لم تكن ولاء سليمان، تعلم أنها بمجرد أن تصبح أمّاً ستضرب بعرض الحائط قواعد التربية الحديثة التي لطالما كانت مقتنعةً بها. فيوم أتى طفلها من المدرسة يشكو لها زميله الذي ضربه، قالت له من شدة غيظها: "ما تجيني مضروب تاني... اللي يضربك اضربه".
ثم هدأت وأنّبت نفسها لأنها بذلك تشجع ابنها على العنف، وفق ما تقول لرصيف22: "كنت بهذا الموقف مخطئةً في حق نفسي وابني، فأنا لا أريده أن يعتاد على أن ينزل بأخلاقه إلى هذا المستوى، ويفعل مثل ما يُفعَل معه. أعلم أن العنف يولّد العنف، ولو تعوّد عليه سيمارسه مع شقيقاته في المنزل، ومن بعدها علّمته أن يضع حدوداً مع من يمارس العنف معه من زملائه".
طفل عنيف
تحرّض ولاء، وهي أمّ لثلاثة أطفال، على التعامل بدقة مع المواقف التي يتعرض لها أطفالها: "أخبر أبنائي دائماً بأن عليهم مرافقة الهادئين/ ات والابتعاد عن الأطفال العنيفين ووضع حدود لهم، وألا يردوا الخطأ بالخطأ. علّمتهم أن يخبروني فور تعرّضهم لأي موقف بما حدث وأنا أوجههم من دون أن يشعروا بأن حقهم قد هُدر".
تؤكد سليمان من جديد أن مقولة "من يضربك اضربه"، قد تخلق طفلاً عنيفاً يطبّق ما تعلّمه في الخارج على أهل بيته، وسيكبر وهو مقتنع بأن العنف يجب أن يقابَل بالعنف ولا حلول غير ذلك.
تردف: "أذكر أن ابني آدم كان يُضرب وهو في الروضة ويأتيني باكياً وكان بهذا يستفزّني، ولكنه في العام التالي تغيّر وبات عنيفاً، وعلى الرغم من محاولاتي لئلا أجعله البادئ بالضرب وقتها، إلا أنه فعلها، وفي ما بعد حاولت معه لأجعله أقلّ عنفاً وأن يمنع الضرب عنه من أقرانه دون أن يكون البادئ".
كيف يتصرف الطفل فور تعرّضه للضرب؟
"مش كل العيال يتقلّهم اللي يضربك اضربه، فإحنا لازم نفرّق؛ ممكن عيّل تقوله كدا يرجعلك عامل مصيبة كبيرة بضربه العنيف فهتكون مطحنة"؛ هكذا تحكي ولاء رزق، وهي أم لثلاثة أطفال، عن تجربتها في حقل الأمومة وهي فيه منذ عشر سنوات، واجهت خلالها العديد من المواقف مع صغارها، فكان عليها أن تبحث أكثر في العلم التربوي.
تقول لرصيف22: "لقد علّمت أبنائي كيف يتعاملون حين تصل المشاجرة بينهم وبين أقرانهم إلى الضرب، وأرى أن ما زرعته أحصده منذ كبروا".
"أخبر أبنائي دائماً بأن عليهم مرافقة الهادئين/ ات والابتعاد عن الأطفال العنيفين ووضع حدود لهم، وألا يردوا الخطأ بالخطأ. علّمتهم أن يخبروني فور تعرّضهم لأي موقف بما حدث وأنا أوجههم من دون أن يشعروا بأن حقهم قد هُدر"
تؤكد رزق أن ليس كل الأطفال سواسيةً في طريقة التعامل، فعلى الأمهات معرفة شخصية طفلهنّ جيداً وتوجيهه حين يتعرض للضرب: "مثلاً يوجد أطفال لو قلت لهم اضربوا من يضربكم، فسيتعاملون بعنف كبير ومن الممكن أن يتضرر الطفل الآخر بشدة، أما الأطفال الهادئون فسنطلب منهم بهدوء أن يمسكوا يد من يتعرض لهم فقط، دون ردّ الضربة".
