شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
يريد العالم منا أن نقتله، لكنّنا نحبّ المؤخرات الصفراء!

يريد العالم منا أن نقتله، لكنّنا نحبّ المؤخرات الصفراء!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 9 أكتوبر 201804:26 م
تجري أحداثُ رواية "مذكّرات قاتل عاطفي"، للكاتب والسينمائيّ الشيلي "لويس سبولفيدا"، في 6 أيام على عدّة عواصم. ورغم أنّ الروائيَّ كان واضحَ الخَلط في نصّهِ بين تركيا وإيران، وانكشف خلطُه في وصفِه للبازار التركي، بينما علاماته هي علامات البازار الإيراني، إلا أن الأوصافَ كلُّها شرقية، والتفاصيل فيما بينها واحدة، بالنسبة للغريب عنها. مهنة القاتلِ هي التصفيةُ دون أدنى سؤال، وهذا ما يستوجِبه الاحتراف، ويرى الأعمال الخيرية مجرّد "عطنة" تفوح من مؤدّيها. ثمّ تعرّف على امرأة قلبتْ حياتَه وجعلتْه يتخلّى عن قوانينَ لا تُنتهك. تريد صديقتُه –ويصِفُها بالبلهاء- أن تصبح مترجمة، ومثل جميع المثقّفات، كانت ساذجة بما فيه الكفاية. ولقد استُعمل ورْكاها حتى نضجا. ثم تركتْه من أجلِ رجلٍ آخر وهو يستعدّ لعملية التصفية. إذا كنا نؤمن بالصدف أو بجملة أطلقها البطل "العالم صغير، صغير بشكل شيطاني"، كانت حبيبته الفرنسية الصغيرة مع الهدف الذي ينوي قتلَه وفوّت فرصةَ قتله في تركيا. وهي حبيبة ثانية تعرّف عليها حديثا وبنى لها عالمًا عاطفيًا في ذهنِه، ثمّ رحلت عنه لتمارس مهنتها في تشييد عوالمَ في أذهانِ الرجال. والهدف رجلٌ يعمل في توزيع المخدرات عالميًا، وهو يوزّعها بأسعارٍ تضعه على مستوى ممارسي العمل الخيري. ولا يريد سوى أمر واحد: أن يكسر أمريكا الشمالية أمام الانكسارات التي شهدتها وتشهدها أمريكا الجنوبية.
القتل وحدَه مَن يتحكّم في صعودنا أو هبوطنا، وما أحاديث السلوك الإبداعي المعتمدة سوى وهمٍ أخضر.
كلّما زاد حجم الإبداع، كلّما احتلّت مساحة خبريّة أكبر. لذلك نحاول قتلَ أنفسِنا فيه دون طائل.
تربطنا بالقاتل تفصيلتان، القتل والمؤخرة. وسيتّضح ارتباطهما؛ بإمكاننا القول إنّ الأهواز باتت معروفة الآن. تعرفونها جيدًا. نعم هي نفسُها المدينة في جنوب غرب إيران والتي حدثت فيها عملية إرهابية وقتلٌ قبل بضعةِ أيّام. لنتخيّل، لو كان عنوان رواية لويس "مذكرات مبدِعٍ عاطفيّ"، كيف كنا سننظر لها؟ الأهواز المدينة الهادئة والنائمة أبدا -كما كان يراها الإعلام-، تفتح عينها على اسمها وكأنها تسمعه لأولّ مرة. لأيامٍ عدة احتلّ اسمها الخبرَ الأول على القنوات الاخبارية والإذاعات وبعض الصحف والأقلّ من المجلات، والسبب هو القتل والتعاطف. المنصّات الإعلامية تتخاطف اسمها، وإن كانت في معظمها لا تفرّق بين البازار التركي والإيراني، وحتى الإعلام الغربي أدلى بمخزونِه. الموت يعيد الحياة إعلاميًا ونصّيًا، وكأنّ العالم كان ينتظر مثل هذه الحادثة ليُوليها الأولوية، وكأنه يقول بكل وضوح: "هذا هو ما تحتاجونه لكي تحتلّوا المرتبة الأولى في قائمة الأخبار: القليل من الموت." ولكن في المقابل، ما نفكّر وتفكّر به المدينة هو أنه: كلّما زاد حجم الإبداع، كلّما احتلّت مساحة خبريّة أكبر. لذلك نحاول قتلَ أنفسِنا فيه دون طائل. ولأنّ الإعلامَ عوّد الناس على تحويل البشرِ إلى أعداد، فعليّ الاعتماد، كمرحلة أولية، على الأحرف مستبدلًا بها الأعداد حتى نعتاد على الحالة الطبيعية وهي الاسم. عقود من السينما وكتابة الشعر والقصة والرواية والمسرح والتاريخ الخجول، كلُّها مجرّدُ عواطفَ إبداعيةٍ لا ترتقي للقتل. في السينما حصل "م. ف" و "أ.ز" و"م. ط" على جوائز عالمية، وترجم "م. ح" و"ك. ب" و"ر. ع" من الأدب العربيّ ما يفوق عمل مؤسّسات. قدم "أ. ك" مسرحا إذاعيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الشعرين، رغم أنه لم يدخل الإذاعية. واختار الشوارع والأعراس لتقديم مسرحِه. ها نحن نتقدّم خطوة، من الأرقامِ إلى الأحرُف.
العالم يطلب منّا أن نقتله، وأن نقتلَ، ولكنّ الكثيرَ من الحياة فينا وحولنا تمنعنا عن ذلك.
كانت في أقصى الهامش، إلا في استثناءاتٍ نزرةٍ، أو حين تصادفها في كتاب أو نصٍّ محشورة فيه. فجأة طغت، خرجت من مكمنِها، ومن كهوفها. واحتلّت قائمةَ الأخبار بعد رقص الموت فيها. كأنّ العالمَ يطلّب منهم أن يقتلوه، حتى يتصدروا النشراتِ الإخبارية وتحليلاتٍ لم يحلموا بها. القتل وحدَه مَن يتحكّم في صعودنا أو هبوطنا، وما أحاديث السلوك الإبداعي المعتمدة سوى وهمٍ أخضر. مع تصاعد التحاليل بين الناس إثر كلّ حدث، لم ينأَ الحدثُ الاخير في الأهواز بنفسِه عن التحليل والتفسير. وفي اليوم الثاني كانت النقاشات على حدتِها، ومفردات مثل الرصاص والبنادق والموت والعسكر سيطرت على المتحاورين أينما دخلتَ او جلست. وفجأة ودون مقدّماتٍ قال صديقي وسط حوار محتدم: جميلة مؤخرته/مؤخرتها، تخيّلوا الصفرةَ المحيطة بها ساعة الغروب." توقّف الجميع عن النقاش، والتفتوا إليه مستفسِرين عن المؤخّرات الصفراء. تغيّر مجرى الحديث، استهزاءً بداية، ثم عتبًا. وبات صاحب الجملة محطَّ الأنظار والهجمات؛ كيف يمكن لرَجُلٍ مقاطعةُ حديثِ رجالٍ جادٍّ أساسُه القتلُ والشعوبُ ومصيرُها؟ هو الآن محطُّ نقاشاتِهم وأسهمهم، فلم يدَّخروا كلمةً إلا وأطلقوها عليه. وبعد نفادِ طلقاتهم الاستهجانيةِ، انحرَفَ الحديث كلّيًّا. واتّضح في النهايةِ أنّ الجميعَ يعرف "تاريخ مؤخّراتِ البلابلِ الصفراء" والتي تتميّز بمؤخّراتها الصفراء، ومناطقها ومواسمها وتُربتِها. حينها فقط غمز لي صديقي. لقد نجح في إعادة الناسِ للجمال من حولهم مذكّرًا إياهم أنهم خالقو جمالٍ في الأساس، والقتل العاطفيُّ حالةٌ عابرة. العالم يطلب منّا أن نقتله، وأن نقتلَ، ولكنّ الكثيرَ من الحياة فينا وحولنا تمنعنا عن ذلك.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image