ذلك بساعات، كان وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى قد حثّ جهاز الأمن العام اللبناني - الجهة المكلفة الرقابة المسبقة على الأعمال الفنية المعدّة للعرض في لبنان - على منع عرض الفيلم الذي ادّعى أنه "يروّج للمثلية والعبور الجنسي" و"يُسوّق فكرة بشعة مؤدّاها رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم وتسخيفه والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة".

وفي ظل عدم صدور قرار رسمي من الأمن العام بمنع الفيلم أو عرضه، تواصل سلسلة سينما "فوكس" التي تتولى التوزيع العالمي للفيلم، الإعلان عنه عبر موقعها على الإنترنت، مشيرةً إلى أنه سيعرض في البلاد يوم 31 آب/ أغسطس الجاري.

بالتزامن، أشارت حسابات إخبارية محلية في سلطنة عمان إلى وجود قرار بمنع عرض "باربي" في البلاد، بداعي "احتوائه مشاهد غير ملائمة للأطفال وتركيزه على قصص المثلية"، دون أن تُنسب هذه التصريحات إلى أي مصدر رسمي. ولاحظ رصيف22 أن سينما فوكس في عُمان لا تضع إعلاناً حول عرض الفيلم في السلطنة في أي فترة قريبة.

كيف علّق الجمهور العربي على ذلك؟

وتباينت المواقف حول "باربي" عبر مواقع التواصل العربية، بين من استحسن قرارات المنع ورأى في الفيلم - حتّى دون أن يشاهده أو يعرف على وجه الدقة موضوعه - ومن تعجّب من الضجة المثارة حوله. 

وتحسّر مغردون كويتيون على منع العمل في بلدهم ما اعتبروه تراجعاً كبيراً في وقت يعرض فيه الفيلم في جارتهم السعودية التي عاشت عقوداً من التشدد وكان مواطنوها يتنقلون بين البحرين ودول خليجية وعربية أخرى لمشاهدة الأفلام فيما قد يلجأون هم اليوم للسعودية لمشاهدة الأعمال الممنوعة.

وعلّق لبنانيون كثر على موقف وزير ثقافتهم، مستنكرين الانشغال بمنع الفيلم عن الأزمات الطاحنة التي يعانيها بلدهم، ومحاولة صرف النظر عن الفشل الحكومي المستمر بالتحريض ضد مجتمع الميم عين.

وبعدما كان لبنان أول بلد عربي يقيم أسبوعاً للمثليين عام 2017، وكان يعتبر "ملاذاً آمناً" لمجتمع الميم في الشرق الأوسط. اتخذت الحكومة الحالية عدة إجراءات معادية بينها قرار وزارة الداخلية اللبنانية، في العام الماضي، بحظر المناسبات التي تروج للمثلية الجنسية. وتتزامن دعوة الوزير اللبناني لمنع عرض "باربي" مع تصاعد الخطاب المعادي لمجتمع الميم عين في لبنان.

وبوجه عام، أعرب معلقون عرب عن دهشتهم من الضجة المثارة حول العمل عقب مشاهدته. قدّر بعضهم أن العمل "تافه" ورآه  آخرون "أقل من المتوقع" واعتبر غيرهم أنه لا يتضمن أي محتوى مثير. 

من هؤلاء الصحافي المصري المقيم في إنجلترا أحمد زكي الذي غرّد: "اتفرجت على فيلم "باربي" ومفهمتش إيه هو اعتراض الرقابة في الدول العربية واللي أدى لتأجيل عرض الفيلم في السعودية والإمارات ودول الخليج ومصر عدة مرات! مفيهوش مشاهد عريّ أو محتوى للبالغين فقط... لو حد يعرف السبب يا ريت يقول علشان الموضوع غريب جداً".

واعتبر عزيز المهتم بالنقد السينمائي أن "الفيلم كوميدي أقرب للسذاجة ومخيّب للآمال، خصوصاً أننا نتحدث عن كتابة نواه باومباك رفقة زوجته غريتا غيروغ، توقعت النص أكثر عمقاً وإبداعاً، لكن العمل يميل للتهريج وصناعة فيلم تجاري بحت يعتمد على شعبية هذه اللعبة باربي. أداء الممثل رايان غوسلينغ هو الحسنة الوحيدة في الفيلم وبدونه لا يمكن إكمال الفيلم للنهاية".

أما نبيلة، فكتبت: "أعتقد أن ما منع هذا الفيلم من التداول ليس ما يقدمه من انحلال للقيم والأخلاق والمثلية بقدر ما هو الحرص على حماية مقتضيات المجتمع الذكوري في العالم الحقيقي، من خلال الدور الذي يلعبه الرجل (الشخصية في القصة)، حيث أنّه وُلِد ليكون تابعاً للمرأة، بمعنى ترويجه لتنازلات (باعتقاد أهل السلطة) على الرجل أن يقدمها ليسعد الأنثى".

"كل الكلام عن فيلم باربي أوفر ريتيد وغير مفهوم… يعني المشاهد العربي ممكن يتقبل كل أفلام الأكشن والخيال والدراما ويتابع صراع العروش وممكن يتعاطف حتى مع صانع القنبلة الذرية لكن ما ينام الليل إذا الفيلم يتحدث عن النسوية حتى لو كان عبارة عن دمية وعالم افتراضي"

وتساءلت نبيلة: "لو أن فيلماً كهذا روَج لتبعية المرأة للرجل ولإسعاده ولإشباع ذكوريته، هل كنا سنشهد بياناً رقابياً يمنع مشاهدته بحجة ضرب القيم الأسرية؟ حسناً، لماذا يروّج لأفلام تدعو الى العنف والمخدرات والفسق والخطف والاغتصاب والمافيات مثلاً؟ ألا تهدد هذه الأفلام قيمنا (وبداوتنا) وإيماننا؟".

وتعجّبت مغرّدة من العراق، تضع حروف اختصار لاسمها "أس أم أف"، قائلةً "كل الكلام عن فيلم باربي أوفر ريتيد وغير مفهوم… يعني المشاهد العربي ممكن يتقبل كل أفلام الأكشن والخيال والدراما ويتابع صراع العروش وممكن يتعاطف حتى مع صانع القنبلة الذرية لكن ما ينام الليل إذا الفيلم يتحدث عن النسوية حتى لو كان عبارة عن دمية وعالم افتراضي".

واعتبر معلقون أن الضجّة حول العمل والاستغلال المثالي للدمية المحبوب كان السبب وراء نجاحه من ناحية المبيعات والمشاهدات وليس محتواه، قائلين إن هذا دليل على "أننا في زمن التسويق للشيء أهم من محتواه".

الرقابة على الأفلام والأعمال الإبداعية بوجه عام ليست جديدة في الدول العربية، غير أن اللافت أن أسباب المنع باتت تأخذ نسقاً أخلاقياً وقيمياً بشكلٍ متزايد في الآونة الأخيرة.

الرقابة "الأخلاقية" في الدول العربية

والرقابة على الأفلام والأعمال الإبداعية بوجه عام ليست جديدة في الدول العربية، غير أن اللافت أن أسباب المنع باتت تأخذ نسقاً أخلاقياً وقيمياً بشكلٍ متزايد في الآونة الأخيرة. علماً أن الكثيرين يلجأون للأفلام المقرصنة عبر منصات بث مجانية على الإنترنت كحل بديل لمشاهدة الأعمال الممنوعة.

وشهدت الشهور الماضية منع عرض أفلام لوجود شخصيات مثلية أو عابرة للجنس أو حتى مشاهد تعكس الحب المثلي في الخليج ودول عربية أخرى. وكان فيلم "سبايدرمان أكروس ذا سبايدر فيرس" من ضحايا الرقابة في حزيران/ يونيو الفائت حيث منع من العرض في لبنان ومصر والسعودية والإمارات بسبب تناول قضايا مجتمع الميم عين وظهور علم العبور الجنسي في أحد مشاهده.

وفي حزيران/ يونيو عام 2022، منع لبنان والإمارات والسعودية والكويت ومصر فيلم "لايت يير" بسبب مشهد يتضمن قبلةً بين امرأتين. وبعد ذلك بشهرٍ واحد، منع لبنان عرض فيلم "مينيونز" بسبب مشهد قصير يتعانق فيه شابان على ما يبدو.

وفي 2021، منعت السعودية وقطر والكويت والأردن ومصر عرض فيلم "الأبديون" أو Eternals، للنجمة أنجلينا جولي بسبب رفض شركة "والت ديزني" حذف مشاهد لشخصيات مثلية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard