شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قوات فاغنر في سوريا... تكبيل الأيدي في انتظار تأكيد

قوات فاغنر في سوريا... تكبيل الأيدي في انتظار تأكيد "الطاعة" لبوتين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الجمعة 21 يوليو 202302:56 م
Read in English:

From Russia with love? The power struggle of Wagner paramilitary group in Syria

تدخلت مجموعة "فاغنر" القتالية الروسية على الأرض السورية، بالتزامن مع دخول الجيش الروسي على خطّ المعركة، أو بعده بأسابيع قليلة، بحسب مصادر أخرى، ولكن ذلك كله تم في الربع الأخير من عام 2015، وفق ما هو مؤكد.

"فاغنر"، هي مجموعات مقاتلة يصطلح القول على أنّها شركة عسكرية خاصة. وبرغم كل المعلومات التي سُرّبت عنها في بداية عملها في مرحلة معارك القرم-دونباس 2014 و2015، إلا أنّ أزمتها الأخيرة وحركة تمرّدها في 23 حزيران/ يونيو 2023، بقيادة رئيسها يفغيني بريغوجين، على القيادة الروسية، ودخولها عمق الدولة الأم، في حركة عكسية استهلتها من جبهة باخموت التي كانت تقاتل فيها في أوكرانيا، نحو مدن رئيسية أقصاها تبعد عن موسكو مئتي كيلومتر، قبل أن يتوقف الزحف لاعتبارات متشابكة، أفضت إلى نتائج واسعة الأبعاد.

كلّ ذلك كذّب المعلومات التي استمر تداولها دائماً عن تبعيتها المباشرة لوزارة الدفاع الروسية، وعن أّن "فاغنر" ليست أكثر من فصيل تحت لواء الوزارة، وزاد في توضيح هذه الحيثية الصراع العلني بين قائدها ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قبل تمردها الذي وصل إلى العلن غير مرة، عبر اتهام المجموعة لوزارة الدفاع بقصف قواتها مرات، وحجب الذخيرة والإمداد عنها مرات أخرى، وتركهم ليلقوا مصيرهم في ساحات القتال العنيف في أوكرانيا.

"فاغنر" في سوريا مثلاً، لم تكتفِ بالمشاركة العسكرية البرية، بل حين استكانت لسيطرتها، جندت سوريين وأرسلتهم إلى ليبيا

كلّ ما كان يحصل من تجاذبات، لم يجعل أكبر معادي روسيا قادرين على توقع انقلاب بصيغة تمرد قد يحصل ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشويغو (وزير الدفاع الروسي)، بمعزل عن نتائجه حتى. ولكنّ ذلك حصل فعلاً.

الحديث عن مجموعة كـ"فاغنر"، لا يشبه الحديث عن سريّة أو كتيبة أو حتى لواء ضلّ سبيل ولائه في المعركة، بل الحديث هنا عن شركة عسكرية متكاملة الوصف الركني، وتحوذ في معداتها أسلحةً ثقيلةً ونوعيةً من ضمنها دبابات متطورة ومصادر مالية تكاد تكون شبه مفتوحة، وزيادةً على ذلك، امتداد قتالي نحو أصقاع مختلفة من الأرض، وإن كانت أهمهما أوكرانيا وسوريا ودولاً عدة في إفريقيا من بينها ليبيا، وفي كل واحدةٍ من تلك الجبهات خصوصية لـ"فاغنر" تدفعها لمواصلة السعي إلى الحفاظ على تواجدها هناك، وكذلك سعيها إلى التواجد في أي منطقة متوترة في العالم توجد فيها موارد نفطية متصارع عليها.

تجنيد مرتزقة سوريين

"فاغنر" في سوريا مثلاً، لم تكتفِ بالمشاركة العسكرية البرية، بل حين استكانت لسيطرتها مع القوات الحكومية وبقية المتحالفين على مساحات واسعة من الأرض، بدأت بتجنيد شبان سوريين للقتال أو الحراسة في مناطق أخرى خارج سوريا، وأرسلتهم بدايةً نحو ليبيا، حيث كانت تدفع لهم رواتب شهريةً تتراوح بين 700 و2،000 دولار حسب المهمة الموكلة لكل شخص، فالبعض مهامهم تكون حراسة محيط آبار النفط والغاز وتأمينها، والبعض الآخر تأمين طرقات رئيسية ومركزية، وسواهم من الذين يحصلون على الرواتب الأعلى، هم مقاتلو الاقتحام.

التنظيم العسكري استهدف الشبان الموالين أولاً، من أولئك الذين دفعتهم ظروف الحياة إلى القبول بأي عمل مهما بلغت مخاطره، ولاحقاً الشبان من مناطق التسويات والمناطق التي لم تكن بوضوح في صف الدولة السورية المركزية. وعليه، غصّت ليبيا بآلاف السوريين، الذين عاد كثرٌ منهم قتلى، والمفارقة أنّ كثيرين منهم تم تشييعهم كـ"شهداء" من قبل عائلاتهم، برغم أنّ الذين حول "الشهيد" لا يعلمون كيف قُتل ولماذا؟ ولا من كان يواجه بالضبط؟ أو ما هي القضية التي راح يدافع عنها في ليبيا وبلده أساساً يعجّ بالارتباك والاشتباك؟

إرسال هؤلاء المقاتلين كان يتم جواً عبر مطار حميميم العسكري في ريف اللاذقية، الذي تسيطر عليه روسيا منذ دخولها إلى سوريا، وكان يتم تسفيرهم بعد حصولهم على موافقات أمنية من قبل الجانب السوري، وفي بعض الأحيان اشترط الروس ألّا يكون المقاتل متخلفاً عن الخدمة العسكرية في بلده، بيد أنّ هذا الشرط كثيراً ما تم تجاوزه.

وكان نظام العقود ينص عادةً على الخدمة الفعلية في البلد المرسل إليه، لخمسة أشهر أو ستة متواصلة مقابل شهر راحة يعود فيه إلى سوريا، ويكون مدفوع الأجر، ثم يلتحق من جديد بالمطار ليرسَل مجدداً إلى مكان خدمته (وهذا صار عقداً عاماً لمقاتلي فاغنر لاحقاً بغض النظر عن الوجهة).

تقول مصادر مطلعة لرصيف22، إنّ "سوريين يقاتلون الآن (بصرف النظر عن أزمة التمرد الأخيرة)، في أوكرانيا، وتعدادهم يبلغ المئات دون إمكانية حصر الرقم بدقة، ويطلَق عليهم مجموعة 'الطاهات' نسبةً إلى قائدهم من آل طه في سوريا، الذي كان يتزعم مجموعةً غير منظمة إدارياً لصالح الجيش السوري (ما يُسمى بالقوات الشعبية)، ولكنّها كانت تقاتل إلى جانبه".

خرق السرّية

مارات جابيدولين، جندي سابق في قوات "فاغنر"، قرر أخيراً الخروج إلى العلن ورواية ما في جعبته عن مجموعته وسلوكها وأنشطتها وبعض أسرارها، متحدياً بذلك قوانين السرّية التامة والصارمة التي تحكم جنود المجموعة وتكون موضّحةً بشكل مفنّد في "عقودهم"، ويعتقد على نطاق واسع أنّ البوح بها ستكون له عواقب كبيرة.

مارات لم يكتفِ بإجراء حوار صحافي موسّع، بل أعلن عن جهوزية كتابه الذي سيتناول العلاقة الثلاثية بين الجيش الروسي والسوري وفاغنر، وأنّه أرسله للطباعة في إحدى مطابع سيبيريا، قبل أن يعلن مؤخراً بشكل مفاجئ سحب الكتاب ومنع طبعه، وبحسب ما سُرِّب فإنّ ذلك جاء إثر تهديدات طالت الجندي وأسرته.

