أعلنت الشرطة الإيرانية رسمياً عن إعادة مزاولة عمل دوريات شرطة الحجاب في شوارع البلاد، بعد 10 أشهر من تجميدها بسبب الاحتجاجات ضدّها في صيف 2022.
وصرّح المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، العميد سعيد منتظر المهدي، أن عودة هذه القوات جاءت "في إطار بسط الأمن العام وتوطيد أسس الأسرة"، موضحاً أنه "يتم تسيير دوريات للسيارات والراجلين في جميع أنحاء البلاد، حيث يقومون بمختلف مهام الشرطة، منها التحذير والتذكير واتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يقومون باختراق القواعد الاجتماعية عبر ارتداء ملابس غير عادية"، في إشارة واضحة إلى الحجاب.
جاء البيان الرسمي بعدما أعلن رواد منصات التواصل الاجتماعي في إيران عن مشاهدتهم دوريات الشرطة بغية "تحجيب الفتيات".
وتشدد السلطات الإيرانية مع حلول كل موسم صيف إجراءاتِها الأمنية ضد من لم تلتزم بالحجاب الإلزامي. وشهدت البلاد في صيف عام 2022، أجواءً متوترةً حادةً بسبب أسلوب ضباط شرطة الحجاب في الشوارع، منها ما أدى إلى وفاة مهسا أميني (22 عاماً)، التي قبضت عليها الشرطة في 13 أيلول/سبتمبر الماضي، بتهمة انتهاك قوانين الحجاب، وتوفيت في المخفر أثناء جلسة تأديبية.
قررت المحتجات وغيرهن أن يخلعن حجاب الرأس وشعارهن: "لا عودة إلى الوراء"، في تحدٍّ نسائي صريح وجريء هو الأول من نوعه منذ 45 عاماً هو عمر نظام الجمهورية الإسلامية
عقب وفاتها، اندلعت احتجاجات عمّت مدن إيران، اتخذت من جملة "المرأة، الحياة، الحرية" شعاراً لها، وهو شعار كُردي نادى به الأهالي في جنازة الفتاة التي دُفنت في مسقط رأسها، في مدينة سقّز في محافظة كردستان الإيرانية.
ومنذ ذلك الوقت، قررت المحتجات وغيرهن، أن يخلعن حجاب الرأس وشعارهن: "لا عودة إلى الوراء"، في تحدٍّ نسائي صريح وجريء هو الأول من نوعه منذ 45 عاماً هو عمر نظام الجمهورية الإسلامية.
وساهمت فتيات جيل زِد (Z)، في هذه الظاهرة التي انطلقت من العاصمة طهران وانتشرت في المدن الكبرى الإيرانية، حيث نشرن صورهنّ على منصات التواصل الاجتماعي ليعلنّ رفضهنّ قانون الحكومة الذي يفرض الحجاب حتى على غير المسلمات.
وعلى وقع الاحتجاجات الواسعة، غابت دوريات شرطة الأخلاق عن الأنظار في شوارع العاصمة، وفي تصريح لافت قال المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إنه جرى إغلاق "شرطة الأخلاق" على إثر الاحتجاجات الأخيرة في البلاد، وأضاف أن إغلاق ما تسمّيها السلطات "دوريات التوجيه"، جاء بقرار من الجهة التي أسستها.
ما الذي تغيّر؟
المختلف في إعلان عودة شرطة الحجاب في 16 تموز/يوليو الحالي، هو أن الضباط/الضابطات في الماضي كانوا يلقون القبض على من يُسمّين بـ"سيئات الحجاب"، أي اللواتي يرتدين غطاء الرأس مع إظهار جزء من شعرهن أو رقبتهن، أو ملابس كاملةً لكن ضيّقة، أو "مانتو" مفتوحاً فوق القميص والبنطلون. أما اليوم، فجلّ اهتمام الدوريات ينصبّ على من لم ترتدِ غطاء الرأس وتوجيهها نحو ارتدائه حتى إن كان الوشاح قصيراً أو ناقصاً على غرار العام الماضي.
وكل من تعارض طلب الدورية، يتم تشكيل ملف قانوني لها، وعليها أن تتقبل عقوبة المحكمة. وصرحت بعض الفتيات عبر منصات التواصل بأنّ الفرق بين الدوريات يكمن أيضاً في تواجد قاضٍ في سيارة شرطة الحجاب، لكي تتم المحاكمة وإصدار العقوبة في أسرع وقت ممكن، وحتى الآن لم تؤكد الخبرَ مصادرُ موثوقة.
وسط ذلك، يؤكد قرار عودة دوريات شرطة الحجاب، تفنيد مزاعم الحكومة في السابق حول قدرتها على إطلاق الرقابة الإلكترونية عبر كاميرات، والتي أعلنت عن بدئها رسمياً منذ 15 نيسان/أبريل الماضي، وهو ما نفاه وقتذاك الكثير من الأخصائيين والباحثين في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وجاءت الخطة كبديل من تسيير ما يُسمّى في إيران بـ"گَشت اِرشاد"، أي دوريات الإرشاد. وبحسب الخطة التي جاءت على خلفية اعتراضات ودعوات من مرجعيات دينية وسياسية وحكومية محافظة، فإنه بعد التعرف على الإيرانيات المخالفات لقانون الحجاب، ترسَل إليهن رسالة نصية للمرة الأولى، ثم في المرة الثانية وفي حال تكرر الأمر، تتم إحالتهن إلى المحاكم.
عقوبات غريبة ودهشة مجتمعية
منذ نهاية احتجاجات العام الماضي، شرعت المحاكم الإيرانية في إصدار أحكام غريبة بحق المحتجين/ات، واللواتي لم يلتزمن بالحجاب. وأثارت القرارات الصادرة من محاكم الثورة الإسلامية، استغراب الرأي العام بعدما أعلن عنها المتهمون/ات وعوائلهم/نّ عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وأفاد موقع "اعتماد أونلاين"، أن محكمةً في جنوب طهران أصدرت حكماً على مواطنة بسبب خلع الحجاب، يقضي بممارسة غسل الموتى في مغسل مقبرة طهران، لمدة شهر واحد، مشيراً إلى أنها استبدلت عقوبة السجن شهرين، بغرامة مالية قدرها نحو 3 ملايين تومان (52 دولاراً)، فضلاً عن غسل الموتى.
وحسب صورة انتشرت على شبكات التواصل عن الحكم الصادر بحق هذه السيدة الإيرانية، فإنها واجهت تهمة "خلع الحجاب في مكان عام، وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي خلال قيادة السيارة".
وذكر القاضي محمد حسين إسماعيل مورنيه في الحكم أن المتهمة تلقّت "رسائل نصيةً متكررةً" من قبل الشرطة بسبب عدم الالتزام بالحجاب، ولم يرِد بعد تعليقٌ من السلطة القضائية الإيرانية على صدور هذا الحكم.
ولنجمات الفن، خاصةً السينما، دور كبير في التضامن مع مطالب الشارع، إذ قامت بعضهن بخلع حجاب الرأس عند حضورهن العلني أو على حساباتهن الرسمية، مما أغضب الحكومة كثيراً وتسبب في ممارسة ضغوط عليهن.
وأصدرت المحكمة بحق الممثلة آزادة صمدي، بسبب ارتدائها قبعةً بدل الوشاح عند مشاركتها في جنازة أحد زملائها، قراراً بمنعها من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والهاتف المحمول لمدة ستة أشهر، وضرورة مراجعة الممثلة مراكز الطبّ النفسي لعلاج ما وُصف بأنه "مرض شخصية معادية للاجتماع"، وتسليم شهادة الصحة النفسية للسلطات المعنية بعد تلقّي العلاج.
أثارت العقوبة ردود فعل منتقدة واسعة على المنصات وبين الأوساط السينمائية الإيرانية. كما نشر نادي المخرجين ونقابة المنتجين السينمائيين بياناً لدعم الفنانة، احتجاجاً على المحكمة التي رأوا أن عقوبتها إهانة واضحة لشخصية الممثلة والسينما الإيرانية.
وخاطب السينمائيون رئيسَ جهاز القضاء بالقول: "نحن نأمل أن يوقف رئيس السلطة القضائية هذا الحكم في ضوء الحكمة التي نلامسها فيه، وأن يتم الاعتذار عما ورد في البند الأخير للحكم، من إهانة لشعور أهالي السينما".
وأكد البيان "وقوفهم الكامل" إلى جانب بعض نجمات السينما الإيرانية اللواتي يتعرضن "للإذلال بأحكام مماثلة".
كما أصدرت المحكمة أمراً باعتقال الفنانة ليلا بُلوكات، بتهمة "خدش الحياء العام من خلال خلع الحجاب، ونشر صورها على حساباتها الشخصية".
وسبق أن تعرضت ممثلات شهيرات أخريات للمساءلة القانونية بسبب خلعهن الحجاب، منهن: تَرانه علي دوستي، أفسانه بايكان، فاطمة معتمد آريا، كتايون رياحي، بانته آ بهرام، باران كوثري، وشقايق دهقان.
ردود أفعال غاضبة ومحذّرة
قال الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، في اجتماع مع مستشاريه، معلقاً على آخر المستجدات في موضوع الحجاب: "حذّرنا النظام مراراً وتكراراً من خطر أعمال مؤسساته التي يمكن أن تؤدي إلى إسقاطه وتدمير المجتمع، لكن ليس هناك من يصغي".
بينما كتبت صحيفة "سازَندِكي" الإصلاحية، نقلاً عن المحامي الحقوقي صالح نيكْبَخت قولَه إن عودة عمل شرطة الحجاب تؤكد أن النظام لم يتعلم الدرس من أحداث العام الماضي، ومن المتوقع أن نشهد تكرار حادثة مهسا أميني، مؤكداً أنه لا يمكن إجبار الناس على الحجاب وأن هذه الأساليب لا بد أن تعيد تجربة العام الماضي.
ووسط دعم المحافظين وإعلامهم لإجراءات الحكومة في قضية الحجاب، غرّدت صحيفة "فرهيختكان" المحافظة، خارج السرب، منتقدةً هذه الإجراءات ومعربةً عن قلقها من أن تؤدي إلى الإضرار بالأمن والاستقرار في البلاد، وتساءلت: "لماذا تحوّل الحكومة الظواهر والأحداث الاجتماعية إلى قضايا أمنية؟".
وخاطب الباحث السياسي عباس عبدي، المعنيين في قضية الحجاب بالقول: "هل أدى إصدار أحكام قاسية ومهينة من قبل طالبان وداعش بحق الناس، إلى ازدياد إيمانهم ولجوئهم إلى الدين، أم العكس، جعل الناس يكرهونه ويبتعدون عنه؟ لذا عليكم انتظار أن يكون سلوككم مؤثراً بالقدر نفسه".
على المستوى الشعبي أيضاً، بادرت السيدات إلى نشر صورهنّ من دون حجاب في الأماكن العامة، معلنات أن لا عودة إلى الوراء، وعلّقت إحداهن على صورتها: "أتظن أنك تراني في تلك الملابس، ولكن كلا"، مرفقةً بهاشتاغ: "#گشت_ارشاد"، وهو الوسم الذي أصبح "تراند" خلال هذه الأيام.
دولياً، صرح المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، أبرام بيلي: "يبدو أن نظام طهران لم يتعلم شيئاً من الاحتجاجات"، مشدداً على ضرورة احترام حرية النساء في اختيار ملابسهن.
وترى أوساط محافظة أن العقوبات الصادرة لا تشكل رادعاً وسط مطالب لتحديث قانون الحجاب والعفاف، وهو ما دفع السلطة القضائية إلى إعداد مسودة لائحة "العفاف والحجاب"، التي تضم 9 بنود، وإرسالها وسط انتقادات بشأن جدوى هذا الأمر إلى الحكومة، التي قامت بدورها بمراجعة المسودة وإرسالها إلى البرلمان الإيراني الذي لم ينتهِ من النظر فيها بعد. وتنص اللائحة على زيادة عقوبات عدم ارتداء الحجاب و"التعري"، تصل أقصاها إلى السجن عامَين في حالة "التعرّي".
هل أمر الرئيس بدوريات الحجاب؟
نشرت وكالة "تسنيم" للأنباء التابعة للحرس الثوري، خبراً خاصاً أعلنت فيه أن عودة شرطة الحجاب جاء بإيعاز من رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، ورئيس جهاز القضاء غلام حسين محسني.
ثم تداولت الخبر وسائل إعلام عدة، إلا أن الوكالة اضطرت إلى حذف الخبر بعد ساعات من نشره، معلنةً أن جهاتٍ من مكتب الرئاسة اتصلت بالوكالة وطلبت حذفه، وسرعان ما نفت وكالة "إيرنا" الحكومية أوامرَ الرئيس بعودة دوريات الحجاب.
رأى الرئيس الإيراني أن رفض النساء ارتداءَ الحجاب الإلزامي من دون أي مبرر واضح هي "خطة وضعَها العدوّ"، مشيراً إلى تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي في الموضوع نفسه، والذي أكد أن "خلع الحجاب فعل حرام سياسياً وشرعياً"
الجدير بالذكر أن رئيس البلاد، كان قد دعا في مطلع الشهر الجاري مختلفَ المؤسسات المعنية إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية، وطالبها بعدم التوقف عن أداء مهامها في الوسط الاجتماعي بحجة التأخير في إقرار "قانون الحجاب والعفة" الجديد.
ورأى الرئيس الإيراني أن رفض النساء ارتداء الحجاب الإلزامي من دون أي مبرر واضح هي "خطة وضعَها العدوّ"، مشيراً إلى تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي في الموضوع نفسه، والذي أكد أن "خلع الحجاب فعل حرام سياسياً وشرعياً".
وزعم أن "خلع الحجاب خطة محكمة ومتقنة من قبل العدوّ"، وأن الجمهورية الإسلامية "يجب أن يكون لديها مشروع مفصّل لمواجهة هذا المخطط والمؤامرة التي يخوضها العدوُّ ضدنا".
وفي إطار تنفيذ الأوامر الحكومية، أغلقت الشرطة والجهات الأمنية حتى الآن مئات المطاعم والمحال التجارية والمقاهي والصالات والقاعات لاستقبالها غير المحجبات أو لوجود عاملات غير محجبات فيها. فضلاً عن تشديد الرقابة عند مداخل بعض المؤسسات الحكومية والمرافق العامة كالمطارات والقطارات وغيرها للحد من تقديم خدمات للمواطنات غير المحجبات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...