أثارت استضافة الأردن للمؤتمر الإقليمي الرابع الذي حمل عنوان "معاً ضد عقوبة الإعدام"، خلال يومين متتالين في العاصمة عمّان، جدلاً وحالة من الانفصام في الوقت نفسه، فالجدل جاء من قبل "المدافعين" عن عقوبة الإعدام، فيما شعر بحالة "الانفصام" بعض من مناهضي العقوبة.
وشاركت في المؤتمر دول عربية أغلبها تطبق عقوبة الإعدام؛ وهي السعودية، مصر، العراق، إيران، الكويت، لبنان، سلطنة عمان، سوريا، فلسطين، قطر، البحرين، تركيا والإمارات العربية المتحدة.
الجدل في استضافة الأردن للمؤتمر الذي شاركت فيه وفود عربية ودولية، بتنظيم من مؤسسة "معاً ضد عقوبة الإعدام" الدولية، وبالتعاون مع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان الأردن، هو موقف طبيعي ووارد جداً، ذلك لأن الدولة الأردنية، وغالبية المجتمع الأردني، ضد أي تحرّك لوقف عقوبة الإعدام، فضلاً عن أن التغطية الإعلامية الأردنية للمؤتمر كانت خجولة.
فيما شعر بحالة الانفصام من يناهض تنفيذ العقوبة، سواء من الحقوقيين/ات الأردنيين/ات أو العرب، إذ إن هناك حالة من الغرابة والعجب بأن يقام مؤتمر إقليمي مشابه، بتنظيم من أهم المؤسسات الحقوقية الدولية المناهضة لعقوبة الإعدام، في بلد ما تزال تمارس فيه العقوبة بتصفيق وتطبيل شعبي، وبحضور ممثلين من دول عربية (باستثناء لبنان) ما تزال عقوبة الإعدام فيها تطبّق كـ "لايف ستايل".
الأردن والأعدام
ففي الأردن على سبيل المثال، وصل عدد المحكوم عليهم بالإعدام إلى 2019 شخصاً، بينهم 22 سيدة، ومنهم من لم تنفّذ العقوبة بحقّه منذ عشرات السنين، فضلاً عن وجود محكوم بالإعدام منذ العام 1976، وفق إحصائيات لمركز "عدالة لدراسات حقوق الإنسان" في الأردن.
وكان آخر تنفيذ عقوبة إعدام في الأردن في العام 2017، فيما صدر 11 حكماً في العام الماضي 2022، وما تزال الدولة الأردنية متمسّكة بموقفها بعدم إلغاء العقوبة، ورفضت توصيات مجلس حقوق الإنسان في التقرير الدولي الشامل لحقوق الإنسان الأخير، بتنفيذ توصية وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، ورفضت أيضاً توصية تتعلّق بحصر العقوبة في القضايا الأشد خطورة.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن أكثر الدول التي تنفّذ عقوبة الإعدام هي الصين، إيران، السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وعربياً: السعودية، سوريا، العراق ومصر.
وتتصدّر السعودية الدول العربية في تنفيذ أحكام الإعدام، وبازدياد سنوي، بحسب منظمة العفو الدولية، وقد نفّذت في السنوات الأخيرة عمليات إعدام جماعية عدّة، كان أكبرها في شهر مارس/ آذار عام 2022، حين استفاق العالم على خبر إعدام 81 شخصاً في المملكة.
وارتفع عدد تنفيذ الإعدامات في السعودية في العام 2022 إلى 196، في حين كان عددها 65 في العام 2021، وقالت منظمة العفو الدولية، إن عدد الذين أعدموا في السعودية في العام 2022 "هو العدد الأعلى الذي رصدته المنظمة في المملكة خلال ثلاثين عاماً".
بحسب منظمة العفو الدولية، فإن أكثر الدول العربية التي تنفّذ عقوبة الإعدام هي السعودية، سوريا، العراق ومصر.
منظمة العفو الدولية تحذر
وتعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في الحالات جميعهن دون استثناء بغض النظر عن طبيعة الجريمة أو ظروفها؛ أو الشعور بالذنب أو البراءة أو الخصائص الأخرى للفرد؛ أو الطريقة التي تستخدمها الدولة في تنفيذ عملية الإعدام، ويكفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق في الحياة.
ولا توجد اتفاقية دولية خاصة تناهض عقوبة الإعدام، لكن هناك صكوكاً دولية، من بينها البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي دعا إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وهو ذات الملحق الذي ما تزال الدولة الأردنية ترفض المصادقة عليه، رغم أنها مصادقة على العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية.
وبحسب تقرير العفو الدولية الأخير حول عقوبة الإعدام، فإن الطرق التي استُخدمت لتنفيذ أحكام الإعدام في العام الماضي 2022 هي: قطع الرأس، الشنق، الحقنة المميتة والرمي بالرصاص".
جمال عيد، محام حقوقي من مصر، أخذنا رأيه كمتابع عن بعد وكمقهور في نفس الوقت، حول مؤتمر الإعدام الذي شاركت فيه شخصيات من دول عربية، تتوسّع في تنفيذ أحكام الإعدام فيها، وكان ردّه: "ذكّرني هذا المؤتمر بما يسمى الاتحاد البرلماني العربي، حين تترأسه دول لا يوجد فيها مجالس نواب ولا لديها نوايا لإنشاء مجالس نواب، مثل السعودية والإمارات!".
ومن المثير للسخرية، كما يستكمل عيد: "أن ثلاث دول من الدول الخمس عشرة التي شاركت في مؤتمر عن مناهضة عقوبة الإعدام، هي السعودية، إيران ومصر، ذات الدول التي يتم فيها نحو 90% من عدد الإعدامات في العالم".
وأضاف: "للأسف، مثل هذه المؤتمرات باتت تعبّر عن نوع وحالة مؤسسات حقوق الإنسان الآن في المنطقة العربية، تشبه مصفّفي الشعر لتجميل الصورة، أو منظّمي رحلات ترفيهية بعنوان حقوق الإنسان".
"أفضل ما حصل في المؤتمر، هي الصور السيلفي للمشاركين الإيليت وأزيائهم الشيك"، ختم المحامي عيد.
هي مفارقة عجيبة، بحسب رأي الحقوقي السوري عبد الناصر حوشان، الذي قال لرصيف22: "مفارقة كبيرة هي أن يجتمع وفود من دول عربية تمارس عقوبة الإعدام بطريقة تتجاوز القانون وتتجاوز أيضاً الشريعة ومفهوم القصاص".
وفسّر: "تلك الدول التي تتجاوز القانون والدستور وتنفّذ عقوبة الإعدام بطريقة أو بأخرى ما أنزل الله بها من سلطان لا يستوعبها أي عقل بشري، بل إنها تتجاوز بشاعة عقوبة الإعدام، وترتكب جرائم قتل تحت التعذيب أكثر تنكيلاً من عقوبة الإعدام".
وفي كلمة مسجلة لوزير العدل اللبناني السابق، ونائب اللجنة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام، إبراهيم النجار، قدّمها خلال المؤتمر الذي حضره رصيف22، لم ينتقد الأردن لاستضافته فعاليات المؤتمر، لكنه ذكر بـ "المشبرحي"، أن الدول العربية الأكثر تنفيذاً لعقوبة الإعدام هي: السعودية، سوريا ومصر، وربط سبب إبقاء هذه العقوبة اللاإنسانية أنها تتبع "أنظمة عربية استبدادية".
وتهكّم النجار، على ما اعتبره "حجج ارتباط إبقاء عقوبة الإعدام في المنطقة العربية لأسباب دينية"، وقال: "لبنان فيه مسلمون ومسيحيون، لكن منذ العام 2004 لم تنفذ أي عقوبة إعدام، كما أن هناك فتاوى من رجال دين مسلمين أباحت وقف عقوبة الإعدام".
ذات الزاوية التي ذكرتها رئيسة مؤسّسة "معا ضد عقوبة الإعدام" ملنة ميكاتي، في كلمتها خلال المؤتمر، لكن بطريقة أكثر دبلوماسية من طريقة النجار الذي بدا عليه الغضب، إذ قالت: "هناك عشرون دولة من دول الشرق الأوسط ألغت عقوبة الإعدام، من بينها دول ذات غالبية مسلمة".
هكذا صارت مؤسسات حقوق الإنسان العربية، تشبه مصفّفي الشعر لتجميل الصورة
الأرقام لا تكذب
وهذه الأرقام بحسب ما أشارت إليه تلغي فكرة أن عقوبة الإعدام "رائجة" في الدول الإسلامية، لافتة إلى أن هناك توجهاً لإلغاء دول إسلامية عربية وفي منطقة الشرق الأوسط لعقوبة الإعدام، معتبرة أن الأردن وضعف تنفيذه للعقوبة يعد تمهيداً لاتجاهه نحو إلغائها.
"لا تتوقعي أن يقام مثل هكذا مؤتمر في السعودية أو سوريا أو العراق"، هكذا علّق الخبير الحقوقي الأردني المناهض لعقوبة الإعدام رياض صبح، في حديثه لرصيف22 عما إذا كانت هناك حالة من الغرابة في إقامة المؤتمر في الأردن، بل اعتبره "عين الصواب".
ووضّح بقوله: "من الطبيعي أن يعقد مؤتمر يدعو لمناهضة عقوبة الإعدام في دول تعاني من هذه المشكلة، إذ لن يعقد في السويد مثلاً التي ألغت عقوبة الإعدام، ولا السعودية والعراق أو سوريا التي لا تستقبل فكرة الانفتاح والاستماع إلى الآخر".
واعتبر صبح أن الأردن من الدول العربية الأقل تنفيذاً لعقوبة الإعدام، واستضافته لفعاليات المؤتمر، وإن غابت عنه شخصيات سياسية أردنية، إلا أنه يشي بأن موقف الأردن متردّد في إلغاء العقوبة أو تعليقها، خصوصاً أنه سبق أن علّق العقوبة منذ العام 2006 وحتى العام 2014، وكان سبب فكّ التعليق أحداث خطف تنظيم "داعش" الإرهابي للطيار الأردني معاذ الكساسبة وحرقه، وكان الردّ على هذا الفعل الإرهابي، إعدام إرهابيين كانون معتقلين في الأردن، من بينهم العراقية ساجدة الريشاوي، المدانة بالمشاركة في تفجيرات عمّان الثلاثية التي أودت بحياة 60 شخصاً في العام 2005.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...