في كل مساء قبل استسلامها للنوم، تنزع سعيدة لباسها الداخلي، وتقف أمام المرآة وبيدها قدح في داخله خليط متجانس مكوّن من زيت "الحلبة" وزيت "جنين القمح"، وبعض من "خميرة الخبز". في كل مرة تأخذ قطعة قطن تغمسها في هذا الخليط، وتلفّ قطعة القماش على مؤخرتها، ثمّ تضع قطعة القماش في الخليط، وتضعها على الأرداف وتتركها حتى تجفّ، ثم تغمسها مرةً أخرى في الخليط وتضعها على المكان نفسه، وتبدأ بتدليك مؤخرتها وأردافها بشكل دائري وخفيف لمدّة لا تقل عن 15 دقيقةً. بعدها تترك سعيدة الخليط على جسمها لمدّة ساعتين، قبل أن تغسله بالماء البارد. لا تكلّ سعيدة عن تكرار استخدام الوصفة يومياً، ولا تملّ منها، كما تقول: "للحصول على النتيجة المطلوبة، وهي مؤخرة بارزة ممشوقة القوام".
"أنوثتي المجروحة"
تُعدّ هذه الوصفة واحدةً من الكثير من الوصفات والخلطات المتداولة بين نساء مغربيات لتكبير الأرداف، والتي لا غِنى عنها لنساء من مختلف الأعمار يرغبن في الحصول على أحسن النتائج. هوس عابر للطبقات الاجتماعية، لكنه ليس مرتبطاً بكل النساء بل ببعض منهن يردن الحصول على أجساد تشبه أجساد نجمات الغناء والسينما والموضة.
سعيدة (اسم مستعار)، امرأة سمراء جميلة، بشعر أسود حريري طويل يثير الأنظار، لكن بسبب مؤخرتها "المسطحة" كما تصفها، تشعر دائماً بنقص رهيب يلفّه "الكثير من الخوف من عدم الفوز بحب رجل وإثارته بأنوثتي الناقصة"، حسب قولها: "أحس بنقص يمنعني من الاكتمال أو الإحساس بالأنوثة المكتملة".
أحلم بامتلاك 'مؤخرة برازيلية'، تجعلني أكثر أنوثةً وإثارةً. أحلم بأن تكون لدي مؤخرة تشبه مؤخرات النجمات العالميات أمثال كيم كاردشيان، وجينيفر لوبيز، وهيفاء وهبي
وتضيف: "أشعر بأن أنوثتي مجروحة، وأخشى من أن تصبح مؤخرتي المسطحة عضلةً ميتةً. يحزنني أن أراها عضلةً مهددةً بالضمور، أو مهملةً لا تجد رجلاً ينتبه إليها. لهذا دخلتُ في تحدٍّ مع نفسي وجسدي من خلال الغوص في عالم البحث وتجريب كل الطرق والوصفات الممكنة والغريبة لتمكّنني من الحصول على مؤخرة أنثوية جذابة لا يشوبها نقص يجعلني أشعر بأنني امرأة باهتة".
في الثقافة الشعبية المغربية، ترتبط المؤخرة البارزة بالظفر بقلب الرجل، فالأرداف، ذات الشكل المثير، هي من أهم مقومات جمال الأنثى في الثقافة الشعبيّة المحلية، وتعطي وفق ما تعتقد بعض النساء، صاحبتها "جاذبيةً كبيرةً" من أعين الرجال، وفي بعض المناطق، خاصةً في أوساط القبائل الصحراوية، يكون الإقبال على اختيار العروس مرتبطاً بقوامها وجاذبية أردافهما ومؤخرتها ويعلو مهرها كلما كان جسدها مكتنزاً.
"أؤمن بأهمية المؤخرة"
في السنوات الأخيرة، انتشرت الكثير من الفيديوهات للعديد من اليوتيوبرز المغربيات وهن يعرضن "مؤخراتهن"، بطريقة أو بأخرى، بنوع من التباهي والاستعراض والإثارة بهدف استقطاب عدد أكبر من المتابعين، وهو ما يتحقّق لهن وتشهد عليه أرقام المشاهدات التي تتعدى مئات الآلاف في الكثير مما أصبح يُطلق عليه "روتيني اليوم".
فيديوهات خلّفت داخل المجتمع المغربي نوعاً من الجدل حول هذه الظاهرة. خرجت الممثلة المغربية سناء عكرود، في مقطع فيديو لها على صفحتها على إنستغرام، تتساءل عن أهمية الأرداف في المجتمع المغربي والسرّ وراء التركيز عليها بشكل مبالغ فيه.
في السنوات الأخيرة، انتشرت فيديوهات للعديد من اليوتيوبرز المغربيات وهن يعرضن "مؤخراتهن"، بطريقة أو بأخرى، بنوع من التباهي والاستعراض والإثارة لاستقطاب عدد أكبر من المتابعين
وبأسلوب ساخر، قالت الممثلة التي تحظى بشعبية كبيرة: "علينا أن نبحث عن أصل اهتمامنا بالمؤخرة. أنا أيضاً أؤمن بأهمية المؤخرة في كل نقاش تحليلي، وكل موضوع يجب أن تكون فيه مقدمة ومؤخرة، لكن إذا كان ما بينهما ضعيفاً وهشاً فليس لديها أي أهمية. وعلينا القيام بدراسة اجتماعية حول أهمية المؤخرة في مجتمعنا المغربي".
سخرية الفنانة وكثر غيرها، وانتشار الوصفات في الإنترنت، وتقديم خدمات مختلفة في متاجر غير مرخص لها من أقراص و"حصص تدليك"، تطرح سؤالاً حول هذا الهوس الذي قد يقارب الظاهرة.
هوس بالمؤخرة "الكبيرة"
في السنوات الأخيرة أصبح الاهتمام بالجسد وخصوصاً بالجسد "المثالي" للمرأة، موضوعاً حاضراً في المجتمع. وبات يُنظر إلى جسد المرأة خصوصاً النصف السفلي منه، على أساس أنه علامة من علامات الجمال والإثارة وبات يشكل نوعاً من الانبهار الاجتماعي، حتى أصبح ذلك هوساً عند الكثير من النساء، وأصبح اهتمامهن بنصفهنّ السفلي "هوساً".
يرى أستاذ علم الاجتماع رشيد الجرموني، في حديث إلى رصيف22، أن "الإقبال على عمليات التجميل بات موضةً، ومحطّ تهافت من قبل من يرغبن في تغيير شكلهن الخارجي ويعمدن إلى ذلك تقليداً لبعض رموز عالم الغناء والتمثيل".
"أحلم بمؤخرة برازيلية"
الأرداف الكبيرة والمثيرة من بين معايير الجمال التي تسعى نوال إلى الحصول عليها. نوال فتاة جميلة في عقدها الثالث تمتلك من الملامح الجذابة التي تحلم بها جميع الشابات في عمرها الكثير، لكن هذا لا يكفيها للكَفّ عن الحلم بامتلاك مؤخرة كبيرة ومثيرة.
تقول: "أحلم بامتلاك 'مؤخرة برازيلية'، تجعلني أكثر أنوثةً وإثارةً. أحلم بأن تكون لدي مؤخرة تشبه مؤخرات النجمات العالميات أمثال كيم كاردشيان، وجينيفر لوبيز، وهيفاء وهبي".
تضيف نوال: "يركز الرجال عقولهم وأبصارهم عندنا في المغرب على المؤخرات ويراقبون طريقة اهتزازها وحركاتها، وغير ذلك من الجسد النسائي لا يهمهم".
لم تكن رحلة نوال هينةً وسهلةً في تحقيق مرادها، ولم تلجأ إلى الجراحة التجميلية ولا إلى عيادات الأطباء، بل إن رحلتها مؤلمةً وطويلةً تستمر قرابة السنة، وتتردد خلالها على بيت "مي الحسنية".
تحكي أن "مي الحسنية"، امرأة ستينية تتحدّر من الأقاليم الصحراوية، وتتداول كثيرات اسمها. تتخذ المرأة من أحد البيوت في حي المدينة القديمة في الدار البيضاء، مقرّاً لها تتوافد عليه الفتيات من كل حدب وصوب.
في الثقافة الشعبية المغربية، ترتبط المؤخرة البارزة بالظفر بقلب الرجل، فالأرداف ذات الشكل المثير، هي من أهم مقومات جمال الأنثى في الثقافة الشعبيّة المحلية
رافقنا نوال في إحدى زياراتها للمرأة التي تزعم أن بإمكانها منح النساء أجساداً مختلفةً، وتستعمل في هذا الغرض تقنيةً يطلَق عليها "الكديرة"، وهو مصطلح يطلَق على إناء طيني قديم، دائري عميق، تضعه "مي الحسنية" على الأرداف بعد دهنها بزيت الزيتون ووضع "الفلكة" وهي آلة غزل الصوف التي يُستغل قعرها لوضع قطعة من الثوب المشتعلة بالنار. يتم وضع "الكدرة" مباشرةً على جسد المرأة، بعد إشعال قطعة الثوب فتنطفئ النار سريعاً، ملتهمةً الأوكسجين داخل الإناء الذي يبدأ في شدّ جلد المرأة.
تقول نوال إنها تقنية مؤلمة تجعل من يقدمن عليها يصرخن من الألم، وإن "مي الحسنية" تخبرها بلكنتها الصحراوية: "لي بغا العسل يصبر لقريص النحل" (من أراد العسل عليه أن يصبر على لدغات النحل).
الألم والاحتراق بالنار لم يوقفا نوال عن التردد على بيت "مي الحسنية"، والإصابات والتورّمات وازرقاق الجلد بسبب الاحتراق، أمور لا تحجم رغبتها في إكمال الطريق للوصول إلى امتلاك مؤخرة كبيرة.
أما "مي الحسنية" المرأة الفارعة الطول، فتقول لنا إن هذه الحرفة قديمة ورثتها عن أمها وجدتها، مضيفة: "إنها كانت عادة صحراوية أكثر من كونها حِرفةً، اعتمدتها الجدات في الصحراء من أجل تكبير أرداف الفتيات المقبلات على الزواج، إلى أن ذاع صيتها وأصبحت موضةً في السنوات الأخيرة بين النساء، وحلاً لكل فتاة راغبة في جسم جذاب. هذا ما جعلني أزاول هذه المهنة".
ليست "الكديرة" هي الطريقة الوحيدة التي تنهجها "مي الحسنية" لتحقيق حلم الفتيات، فهناك من يخشين "الكديرة"، نتيجة الألم والحروق التي تسببها فيطلبن منها "التحاميل الصحراوية"، وهي خلطة من الأعشاب تقول إنها تتكون من أعشاب مختلفة تبيعها إلى الفتيات.
هذا الهوس، يرتبط ببعض تقاليد المجتمع المغربي ارتباطاً وثيقاً، فهذا الاهتمام بالجسد المكتنز، ومحاولات الحصول عليه بطرق مختلفة نتيجة للتقاليد والعادات في بعض المناطق، وخاضع لأفكار نمطية، ضاعفت منها الثقافة المعاصرة التي تعلي من شأن الجسد. إلا أن نساء كثيرات يرفضن هذا التوجّه ويرين فيه خضوعاً لمنطق متجاوز لا يليق بهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...