عندما كانت والدتي تشاهد المسلسل الهندي "رحلة لاكشمي"، استوقفني البطل ريشي، وهو يتحدّث مع نفسه ويعترف بمشاعره المتضاربة قائلاً: "أنا أحبّ ماليشكا ولاكشمي، ولا أفهم ما الذي يحصل معي".
هذا المشهد الدرامي يثير تساؤلات عميقةً: هل يمكن للمرء أن يحبّ شخصين في الوقت عينه؟ وكيف يكون قلبه قادراً على أن ينبض بحب وشغف لشخصين مختلفين في آنٍ واحد؟
هل يمكن للقلب أن يعشق اثنين في الوقت عينه؟
يُعدّ الحبّ من أقوى العواطف الإنسانية وأكثرها تعقيداً بحيث لا يعترف بقواعد ولا يخضع لمنطق، فهو ينبثق من عمق الروح ويُحاكي تجربةً فريدةً لكل شخص.
من المحتمل أن ينبع الحب لأكثر من شخص في آنٍ واحد عندما تتوافر ظروف معيّنة، مثل تشابه الصفات بين الأشخاص المعنيين أو ربما يكون لكل منهما دور مختلف يُغني حياة الآخر بطريقةٍ لا يستطيع الشريك/ ة الأول/ ى تحقيقها.
وعليه، فإن الإقدام على أن نحبّ شخصين في الوقت نفسه يحمل معه مجموعةً من المشاعر المعقدة والمتشابكة. إنّها تجربةٌ شخصية لا يُمكن فهمها بشكل عام، ولا بتصنيفات ثابتة، بل هي تحكي قصةً فريدةً لكل فرد.
هل يمكن للمرء أن يحبّ شخصين في الوقت عينه؟ وكيف يكون قلبه قادراً على أن ينبض بحب وشغف لشخصين مختلفين في آنٍ واحد؟
في هذا السياق، أشار عالم النفس السريري وأستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا، راماني دورفاسولا، لموقع Women’s Health، إلى أنه وبينما "نفترض أن الحب يأتي بنكهة واحدة، لكنه في الواقع أكثر تنوعاً ممّا نتوقع".
كذلك أوضح راماني، أنّنا كائنات معقّدة ومركبة، ومن الممكن جداً أن تجذبنا سمات مختلفة في شخصين مختلفين، وبينما ننمو ونتطوّر كأفراد، قد نجد أنفسنا منجذبين إلى أشخاص يكملون جوانب مختلفةً من شخصيتنا، فالانجذاب تجربة بيولوجية.
من ناحية أخرى، أظهر استطلاع عبر الإنترنت لأكثر من 1،100 قارئ لموقع "سيكولوجي توداي"، أن ثلثيهم يعتقدون أنه من الممكن أن يكون الفرد في حالة حب مع أكثر من شخص واحد.
أمّا مدرّبة العلاقات Kate McCombs، فأوضحت لموقع Thrillist، أن معظم الناس الذين يعيشون علاقات طويلة الأمد سيطوّرون بعض المشاعر تجاه أشخاص آخرين غير شريكهم/ شريكتهم في مرحلة ما، "وقد لا تكون هذه المشاعر بالضرورة حباً فعليّاً، بل قد تكون مجرّد نزوة"، على حدّ قولها.
أسباب الحب المزدوج
"عندما يشعر الفرد بمشاعر عاطفية لشخصين في الوقت عينه، يجد نفسه في حيرة حيث يرغب في عدم إيذاء أي منهما ولا يتمنّى فقدان أحدهما، فتصبح هنا الأحاسيس معقّدةً، مرتبكةً وغير واضحة"؛ هذا ما أشارت إليه مدرّبة العلاقات وتطوير الذات، سالي نعمة، في حديثها إلى رصيف22.
كشفت نعمة عن أسباب الوقوع في حب شخصين في الوقت عينه، وقسّمتها على الشكل التالي:
• نقص معيّن في العلاقة، ممّا يدفع المرء إلى تكوين مشاعر تجاه شخص آخر يمنحه تحديداً ما يحتاجه. وهنا تقع المشكلة، إذ لا يعود الفرد يرى تصرّفات الطرف الآخر أو شخصيّته بشكل عام، بل يركّز أكثر على الأشياء التي يؤمّنها له في العلاقة.
• قد يكون مجرّد انجذاب جنسي وليس حباً كما يعتقد الشخص.
• من الممكن أن تكون العلاقة عن بُعد هي سبب الوقوع في حب شخصين في الوقت عينه، خصوصاً إذا كان أحد الطرفين يقابل شخصاً آخر بشكل يومي ويمضي أوقاتاً جميلةً معه. هذا الأمر قد يخلق مشاعر حب للطرفين؛ للشخص البعيد وللشخص القريب دائماً.