شبكة "ميدوزا" الإعلامية هي من نجحت في الوصول إلى الجندي وإجراء الحوار معه، والذي بيّن خلاله أنّه انضم إلى المجموعة في نيسان/ أبريل عام 2015، ليتم إرساله إلى سوريا، وهناك شارك في معاركها وتدرج في الرتب العسكرية الخاصة بالمجموعة، قبل أن يعود مصاباً إلى بلاده، حيث بدأ يفكر حينها في الانسحاب من كل ذلك والتفرغ لكتابة مذكراته.

يقول مارات في ذاك الحوار: "أردت أن أعيش بقية حياتي إلى أقصى حد. ونشأت حاجة أخرى هي أنه علينا أن نقول للناس إن موضوع الشركات العسكرية الخاصة كان محاطاً بخداع كامل من جانب الجيش والسياسيين. العالم كله يعرف، وأنت تخفي الحقيقة عن شعبك".

المفارقة أنّ كثيرين من الضحايا السوريين مع فاغنر تم تشييعهم كـ"شهداء" من قبل عائلاتهم، برغم أنّ الذين حول "الشهيد" لا يعلمون كيف قُتل ولماذا؟ ولا من كان يواجه بالضبط؟ 

تفاصيل كثيرة يمكن استحضارها والإشارة إليها نظراً إلى التوسع الواضح في المقابلة مع الجندي السابق، ولعلّ من أبرز ما ذكره هو تعرّض قائد "فاغنر" لخداع مستمر ومتواصل تمثّل في سرقة أمواله وأموال المجموعة وشراء معدات عسكرية وآليات لا تعمل وغير ذلك، وكان يتم ذلك الخداع عبر قيادات "فاغنر" وأبرز مساعدي قائدها، الذي كان يكابر ولم يُرِد إجراء تحقيقات فعلية.

هل قتلت "فاغنر" جنوداً سوريين؟

الجندي قال شيئاً خطيراً في لقائه، وقد يكون التثبت منه أمراً صعباً، وبالقدر نفسه يمكن نفيه في مكان أو آخر، وهو إقدام بعض مقاتلي "فاغنر" على قتل وإعدام مقاتلين من الجيش السوري لم يشاركوا في المعارك ومن ثم رفع تلك الفيديوهات على مواقع الإنترنت ليشاهدها بقية السوريين.

رصيف22 أجرى بحثاً عبر مواقع التواصل ومواقع رفع الفيديوهات، وطلب المساعدة من مختصّ تقني في رحلة البحث عن واحد من تلك الفيديوهات، ولكن دون الوصول على أي نتيجة، وقد يعود ذلك لخصوصية النشر المضاد للعنف والدماء التي تنتهجها مواقع التواصل، وتالياً لربما حُذفت تلك المقاطع في أوقات سابقة، ولكن برغم ذلك، تعذّر علينا العثور عليها خلال البحث بشكل متقدم في "الويب"، ما ينفي نظرياً إمكانية وجودها من الأساس.

الجندي أشار أيضاً إلى سرقتهم آثاراً من مدينة تدمر خلال معارك استعادتها، وكيف غصّت المستشفيات بقتلاهم وجرحاهم في تلك المعارك، وكذلك وجود أجانب معهم في "فاغنر" خصوصاً من الجنسية الصربية، وإلى أن معظم حاملي تلك الجنسيات الغريبة كانت تُسرق رواتبهم من قبل قادة مجموعاتهم.

بعد التمرد

في الساعات الأولى التي تلت تمرد فاغنر في روسيا، استدعت القيادات العسكرية السورية ما بين 10 إلى 20 قيادياً من "فاغنر" من المتواجدين في سوريا بشكل طارئ، بحسب مصادر خاصة مطلعة على ملف فاغنر في سوريا، لرصيف22.

نوقش مع هؤلاء القادة ما يحصل على الأراضي الروسية ومدى ارتباطهم بالتواصل بالواقع هناك وحساسية الموقف، وكررت القيادة السورية التي كانت في صورة ما يجب فعله، على قادة "فاغنر"، ضرورة عدم التصرف برعونة أو تأليب الأجواء وإشعال فتنة، ويكون ذلك بموافقتهم على التوقيع المباشر على عقود مع وزارة الدفاع الروسية، أو يكون أمامهم خيار آخر وهو ترحيلهم جوّاً بشكل مباشر إلى موسكو، وكل ذلك بالتزامن مع قطع الاتصالات من حولهم حتى ضمان سير الأمور بهدوء.

مباشرةً بعد إخماد التمرد في روسيا، توجه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، إلى دمشق على وجه السرعة، بنيّة لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وبحسب ما رشح من معلومات عن ذلك اللقاء كان الطلب الروسي إلى القيادة السورية بمنع مغادرة وسفر قادة وعناصر فاغنر نهائياً من سوريا دون إذن وإشراف مسبق من روسيا ريثما يتم ترتيب أوضاعهم ومعالجتها في إطار جديد.

وكذلك أوضح المسؤول الروسي أنّ "فاغنر" لن تعمل بشكل مستقل في سوريا مجدداً ولا كشركة عسكرية خاصة، بل ستعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الروسية وكجزء عسكري منظّم منها.

في كواليس الانصياع للحكومات

حتى التمرد الأخير، كانت مجموعات "فاغنر" تتوزع في معظم المدن السورية التي شهدت معارك شاركت المجموعات فيها بشكل أو بآخر، وإن كان تواجدها الأبرز في المراحل السابقة شرق سوريا. وبحسب المرصد السوري المعارض، فإنّ مقاتليها بلغ عددهم نحو 5 آلاف مقاتل، في حين كانت هناك مفاوضات بدأت في وقت سابق لرفع تعداد القوة العاملة من "فاغنر" إلى 70 ألفاً (بحسب شبكة آي بي تي في البريطانية)، وهو شأن ستتولاه المجموعة المقاتلة في تأمين مقاتليها، مقابل تفاصيل لا يعلَن عنها عادةً، علماً أن مقاتل "فاغنر" يتقاضى مرتباً يصل إلى ما بين 1،000 و4،000 دولار شهرياً في سوريا. ولكنّ التمرد عطّل كل شيء.

في عام 2018، خاضت قوات "فاغنر" عمليةً عسكريةً لم تتوقع أن تواجه فيها ثقل القوات الأمريكية العاملة في سوريا والعراق

تلك التفاصيل التي لا يعلَن عنها هي التفاصيل المتعلقة باستثمار "فاغنر" لآبار النفط التي تحررها وفق عقود متعددة، بعضها تحصل من خلاله على نسبة 25 في المئة من الإنتاج، أو 50 في المئة، أو 100 في المئة، وتكون تلك العقود متفاوتة المدد الزمنية، وأقصاها 49 عاماً، وحصل ذلك في آبار النفط والغاز والفوسفات شرق حمص وجنوب تدمر وفي أرياف اللاذقية ودير الزور والرقة والبوكمال وشرق سوريا عموماً. وهو ما يفسر تمكّن "فاغنر" من تغطية تكاليفها الباهظة، وهو بالضبط ما تفعله في ليبيا وبلدان أخرى، وهو بالضرورة ما ينعكس سوءاً وتردياً وفقراً على شعوب تلك المناطق.

"فاغنر" وأمريكا

في عام 2018، خاضت قوات "فاغنر" عمليةً عسكريةً لم تتوقع أن تواجه فيها ثقل القوات الأمريكية العاملة في سوريا والعراق. وقتها قررت "فاغنر" قطع طريق معامل غاز "كونيكو" النفطية التي تقع تحت سيطرتها في دير الزور وحتى حدود العراق شرقاً، وذلك لمنع قوات سوريا الديمقراطية من التقدّم في جوار الحقل والسيطرة على آبار نفطية جنوبه كان حينها "داعش" يسيطر عليها، إذ إنّ "فاغنر" كانت تريد هذه المعركة لها في المستقبل، لأهمية آبار النفط.

المشكلة كانت أنّ القوات الأمريكية تمتلك موقعاً عسكرياً صغيراً على الخط الواصل بين "كونيكو" والحدود العراقية، ما استدعى أن تتدخل بطيرانها موقعةً مجزرةً راح فيها مئات القتلى والجرحى من "فاغنر".

وفي الصباح المؤاتي، أعلن البنتاغون أنّه تواصل مع وزير الدفاع الروسي لدراسة حال الموقف معه، فقال له الأخير إنّ هذه القوات لا تتبع لهم، وهو ما ذكرته في حينها صحيفة "وول ستريت جورنال"، وحينها نسبت المصادر الإعلامية الرسمية تلك الاشتباكات الليلية إلى ما أسمته "المقاومة الشعبية في الجزيرة".

المستقبل المجهول

يمكن القول الآن إنّ المجموعة مرتبكة في عملها في سوريا، فقد أحيط قادتها بتفاصيل متعددة، منها أن المقاتلين الذين عملوا كـ"مرتزقة" مكان ثقتهم الوحيد هو قائد "فاغنر" المتمرد، وانصياعهم لقرار "الكرملين" وضمّهم إلى الجيش الروسي سيعني خسارتهم لحريتهم، وضمناً أسلوبهم "الهمجي" على صعيد الأفراد، في حين يبدو القادة أكثر تفهماً ودرايةً.

من المعلوم بحسب شخصية بوتين، أنّه لن يتركهم في حالهم في سوريا، إلا في حال ضمن ولاءهم، والوقت المتبقي أمامهم لتوقيع عقود رسمية مع وزارة الدفاع الروسية لم يعد طويلاً، بل هو آخذ بالتآكل مهدداً إياهم بالعقوبة في حال رفضهم، وتالياً تسليمهم لحكومة بلدهم.

وبالتأكيد القيادة السورية متضررة للغاية مما حصل، ولم تكن تتمنى حصول ذلك أبداً، فـ"فاغنر" لها ثقل واسع وجبهات واسعة أحكمت الإمساك بها لسنوات، وسط تخوف من تنامٍ محتمل لدور "داعش" في البادية، في حال انسحب المقاتلون الروس.

ومن جهة أخرى، تخشى القيادة السورية أيضاً سحب هؤلاء المقاتلين بعد تنظيمهم خارج سوريا، وإبقاء روسيا في وضع المشرف على السياق العام دون مواجهات تكتيكية لا ضرورة لها في ظلّ انشغالها المطرد بـ"المستنقع" الأوكراني وفق مبدأ العمل القائل بأولوية الجبهات.

يضغط النظام السوري على مجموعة فاغنر لكي تلتزم بما يريده بوتين، ويبدو أنهم أمام خيارين، فإما أن يسلّموا بتبعيتهم لوزارة الدفاع ما يعني خسارة حريتهم، أو أنهم سيرفضون الانصياع وبالتالي عودتهم إلى بلادهم ليواجهوا مصيراً "غامضاً"

وفي ميزان الحسابات، فإنّ رحيل "فاغنر" أو تنظيمها في سوريا لن يعيد آبار النفط السورية إلى الأخيرة، وذلك لأنّ العقد تشاركي في هذا الإطار، ولروسيا كدولة يد فيه، مستخدمةً "فاغنر" كإطار عملياتي مساعد يتحاصصها معها.

وفي الوقت ذاته، فإنّ ضمّها إلى وزارة الدفاع يعني خسارة دورها المبادر على الأرض وخضوعها لأصناف من القوانين والقواعد والمسؤوليات والتراتبية والروتين، وهو النوع الذي لا تريده سوريا تحديداً في معاركها التي استندت فيها طويلاً إلى مقاتلين غير رسميين يمكنهم إحداث الضرر في كل وقت.

ولعلّ الأهم من كل ذلك، هو أنّ "فاغنر" لم تتمرد في سوريا، وتحدث قلقاً كان سيصدّع الدولة بأكملها، إذ كان يكفي فقط أن تترك مواقعها دون طلقة واحدة، لتقلب الطاولة على الجميع، وليس ذلك لأنّها تفتقر إلى القوة والثبات، بل لأنّ قائد "فاغنر" الأساسي قد أسدى معروفاً كبيراً لبوتين وحلفائه، في قلّة حيلته وتدبيره وعجزه السياسي أمام متمرسين كبوتين وشويغو ومن معهما.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard