شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
نزهة تنعش الرّوح… مفردات الأحوال الشخصية من الأكدية إلى العربية

نزهة تنعش الرّوح… مفردات الأحوال الشخصية من الأكدية إلى العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

الأحد 23 يوليو 202312:24 م

نستطيع مشاهدة الأطفال في الحدائق عندما يجلسون على أرض ترابية، ويمسكون من فورهم عصا ويبدؤون بالحفر. إنه شغف غريزي، وهو من أقدم السلوكيات الغريزية الإنسانية التي وصلتنا منذ ما قبل الفلاح الأول. ونستطيع أيضاً مراقبةَ تطور هذا السلوك الغريزي مع أعمار الأطفال، فهو يبدأ من مجرد الحفر بلا معنى ثم تجميع التراب حول الحفرة، مع الأكبر سنّاً، لمصلحة تشكيلات هندسية بدائية في محيط الحفرة.

نشكر الآلهة أن فعل الحفر ليس سلوكاً جذرياً لمصلحة نمونا النفسي، فهو غالباً ما يقاطَع من الأمهات لمصلحة ضرورة مبهمة أو مصلحة عليا كمثل منع اتساخ ملابس الطفل أو وضع الطفل يده في فمه، كمحاولة أزلية للفضول الطفولي. إنه اللهو البريء والخالي من المسؤولية والذي منه أظهرت البشرية أعظم اكتشافاتها، أو ما يسميه المؤرخون بفذلكاتهم الدراسية: "الوقت الفائض بعد شبع الجماعة، فيستطيع بعضهم التفرغ والانصراف إلى قضايا أدبية وجمالية ليست من ضرورات البقاء".

جاءت الكتابة الأكدية، والتي هي الجدّ الأول للّغة العربية باعتراف المؤرخين الجادّين، لتلبّي احتياجات نفسيةً واجتماعيةً واقتصاديةً أكثر تعقيداً لجوانب الحياة الإنسانية السورية، وهي حاجات لم تكن تلبيها الصياغة السومرية في الكتابة

تشبه اللغة ذلك الفعل الغريزي، ولكنها أكثر قدماً وجذريةً لحساب نموّنا النفسي، فقد أظهر أسلافنا الأوائل فهمهم للبيئة التي يعيشون فيها بواسطة اللغة، ونعرف نحن دواخلهم وقضاياها بواسطة اللغة، وربما وصولاً إلى دواخلنا وقضاياها. هكذا جاءت اللغة مزيجاً شديد التعقيد والتشويش بين مراقبة البيئة المحيطة بأسلافنا، وظهور الأصوات والمفردات التي تستطيع أن تكون ذاكرةً جمعيةً موروثةً لجماعة تتواصل في ما بينها ومع جماعات أخرى، وكانت تلك الانطلاقة للّغة في المجتمعات من دون أي ضوابط.

جاءت الأعراف والعادات والآلهة وظهور المدينة والسلطة والقانون والإمبراطوريات وظهور الله، ومارسوا جميعاً دور الأم أعلاه على طفلها الذي يحفر بفعله الغريزي لضرورات ما، أو مصالح عليا تبتكر حقائق وممنوعات وحقوقاً وواجبات وعلوماً وآداباً، ولكن جميع هذه الضوابط والممنوعات صبّت في سياق تطور اللغة، فعبقرية المجتمعات النفسية في الالتفاف على ضوابط السلطات وحدودها الضيقة في فهم مصلحة الجماعة جعلت اللغة جسداً فتيّاً وقوياً دائماً، ويكتنز بأسرار عراقته كلّما تقدّم في السن.

مراجعةً بسيطةً لظهور الكتابة الأول بشكلها التصويري في كتاب "دراسات في علم الآثار واللغات القديمة" لنائل حنون، يخبرنا بالكثير من سياقات علاقة اللغة مع المجتمع، فليس غريباً أن يكون المقطع الصوتي السومري "تو"، والذي يعني "ولدت"، يُرسم كصورة كهف ويعلوه ما يشبه السنبلة، والمقطع الصوتي السومري "أودو"، والذي يعني "غنم"، أن يُرسم بصورة صليب بينما يُرسم صليب آخر وبشكل مختلف ليمثل المقطع الصوتي "جاشان"، ويعني "سيدة-ملكة"، وتالياً يكون رسم السمكة يمثل المقطع الصوتي السومري "جِر"، ويعني "ابن"، فتكتمل سردية حكاية تتحدث عن عبقرية المجتمع وأبعاده النفسية المغرقة في القدم والتي تتمثل في ما يتجاوز قدرتنا على الفهم.

وكلمة المقطع الصوتي "زاج"، في الصياغة السومرية، والذي يعني "استخارة"، يُرسم على صورة عقدة وطرفين أو على صورة "ببيون"، وتالياً نتذكر ما جاء في القرآن عن النفاثات في العقد، والاستخارة بذاتها ليست أكثر من فعل طقسي وسحري يجعل المتعبد على اتصال مع الذات الإلهية من دون أي وسيط.

جاءت الكتابة الأكدية، والتي هي الجدّ الأول للّغة العربية باعتراف المؤرخين الجادّين، لتلبّي احتياجات نفسيةً واجتماعيةً واقتصاديةً أكثر تعقيداً لجوانب الحياة الإنسانية السورية، وهي حاجات لم تكن تلبيها الصياغة السومرية في الكتابة، وتالياً كان استمرار البابلية والآشورية والأوغاريتية والآرامية والعربية جزءاً من القصة المتشابكة لتبسيط اللغة وعلاقتها بعبقرية المجتمع الذي تُستنبط اللغة فيه.

قبل الزواج

إذا كنت شاباً يا عزيزي القارئ، سيُطلَق عليك في الأكدية "مارو"، كما جاء في كتاب "اللسان الأكادي"، لعيد مرعي، و"مارو" يعني: ابن، شاب، وبالآرامية: ماري، ماريا، وبالعربية الجنوبية: مري، ومنها بالعربية في لسان العرب: مرء وامرؤ وامرأة، والمروءة: كمال الرجولة، والمروءة: الإنسانية. وأنت يا عزيزتي القارئة تُدعين مارتو وهي مؤنث مارو، وقد تطورت في الآرامية إلى مارتا: سيدة، وبالعربية امرأة زوجة.

وإذا كنت يا عزيزتي القارئة لم تمارسي الجنس قبل الزواج، فكان يطلق عليك في اللغة الأكدية كلمة "بتلتو"، أي عذراء. وأنت أيضاً يا عزيزي القارئ أُطلق عليك في الأكدية كلمة "بتلو"، وهي مذكر عذراء، أي أعذر، على وزن سمراء-أسمر، إذا صح الاشتقاق. كلمة بتلتو الأكدية تطورت في اللغة العربية لتعني البتول، أي المنقطعة عن الرجال زهداً وعبادةً. اختفى مذكّر الكلمة في اللغة العربية، وبقيت لها في لسان العرب كلمة رجل، أبتل، أي عريض ما بين المنكبين. إن كلمة أعذر بمعنى العذراء غير مستخدمة في اللغة العربية وآدابها، لوصف حالة جسدية جنسية للرجل. إن استخدام الأكدية لوصف حالة الذكر والأنثى وكلٌّ بكلمة خاصة به، يدل على الحاجة الاجتماعية الروحية وربما المادية إلى توصيف قيمة محددة وتمييزها، ولكن تلك القيمة والحاجة انتفتا مع تطور اللغة في ما يخص الذكر، وأبقتا على ضرورتها في ما يتعلق بالأنثى.

إذا أردنا مقاربة هذا الفهم القديم في وقتنا المعاصر، فما زلنا داخل المؤسسات العامة والخاصة نكتب في قسم الحالة الاجتماعية: عزب أو عزبة، اللتين لهما قيمتهما الاجتماعية كتعريف عن وضع المسجل أو المسجلة، والكلمة لا تهتم بحقيقة كون الذكر أو الأنثى عذراوين أم لا، ولنا عودة إلى هذه الكلمة.

ستحب يا عزيزي القارئ، وستجلب لحبيبتك هديةً لطيفةً والهدية جاءت من الأكدية بلفظ مَجانّو، وتعني هدية أو مجاناً، وبالأوغاريتية مَجّن وبالعربية مجاناً.

في أثناء الزواج وبعده

ستتقدم عزيزي القارئ إلى أهل الفتاة التي تحبها وتطلبها زوجةً لك. يوافقون، ويحضَّر جهاز العروس الذي أُطلق عليه في الأكدية: تيرخاتو، التي تطورت في الأوغاريتية: طرخ والعربية الجنوبية ترخ: الثوب أو الطرحة ويقابلها في العربية الدارجة في بلاد الشام طرحة العروس.

عزيزي/تي القارئ/ة، ستتزوجان، فقد جمعت الصياغة السومرية في كلمة واحدة: (دام) لتعني زوجة وزوج ورجل، وفي شكل رمزي جميل لمثلث قاعدته إلى الأسفل، ويقف على عود القائم ما يشبه العارضة وتحت العارضة مثلث آخر لكن رأسه يحاول الدخول في العارضة.

كانت للأكدية وجهة نظر أكثر تفصيلاً، فكلمة يتزوج جاءت أخزو: يأخذ، يتزوج، يتعلم، وفي جميع لغات سوريا القديمة: أخذ، والتي هي في لسان العرب خلاف العطاء، وتقول العرب: أخذ فلان فلانة بمعنى تزوج، وكلمة زواج في الأكدية هي أخوزَّاتو المشتقة من أخزو: أخذ. وتذكر يا عزيزي القارئ الزوج أن تاخاز في الأكدية تعني قتال، نزال في اقتراب أبجدي حكيم.

ظهر أسلافنا الأوائل فهمهم للبيئة التي يعيشون فيها بواسطة اللغة، ونعرف نحن دواخلهم وقضاياها بواسطة اللغة، وربما وصولاً إلى دواخلنا وقضاياها. هكذا جاءت اللغة مزيجاً شديد التعقيد والتشويش.

الزوجة في الأكادية: أشَّتو وأصلها "أنثتوم"، وفي الأوغاريتية: أثت: زوجة وبالعبرية إشا، وبالآرامية إثنتيثي، إتثي وبالعربية الجنوبية أنث وبالحبشية أنيستي: زوجة. وفي لسان العرب الأنثى هي خلاف الذكر من كل شيء. المشكلة أنني لم أجد في معاجم الأكدية كلمة تخص مفردة زوج للرجل، فكلمة زيكرو الأكدية تعني ذكر، وزيكارو: رجل، وزِكاتو: ذكورة. وجميع هذه الكلمات تقترب من الذكر في لسان العرب، ولكنها لا تعني "زوج". وللدلالة على فقدان وجود كلمة زوج للمذكر مقابل وجود مفردة أكدية تخص الزوجة (أشتو)، والتي تطورت إلى الأنثى تراجع في كتاب "اللآلئ السريانية" لجوزيف أسمر ملكي، كلمة زوج في السريانية زَوكو التي تقترب من اللفظ العربي زوج (برغم أنها في اللفظ تقترب أيضاً من مفردة الذكر أو الرجل الأكدية ومشتقاتها)، ولكن كلمة زوجة في السريانية: بَث زوكو لتعني أنثى الزوج أو بالسريانية أيضاً أتثو: زوجة وهي مشتقة من أنثى وتقترب من أشتو الأكادية، ويقال: أتثو دحُلو أي أنثى الخال (زوجة الخال)، أو أتثو ددُدو أي أنثى العم (زوجة العم). وعليه، كان تطور لسان العربية إلى عدّ الزوج مفرداً، وليس كمثل كلمة توأم التي تدل على مثنى ولا تُثنّى إلا للدلالة على أربعة، دلالةً على حس سليم لجهة اختصاص جزء من المجتمع بكلمة تخصه، فلا تستطيع القول في العربية إنهما زوج بل زوجان، لأن الزوج في لسان العرب يدل على المفرد الذي له قرين، وتالياً تقترب العربية من مفهوم السومرية التي جعلت الكلمة ذاتها (دام)، تدل على الجنسين المتزوجين.

اللطيف أن كلمة زاج السومرية التي تعني استخارة، والتي تُرسم بصورة عقدة أو "ببيون" وتحدثنا عنها سابقاً وربطناها بالنفاثات في العقد للعلاقة بين فكرة العقدة والنفخ فيها وفعل الاستخارة كطقس سحري، مستخدمة في العربية على أنها مصدر زوج، فـ"زاج" بين القوم أي "أفسد بينهم وسلّط بعضهم على بعض"، وتعني أيضاً الملح (الشَّبُّ اليَمَاني وهو من الأَدوية)، فهل يحق لنا أن نربط السحر بإفساد الناس والملح بينهم؟ أي تخريب العقدة التي تجمع بين الناس، وتالياً نفهم مقصد السيد المسيح عليه السلام عندما قال: "أنتم مِلْحُ الأرض، ولكن إِنْ فسَدَ الملح فبماذا يملَّحُ؟".

عند قيام حفلة العرس يا عزيزي القارئ، أنت إريشو: عريس، ولم يُستخدم مؤنث لها في الأكدية، وعليك أن تستعد لتلك الليلة، فالكلمة إريشو (عريس) تشابه أكثر الأفعال حميميةً في الأكدية إريشو يحرث، يفلح. وفي الأوغاريتية: حرث وفي العبرية: حرش، وفي السريانية حرت، وفي العربية حرث والحراثة: العمل في الأرض زرعاً أو غرساً. وأريشتو في الأكدية: حراثة الحقل، وأرِّيشو: حارث وبالعربية: أرس، والإرسُ: الأصل الطيب، والأريسُ: الأكار أي الزرّاع، والأَرارِيسُ : الزَّارِعونَ وهي شاميَّة.

دعونا نغادر مساحة المخاطبة هنا، ونتحدث بتجرد من الضمائر. فالفعل الذي سيقوم به الرجل مع المرأة يسمّى بالأكدية: نياكو- ناكو: ينيك وفي لسان العرب: نيك. فالرجل في الأكادية هو نائيكانو: نائك، والمرأة في الأكدية: نايكتو: منيوكة. ومعاجم العربية تقول: ناك المطر الأرض وناك النعاس عينيه: إذا غلب عليها. وهي كلمات فصيحة، ولكنها –مما يؤسف له- مستخدمة في العامية كشتيمة فقط، ويتحرج الأدب المعاصر من ذكرها ويستبدلها بـ"نكح". إذاً هو حرف الحاء ما يحافظ على فضيلة معاصرة سقيمة تجاه أجمل وأرق الأفعال الإنسانية الجسدية، فنهرب من نَاك إلى نَكَحَ. وحدها شاعرية المعاجم العربية تستخدم كأمثلة أيضاً نكح المطر الأرض: اختلط في ترابها، نكح النعاس عينيه: غلبه عليهما لتقاربها مع ناك، والعوام الذكور في بلاد الشام حتّى وقتنا هذا يقولون: "عيوني عم يتنايكو"، للدلالة على النعاس.

وهي ذاتها العامية الشامية، على سبيل المثال، التي تستخدم كلمة منيوك ومنيوكة كشتيمة. تقول في أجمل جملها إبداعاً: "نشقو بوسة"، وكلمة نَشَقو تعني في الأكدية: يُقَبّل، وفي الأوغاريتية والعبرية والآرامية: نشقّ. وفي العربية النّشقُ: صب السعوط في الأنف. وانتشق الماء في أنفه واستنشقه: صَبَّهُ فيه. فليت العوام يعلمون، وليت علماء اللغة يخففون من غلوائهم، والمثقفين يحدّثون بجمال عاميتنا الخفي في نفوسنا الشغوفة بالحياة.

سيشكل الزوجان عائلةً، وهي التي في الأكدية قِنو: عائلة، عش، قبيلة، وفي العربية العامية القن: خم الدجاج. فكلمة قَنَنو تعني يبني عشاً، موطناً، ومنها كلمة قنسرين في حلب والتي تعني في الآرامية:عش النسور.

وسيكون للعائلة صغار وهي في الأكادية: صوخْرو: أطفال صغار. من صبي: صوخَرو، وبنت صغيرة: صوخَرتو. والكلمات جميعها من صيخرو، صخرو: صغير، في الأوغاريتية: صَغر وبالعبرية صَعير وبالآرامية صيعَر، وبالعربية الجنوبية والشمالية صغير.

واحذر يا قارئي أن تجلب على زوجتك زوجةً ثانية، فهي في الأكادية من صِرّو: عدو، منافس، زوجة ثانية (الضرة)، وفي العربية ضرر وضرّة المرأة: امرأة زوجها. فالضرّة اسم مؤنث من دون تذكير، وإذا كُتب مع الرجل نقول: لا يَضُرُّكَ عليه رجلٌ، أي لا تجد رجلاً يزيدكَ على ما عند هذا الرجل من الكِفاية.

هكذا تكون يا عزيزي القارئ الصهر في الأكدية خَتَنُو: الختن، زوج الابنة، وفي الأوغاريتية ختن وفي العبرية خاتان، وفي الآرامية خَتنا. وفي العربية خَاتن الرجل إذا تزوج إليه. والخَتَنَةُ: أم المرأة. فَخَتَنُ الرجل زوج ابنته.

تطور تقسيم مراحل الكتابة في الدراسة الأكاديمية من صورية ورمزية ومقطعية صوتية، وثُمّنَ عالياً ظهور الأبجدية التي استوعبت في ظهورها وتقادم تداولها ما هو أعقد من التقسيم المدرسي السابق الذي ينحو ليزداد تقسيماً لتفسير الجانب اللغز والمبدع في لغتنا العربية 

ثمة كلمة في الأكدية وهي إزيبو: غادر، ترك وهي في لغات سوريا القديمة عزب: أرمل. وفي العربية رجلٌ عَزَبٌّ: لا أهل له، وامرأة عزبة: لا زوج لها، والعُزَّابُ: الذين لا أزواج لهم. فأعزبه الله: أذهبه، وقوله تعالى "عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض"، أي لا يغيب عن علمه شيء. ثمة ربط هنا بين الزواج ومغادرة حالة اجتماعية إلى حالة جديدة وتبقى كلمة عزب التي تعني أرمل علامةً فارقةً في الطريق إلى الارتباط بالشريك، لأن اللغة الأكدية أفردت للرجل الأرمل كلمة: ألمانو ومؤنثها ألمَتّو: أرملة وفي الأوغاريتية ألمنت، وفي العبرية: ألمانه، وفي السريانية: أرملتا، وفي العربية رجل أرمل وامرأة أرملة: محتاجة. وهما الرجل دون المرأة والمرأة دون الرجل.

مقاربات للتأمل

يعني المقطع الصوتي "نو"، في السومرية: الأعضاء التناسلية للرجل أو المادة المنوية، أما المقطع نونوز في السومرية: برعم، بيضة، برعم، ويُرسم على شكل دائرتين وخط صغير تماماً كحرف QQ ولكن باتجاه معاكس، بينما كلمة نونو في الأكدية تعني سمكة، الرابط الغريب بين مفردات نو نونوز ونونو أن كلمة ابن في السومرية وتُلفظ "جر" تُرسم على صورة سمكة!

بمقاربة أكثر تبسيطاً، كلمة جوب في الصياغة السومرية تعني يسار أو شمال، وتُرسم على صورة ما يشبه وعاء مستطيلاً طولياً وتخرج منه خطوط باتجاه اليمين، وفي الأكدية كلمة شوميلو تعني أيضاً الشمال واليسار وفي الأوغاريتية شمال وفي الكنعانية سيمأل وفي العبرية سيمول وفي الآرامية والسريانية سيمالا وفي العربية شمال؛ وتستخدم بحسب لسان العرب الشِّمالُ: نقيض اليمين، والشَّمَالُ ريح تَهبُّ من قِبَل الشأْم عن يَسار القِبْلة. فقالت العرب: مَجْنوبَةُ الأُنْس مَشْمولٌ مَوَاعِدُها ومعناه: أُنْسُها محمودٌ لأَن الجَنوب مع المطر فهي تُشْتَهَى للخِصْب؛ وقوله مَشْمولٌ مَواعِدُها أَي ليست مواعدها بمحمودة.

تطور تقسيم مراحل الكتابة في الدراسة الأكاديمية من صورية ورمزية ومقطعية صوتية، وثُمّنَ عالياً ظهور الأبجدية التي استوعبت في ظهورها وتقادم تداولها ما هو أعقد من التقسيم المدرسي السابق الذي ينحو ليزداد تقسيماً لتفسير الجانب اللغز والمبدع في لغتنا العربية التي ورثت بشكلها الحالي حاجات وتجارب إنسانيةً متصلةً بقِدمها التصويري العريق والغامض. ويُظهر هذا التطور بؤس التنظيرات التي تريد النهوض بالمجتمعات عن طريق اقتراحات مثل تغيير اللغة أو مبدأ الكتابة، فاللغة والكتابة هما النتيجة النهائية الخالصة لحكمة الشعوب والمجتمعات وأطوارها، فهما كالأنامل من أطراف اليد متصلة بأعماق أعصاب الجسد وخلاياه وخيالات النفس.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ماضينا كما يُقدَّم لنا ليس أحداثاً وَقَعَت في زمنٍ انقضى، بل هو مجموعة عناصر تجمّعت من أزمنة فائتة ولا تزال حيّةًً وتتحكم بحاضرنا وتعيقنا أحياناً عن التطلّع إلى مستقبل مختلف. نسعى باستمرار، كأكبر مؤسسة إعلامية مستقلة في المنطقة، إلى كسر حلقة هيمنة الأسلاف وتقديم تاريخنا وتراثنا بعين لا تخاف من نقد ما اختُلِق من روايات و"وقائع". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. ساعدونا. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard