شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تجارب التقمّص.. هل هي حقيقية؟

تجارب التقمّص.. هل هي حقيقية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والخطاب الديني

الاثنين 21 أغسطس 202311:53 ص

بعد أن مضى على موت أخويّ سبعة أعوام كتبت: "مازلنا ننتظر الله أن يكفّر عن ذنبه ويرسلكما، أو أحدكما، على هيئة طفل بأعوام سبعة وذاكرة سابقة". كانت تلك هي المرّة الأولى التي أردت فيها أن أؤمن بالتقمّص وبشدّة.

من الأحاديث الشائعة في مجتمعنا المصغّر أن فلاناً عادت روحه متجسّدة في جسد آخر بعد موته، في مكان أو منطقة قد تكون قريبة أو بعيدة عن مكان سكنه قبل موته، إلا أنني، وعلى مرّ سنوات عمري الأربعين، لم ألتق بأي من هؤلاء العائدين، جميع القصص التي سمعتها كانت نقلاً متناقلاً.

كل من يؤمن بالتقمّص أو استنساخ الأرواح، وكل من قرأ عنه أو سمع به، يعلم أن ثمة طوائف عديدة في بلدان مختلفة تؤمن بالتقمّص وتتداول قصصه، كالهندوسية، السيخية، البوذية، الطاوية، بعض الطوائف اليهودية والمسيحية، وديانات سكان أميركا الأصليين وشعوب المايا والأنكا، وكل مسلم يعلم أن من الفرق المسلمة التي تؤمن بالتقمّص أو التناسخ، العلوية والدرزية والإسماعيلية.

يقولون

تأتي فكرة التقمّص، أي انتقال الروح من جسد إلى آخر، كاستبدال لقميص جسدي بآخر، عند العلويين من فلسفة تكرار الامتحان للنفس البشرية كي تصفى وتنقى إلى أن تصل إلى يوم الحساب، إلا أن العلويين أنفسهم ينقسمون، هم وشيوخهم، بين مؤيّد ومعارض، مؤمن ورافض، لفكرة التناسخ.

بعد أن مضى على موت أخويّ سبعة أعوام كتبت: "مازلنا ننتظر الله أن يكفّر عن ذنبه ويرسلكما، أو أحدكما، على هيئة طفل بأعوام سبعة وذاكرة سابقة". كانت تلك هي المرّة الأولى التي أردت فيها أن أؤمن بالتقمّص وبشدّة

 يقترح التناسخ أن الحياة هي دورة مستمرة من الولادة والموت والبعث بعد الموت، حيث تترك الروح الجسد القديم وتدخل حياة جديدة، لكن، كيف وعلى ماذا تبنى جودة الحياة الجديدة؟

لنفترض أن إنساناً عاش حياةً سيئةً، عانى فيها من الفقر والجوع والمرض، هل سيحيا بقية حيواته في نفس الظروف، وما هو السبيل إلى تحسين أوضاعه في حيوات قادمة؟

يقول العلماء الروحيون وشيوخ الطوائف التي تؤمن بالتقمص إن محور مفهوم التناسخ هو فكرة الكارما، والتي تشير إلى أن أفعال المرء في الحياة السابقة تحدّد ظروفه في الحياة المستقبلية، أي أن الأفعال الإيجابية تؤدي الى نتائج إيجابية، بينما تؤدي الأفعال السلبية إلى عواقب سلبية، وينظرون إلى التناسخ على أنه فرصة للنموّ الروحي والتعلّم، حيث توفر كل حياة دروساً وتجارب تساعد الروح على التطور نحو مستويات أعلى من الوعي والتنوير.

حسناً، اذا أردنا تصديق ذلك، سيراودنا سؤال ماذا بعد؟ ما الذي سيحدث بعد تلك الدورات من التناسخ وإلى متى ستبقى هذه الروح تنتقل من جسد إلى آخر، من قميص إلى آخر؟

سيجيبك رجال الدين أن أنظمة المعتقدات المختلفة لها وجهات نظر مختلفة حول ما يحدث بعد دورات متعدّدة من التناسخ، فالبعض يقترح تحقيق التحرّر (النيرفانا) بينما يقترح البعض الآخر الوصول الى الاتحاد بقوة أعلى أو عالم إلهي.

وبما أنني تربيت في عائلة معتدلة التفكير، تميل إلى العلم والمنطق أكثر ما تميل إلى الخرافات والانجرار الأعمى وراء الموروث، فقد كنت طوال حياتي أحاكم الأمور عقلياً ولا أعتقد بما لا يقبله عقلي.

ليس نحن فحسب

منذ عشرة أعوام كنت أجادل شخصاً في هذا الموضوع وحجّتي أننا فقط نحن العرب من يؤمن بأشياء لا أساس لها من الصحة، ولو سمع أحاديثنا رجل غربي لسقط على ظهره من الضحك، فأمسك ذاك الشخص كتاباً لطبيب أمريكي يدعى مايكل نيوتن، وألقاه في وجهي.

 يقول مايكل نيوتن في مقدمة كتابه "رحلة الأرواح": "هل يعني الموت فعلاً النهاية المطلقة؟ وبالتالي هل يمكن أن تكون الحياة بلا معنى؟ هناك قوة داخلية تدفعنا لتصوّر وجود عالم آخر، والشعور بالصلة مع قوة عظمى، وبأننا نملك حتماً روحاً تستطيع أن تحيا إلى الأبد. إذا كان لدينا فعلاً هذه الروح فأين تذهب بعد الموت؟".

مايكل نيوتن هو طبيب نفسي أميركي ومعالِج بالتنويم المغناطيسي، عضو المؤسّسة الأميركيّة للمشورة النفسيّة، أخصائي علاج تنويم معتمد، ومؤسّس معهد نيوتن في كاليفورنيا.

ثمة طوائف عديدة في بلدان مختلفة تؤمن بالتقمّص وتتداول قصصه، كالهندوسية، السيخية، البوذية، الطاوية، بعض الطوائف اليهودية والمسيحية، وديانات سكان أميركا الأصليين وشعوب المايا والأنكا، وكل مسلم يعلم أن من الفرق المسلمة التي تؤمن بالتقمّص أو التناسخ، العلوية والدرزية والإسماعيلية

من خلال تطوير تقنيّاته في الارتداد، اكتشف نيوتن أنّ بإمكانه أخذ مرضاه إلى ذكريات حيواتهم السابقة وما وراءها، ليكشف عن نطاقٍ أوسع لوجودهم الروحي. أسّس معهد نيوتن للحياة بين الحيوات، حيث يتدرّب مئات المعالجين على ممارسة تقنيّات التنويم المغناطيسي المتقدّمة التي ابتكرها. ظهر في برامج تلفزيونيّة وإذاعيّة عديدة في أميركا، ولا سيّما قناة ديسكوفري.

 هذا الكتاب والقصص الواردة فيه أعاد خلط أوراقي، فضمن 316 صفحة، يورد فيها هذا الطبيب تسعة وعشرين نموذجاً لأشخاص، صغاراً وكباراً، فتية ومسنين، تحدثوا أثناء تنويمهم عن لحظات موتهم وانتقال أرواحهم إلى أجساد جديدة، واصفين بدقة رحلة الانتقال هذه ومرور أرواحهم من البوابات السماوية ولقاءهم بالمرشدين الروحيين والمجموعات الروحية.

تحرّر الروح من الجسد عند الموت، ولوجها في بوابة العالم الروحي، لقاؤها بأرواح أخرى أثناء مرحلة العبور، خضوع الأرواح المتعبة والتائهة لجلسة تعاف، ثم اختيار جسد جديد والانتقال إلى حياة جديدة.

لم يكتف نيوتن بذلك بل قسم الروح إلى مستويات: الروح المبتدئة ولها نوعان، الأرواح في المراحل الأولى لوجودها خارج العالم الروحي والأرواح التي سبق لها وتجسّدت مرّات عديدة، ولكنها رغم ذلك لم تنضج. تتواجد الزمرتان في المستوى الأول والثاني. ويعتقد أن 75% من الأرواح التي تسكن حالياً أجساداً بشرية تتواجد في المراحل الأولى للتطور.

الروح في مرحلة التطور المتوسطة، هي الروح التي تجاوزت المستوى الثاني إلى المستويين الثالث والرابع، وتكون مستعدة للقيام بمهمات أكثر جدية، حيث تتحوّل علاقتها مع مرشديها من علاقة معلم/تلميذ إلى علاقة زملاء عمل، وتنمية قدراتها التعليمية لتستطيع أن تؤهّل نفسها مع الوقت لتحمّل مسؤولية أخذ دور مرشد لأرواح أخرى.

الروح القديمة والمتطوّرة، حيث يسميها الروح بالهالة الزرقاء، من المستوى الخامس أصحابها قليلون جداً، ويتميزون بتفهمهم ومعرفتهم الروحية الواسعة. في معظم الحالات تكون الأرواح من المستوى الخامس عبارة عن مرشدين متجسّدين على الأرض، أي أنهم يجدون أنفسهم بتحسين حياة الآخرين دون أن يتولد لديهم الإحساس بالغبن، لا يعيرون الاهتمام الكبير للأعراف والنظم الاجتماعية القائمة، بل يركّزون على القيم الإنسانية الحقيقية.

لا أنكر أن هذا الكتاب أثّر في تأثيراً كبيراً، ورحت أخبر القاصي والداني عنه، لدرجة أنني تبنيت الفكرة ورحت أدافع عنها، إلا أنه بعد مضي فترة لا بأس بها على قراءتي للكتاب، عدت إلى التشكيك... أحتاج قصّة حقيقية أمام عيني كي أصدق.

إذا ما عدت إلى التفكير بكل القصص التي سمعتها في مجتمعنا العربي، أجدها تنحصر فقط ضمن المذاهب الثلاثة التي تؤمن بها، ولا أجد سنّياً واحداً أو مسيحياً واحداً، خاض هذه التجربة؟ ألا يمتلك هؤلاء أرواحاً تحتاج أن تصفّى وتنقّى؟

قصص لا تعد لأشخاص عاشوا تجربة التقمص، منهم مشاهير

رأيت لقاءات عدّة أجراها طوني خليفة، المذيع اللبناني المشهور، في برامجه المثيرة للجدل، مع أناس يروون أشياء مشابهة لما ذُكر في هذا الكتاب، عندما تعرّضوا لتوقف قلب مؤقت إثر حادث أو عمل جراحي، ثم عادوا بعدها إلى الحياة، أو أناس "مجيّلين"، كما نسميهم، يتذكرون أحداث الجيل الماضي، أي حياتهم السابقة، في حياتهم الحالية.  

وسمعت قصصاً عديدة لمشاهير عاشوا التجربة، كالكاتبة والشاعرة اللبنانية ندا أبو شقرا، التي ولدت في قرية قريبة من قريتها التي كانت تسكنها في حياتها السابقة (ثمة لقاء مصوّر معها ومع أولادها السابقين لمن يود الاطلاع).

آن فرانك، الألمانية اليهودية التي قضت في محرقة أوشفيتز ثم ولدت في السويد باسم باربرو كارلن، صاحبة كتاب "وعوت الذئاب. أجزاء من حياتين" وتروي فيه سيرتها وتفاصيل حياتيها.

يقول صديقي طبيب جراحة الأطفال: "أؤمن بالتقمّص بسبب كثرة الحالات التي رأيتها، والتفسير الأقرب إلى المنطق لهذه الظاهرة، أن الدماغ يرسل موجات كهرومغناطيسة كموجات الراديو تحمل المعلومات، وفي حالات الموت العنيف المفاجئ قد تصدر موجة كنبضة قوية تحمل جزءاً من المعلومات، وهذا ما يفسر رؤية حالات التقمّص لأشخاص ماتوا ميتات غير طبيعية، هذه الموجة يستقبلها دماغ طفل حديث الولادة، أما عن لماذا دماغ طفل حديث الولادة، فلأنه يكون صفحة بيضاء خالية من المعلومات". لكنه يكمل: "أما ما هو غير مفسّر، لماذا يستقبل هذه الموجة دماغ طفل واحد وليس أدمغة عدة أطفال؟

لكن إذا ما عدت إلى التفكير بكل القصص التي سمعتها في مجتمعنا العربي، أجدها تنحصر فقط ضمن المذاهب الثلاثة التي تؤمن بها، ولا أجد سنّياً واحداً أو مسيحياً واحداً، خاض هذه التجربة؟ ألا يمتلك هؤلاء أرواحاً تحتاج أن تصفّى وتنقّى؟

لا العلم يقبل هذه الظاهرة ولا الأديان تجمع عليها، ولا عقلي ولا عقول معظمكم تصدقها، أعلم ذلك. لكن ماذا سنفعل؟ هل نضيفها إلى قائمة الهرطقات أم أن أحدكم سيأتينا ببرهان؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard