"في البداية لم أكن أنوي الانفصال عن زوجي لسبب مماثل، بل إن فكرة الفراق لم تراودني وإن للحظة واحدة، فالحب الذي جمعنا منذ أيام الكلية كان قوياً صامداً أمام كل العثرات والخيبات، حتى أني تخيّلت أنه السدّ المنيع الذي سيحمي علاقتنا من الفتور العاطفي وفقدان الشغف الجنسي في مرحلة ما بعد الزواج، لكنه هوى أمام أول مشكلة واجهناها، ولعله المشكلة الأكثر شيوعاً بين الأزواج، وهي من المواضيع المسكوت عنها وغير القابلة للنقاش لا بين الزوجين ولا في المحيط العائلي".
هذا ما قالته "رؤى" (اسم مستعار)، وهي شابة ثلاثينية غادرت تونس نحو أوروبا لإتمام دراستها الجامعية بعد طلاقها من زوجها، وقد اختارت الهجرة هرباً من الوصم الاجتماعي الذي لحقها وعائلتها بسبب طلاقها بعد فترة وجيزة من الزواج، الأمر الذي فتح المجال واسعاً أمام التأويل والشائعات البغيضة في ظل غياب معلومة رسمية منها عن سبب الانفصال احتراماً لخصوصيات زوجها.
منذ حفلة زواجنا، كان شريكي مرتبكاً على غير عادته، وقد بدا ذلك واضحاً على سماته حتى أني افتقدت ابتسامته التي كان يغمرني بها كلما التقت أعيننا
تقول في حديثها إلى رصيف22، إن فكرة الطلاق كانت تخيفها منذ الصغر، فقد نشأت وترعرعت في بيئة تؤمن بضرورة تجاوز جميع المشكلات التي يمكن أن تحدث بين الزوجين مهما كلّف ذلك كلاً منهما من تنازل ومهما اشتدت الضغوط، وقد اقتنعت وطبّعت مع الفكرة إلى حد ما، طالما لم يصل الأمر إلى التعنيف أو الخيانة، وهما الخطان الأحمران الوحيدان اللذان يمكن أن يؤدي تجاوزهما من قبل الشريك إلى الطلاق. لكنها لم تتوقع يوماً أن سبباً آخر سيعجّل في انفصالها بعد شهر واحد من الزواج.
"منذ حفلة زواجنا، كان شريكي مرتبكاً على غير عادته، وقد بدا ذلك واضحاً على سماته حتى أني افتقدت ابتسامته التي كان يغمرني بها كلما التقت أعيننا. لم أعِر اهتماماً كبيراً للموضوع، فقد خِلت ارتباكه نتيجة ضغط وتعب وإرهاق من طول سهرات الزفاف، لكن هذا الارتباك المفاجئ تواصل خلال أسبوع العسل الذي قضيناه في أحد الفنادق. كنت مستمتعةً جداً بحياتي الجديدة معه، وكان بعكسي تماماً، حتى أنه أصبح يتحسر في بعض الأحيان على أيام العزوبية والحال أن أياماً تُعدّ على الأصابع مرت على دخولنا القفص الذهبي. شيئاً فشيئاً تعكرت الأجواء بيننا، والسبب باختصار هو عجزه عن القيام بواجباته الزوجية"، تضيف.
وتؤكد "رؤى" أنها لولا تغيّر طباع زوجها وتطبّعه بحدة مرعبة لما وافقت يوماً على الانفصال عنه بسبب مشكلات جنسية، بل شجعته على زيارة طبيب ومعرفة أصل الداء للعلاج، لكن هذا المقترح أثار امتعاضه وزاد من سخطه وأشعره بالعجز والإحراج فما كان منه إلا أن أصرّ على الطلاق بالتراضي، ولبّت رغبته لاستحالة مواصلة العيش معه.
40 في المئة من أسباب الطلاق في تونس جنسية
إذا كانت المشكلات الجنسية بين الزوجين تندرج في خانة المواضيع المسكوت عنها، فإن انفتاح المجتمع التونسي وتطور القوانين والتشريعات حررا الزوجين من هذه القيود، وأصبح لكل منهما الحق في الانفصال عن الآخر في حال عدم الرضا عن أدائه الجنسي، ما عدا أولئك الذين تمكّنهم صلابة العلاقة من تجاوز مشكلات من هذا النوع، سواء بالتوجه نحو الحلول العلاجية أو بتجاهل الموضوع.
يظل الموضوع بالنسبة للمرأة غامضاً حتى تواجه ليلة زواجها تجربةً لم يسبق لأحد أن حدّثها بشأنها، وهو ما يتسبب لها في التشنج المهبلي. كما أن الرجل لديه مشكلة تعزى بالأساس إلى غياب الثقافة والتوعية الجنسية
وقد أثبتت إحصائيات أن 40 في المئة من أسباب الطلاق في تونس جنسية، وهي نسبة مرتفعة جداً وبصدد الارتفاع في ظل غياب حلول ناجعة لمعالجة أسبابها وتفادي تبعاتها. وإلى جانب ارتفاع حالات الطلاق، فإن المجتمع التونسي يشكو كذلك من ظاهرة تراجع الإقبال على الزواج بسبب العوائق الاقتصادية وضغوط الحياة التي ازدادت حدتها خلال السنوات الأخيرة، وهو ما من شأنه أن يغيّر تركيبة المجتمع برمته ويساهم في تفكك الأسر.
ويدعو خبراء نفسيون تونسيون إلى القطع مع سياسة التكتم على الأسباب التي تؤدي إلى الانفصال، وعدم إدراجها في خانة المواضيع المحرجة، خاصةً أن المشكلات الجنسية أصبحت تصيب شريحةً كبيرةً من الشباب في دول العالم كافة.
وقد بيّن مسؤول في الصيدلية المركزية أن التونسيين يقتنون نحو 43 ألف حبة "فياغرا" شهرياً، ونحو 100 ألف حبة من عقارَين شبيهين، وتترجم هذه الأعداد التي لم يتم تحيينها منذ سنة 2013، وجود إشكال حقيقي يستوجب المعالجة.
التشنج المهبلي والضعف الجنسي في صدارة المشكلات الجنسية
تقول رئيسة الجمعية التونسية للطب الجنسي، الدكتورة مريم المهبولي، إن أبرز سببَين يؤديان إلى الطلاق لأسباب جنسية هما التشنج المهبلي، وهو إشكال رائج في البلدان العربية ويتمثل في حالة رهاب وخوف تصيب المرأة في أثناء عملية الإيلاج فلا تكتمل العلاقة بين الزوجين، وهو مرض نفسي وليس عضوياً، إذ يظل الموضوع بالنسبة للمرأة غامضاً حتى تواجه ليلة زواجها تجربةً لم يسبق لأحد أن حدّثها بشأنها، وهو ما يتسبب لها في التشنج المهبلي. كما أن الرجل لديه مشكلة تعزى بالأساس إلى غياب الثقافة والتوعية الجنسية في المجتمع، فيضطر إلى التعرف على مفهوم الرجولة من أصدقائه ومن الأفلام الإباحية.
وتضيف محدثة رصيف22، إن السبب الثاني هو الضعف الجنسي لدى الرجل الذي يمكن أن يكون لسبب عضوي وغالباً هو نفسي في صفوف الشباب، فالخوف يحول دون الانتصاب عند الرجل، وذلك نتيجة غياب التربية الجنسية ورهبة الأداء التي تجعله أمام مشكلة جنسية. أما في مرحلة ثالثة فنجد سرعة القذف.
وتقول المهبولي، إن هذه الأسباب يقبلها القضاء في حالات الطلاق شريطة وجود أدلة طبية دامغة عن الزواج غير المكتمل جنسياً، والذي تكون فيه المرأة عذراء غالباً، مضيفةً أن علم الجنس شائع في تونس ولدينا خيرة الأطباء المتخصصون في علم الجنس الذين يعملون على الصحة الجنسية. لكن غياب ثقافة التوجه إلى طبيب للحديث عن المشكلات الجنسية، والتحرج من ذلك هو ما أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق لأسباب جنسية، والتي بلغت 40 في المئة وهو رقم كبير جداً مقارنةً بالبلدان الأخرى.
ولفتت الدكتورة إلى أن بعض الأزواج يقتنعون بضرورة زيارة الطبيب لحل مشكلاتهم الجنسية فيما يختار آخرون الطلاق على الخوض في هذا الموضوع طبياً، أو يتوجهون إلى العرّافين والدجّالين الذين يرون أن المشكلات الجنسية سببها السحر ويقنعون زبونهم بذلك ويوهمونه بحلول واهية.
نِسَب الطلاق في تونس مرتفعة جداً، وقد بيّنت إحصائيات وزارة العدل التي تعود لسنة 2019، أن عدد حالات الطلاق بلغت 17،306 حالة
وترى رئيسة الجمعية التونسية للطب الجنسي، أن الوصول إلى مرحلة الطلاق في ظل وجود مشكلات جنسية سببه حرج الرجل من الخوض في موضوع ضعفه الجنسي، وخوفه من المساس بصورته لدى الشريكة. وحفاظاً على "رجولته" يتفادى ممارسة الجنس من أساسه، كما يرفض بعض الأزواج الحديث في الموضوع خوفاً من جرح مشاعر الشريك لأنه موضوع حساس ويكتسي خصوصيةً، وبذلك يمر الشريكان إلى مرحلة الخلافات التي تُبنى على المشكلات الجنسية، والتي تؤدي إلى الطلاق، وذلك لأن المشكلة الجنسية تخلّف العديد من المشكلات الأخرى وتبعاتها وخيمة على الزواج غير المكتمل جنسياً.
تقول مريم المهبولي: "نحن نؤمن بالوقاية الأولية من خلال تعميم الثقافة الجنسية في وسائل الإعلام وفي التعليم مع إمكانية الحديث عن الجنس مع البالغين ومع الشباب، وهناك مشروع كبير مرجعي للتربية الجنسية نسعى إلى تضمينه في البرنامج التربوي في المدارس الابتدائية، وهو مشروع عُرض للنقاش سنة 2019، لكن تعطّل بسبب جائحة كورونا والتغيّرات السياسية التي شهدتها البلاد. بالإمكان الحديث مع الأطفال في الحياة الجنسية لأنها ليست فقط ذات علاقة بالجنس، بل كذلك بالجسد. الطفل في سن الرابعة أو الخامسة يجب أن يتعلم كيفية حماية جسده ومنع أي شخص من لمسه وكذلك احترام جسد الآخر. لدينا برنامج لكل فئة عمرية يسهل فهمه واستيعابه حسب سن الطفل".
حري بالذكر أن نِسَب الطلاق في تونس مرتفعة جداً، وقد بيّنت إحصائيات وزارة العدل التي تعود لسنة 2019، أن عدد حالات الطلاق بلغت 17،306 حالة، وقد حذّر خبراء من تداعيات انفصال الأزواج على انهيار الأسرة وتأثيرها على نفسية الأطفال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...