هل الحب بالفعل يصنع المعجزات؟ فرضاً أن الإجابة هي نعم، فهل المجتمعات قادرة على فهم تلك الفكرة و تقبلها أم سيكون هناك عوامل أخرى تجعلنا نتشكك في الأهداف وراء تلك المعجزات؟
هذا ما يحدث حالياً مع سيما حيدر وزوجها ساتشين، حيث أصبح اسماهما الأكثر تردّداً في وسائل الإعلام الهندية والباكستانية، بجانب مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي جعلت من الأمر قضية رأي عام، وقد يصل الأمر في الأيام القادمة إلى توتر الأوضاع بين البلدين "الجارين" بسبب تلك القصة.
القصّة بدأت منذ عامين، تحديداً عام 2021، حينما قرّرت سيما، السيدة الباكستانية والأم لأربعة أطفال، أن تشغل وقت فراغها بتجربة لعبة "بابجي"، وهنا قابلت ساتشين الهندي، وبعد أن قضيا بعض الوقت يلعبان معاً ويتحدثان، تطوّرت علاقتهما لتصبح شخصية أكثر منها زمالة في فريق في لعبة واحدة. تبادلا الأرقام والحسابات الشخصية لمواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت المكالمات الصوتية مكالمات فيديو، ومن ثم وقع كلاهما في حب الآخر.
ربما تبدو القصة عادية إلى هذا الحدّ، أو قد يصفها البعض بأنها نوع من الفراغ العاطفي الذي استمر لمدة عامين، لكن سيما كان لديها رأي آخر، فبعدما خططت جيداً لخطواتها القادمة ومستقبلها مع ساتشين، ودون سابق إنذار ودون أن يعلم أحد من أهلها أو حتى زوجها، قامت سيما بحزم حقائبها هي وأطفالها وحجزت تذاكر سفر من باكستان لدبي ومن دبي إلى نيبال، تمهيداً لدخول الهند، وخلال 48 ساعة كانت سيما هي و أطفالها على حدود نيبال، تعبر بوابة الهند التي تعتبر بالنسبة لها بوابة الجنة الصعب عبورها عادة لمعظم مواطنيها، نظراً للعلاقات بين البلدين.
سيما حيدر، المرأة الباكستانية المسلمة، غادرت مع أطفالها الأربعة إلى الهند للزواج من حبيبها، اعتنقت الهندوسية وتزوجته في معبد، فحجزتها السلطات الهندية وأطفالها للاشتباه بأنها جاسوسة
وصلت سيما إلى منزل حبيبها في مدينة نويدا والتي تقع في ولاية أوتار براديش، وتركت أطفالها لتعود مرة أخرى إلى نيبال مع ساتشين، ولكن في تلك المرة فقط لقضاء شهر عسل وإتمام مراسم الزواج بأشهر المعابد الهندوسية لنيبال، بعدما قرّرت سيما أن تتخلّى عن ديانتها الإسلامية وتعتنق الهندوسية، ديانة حبيبها، وقامت بتغيير اسمها، من سيما حيدر إلى سيما ساتشين.
بعد قضاء 9 أيام كشهر عسل مصغّر، تخلّله العديد من اللحظات السعيدة والتي كانت سيما وساتشين يقومان بنشرها عبر حساباتهم الشخصية لمواقع التواصل الاجتماعي، بل وأصبحت تلك الفيديوهات "تريند"، وبعد عودتهما إلى نويدا، مدينة ساتشين، علمت المخابرات الهندية وكذلك البوليس المحلي بالأمر الذي بدا لهم محل شك، و بالتالي توجّه البوليس المحلي على الفور إلى منزل ساتشين للتحفّظ على الثنائي واستجوابهم بشكل جدي.
أسفرت عملية البحث في أغراض سيما عن زيادة الشك لدى أجهزة الأمن، حيث وجدوا 6 جوازات سفر بحوزتها، بجانب 4 هواتف محمولة، وعدداً لا بأس به من الشرائح الهاتفية، هذا بجانب عدم وجود أي دليل عن تواجدها في دبي لبعض الوقت كذلك، وحسب رواية الأمن أنه بعد التحقّق من المعبد الذي زعم الثنائي أنهما أتمّا مراسم الزواج به، لم يجدوا اسميهما ضمن دفتر الزواج، حتى بعد مراجعة 6 أشهر ماضية، الأمر الذي جعل كل الشكوك تتجه نحو سيما بأنها قد تكون عميلة لدولتها، أوقعت هذا الشاب الهندي في شركها حتى يتسنّى لها دخول الهند، ومن ثم تمّ وضع الثنائي والأطفال الأربعة تحت الإقامة الجبرية في منزلهم لحين التحقيق بشكل كامل حول كل الشواهد، مع إخطار سيما أنها في الأرجح سيتم ترحيلها إلى باكستان في حال براءتها من تهمة التخابر.
وسائل الإعلام الهندية أصبحت تقيم بشكل شبه دائم خلف أبواب منزل سيما وساتشين، بل و يتم إجراء حوارات مختلفة معها يومياً على مدار الساعة، في كل القنوات المحلية والفضائية في محاولات للوصول إلى الحقيقة.
تروي سيما قصتها للإعلام قائلة إنها ظلت تعاني منذ طفولتها تواجدها في مجتمع منغلق مثل المجتمع الباكستاني، والذي يحرّم كل شيء على المرأة، وتستأنف سيما قصتها قائلة: "كنت طوال عمري ومنذ طفولتي أشاهد الأفلام الهندية وأهوى الرقص بحد لا يصدق ولكن إذا ما رأتني أمي أرقص في المنزل كنت أتلقى صفعة مدوية، مع تحذير بأن الرقص سيلقي بي إلى الهلاك. حتى عندما تزوجت وأنا لم أكمل 18 عاماً، لم يهتم زوجي بأي من هواياتي أو احتياجاتي، فقط انتقلت من سجن إلى آخر. طوال عمري لم أرتد سوى الزي الباكستاني التقليدي، وكنت أرغب في تجربة لبس الساري الهندي ولو لمرة واحدة. طوال عمري لم أذهب إلى بار أو ملهى، فقط كنت أشاهد تلك الحياة عبر التلفزيون وأتخيل نفسي أحياها، حتى تعرّفت على ساتشين وبدأت قصة حبنا. وجدت لدي الحافز حتى تنطلق ثورة عارمة من داخلي، وقررت أن أهرب من سجني إلى الحياة التي رغبت دوماً أن أحياها، ولكن لم أكن أقوى على ترك أطفالي، لذلك أستغرق الأمر مني عدّة أشهر حتى أدّخر المال وأقوم بتلك الرحلة التي أعتبرها بلا عودة، فأنا لن أعود إلى باكستان أياً كانت العواقب، ببساطة إذا أجبرتني الحكومة الهندية على العودة فأنا ميتة بلا شك، لذلك أفضل أن أسجن أو أموت هنا في الهند على أن أعود إلى باكستان، ولكن لدى رجاء للحكومة الهندية أنه في حال سجني أود أن أسجن مع حبيبي ساتشين في زنزانة واحدة".
سيما الباكستانية: "إذا أجبرتني الحكومة الهندية على العودة فأنا ميتة بلا شك، لذلك أفضل أن أسجن أو أموت في الهند على أن أعود إلى باكستان، ولكن لدى رجاء للحكومة الهندية أنه في حال سجني أود أن أسجن مع حبيبي ساتشين في زنزانة واحدة"
أما عن الاتهامات وجوازات السفر وكل ما كان بحوزتها، وكان سبباً في إثارة الشكوك نحوها، علّقت سيما: "لدي أربعة أطفال وقد قمت بتغيير اسمي في جواز سفري أثناء تواجدي في دبي، وهذا سبب حملي لست جوازات سفر، أما عن الهواتف فإنها ملكي أنا وأبنائي، وقد ابتعت شرائح هاتفية من دبي ونيبال والهند، بجانب التي كنت أمتلكها في باكستان، أما عن الزواج في المعبد، فنحن قمنا بالمراسم على الطريقة الهندوسية دون التسجيل في الأوراق، نظراً لخوفنا من الوضع الراهن، وكنا سنقوم بالتسجيل رسمياً لاحقاً".
وعلقت سيما على اعتناقها الهندوسية قائلة: "الأمر لن يحدث في ليلة وضحاها بل طوال العاميين الماضيين وأنا أدرس وأقرأ عن الديانة الهندوسية التي وجدت بها كل ما أبحث عنه من حرية وحب ورحمة وتسامح، لذلك مسألة اعتناقي الهندوسية ودرايتي بالشعائر الدينية وطقوسها جاء شيئاً فشيئاً".
أما عن العاشق، أو الزوج ساتشين، فهو قليل الكلام. لم يتحدث كثيراً، سواء مع الأمن أو وسائل الإعلام. هو فقط أكّد أنه قبل بسيما وأطفالها لأنه يحبها ويقدّر تضحيتها بترك كل شيء خلفها لتعيش معه، كما أنه يثق بها تماماً ويعلم أنها ليست جاسوسة أو عميلة، وليس لديها أي ميول سياسية على الإطلاق.
قصة سيما وساتشين فجّرت البركان الخامل بين الهند وباكستان، وحالياً أصبح التراشق هو شعار المرحلة بين إعلام البلدين، فمن وجهة نظر الإعلام الهندي، سيما قد تكون عميلة ولديها أجندة ما، فالحب لا يمكن أن يقود امراة بسيطة مثلها لأن تفعل كل هذا، بينما يردّ الإعلام الباكستاني بأن القصة هي مسلسل من صنع الأمن الهندي من أجل تشويه سمعة باكستان، وأنهم لا يرغبون بعودة سيما إلى الوطن، بل ووصفوها بـ"عميلة الهند السرية".
القصة حتى الآن لم تحسم ولم ينته التحقيق بها، لذلك لا يوجد تأكيد ما إذا كانت قصة الحب هذه هي غطاء لأعمال سياسية خفية أم أن الأمر بالفعل لا يتعدّى كونه معجزة من معجزات الحب، وهذا هو الدافع الظاهر والباطن، ولكن الأمر المؤكد في تلك القصة أن القمع والتحريم وسجن الأفكار قد يجعلون الشخص يقدم على أفعال تتسم بالتهور وقد تؤثر على علاقات دول بأكملها، وذلك للتحرّر من قيود مجتمع يحرّم ويجرّم كل شيء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.