مُنذ نشأته في العام 1983، كانت غاية الإنترنت مساعدة الجيش الأمريكي على التواصل عبر أجهزة الحاسب الآلي، ولكن مع التطور التكنولوجي الملحوظ خلال الفترة الأخيرة، أصبح يُشكّل خطراً كبيراً على الأطفال والمراهقين/ ات من خلال الإدمان عليه، بطرق مباشرة، في ظل غياب رقابة الأهل التامة.
وصل الإدمان على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية إلى حدّ الجنون، ولم يتوقف الأمر على الأطفال والمراهقين/ ات، بل شكّل خطراً عارماً داخل الأسر العربية، بالإضافة إلى تأثيره على العلاقات الزوجية فضلاً عن المحتويات السيئة التي انتشرت خلال الأعوام الماضية، مما جعل هناك تفككاً داخل الأسرة وحالات طلاق وخلع كثيرة.
ضعف الرقابة الأسرية يُدمّر الأطفال
حاول رصيف22، الوقوف على ظاهرة الإدمان على الإنترنت، للتعرف على كيفية حل المشكلة التي أودت بحياة الكثير من الأطفال والمراهقين/ ات إلى الانتحار، والبعض الآخر إلى الاضطرابات النفسية.
تعليقاً على هذه النقطة، قالت أستاذة علم الاجتماع في كلية التربية في جامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر، إن استخدام الإنترنت يختلف من شخص إلى آخر، مع اختلاف الفئات العمرية، ولكن الإدمان على السوشال ميديا والإنترنت بشكل عام يرجع إلى التربية الأسرية أولاً، إذ رأت أن الطفل عندما يرى أحد أبويه على الهاتف أو الحاسوب لساعات طويلة فمن الطبيعي أن يفعل مثله تماماً.
وصل الإدمان على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية إلى حدّ الجنون، ولم يتوقف الأمر على الأطفال والمراهقين/ ات، بل شكّل خطراً عارماً داخل الأسر العربية، بالإضافة إلى تأثيره على العلاقات الزوجية فضلاً عن المحتويات السيئة التي انتشرت خلال الأعوام الماضية، مما جعل هناك تفككاً داخل الأسرة وحالات طلاق وخلع كثيرة
وأضافت سامية خلال حديثها إلى رصيف22: "الكارثة الحقيقة ليست في السوشال ميديا، ولكن في ضعف الرقابة الأسرية، مما جعل الأطفال والمراهقين/ ات يستخدمون/ ن الإنترنت لساعات طويلة بلا فائدة، ويشاهدون/ ن ثقافات فُرضت علينا من خلال نشر فكر معيّن عبر تلك الشبكة العنكبوتية لتدمير الهوية العربية عامةً، والمصرية خاصةً، وذلك يكون من خلال السيطرة على الجيل الجديد بشكل غير مباشر عبر المنصات المختلفة أو الألعاب التي تبث أفكاراً تجذب طفلاً من السهل تشتيت أفكاره وإبهاره بالأشياء السيئة التي يُريدونها، وهذا يخلق حالةً من الإدمان لدى البعض".
وأوضحت خضر أن إدمان الشبكة العنكبوتية أدى إلى إهمال الأطفال دراستهم بسبب قضائهم وقتاً طويلاً في مشاهدة المحتويات السيئة، في ظل غياب الدور الأسري والتربية الصحيحة: "يجب على الأسرة سحب الطفل من الشبكة العنكبوتية في حالة إدمانه عليها بشكل غير مباشر، بحيثُ تسجّل العائلة ابنها/ ابنتها في رياضة ما، مثل السباحة، كرة القدم، والفروسية، خوفاً على صحة الطفل وتجنباً للآثار السلبية الناجمة عن الشبكة".
لعبة الكبار أيضاً
يحكى أحمد حسين (23 عاماً)، أحد مدمني الإنترنت، عن تجربته لرصيف22: "بدأت بالإدمان على الإنترنت بشكل يومي منذ أزمة كورونا، حيث كنت أجلس في المنزل يومياً وأنا ألعب لعبة 'فري فاير' حتى أصبحت جزءاً من اللعبة تدريجياً".
ويتابع: "عندما أنتصر أكون في قمة سعادتي، وحينما لا يحالفني الحظ في اللعبة يرتابني الحزن بطريقة لم أكن أتوقعها من قبل، وأصبحت أحب العزلة في غرفتي، وبعد مرور أشهر عدة بدأت أشعر بالاكتئاب".
"يدمن الشخص الجنس الإلكتروني بحسب شخصيته، فهناك من يدمن المواقع الإباحية، وهناك من يدمن جنس الشات، بالإضافة إلى أن هذه الشخصية تكون انطوائيةً"
وأضاف حسين: "أحببت لعبتي المفضلة وشعرت بأني القائد داخلها؛ أفعل ما أريد بلا قيود ولا قوانين. كانت حياةً ممتعةً لفترة من الوقت، لكن أسرتي شعرت بأني على غير عادتي، وبدأت والدتي تأخذ الهاتف مني. عندها شعرت بالغضب الشديد وتلفظت بألفاظ جارحة لمشاعرها من دون أن أشعر، فقرر والدي بعد هذه الواقعة أن يذهب بي إلى طبيب نفسي قال إني أعاني من اضطراب نفسي حاد نتيجة الإدمان الإلكتروني، وبعد قرابة 5 جلسات متواصلة بدأ سلوكي يتغيّر نحو الأفضل".
الجنس الإلكتروني
يرى الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن سبب الإدمان على الجنس الإلكتروني يرجع إلى الحرمان العاطفي لدى الشخص، عندما تتركه زوجته لفترات طويلة، فتكون الشخصية حينها مندفعةً وتريد أن تفرغ شهوتها لذا تتجه إلى الجنس الإلكتروني.
ويقول فرويز في حديثه إلى رصيف22: "يدمن الشخص الجنس الإلكتروني بحسب شخصيته، فهناك من يدمن المواقع الإباحية، وهناك من يدمن جنس الشات، بالإضافة إلى أن هذه الشخصية تكون انطوائيةً لا تستطيع أن تُقيم علاقةً مباشرةً لأسباب تتعلق بالأعضاء التناسلية، وربما لا تكون هناك مشكلة حقيقية فيها".
ويضيف جمال فرويز: "إن لم يكن الشخص متزوجاً، فسيؤثر الأمر على علاقته الزوجية في ما بعد بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى الاكتئاب والإدمان، وعليه، يجب على مدمن الجنس الإلكتروني التوجه إلى طبيب/ ة نفسي/ ة، ويكون علاجه على حسب الشخصية للوقوف على أسباب إدمانه على الجنس الإلكتروني".
تعيش حلود (اسم مستعار)، في منزل صغير في منطقة "عين شمس"، وبسبب عدم زواجها، أنشأت حساباً وهمياً على فيسبوك للبحث عن شخص يرضي غرائزها الجنسية، وفي أثناء تجولها عبر صفحات الإنترنت اكتشفت مجموعات مخصصةً فيها فتيات يعرضن أجسادهنّ مقابل مبالغ مالية.
وجدت الفتاة العشرينية أن الأمر مشوق بالنسبة لها، وفضّلت أن تدخل معهنّ في محادثات لترضي فضولها. بدأت بمحادثة مؤسِسة المجموعة وطلبت العمل وأرسلت إليها فيديوهات تُظهر مفاتنها، بالإضافة إلى بطاقة تحقيق شخصيتها، وبعد 4 أيام، خضعت لتدريب عبر تطبيق "Zoom" حول كيفية عرض جسدها عبر الإنترنت.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت: "بعد يومين من التدريب، بدأت رئيستي في العمل بإرسال حسابي إلى الزبائن لممارسة الجنس الإلكتروني معهم مقابل 500 جنيه مصري، كان نصيبي منها 300 جنيه، وكنت متحمسةً في البداية لممارسة شيء في الخفاء وتعلمت الجنس الإلكتروني بشكل احترافي، وكنت أتحكم في الكاميرا لكيلا يظهر وجهي".
وتضيف خلود: "لم أكن أعلم أني مقيّدة، ويجب أن أسدد ديوناً كثيرةً. بعد سنة كاملة من ممارسة الجنس الإلكتروني، شعرت بالملل وقررت أن أتوقف ولم أعلم بصعوبة الأمر ولا بشاعة المعاملة، إذ طلبت مني رئيستي في العمل أن أسدد فاتورة انتهاء الخدمة، وطلبت مني 10 آلاف جنيه مصري مقابل عدم نشر فيديوهات التدريب ولم أجد مخرجاً من تلك الكارثة إلا أن أسرق المال من والدتي وقمت بتحويله إليها خوفاً من الفضيحة".
من جهته، حكى فادي عبد السلام (37 عاماً)، لرصيف22، عن تجربته مع الجنس الإلكتروني: "وجدت الجنس الإلكتروني أقل ثمناً ولم يخلق مشكلات كارثيةً، وبدأت بهذا الأمر قبل الزواج بسنوات عدة، استطعت أن أسيطر على نفسي في فترة الزواج، ولكن مع إهمال زوجتي عُدْتُ إلى ما كنت عليه".
ويضيف: "لم أكن أعرف سوى المواقع الإباحية. شعرت بالملل كثيراً حتى تعرفت إلى إحدى الفتيات عبر تطبيق إنستغرام، وبدأنا نتبادل الحديث، وبعد شهر مارسنا علاقةً عبر "الشات"، ومن ثم تطورت إلى كاميرا، وبقينا هكذا قرابة 4 أشهر، ثم علمت زوجتي وانتهى الأمر بالطلاق"، كاشفاً أنه حينها توقف عن الجنس الإلكتروني.
لا لإدمان السوشال ميديا
ترى الدكتورة إيمان شاهين، الأستاذة في جامعة المنوفية ومؤسسة حملة "لا لإدمان السوشاال ميديا"، أن الشبكة العنكبوتية لها تأثير في الحياة العامة على الفرد والمجتمع والشباب، كما لها إيجابيات كثيرة وتُعدّ جزءاً مهماً في الحياة اليومية، "ولكن آثارها السلبية كثيرة تتمثل في تقليل التواصل المباشر بين الأشخاص، بينما تتسبب في التفكك الأسري حيثُ ينشغل أفراد الأسرة بعضهم عن بعض باستخدام الهاتف المحمول ويندمج كل شخص في عالمه الإفتراضي بعيداً عن الأسرة"، على حدّ قولها.
وتذكر شاهين الأضرار السلبية التي يقع فيها مدمنو الإنترنت: "إن الآثار التي يتعرض لها مدمن الإنترنت تكمن في اضطرابات النوم، ويحدث ذلك للاستخدام المفرط لتلك المنصات"، مشيرةً إلى أن استخدام الإنترنت يؤثر على الذاكرة: "يعاني مدمن الإنترنت من النسيان الدائم وفقدان القدرة على التركيز بشكل صحيح".
وتؤكد إيمان أن مدمني الإنترنت يتجهون إلى العزلة الاجتماعية والانطواء، مما يجعل الشخص في حالة اكتئاب دائم قد يؤدي به إلى الانتحار.
مسجونة داخل شات وهمي
أدمنت فاطمة (اسم مستعار)، تطبيق فيسبوك، بحيث كانت تجد راحتها في هذا التطبيق خلال عدم تواجد أهلها في المنزل، لترى فيديوهات كوميديةً وأخرى رومانسيةً، وتقضي أكثر من 6 ساعات يومياً على التطبيق، ومن ثم أصابها الملل من روتين يومي كاد أن يقضي عليها. حينها قررت أن تُنشئ مجموعةً مع صديقاتها عبر تطبيق المحادثات "ماسنجر"، وبدأت بالحديث والفكاهة معهنّ، كما تذكر في حديثها إلى رصيف22.
وجدت هذه الشابة البالغة من العمر 16 عاماً المتعة داخل "شات" وهمي وهي مختبئة خلف الشاشة، وعندما تقابل صديقاتها يكون الحديث مملاً وكلّ واحدة منهن تقبض على هاتفها بكل قوة وتجوب أنحاء الإنترنت من دون قيود ولا قوانين تحكم العالم الوهمي، حتى أيقنت أن العزلة هي الطريقة الوحيدة لفتاة صغيرة لم يكمل نضجها الفكري، فظلت حبيسة غرفتها لساعات طويلة.
أثّرت العزلة على دراستها وعلى حالتها النفسية، وفكرت في الانتحار عندما أخذت والدتها الهاتف منها، ثم وجدت نفسها في حالة اكتئاب، ولكن مع مرور الوقت استطاعت إحدى صديقاتها أن تُخرجها من حالتها النفسية السيئة.
"بعد سنة كاملة من ممارسة الجنس الإلكتروني، شعرت بالملل وقررت أن أتوقف ولم أعلم بصعوبة الأمر ولا بشاعة المعاملة، إذ طلبت مني رئيستي في العمل أن أسدد 10 آلاف جنيه مصري مقابل عدم نشر فيديوهات التدريب ولم أجد مخرجاً من تلك الكارثة إلا أن أسرق المال من والدتي"
انتشرت ظاهرة الإدمان على الإنترنت بشكل كبير بين الأطفال والمراهقين/ ات ولم تكتفِ بهذا القدر بل طالت الكبار أيضاً، بحيث أصبح أشخاص كثر مكبلين بشبكة الإنترنت، عادّين أن المتعة خلف الشاشة أفضل من التواصل المباشر مما ساهم في تفكيك بعض الأسر، فقد شهدت محكمة الأسرة في مصر الجديدة قضيةً تُعدّ من أغرب قضايا الخلع في العصر الحديث بسبب إدمان الإنترنت: توجهت علياء إلى المحكمة لرفع قضية خلع، وذلك بسبب جلوسها على الإنترنت بطريقة دائمة مما أزعج زوجها، حتى انهال عليها بالضرب بعد مشادة كلامية بينهما بسبب رفضه تجديد الاشتراك الشهري لباقة الإنترنت، وقامت برفع دعوى خلع عليه.
باختصار، أصبح الإنترنت المتحكم الرئيسي في حياة ملايين الأسر بشكل غير مباشر، حيثُ دمّر أطفالاً ومراهقين/ ات، وجعلهم/ نّ من مدمنيه مما أثّر على صحتهم/ نّ النفسية والصحية، وفكك الكثير من الأسر المصرية بسبب قضاء وقت طويل فيه مما جعل التواصل بين أفراد الأسرة أمراً شبه مستحيل. وهنا يكمن الخطر الحقيقي إذ هُناك عدد ليس بالقليل من الناس قد أصيبوا بإدمان الإنترنت، والخطر القادم بسرعة البرق من الممكن أن يُدمّر جيلاً كاملاً بسبب الثقافة المعدومة لدى بعض الأسر تجاه المخاطر التي يجلبها الإنترنت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون