شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الضرب والضرب البنّاء

الضرب والضرب البنّاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 31 مايو 201707:21 م

ليس الضرب في حياتنا بأمر غريب، ولو أنه مستهجن، فكله يضرب كله… إذا كان الأب رب البيت هو الضارب الأول في المنزل، فهو خارج المنزل مضروب بلا شك، ولو معنوياً على الأقل، يأتي إلى البيت ويمارس دور البطولة بعد أن كان كومبارساً طيلة النهار… هو بالطبع يحب أن يكون البطل في فيلم أكشن وليس في فيلم رومانسي، فيضرب ما تيسر من الرعية التي حوله من زوجة وأطفال. تتابع الزوجة بدورها المهمة وتضرب الأطفال، ويتابع الأطفال الذكور المهمة فيضربون أخواتهم البنات، أو يضربون القطط في الشارع، أو يكسرون شيئاً ما، لكي يكملوا دورة العنف لا أكثر.

يترك الأب أحياناً مهمة ضرب أبنائه لابنه الكبير فيعتزل ضرب الأطفال ويكتفي بضرب المدام... والمدام تتفاخر بأن زوجها يضربها، ففي كثير من الأحيان ترتبط القتلة التي أكلتها بالصلحة، فيكون السؤال: هل تمت الصلحة؟ والصلحة لا تكون إلا بالفرشة وما أدراك ما الفرشة، فضرب الحبيب زبيب كما يقول المثل حقاً، بينما تحتج سميرة توفيق مطربة الجيش والقوات المسلحة كما يسمونها لشدة حب العساكر لها على الضرب فتقول: لا تضربني لا تضرب كسَّرت الخيزرانة... صار لي سنة وست شهور من ضربتك وجعانة.

أما في المدرسة فلا تحدِّث، الضرب شغال على أبو موزة، وكل أستاذ يحمل في يده عصاه قبل الكتاب. أما الأستاذ الذي لا يحمل عصا فلا تحسبنَّ الليث يبتسمُ... على العكس، يده هي العصا، أو بالأحرى المخباط.

وقد حدثنا أستاذ اللغة العربية سعد في الصف العاشر بأنه حلف يميناً أن لا يضرب أحداً بيده اليمنى، لأنَّ كفّه مؤذٍ، وبالتالي فلقد اكتفى بالصفع باليد اليسرى التي لن تودي بالطالب الملطوش إلى المشفى كما اليمنى. للأمانة فإن هذا الأستاذ لم يضرب أحداً طيلة ذلك العام، واتضح أن تهديده كان مجرد تهديد ضروري لفرض شخصيته، وكأن فرض الشخصية عندنا لا يكون إلا بالضرب، أو بالأحرى فإن فرض الشخصية عندنا هو كذلك...
download

كل شيء عندنا مفروض علينا بواسطة العنف، فالأقوى يحدد ما عليك أن تفعل، الأب يقرر بالقوة ما يجب أن يحدث، وكيف يجب على الأمور أن تكون، والأم المضروبة تتابع مسيرته وتفرض فكر زوجها على الأطفال أثناء فترات غيابه بالقوة أيضاً، أو بالتهديد بإخبار الأب أو الأخ.

يجب على الجميع التقيد بالتعليمات الأبوية، وتنفيذ ما يقرره الأب بالصرماية، أو بالقندرة باللهجة العراقية، أو بالجزمة باللهجة المصرية. هذا هو الجو العام الذي تعيشه مجتمعاتنا، واللي ما عجبه فإن فرع الأمن بانتظاره، وهناك في غرفة التعذيب على بساط الريح الشهير سيأكل الضربات ويفكر بأن يُعجَبَ بالنظام أو على الأقل أن يخرس ولا يبدي عدم إعجابه به كي يخرج من جديد إلى الحياة العامة.

الرأي خطر في مجتمعنا، الاقتراح جريمة، الجديد معيب، الحب حرام، التطور عار، العلم ظلام، والجهل نور، والكذب شطارة، والغش مهارة، والنفاق ذكاء، والدجل رواق، الصدق حيونة، والطيبة غباء، الاستقامة خطر، واللف والدوران سلامة، هذا ما تقوله السلطة كل يوم لك، ابتداء من سلطة الأب في البيت، مروراً بسلطة المخابرات، وانتهاء بسلطة الأب القائد.

لا عجب أن يُعجَب البعض بهذا، العجب هو أن لا تُعجَب بهذا. شعب معجَب بنظامه بالصرماية، وإذا لم يُعجَب فبالعصاية، وإذا لم يُعجَب فبالقشاط، وإذا لم يُعجَب فبالسكين، وإذا لم يعجَب فبالرصاصة سيُعجَب، وإذا لم يُعجَب فبالقذيفة سيُعجَب، بالقصف المدفعي سيُعجَب، بالقصف الجوي سيُعجَب، بالقصف الكيماوي سيُعجَب، بالقصف الصاروخي سيُعجَب، بالبراميل المتفجرة سيُعجب.

يجب أن يُعجَب الشعب بالنظام، فالنظام مهتم بإعجاب الشعب به أيما اهتمام، يفعل المستحيل كي ينال الإعجاب، نظام يقتل شعبه لأنه لم يضع له لايكاً، والشعب نمرود، لن يضع لايكاً للنظام، خلص، تحرر، تمرد، ثار، لم يعد هذا الشكل من الحياة مثيراً لإعجابه. لكن النظام مصر على نيل إعجاب الشعب، والشعب مصر على عدم الإعجاب، يا أخي هالشعب مو حبّاب، نعم، هالشعب مو حبّاب، هالشعب اللي كان آكل قتلة كل عمره وكان حباب ما عاد حبّاب…
يا حبّاب، هالشعب اللي كان بكفين ورفسة يرضى ما عاد يرضى ولو بالنووي، إي ما عاد حبّاب، يا حبّاب، يا شيخ الشباب، يا بطل الأبطال، يا مغوار، يا أبو الأفكار، هذا الشعب ثار، على أبيه ثار، على أخيه الكبير ثار، على أستاذ المدرسة أبو عصاية ثار، على المخابرات ثار، على الأب القائد ثار، على الشكل القديم للحياة ثار، على فكرة أن لا يقبل بالأشياء رغماً عنه ثار، لكن النظام لم يفهم بالكلام، فثار الشعب رغماً عنه، عجيب... حتى الثورة على أن لا تكون حياتنا رغماً عنّا، صارت رغماً عنّا! والله هيك صار!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard