شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
من

من "التواصل" إلى "الدعوة"... ياسين العمري الداعية الرقميّ المثير للسّجال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 24 يوليو 202312:22 م

"إذا كان مؤثراً، فعليه بوسائل التواصل الاجتماعي. وإذا كان داعيةً فليذهب إلى المسجد. أما الجامعة فهي للعلماء فقط"؛ بهذه العبارات قُطع الطريق أمام ياسين العمري لإلقاء محاضرة دينية في جامعة ابن زهر في أكادير (وسط المغرب)، في آذار/ مارس الماضي، لينطلق الجدل بعدها حول هويّة "الداعية الإسلامي"، وهل هو مؤثر في الأوساط الرقميّة أم رجل دين؟ اشتهر العمري، في الأعوام الأخيرة، بلغته "العفوية" خلال إلقائه "محاضرات دينيةً" عبر منصّاته الرقمية، وكسب جمهوراً واسعاً، في وقت "يتجاهل" فيه غالبية الشباب المغربي خطابات "الوعاظ".

خطاب ديني بنكهة "فرنسية"

يحرص العمري على التواصل بلغة بسيطة مع متابعيه، وفي أحيان أخرى يفاجئهم بتحدّثه باللغة الفرنسية بطلاقة في مواضيع دينية مهمة، فهو الحاصل على إجازة في اللغة الفرنسية وآدابها، مما يجعله من قلة من الوعّاظ الدينيين في المغرب يستعملون هذه اللغة في إيصال رسائلهم الدينية، ولو أنه يجد من خلالها صعوبةً في العلاقة مع طلبته في الجامعة.

"عندما أدخل إلى الفصل، أدرّسهم مادة التواصل بالفرنسية. يستغربون لهيئتي، ومن أن لي لحيةً طويلةً، فيعمدون في غالبيتهم إلى التأكد من أنهم في الفصل الصحيح وليس في حصّة للتربية الإسلامية"؛ هكذا يصف العمري الجوّ داخل فصله، فهو أستاذ للتواصل في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية "الحسن الثاني" في الدار البيضاء، وحاصل على دبلوم تقنيات التعبير والتواصل، وهو المسار الجامعي الذي يترافق مع أدوار تطوعية له كواعظ ديني.

لا تقف لائحة المواضيع التي أثار فيها العمري الجدل، فبين حديثه عن قتل تارك الصلاة، وعدائه الواضح للحركات النسائية يوصف بالشعبويّة

هذا الانتقال أكسب العمري هويةً مثيرةً للجدل في نظر الكثير من متابعيه، الذين يجدون أمامهم "داعيةً" ما يزال في شبابه وبمسار دراسي مختلف يدعوهم إلى "الهداية وتتبّع الطريق المستقيم، والحرص على المغفرة، والالتزام بأداء الصلوات الخمس"، وفي كثير من الأوقات يعطي رأيه في قضايا شائكة في الوسط المجتمعي، كانتقاده لتصريحات أحد الكوميديين حول المرأة المغربية، ودفاعه عن دعوات بعض لاعبي المنتخب المغربي في كأس العالم لمتابعيهم باعتناق الإسلام.

لا يكفّ عن الدفاع عن صفة عالم الشريعة، ويعدّها تخصصاً يُدرس، ويرفض أي منتسب إليها، وهو ما وضعه في حرب كلامية مع شخصيات لا تقل إثارةً للجدل عنه، وهنا الحديث عمن يطلَق عليه "الدكتور الفايد"، وهو مؤثر مغربي آخر يقدّم نفسه على أنه خبير في علم التغذية، وعبّر في أكثر من مرة عن أن "بلادنا لا يوجد فيها علماء مسلمون، وليس لكل ملتحٍ الحق في هداية الناس"، وهو ما يردّ عليه العمري بوجوب "عدم التدخل في اختصاصات الغير".

الفيزياء المسلمة

لكن خلف هيئة الشاب، تظهر مواقف "متطرفة" أحياناً. في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، استيقظ المغاربة على وقع تصريحات مثيرة للعمري، يدعو فيها إلى تدريس العلوم الحقة، خاصةً مادتَي الفيزياء والكيمياء بطريقة إسلامية، عادّاً أن الشرع له أهلية في هذه العلوم، وأن الإسلام دين العلم، ما جرّ عليه سيلاً من الانتقادات والتعليقات الساخرة، أشهرها: "مستقيمان متوازيان لا يلتقيان إن شاء الله، وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله"، وبعد هذا الجدل خرج العمري ليوضح أن "تصريحاته حول الفيزياء المسلمة محرّفة وتم استغلالها بشكل مغرض".

يصرّ متابعو العمري على وجود أطراف تشنّ حملات مشوِّهةً ضده

الجدل رافق العمري الذي لا يجد أي مانع في إعطاء رأيه في كل القضايا، فحتى موت العالم الفيزيائي البريطاني الشهير، ستيفن هاوكينغ، وما رافقه من جدل حول جواز الترحّم عليه، كانت له يد فيه، فقد ندد بحملة الترحم عليه، ووصفه بـ"الملحد"، و"لو استيقظ من قبره لأخبر الذين يوزعون دعوات الرحمة عليه أن يتوقفوا حالاً"، وفي أحيان أخرى يستغرب الكثيرون من صمته في قضايا أكثر أهميةً كـ"ارتفاع الأسعار" الذي تعرفه البلاد، وكان أبرزهم الصحافي المعارض حميد المهداوي الذي اتهمه بـ"محاباة الحكومة"، وهو ما ينفيه العمري.

يصرّ متابعو العمري على وجود أطراف تشنّ حملات مشوهةً ضده، فبعد رفض السلطات المحلية في أغادير (وسط البلاد)، طلب جامعة ابن زهر استقباله من أجل إلقاء محاضرة علمية، ازدادت شكوكهم حول الأمر، إذ يقول سمير وهو واحد من المواظبين على دروسه على الشبكات الاجتماعية لرصيف22، إن "التضييق الذي مورس على شخص العمري غير مقبول، هو أستاذ جامعي وله حق في أن يقدّم محاضرةً في الجامعة، ورفض استقباله أمر غير مقبول ولا وجود لأي تفسير له".

ليس عالم دين

الانقسام الذي عرفه الرأي العام في المغرب حول أهلية ياسين العمري، لإلقاء محاضرات علمية، كان واضحاً. رأي جماهيره كان واضحاً، بينما وجدت فئة أخرى أن هذا "الداعية" مكانه ليس كرسيّ المحاضرات في الحرم الجامعي، وإنما مقاعد رجال الدين في المساجد، إذ تقول وداد (طالبة) لرصيف22، إن "مختلف المواضيع التي يتطرق إليها تبتعد تماماً عن الجانب العلمي، ولا تختلف كثيراً عن المواضيع الدينية التي يتطرق إليها العديد من الوعاظ الدينيين، الذين بصراحة يعيدون تركيب التعابير نفسها عن علماء دينيين مشارقة، وما يأتون به مجرد تدوير في الكلام".

وجد العمري وسائل التواصل الاجتماعي كما هو الحال بالنسبة للعديد من الواعظين الإسلاميين في المغرب والعالم العربي، وسيلةً مثلى للوصول إلى فئة الشباب

"لا يمكن عدّه عالم دين، لأنه لا يكفي أن تكون واعظاً وتمرر الرسائل الدينية بطريقة كوميدية حتى تعطى لك صفة العالم، بل يجب أن يكون مسارك الأكاديمي ثرياً في مجال تخصصك"؛ هكذا تقول "فرح"، وهي الأخرى من متابعي الداعية العمري، وتشدد على أن "المحتوى الذي يقدّمه جيّد وممتع، كما أنه يفيدني في حياتي الخاصة".

"العالم علمه أوسع من الداعية"

أستاذ علم الشريعة في جامعة ابن زهر في أكادير، يوسف فاوزي، يقول في هذا الخصوص: "هناك فرق بين العالم والداعية؛ كما أنّ هناك فرقاً بين الأستاذ الجامعي والعالم؛ بمعنى أن العالم علمه أوسع من الداعية. العالم له الحق في إصدار الفتوى الشرعية في الأحكام والنوازل حتى يتبين للناس الحلال والحرام في دينهم، في حين أن الداعية وظيفته تقديم النصيحة بأسلوب الوعظ، وغالباً ما يتركز خطابه حول مسائل الأخلاق والمعاملات الاجتماعية. وهذا لا يعني أن العالم لا يقوم بهذا الأمر، بل على العكس تماماً، لكن انشغال العلماء بالإفتاء والبحث العلمي يجعلهم منشغلين عن مجال الدعاة الذي يغلب عليه الجانب الوعظي والفكري".

هناك فرق بين العالم والداعية؛ كما أنّ هناك فرقاً بين الأستاذ الجامعي والعالم؛ بمعنى أن العالم علمه أوسع من الداعية

ويضيف فاوزي أن "الساحة الدعوية اتسمت ببروز أسماء جديدة ساعد في شهرتها توظيف وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت ملاذ الناس بسبب التهميش والإقصاء من طرف بعض الدوائر الرسمية التي قدّمت خطاباً دينياً رسمياً محكوماً برقابة صارمة؛ له خطوطه الحمراء في نوعية المواضيع وكيفية تناولها، الأمر الذي دفع بشريحة واسعة من المجتمع، لا سيما الشباب، إلى البحث عن منبر بديل يتناول مشكلاتهم وهمومهم، ومن بين هذه الأسماء الدعوية الجديدة ياسين العمري، وهو أستاذ جامعي اشتهر في السنوات الأخيرة في المجال الدعوي بمناقشته قضايا الشباب المغربي، وتميز خطابه بالوسطية والاعتدال، مع نهج أسلوب القرب من الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما أعطاه شهرةً واسعةً".

ويشدد أستاذ علم الشريعة، على أن "العمري لا يصنَّف ضمن دائرة العلماء الذين يصدرون الفتاوى؛ بل هو داعية مصلح يناقش قضايا فكريةً من منظور شرعي محافظ، وحصوله على لقب العالم يكون بمسار فقهي وأكاديمي في تخصصات العلوم الدينية والتي تتقاطع مع العلوم الحقة، لكنها ذات استقلالية واضحة، وتخصص العمري الذي هو التواصل ليس كافياً ليحصل على صفة العالم الديني".

"قتل تارك الصلاة"

لا تقف لائحة المواضيع التي أثار فيها العمري الجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب عند حدّ، فبين حديثه عن قتل تارك الصلاة، وعدائه الواضح والذي لا يخفيه للحركات النسائية، يجد نفسه أمام سهام النقد من قبل رافضي الخطب الدينية الشعبوية، إذ تقول أميمة (طالبة)، التي تتابع بشكل غير منتظم مقاطع من محاضراته التي تنتشر بسرعة في الويب المغربي، إن "العمري ليس بداعية في الأصل، إذ يعمد إلى استخدام لغة شعبويّة، بعيدة عن الشريعة الإسلامية، وعن الرزانة العلمية، الأمر الذي يفقده أهم خاصيات العالم الإسلامي وهي مخاطبة جل فئات المجتمع وليس فقط الشباب منهم".

وجد العمري وسائل التواصل الاجتماعي كما هو الحال بالنسبة للعديد من الواعظين الإسلاميين في المغرب والعالم العربي، وسيلةً مثلى للوصول إلى فئة الشباب، إذ تحصل محاضراته الدينية كما يصفها، على ملايين المشاهدات، ما جعل صوته مسموعاً، والعديد من متابعيه ينتظرون رأيه في كل القضايا المجتمعية الحارقة، ولو كانت خارج اختصاصه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image