شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ماذا ينتظر سوريا في المستقبل؟

ماذا ينتظر سوريا في المستقبل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

هذا المقال جزء من ملفّ "على رصيف المستقبل"، بمناسبة عيد ميلاد رصيف22 العاشر.


تغيّرت، خلال العقد المنصرم، نوعية الصراعات في المنطقة العربية. بدلاً من الصراعات وتبادل الحساسيات بين الدول، افتتحت العقد الماضي موجة واسعة من حركات الاحتجاج في عدد من الدول العربية، تبعتها بعد بضع سنوات، حركات احتجاج في دول أخرى لم تشملها الموجة الأولى.

في هذه الاحتجاجات، برزت إلى السطح إرادة شعبية مضادة للأنظمة السياسية التي كان قد استقرّ لها الأمر طويلاً حتى بات التوريث على جدول أعمال "الجمهوريات" جميعها. الصراعات الداخلية التي سيطرت خلال العقد المنصرم، تقدّمت على الصراعات الخارجية بين الدول.

شهدنا لأول مرة كيف اقتحمت الإرادة الشعبية، التي كانت كأنها في عداد الموتى، المجال السياسي، وفرضت نفسها على العالم، قبل أن تتفكّك هذه الموجة وتتعثر الثورات وتتحوّل إلى ساحات حروب محلية تتغذى على الفشل السياسي وعلى الإرادات والمصالح الخارجية.

الملاحظة الأهم على الصراعات العسكرية التي تلت الثورات المذكورة وغطت الجزء الأكبر من العقد المنصرم، هي أنها صراعات استنزاف لا تمتلك أطرافها إمكانية الحسم، بعد أن اندرجت صراعاتها في شبكة الصراعات الدولية بصورة شبه مباشرة. هذا النموذج من الصراعات واضح في اليمن وفي ليبيا وفي سوريا، وأُضيفت إليه اليوم السودان، بعد أن كان هذا البلد، بفضل تطور النضال المدني فيه، الأكثر قرباً إلى تأسيس نظام حكم ديموقراطي.

سوف تجد مثقفين علمانيين سوريين يرون في وقوف نظام الأسد ضد الإسلاميين مسوّغاً كافياً للقبول به، فما بالك بجمهور واسع من الأديان والمذاهب المغايرة للمذهب السني؟

في توقع حال هذه البلدان في العقد القادم، تنبغي الموازنة بين العناصر التي تدفع باتجاه الخروج من صراع الاستنزاف الحالي، وبناء دولة بوصفها مؤسسة عمومية وليس موضوع مُلكية تتصارع الأحزاب والفرق للفوز به، وبين العناصر التي تعيق هذا الخروج وتجعل البلد غارقاً في صراعات الاستنزاف التي لا معنى لها، لأنها صراعات تدور بين سلطات متشابهة، سواء في علاقتها مع الجمهور أو في تبعيتها للخارج، أو في كون برنامجها السياسي الوحيد هو البقاء وكيفية الاحتفاظ بالسلطة فوق كل اعتبار.

في الحالة السورية نلاحظ أن القوّة الأساسية، وربما الوحيدة، التي يمكن أن تغذّي الميل إلى وحدة سوريا في ظل حدود معقولة من العدالة السياسية والاجتماعية، هي إرادة الشعب السوري. لا أحد له مصلحة في خروج سوريا سليمة من هذا الهول سوى الطبقات الشعبية التي تعاني اليوم من غياب التمثيل السياسي. وما يزيد في الأمر سوءاً هو الانقسام السياسي القائم.

نجد في الوضع السوري اليوم، أن إرادة الشعب باتت مشتتة في ظل سلطات الأمر الواقع التي تتقاسم سوريا. يعيش السوريون في ظل كل سلطة قائمة اليوم صراعات مركبة. على سبيل المثال، القسم من الشعب السوري الذي يخضع لسلطة دمشق، يعاني من شتى صنوف الاختناق، من الضيق المعاشي إلى التضييق الأمني إلى الإذلال الوطني، ومن الطبيعي أن يولّد هذا موقفاً رافضاً لنظام الأسد، ولكن هذا القسم لا يجد في سلطة الإسلاميين في شمال غرب سوريا، مثالاً يرتجى، ولا كذلك في سلطة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، لا من حيث علاقة كل سلطة منهما بمحكوميها، ولا من حيث المنظور السياسي الغالب في كل منهما.

يوجد جزء مهم من المحكومين لنظام الأسد يكنّون العداء للسلطات الأخرى التي نشأت واستقر لها الحال في مناطق مختلفة من سوريا، الأمر الذي يشكّل، في ذهن هؤلاء، نوعاً من تسويغ القبول بنظام الأسد، بوصفه ممثل "الدولة" والمدافع عن "الوطن" في وجه سلطات "انتهازية" طارئة. حتى أن الخطاب العدائي الذي يصدر عن نظام الأسد ضد هذه السلطات، الإسلامية والكردية بشكل خاص، يشكل مصدر رضا لقطاع من القوميين العرب الذين يشاركون النظام موقفه من الكرد، والحال كذلك فيما يخص العلمانيين في تقاطعهم مع موقف النظام من الإسلاميين.

بعض المعارضين السياسيين الأشداء لنظام الأسد من القوميين العرب، يطربهم تشدّد النظام مع الكرد وإنكاره لحقوقهم، فما بالنا بقوميين عرب غير منخرطين في معارضة النظام. كذا الحال في وقع معاداة النظام المعلنة للفصائل الإسلامية على مسامع العلمانيين السوريين.

لكل سلطة قائمة في سوريا ارتباط خارجي مختلف ومهيمن، وهذا يزيد من عمق الانقسام الذي من الراجح أن يستمر على هذه الحال خلال العقد القادم، مع ذلك يبقى هناك أمل في أن التبلور المتزايد لهذه السلطات قد ينتهي، إذا توفرت الشروط، في توحيد سورية بصياغة توحيدية جديدة أكثر مرونة

سوف تجد مثقفين علمانيين سوريين يرون في وقوف نظام الأسد ضد الإسلاميين مسوّغاً كافياً للقبول به، فما بالك بجمهور واسع من الأديان والمذاهب المغايرة للمذهب السني؟ هؤلاء يرون في الإسلاميين تهديداً لهم ولنمط حياتهم، يجعلهم راضين بنظام يذيقهم المرار ولكن يبدو لهم قوة الحماية الوحيدة ضد خطر إسلامي يتجسّد الآن في سلطة على بقعة من سوريا. المنطق نفسه يمكن سحبه، مع التعديلات المناسبة، على المحكومين للسلطات المستجدة، فتجد مثلاً، أن السبب الأهم لقبول الفصائل الإسلامية التابعة لتركيا أو لهيئة تحرير الشام يكمن في عدائها لنظام الأسد.

لم تتبدّد هذه القناعات في سياق العقد المنصرم، ولا يبدو أنها ستتبدّد قريباً. يشهد العقد المنصرم على فشل أي جهة سياسية سورية في كسب ثقة السوريين على أساس وطني يتجاوز الحساسيات القومية والمذهبية. هذا ليس لأنه لم تتوفّر جهة وطنية سورية، بل لأنه لم تنجح أي منها في النمو والوصول إلى الجمهور وكسب النفوذ. أي لم تنجح أي جهة سياسية في حشد السوريين بوصفهم جماعة وطنية، ولا غرابة في ذلك، إذا علمنا أن العنف يسيطر، وأن الأرض ممسوكة من أطراف لا تحوز على ما يبني الثقة المتبادلة بين السوريين، بل تبني سيطرتها على ما يبدّد الثقة وفق خطوط انقسام قومية ومذهبية. والنتيجة أن الانقسام السياسي الحاصل في سوريا، استجرّ انقساماً شعبياً يبدّد إرادة الشعب السوري التي هي، كما قلنا، الجسر الأهم، وربما الوحيد، نحو استعادة وحدة سوريا بدولة ذات مضمون حديث.

على ما سبق، يبدو أن هناك حقيقة تتضح أكثر فأكثر مع الزمن في سوريا، كنموذج عن البلدان العربية التي تحوّلت إلى ساحة حروب داخلية استنزافية، هي المزيد من تبلور الانقسام السياسي الحاصل، وتراجع العناصر الداخلية التوحيدية (غياب الإرادة الشعبية الواحدة، وتكرّس سلطات ذات مصلحة بالانقسام الحاصل). لكل سلطة قائمة في سوريا ارتباط خارجي مختلف ومهيمن، وهذا يزيد من عمق الانقسام الذي من الراجح أن يستمر على هذه الحال غير الرسمية خلال العقد القادم، مع ذلك يبقى هناك أمل في أن التبلور المتزايد لهذه السلطات قد ينتهي، إذا توفرت الشروط، في توحيد سوريا بصياغة توحيدية جديدة أكثر مرونة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image