"معظم الناس الذين يعيشون علاقات طويلة الأمد سيطوّرون بعض المشاعر تجاه أشخاص آخرين غير شريكهم/ شريكتهم في مرحلة ما، وقد لا تكون هذه المشاعر بالضرورة حباً فعليّاً، بل قد تكون مجرّد نزوة"
مهما كان السبب الذي دفع المرء إلى الوقوع في حب شخصين في الوقت عينه، فهذا قد يكون مؤشراً على أنّ هناك أمراً معقّداً في العلاقة الأولى، ويتوجّب الحديث عنه مع الشريك/ ة، مع العلم بأنه ليس من الضروري أن تكون هناك مشكلات كبيرة بين الثنائي، حتى يقع أحد الطرفين في حب شخص آخر في الوقت عينه، بل قد يكون هناك صراع بين الشخص ونفسه.
كانت ليلى (اسم مستعار)، على علاقة مع صديق شقيقها المقرّب وكانت تحبّه حقاً، ولكنّها أحبّت أيضاً صديقهما المشترك.
تعليقاً على هذه النقطة، قالت: "ما فهمت يلي عم بصير معي، إنو كنت انبسط إحكي معن، وكنت حب كيف كل واحد منّن بعاملني، كنت حسّ قلبي عم بدقّ كلّ ما شوف الاثنين".
وعن اختلاف الشخصية بين الحبيبين، قالت ليلى: "يمكن الشخص الثاني كان يفهم شو بدي أو بشو حاسة بلا ما إحكي، عكس حبيبي الأول يلي لازم عبّرلو عن كل شي بحسو أو بفكر في، بس ما بنكر أنو كان يهتمّ أنا وعم بحكي ويجرّب يساعدني".
الحب المزدوج: خيانة أم وهم؟
أوضحت مدرّبة العلاقات وتطوير الذات، سالي نعمة، أنّ الحب المزدوج قد يكون في الكثير من الأحيان عبارةً عن خيانة عاطفية، حتى لو كانت المشاعر وهميةً: "في الحالتين، تعود المشكلة إلى الشخص نفسه، إذ تكون هناك أمور داخلية عليه أن يعمل عليها حتى لا يبدأ بظلم مَن يحبّ".
لا شك في أن الحب المزدوج يؤثر على الشخص المعنيّ نفسياً وعاطفياً، إذ يجعله في حيرة من أمره دائماً وتائهاً بين مشاعره ولا يدري ما الذي سيفعله، وفق ما أكدت نعمة: "من الممكن أن يشعر الفرد بالذنب لأنّه لا يريد إيذاء مَن يحبّ، ولأنّه لا يعلم كيف يتعامل مع هذه المشاعر المتضاربة، فهذا قد يسبّب له الاكتئاب ويبدأ بكره نفسه معتقداً أنّه لا يستحقّ أي شيء جيّد، خصوصاً إن لم تكن هناك مشكلة في علاقته الحالية، وشريكته/ شريكه شخص جيّد".
هذا ما حصل تماماً مع ليلى التي مرّت بفترة صعبة جداً خصوصاً أنّها كانت ترى الشابّين في الوقت نفسه: "حسيت حالي خاينة وكذابة، خاصةً إنو الحبيب الثاني كان عم يتقرّب أكتر منّي واعترفلي بإنو معجب فيي وحبيبي الأول ما كان بيعرف شي... ما فيكي تتخايلي الشعور يلي كنت عم حسو بين إنو بدي الاثنين وما بدي إخسر ولا واحد منن، لدرجة قرفت من حالي لأنو ما كنت عم بفهم شو عم بصير معي".
هذه الدوامة من المشاعر المتضاربة وغير الواضحة التي عاشتها ليلى، أجبرتها على أن تبتعد عن الاثنين وتسافر إلى فرنسا للعمل، وبرأيها هذا هو الحل الأنسب لأنّها لم تعلم مَن عليها أن تختار منهما، ولا تريد إيذاء أيّ واحد منهما.
تحديد الأولويات
"ليست هناك أدوات أو إستراتيجيات معيّنة يمكن للأفراد استخدامها لتحديد العلاقة الأكثر أهميةً واتخاذ القرار المناسب، لأن هذا الموضوع حساس جداً وتختلف التجربة من شخص إلى آخر"، هذا ما شرحته سالي نعمة.
"حسيت حالي خاينة وكذابة، خاصةً إنو الحبيب الثاني كان عم يتقرّب أكتر منّي واعترفلي بإنو معجب فيي وحبيبي الأول ما كان بيعرف شي... ما فيكي تتخايلي الشعور يلي كنت عم حسو بين إنو بدي الاثنين وما بدي إخسر ولا واحد منن"
ولكن ومن ناحية أخرى، رأت نعمة أن الخطوة الأولى التي يتوجّب على الشخص المعنيّ القيام بها هي معرفة ما الذي يريده من العلاقة، ويسأل نفسه: هل هي مجرّد نزوة أم حب فعليّ؟ مشيرةً إلى أنه باستطاعته كتابة أفكاره وهو ما يساعده في ترتيبها أكثر، وتدوين كلّ ما يريده من العلاقة، وما الأمور التي إن حصلت ستدفعه إلى الانفصال، أي بمعنى آخر تحديد الأولويات في العلاقة.
وأكّدت سالي على ضرورة اعتراف الشخص المعنيّ بمشاعره المزدوجة، والتحدّث إلى الشريك/ ة الأساسي/ ة ومصارحته/ ها، وذلك من أجل إيجاد الحلّ المناسب لإكمال العلاقة من دون طرف ثالث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...