شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أفلام عربية عن المثلية يشاهدها النقاد فقط ليكتبوا عنها بسرّية تامة

أفلام عربية عن المثلية يشاهدها النقاد فقط ليكتبوا عنها بسرّية تامة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الخميس 6 أبريل 202312:00 م

في بداية تاريخها، كانت السينما موجهةً إلى العامة من دون تحيّزات مسبقة. فقد عُرض أول فيلم في مقهى في باريس، وبعد ذلك أصبحت الشاشة الكبيرة مثالاً على الفن الذي لا يرتبط بطبقة معيّنة أو بدرجة محددة من التعليم والثقافة، بمعنى آخر، يستطيع الأفراد، من مختلف الأعمار والطبقات والخلفيات الاجتماعية والثقافية، الذهاب إلى السينما والاستمتاع بها.

والمفارقة أنه في بداياتها كانت السينما حرّةً، ولكن معظم صنّاعها قاموا برقابة ذاتية استقوها من بعض الأعراف الاجتماعية التي ترعرعوا عليها، غير أن بعض المخرجين/ ات قاوموا/ ن هذه الأعراف فظهرت أفلام أكثر جرأةً من غيرها.

من هنا بدأت الرقابة السينمائية في العالم بأسمائها وأشكالها المختلفة، والعلاقات الجنسية كانت ولا تزال من أبرز المواضيع التي تستدعي الرقابة وتخضع لمقصّها، واللافت أننا في القرن الواحد والعشرين أصبحنا أمام حالة خاصة: أفلام يتم حجبها عن الجمهور بسبب مواضيع معيّنة مثل الميول الجنسية والهوية الجنسية والجندرية.

أفلام "لن يشاهدها أحد"

لا تصل الأفلام إلى كل المشاهدين/ ات، بالطريقة نفسها وعبر القنوات عينها، فهناك أعمال نخبوية تختار جمهورها وغالباً ما يرتبط عرضها بالمهرجانات السينمائية بعيداً عن السينما التجارية الرائجة، ويتميز هذا النوع من العروض بجرأة مختلفة عن تلك التي نراها في صالات العرض السينمائية.

ولكن هذه الأفلام الفنية أو "أفلام المهرجانات" كما يُطلق عليها في العادة، أصبحت عرضةً لمقص آخر من الرقابة، فحتى المشاهد العادي الراغب في مشاهدة أحدث أفلام العام وأهمها، قد يُمنع من مشاهدة العروض لكونها مقصورةً فقط على الصحافيين/ ات والنقاد، هذا بالإضافة إلى أفلام أخرى يشاهدها فقط النقّاد سواء في لجان التحكيم أو في المهرجانات العالمية.

العلاقات الجنسية كانت ولا تزال من أبرز المواضيع التي تستدعي الرقابة وتخضع لمقصّها، واللافت أننا في القرن الواحد والعشرين أصبحنا أمام حالة خاصة: أفلام يتم حجبها عن الجمهور بسبب مواضيع معيّنة مثل الميول الجنسية

المفارقة أن النقاد يكتبون في بعض الأحيان عن أفلام عربية لم يشاهدها أحد.

في العام 2022، وصل فيلم مغربي بعنوان "أزرق القفطان"، إلى قائمة الأوسكار القصيرة للأفلام المرشحة لأفضل فيلم دولي، وعُرض قبلها في مهرجان كان السينمائي وفاز بجائزة Un Certain Regard، وكان من ضمن الأفلام المرشحة لجائزة أفضل فيلم عربي من لجنة تحكيم النقاد العرب التي ستقدّم جوائزها خلال دورة العام 2023 من مهرجان كان القادم، غير أن الفيلم لم يُعرض حتى الآن بشكل واسع في الشرق الأوسط، ولم يشاهده سوى نقّاد لجنة التحكيم، والسبب أن الفيلم يتناول قصة زوج مثلي تساعده شريكته التي هي على وشك الموت على الانخراط في علاقة مع شاب يعمل معهما، ليخرج الزوج من الخزانة أخيراً.

يُعدّ فيلم "أزرق القفطان" محظوظاً، إذ حظي بموافقة بلاد المغرب على تمثيلها في مسابقة أوسكار أفضل فيلم دولي، بعكس فيلم "بشتقلك ساعات"، للمخرج المصري محمد شوقي حسن، الذي عُرض في دورة مهرجان برلين لعام 2022، وأثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي لمناقشة كيفية إنتاج فيلم مصري يتناول المثلية بهذه الجرأة، ووصوله إلى المهرجانات العالمية.

وخرجت بعد ذلك العديد من الأصوات المهدئة من الرقابة لتردّ بأن الفيلم لا يمثل مصر في مهرجان برلين، وأن إنتاجه ليس مصرياً، وأنه لم يتم تصويره في مصر، ولم يتقدم مخرجه ومؤلفه بأي سيناريوهات للرقابة على المصنفات كي تجيز تصويرها، وكأن الفيلم أصبح "وصمةً" يرغب الجميع في التنصل منها.

في العام 2021، عُرض في مهرجان برلين السينمائي فيلم بعنوان "أعنف حب" (Miguel's War)، للمخرجة إليان الراهب، وقد فاز بجائزة "تيدي".

يدور الفيلم الوثائقي حول الشاب اللبناني ميغيل، ورحلة الكشف عن هويته الجنسية بالتوازي مع الاضطرابات اللبنانية، سواء الحرب الأهلية أو الأزمة الاقتصادية، واللافت أنه عند عرض الوثائقي في إحدى لجان التحكيم المغلقة، طُلب من النقّاد المعنيين عدم الكتابة عنه إلا بعد الرجوع إلى المخرجة.

لمن يكتب النقّاد؟

هذه الأفلام ليست سوى أمثلة محدودة على حالة أصبح فيها النقّاد المعنيون بالسينما أمام أفلام يجب الاشتباك معها من الناحية النقدية والفنية، ولكنهم مكبّلون لأن هذا الاشتباك لا يمكن أن يكون من جانب واحد، فالناقد حلقة وسيطة ما بين العمل الفني وجمهوره، وعندما تنقطع هذه الصلة بين الجانبين يصبح حائراً لمن يكتب عن فيلم ممنوعة من الأصل مشاهدته؟

في هذا السياق، قالت الناقدة السينمائية، رحمة الحداد، لرصيف22: "الموضوع إشكالي إلى حدّ كبير لأن له شقين: مفهوم المنع السلطوي ومفهوم المقاومة الجماهيرية".

وأضافت الحداد: "هناك نوعية معيّنة من الأفلام مرفوض عرضها بسبب الرقابة، لكن الأسباب الرقابية تمتد إلى الخوف من ردود أفعال الجمهور الذي اعتاد لفترة طويلة على مشاهدة أعمال مطهرة من كل ما هو خلافي، لذلك أظن أن الكتابة عن أعمال غير مشاهَدة بشكل واسع هي عملية تبدو فارغةً من المعنى لكنها أيضاً تحرك فضولاً تدريجياً -إذا لم تكن كتابات إثاريةً أو فضائحيةً- كما تصنع مساحةً أكبر للتطبيع وتقبّل الاختلاف حتى لو على نطاق أضيق من الشكل الجماهيري".

من حق هؤلاء الأشخاص (أفراد مجتمع الميم-عين)، أن يكونوا ممثلين/ ات وموجودين/ ات على الشاشة، ويتم التعبير عنهم/ نّ، ومن المهم أن يكونوا موجودين بعلاقاتهم ومشكلاتهم ونجاحاتهم

من وجهة نظر رحمة، فإن هذه الحلقة المقطوعة قد يكون لها دور تدريجي في تقليل مقاومة الجمهور لهذه الأفلام التي تتناول المثلية على سبيل المثال، كما حدث مع فيلم "بشتقلك ساعات"، بحيث كانت المقاومة الرقابية من الجماهير نفسها لا من الهيئات الرقابية، لذلك قد تكون الكتابة النقدية المتوازنة من دون الهجوم والتركيز على الجانب الفضائحي، بدايةً لنسج شبكة تواصل بين الأفلام "المغضوب عليها" والمشاهدين/ ات.

بدورها، قالت صانعة الأفلام، أمنية سويدان، لرصيف22: "يمكن الحديث عن هذا الموضوع من أكثر من زاوية أو عدسة، فمن وجهة نظر حقوقية، من حق هؤلاء الأشخاص (أفراد مجتمع الميم-عين)، أن يكونوا ممثلين/ ات وموجودين/ ات على الشاشة، ويتم التعبير عنهم/ نّ، ومن المهم أن يكونوا موجودين بعلاقاتهم ومشكلاتهم ونجاحاتهم، أما من المنظور الفني فأنا ضد الرقابة على المحتوى الفني الذي برأيي يمكن نقده، مناقشته والاشتباك معه، لكن لا يجب منعه أو حظره حتى لو كان مخالفاً للأفكار السائدة".

تناولت السينما العربية المثلية بشكل مباشر، كما في "حمام الملاليطي" و"عمارة يعقوبيان"، والأخير حظي بعرض واسع وشهرة ممتدة حتى اليوم، ولكن على الرغم من أن العالم يسير بخطى سريعة تجاه مجتمعات أكثر انفتاحاً وتقبّلاً للآخر، فإن بعض المجتمعات العربية أصبحت أكثر إنغلاقاً وعنفاً تجاه الفئات المهمشة.

وعليه، بات بعض النقاد اليوم مكبّلين بقواعد غير مكتوبة للعرض السينمائي تمنع الأفلام التي تتناول المثلية حتى لو عُرضت في أكبر المهرجانات، وعليه أصبح الناقد أمام خيارين: إما الكتابة عن أفلام لن يشاهدها أحد، فينفصل بذلك عن الجمهور، أو يتوقف عن مراقبة بعض أهم الأفلام التي تهدف إلى كسر التابوهات وتقوم بتناول المواضيع الحساسة وعرض قصص مؤثرة عن الفئات المهمشة في المجتمع. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image