وتضيف: "خد حقك معناها مختلف عن معنى من يضربك اضربه... فأنا لما أخلّي ابني يسيب حقه أنا بربّي ابن جبان، عشان كدا في شعرة بين خد حقك وبين اللي يضربك اضربه".
تشير رزق إلى أنها كانت ترتكب خطأً تربوياً كبيراً في تربيتها لأطفالها، وتقصد القلق الزائد عليهم من كل شيء ولكن تداركت الأمر بعدما لاحظت أن الصغار يلاحظون ذلك ويزعجهم الأمر، وبعدما بحثت في الأمر استنتجت أنه يتعيّن على الطفل أن يشعر بالمشاعر السلبية كما الإيجابية.
تكمل رزق: "لا قاعدة تربويةً ثابتةً في تربية الأطفال وهذا ما توصلت إليه بعد سنوات في حقل الأمومة، ليس كل ما نقرأه عبر المقالات مسلّمات، بل يجب الانتباه جيداً إلى أن البيئات مختلفة والظروف أيضاً".
يذُكر أن هناك بعض العوامل التي تؤدي إلى زيادة خطر السلوك العداوني عند الأطفال والمراهقين/ ات، إذ تنبّه بعض الدراسات إلى أنه من الممكن أن يكون الطفل ضحية اعتداء أو تنمّر أو يكون قد تعرّض لمشاهدة العنف في وسائل الإعلام مثل التلفزيون والأفلام أو ألعاب الفيديو، أو خضع لعوامل اجتماعية واقتصادية صعبة مثل التفكك الأسري والفقر، وعليه فإن الطفل يكون صعباً عليه التعبير عن نفسه واحتياجاته فيلجأ إلى نوبات الغضب والعدوانية ضد أقرانه.
"من يضربك اضربه"... مقولة مغلوطة
في هذا الصدد، تقول المختصة النفسية والتربوية، رانيا منصور، لرصيف22: "من يضربك اضربه، مقولة مغلوطة لكن مرادها صحيح، بمعنى أن التربية يجب أن تستند إلى أسس تعليم الطفل كيفية أخذ حقه وفي الوقت نفسه عدم البدء بالشرّ".
وتضيف: "عليكِ كأمّ أن تكوني هادئةً حين يشكو طفلك من تعرّضه للضرب. لا توبّخيه أو توجّهي إليه اللوم. أنصتي له جيداً ثم ضعي معه خطةً لتلافي مثل هذه المشكلة مستقبلاً. إن كان يتعرّض للضرب من الطفل نفسه كل مرة فعليك اتخاذ خطوة حاسمة والتحدث مع الإدارة في المدرسة أو مع عائلة الطفل، وقبل ذلك عوّدي طفلك أن يتصرف بمفرده وشجّعيه وأخبريه بأنه قادر على حل مشكلته وحده، وإن لم ينجح في المرات الأولى تدخّلي لحل المشكلة".
وتشدد منصور على ضرورة تأهيل الطفل جيداً للتعامل مع المشكلات من هذا النوع، وتعليمه أن الأساس في الحوار هو التفاهم والهدوء بعيداً عن العنف، مضيفةً: "من الوارد أن نقابل في حياتنا أناساً يتّسمون بالفظاظة في التعامل والعدوانية، ولكن إياكِ كأمّ أن تقولي له بشكل مباشر 'من يضربك اضربه'، كونها مقولةً مفتوحةً بالنسبة لطفل صغير، فأنت هكذا تتركينه للخيال في استراد حقه وتجعلينه طفلاً عنيداً وعنيفاً يتخذ قوة الذراع شعاراً له".
وفي حال اكتشفت الأم أن طفلها يتعرض للضرب ولا يخبرها ولا يأخذ حقه سواء بدفع يد الطفل المعتدي أو بشكايته إلى المعلمة، تقول رانيا: "إن عدم بناء لغة حوار مع الطفل يجعله طفلاً غير واثق من نفسه، بالإضافة إلى أنه حين يخبرك بشيء لا تصدّقيه، فأنت بعدم وثوقك بطفلك حطّمت وسيلة التواصل بينكما، كما أن التقليل منه ونعته بأسوأ الصفات تجعله ضعيف الشخصية ويتخذ العنف منهجاً له".
حول سؤالنا: كيف تدعم الأم الطفل وتقوّي شخصيته؟ تجيب منصور: "أولاً عليها الإنصات له جيداً ومشاركته المواقف الحياتية وتركه يعبّر عن نفسه من دون نقده أو لومه، وعدم نعته بالكاذب مهما حصل واحترام خصوصيته وجعله يشعر بأنه مرغوب فيه".
كيف تتصرف الأم إن كان الطفل في الأصل صاحب سلوك عدواني ويبدأ بالعنف؟ تجيب رانيا: "أولاً يجب على الأم التعرف على سبب السلوك العدواني عند الطفل لتستطيع معالجته بالطريقة المناسبة، ولا تجعله يشعر بأنها تتصرف بطريقة عدوانية تجاهه، فلا تترك الغضب يتملكها تجاه تصرفاته، فلا تسبّه ولا تمدّ يدها عليه بالعقاب، ولا تأخذ ما بیديه غصباً، فبذلك قد تزداد وتيرة العنف لديه".
وتضيف: "إن عدوانية الطفل تكون بسبب أخطاء ارتكبها المحيطون به خلال مرحلة طفولته الأولى، فالعدوانية وثيقة الصلة بالغضب الذي ينتج عن أخطائنا الناتجة عن عدم فهمنا لطبيعة نمو الطفل، فقد يقوم هذا الأخير ببعض التصرفات التي نراها نحن أخطاءً، في حين أنه يقوم بها هو بدافع لفت الانتباه".
وتدعو رانيا كل الأمهات إلى أن يعلّموا أطفالهنّ القصاص فقط: "علّمي طفلك أولاً أن يأخذ حقه وألا يتنازل عنه، وأن يعبّر عن نفسه لمن يقابله بقوة، وألا يسمح لأحد بالتعدّي على خطوطه الحمراء، وشددي عليه بأن لا يكون البادئ بالعنف".
"من يضربك اضربه، مقولة مغلوطة لكن مرادها صحيح، بمعنى أن التربية يجب أن تستند إلى أسس تعليم الطفل كيفية أخذ حقه وفي الوقت نفسه عدم البدء بالشرّ"
وفي ما يتعلق بالسؤال حول كيف يكون الأب سبباً في استخدام العنف كوسيلة لدى الأطفال؟ تعقب منصور: "بشكل أو بآخر يمكن أن يكون للأب دور في زرع بذرة العنف وأخذ الحق بالذراع عند الطفل، فبعض الآباء يشجعون أطفالهم على ممارسة الضرب إما بدفعهم إلى ذلك بشكل مباشر أو من خلال التنشئة التي يتدخل الأب فيها كجعل طفله يعتاد على تفريغ طاقته بالضرب، وبممارسة الأب للعنف أمام الطفل يجعله يتشرب صفاته العنيفة، فمثلاً ضرب الأم أمام طفلها يخلق لدى الطفل طاقة انتقام داخلية فيفرغها في من هم حوله، كما أن عصبية الأب الزائدة على الطفل وأمامه تنعكس بشكل سلبي عليه، فيصبح كوالده مقلّداً إياه ومتحفزاً للضرب طوال الوقت، وأيضاً يوجد نوع من الآباء يستخدمون الضرب بشكل دائم وفي أصغر المواقف".
وتختم رانيا منصور: "لذلك على الآباء الانتباه إلى تصرفاتهم أمام الصغار وضبط أعصابهم وعدم دعوة أطفالهم لتفريغ الكبت الداخلي بممارسة العنف".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع