شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
واحد لم يبق منه إلا دقيقتان، وآخر أحرق بسبب بطلته... قصة الأفلام السورية الأولى

واحد لم يبق منه إلا دقيقتان، وآخر أحرق بسبب بطلته... قصة الأفلام السورية الأولى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Lost in time: The untold story of Syria's early films

في سنة 1928، ظهرت إعلانات ترويجية في كبرى الصحف السورية، عن قرب افتتاح الفيلم السوري الروائي الأول "المتهم البريء" (30 دقيقة) في سينما الكوزموغراف في منطقة البحصة بدمشق. أحدث الإعلان ضجة كبيرة بدمشق، بعد أقل من عام على إنتاج أول فيلم مصري طويل، وجميع القائمين على التجربة السورية كانوا من الهواة، من ممثلين ومخرجين ومصورين، يجمعهم حبهم الجارف للسينما ورغبتهم في مشاهدة أنفسهم على الشاشة، مع هدف نبيل في إدخال هذا الفن وهذه الصناعة إلى سوريا.

أسسوا شركة إنتاج باسم "حرمون فيلم"، واستوردوا آلة تصوير قياس 35 مم -طراز كينامو- من ألمانيا، عن طريق التاجر الدمشقي ناظم الشمعة. وبعد وصولها وعلى الرغم من وجود كتالوغ إرشادات، فشل القائمون على الفيلم في استخدام الآلة، فلجأوا إلى مصور هاوٍ يُدعى رشيد جلال، كان على دراية بالتصوير على الرغم من سنواته العشرين.

كانت كل مشاهده خارجية، وتدور بعض أحداثه في كهوف جبل قاسيون المطل على العاصمة السورية. ولكنه وقبل العرض الجماهيري الأول، أوقف العمل من قبل لجنة الرقابة، بسبب ظهور فتاة سورية مسلمة على الشاشة 

كانت لجلال تجربة في توثيق زيارة المفوض السامي الفرنسي موريس ساراي إلى السراي الكبير في ساحة المرجة قبل ثلاث سنوات. بذلك اعتبر الأعلم بين السوريين في التصوير وتم التعاقد معه للمشاركة في "المتهم البريء" -ممثلاً ومصوراً- ودخل شريكاً رابعاً في "حرمون فيلم" بعد ضم آلته مع لوازم طبع النسخة السالبة إلى ممتلكات الشركة. كما اتفق الشركاء على تقاسم الأرباح، إن وجدت، بالتساوي بينهم، وكذلك الخسارة.

استغرق تصوير الفيلم ثمانية أشهر متواصلة، وكانت كل مشاهده خارجية، وتدور بعض أحداثه في كهوف جبل قاسيون المطل على العاصمة السورية. ولكنه وقبل العرض الجماهيري الأول، أوقف العمل من قبل لجنة الرقابة، بسبب ظهور فتاة سورية مسلمة على الشاشة، ومشاركتها البطولة مع رشيد جلال. قالت اللجنة إن هذا الأمر يجب ألا يحدث في مدينة محافظة كمدينة دمشق، وحاول المخرج أيوب بدري محاورتهم، وقال إنها كانت بالغة راشدة متجاوزة الخامسة والعشرين من العمر وحاصلة على موافقة من أهلها للظهور في هذا العمل.

كانت الأعمال السينمائية يومها تخضع للجنة رقابة مشتركة من رجال الدين (مسلمين ومسيحيين)، لهم حق الموافقة أو الرفض لأي فيلم يُعرض في صالات السينما السورية، باستثناء الأفلام الفرنسية القادمة من باريس، والتي كانت معفية من الرقابة السورية. وكانت هذه الأفلام هي الأكثر سخونة في عشرينيات القرن الماضي، يتخللها الكثير من القبل والمشاهد الحميمية، ولكن لجنة الرقابة لم تتمكن من الوقوف في وجهها، واختصرت موافقتها على أفلام "الكاوبوي" الأميركية، وأفلام طرزان "فتى الأدغال"، وأعمال شارلي شابلن الكوميدية.

وفي عام 1923 كانت اللجنة قد منعت الفيلم الألماني آدم وحواء، لأنه أظهر أول خلق الله من البشر على الشاشة، وأوقفت الفيلم الأمريكي فاضل للممثل شارلز فاريل، الذي تدور أحداثه عن أمير عربي يُسيء التعامل مع زوجته الأوروبية.

لم تتدخل سلطة الانتداب الفرنسي بداية في هذا الأمر، تجنباً للدخول في مواجهة مع المؤسسة الدينية، ولكنها سرعان ما أثنت على قرار اللجنة بمنع الفيلم، بحجة أن الموسيقى المرافقة له كانت "مسروقة من أعمال عالمية"، علماً أن قانون الملكية الفكرية لم يكن موجوداً في سوريا.

أجبرت الشركة المنتجة على إعادة تصوير مشاهد الممثلة السورية، واستبدلتها براقصة ألمانية كانت تعمل في ملهى الأولمبياد بدمشق. وقد أدّى هذا الأمر إلى مضاعفة تكاليف التصوير بدرجة فاقت عائدات شباك التذاكر، وكانت النتيجة إفلاس الشركة المنتجة. وقبل الإغلاق والتصفية، قامت حرمون فيلم بتصوير حدث رياضي، بتكليف من صاحب "نادي معاوية" لكرة القدم خالد العظم، الذي طلب منها توثيق مباراة بين فريقه وفريق أساتذة جامعة بيروت الأمريكية.

تحت سماء دمشق

لم يبق من فيلم "المتهم البريء" اليوم إلّا دقيقتان، وقد ضاعت كل إعلاناته الترويجية. وبعده كانت التجربة الثانية مع فيلم تحت سماء دمشق سنة 1932، وهو مثله مثل "المتهم البريء" كان فيلماً صامتاً مدته 30 دقيقة، بطولة رشيد جلال أيضاً والمطرب مصطفى هلال، ومن تأليف وإخراج إسماعيل أنزور العائد حديثاً من دراسة الإخراج في النمسا (والد المخرج المعاصر نجدة إسماعيل أنزور).

تقرر عرض الفيلم في أوبرا العباسية القريبة من محطة الحجاز، وكان يضم عدداً من الهواة، مثل نشأت التغلبي، الذي أصبح بعد سنوات مديراً لإذاعة دمشق، ومعه عدد من المحترفين مثل الفنان عبد الوهاب أبو سعود وتوفيق العطري، والراقصة الألمانية ذاتها التي أنقذت "المتهم البريء" قبل أربع سنوات. أما عن الجهة المنتجة، فكانت الشركة المؤسس حديثاً "هيلوس فيلم"، برأسمال قدره 400 ليرة عثمانية ذهبية. وكانت الشركة مملوكة من قبل رشيد جلال ورجل الأعمال رفيق الكزبري (والد رجل الأعمال المعاصر المقيم في النمسا نبيل الكزبري)، والحاج أديب خير (والد المنتج السوري منذر خير، صاحب مسلسل السوري الشهير "خان الحرير" في التسعينيات).

كانت الأعمال السينمائية يومها تخضع للجنة رقابة مشتركة من رجال الدين (مسلمين ومسيحيين)، لهم حق الموافقة أو الرفض لأي فيلم يُعرض في صالات السينما السورية، باستثناء الأفلام الفرنسية القادمة من باريس والتي كانت معفية من الرقابة السورية

أحداث الفيلم كانت تدور حول غيرة الرجل والمرأة، وصوّرت مشاهده الخارجية في محطة الحجاز والغوطة ومنطقتي دمر والربوة، وكانت المشاهد الداخلية في قصر الأمير سعيد الجزائري، حفيد الأمير عبد القادر الجزائري. ولكن الفيلم تعرض لضربة كبيرة جداً عندما سبقه في العرض الفيلم المصري "أنشودة الفؤاد" الذي كسح المجتمع السوري لأنه كان أول فيلم عربي ناطق يعرض بدمشق. قلّ الإقبال على "تحت سماء دمشق"، وكانت نتيجته خسارة بقيمة 300 ذهبية عثمانية، وزعت بالتساوي على الشركاء في "هيلوس فيلم". بعدها بسنوات طويلة، أعيد إحياء الفيلم في مهرجان دمشق السينمائي سنة 1985، وفي احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008.

نور وظلام

أما ثالث التجارب السينمائية السورية الرائدة فكان فيلم "نور وظلام" سنة 1948، من بطولة المطرب المعروف رفيق شكري والفنانة اللبنانية أيفيت فغالي. كان هذا الفيلم هو أول فيلم ناطق في سوريا ولبنان، وقد شارك في بطولته عدد من نجوم سورية الكبار مثل سعد الدين بقدونس، الذي كان يترأس فرقة مسرحية تحمل اسمه، وأنور البابا بدوره الشهير "أم كامل" الداية، وحكمت محسن بدوره المعروف "أبو رشدي". جميعهم كانوا من نجوم إذاعة دمشق التي أسست حديثاً، وكتب لهم الاستمرار والمشاركة في بدايات التلفزيون السوري سنة 1960.

كتب سيناريو الفيلم على الأرناؤوط ومحمد شامل، أما عن منتجه ومخرجه نزيه الشهبندر، فكان يملك ويُدير استوديو حديث للتصوير والإنتاج في منطقة باب توما. وقد نال الفيلم نصيبه من التحديات والمخاطر، ومنها انقطاع الكهرباء المتكرر بدمشق أثناء حرب فلسطين سنة 1948، وتدهور الأوضاع الأمنية بسبب تلك الحرب.

أما عن العائد المادي فكان أفضل من الأفلام السابقة، ولم تتعرض الشركة المنتجة للإفلاس بسببه. ولكن جميع نسخ الفيلم ضاعت، أو بالأصح بيعت لرجل أعمال ثري وقع في غرام البطلة أيفيت فغالي وقرر الزواج منها بعد شراء كل نسخ الفيلم وحرقها.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard