شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
انتحلوا صفة

انتحلوا صفة "المهدي المنتظر" لإسقاط سلاطين المغرب... من هم الثوار المهدويّون؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأحد 16 يوليو 202312:14 م

كثيراً ما تجدُ الأفكار التي تحمل صبغةً دينيةً، أتباعاً لها ومريدين، ويستغلّ من ينشرونها قُدسيتها ومركزيّتها في الخطاب الإسلامي، فتكون بذلك مطيّةً نحو تحقيق مآرب سياسية واجتماعية.

أمرُ المهدي المنتظر الشائع بين المسلمين على أنه مُخلّص البشرية من الآثام والذنوب في آخر الزمن، تم توظيف شخصيته في تاريخ الدول الإسلامية، إما لإضفاء الشرعية على الحُكم وتقويته، أو من جانب المعارضين الذين يُحاولون إسقاط الدولة من سبيل بناء أخرى جديدة.

عدة ثوار في تاريخ المغرب الأقصى ادعوا أنهم المهدي المنتظر لبدء ثورات ضد الأسر الحاكمة 

فكرة المهدوية قديمة في التاريخ الإسلامي، وتأسست مع ظهور الدولة "الأموية"، فأصبحت ظاهرةً متوارَثةً مع كل دولة، إما من الحكام أو من المعارضين.

على غرار باقي أقطار العالم الإسلامي، ظهرت المهدوية في المغرب الأقصى ووجدت لها تربةً خصبةً أفرزتها الصراعات السياسية والدينية التي عرفتها المنطقة، فظهر أكثر من مهديّ في كل فترة حُكم.

في هذا المقال نُسلّط الضوء على بعض الشخصيات في المغرب، التي ادّعت المهدوية.

عبيد الله المهدي... مؤسس السلالة الفاطمية

لم تكن خلافة بني العباس، في منأى عن الصراعات السياسية، التي تشكلت في خضمها قوى معارضة حاولت نسف النظام، منطلقةً في ذلك من اللا شرعية الدينية، وتمزّق دولة الخلافة.

لعل أبرز القوى المعارضة التي ظهرت في المشرق، فترة الحكم العباسي؛ "الإسماعيليون"، وهم إحدى الفرق الشيعية. اعتمد الإسماعيليون على فكرة المهدي الذي سيأتي زمن العباسيين، من أجل تأجيج الصراع وتهييج الأمة ضدّهم. نُسفت دعوتهم في المشرق نتيجة وقوعهم في أيدي العباسيين الذين اضطهدوهم، فما كان منهم إلا نقل دعوتهم إلى مناطق بعيدة عن مركز الخلافة، فانتقلوا بذلك إلى المغرب من أجل تأسيس دولتهم وجذب الجماهير هناك.

أقيمت الدولة الفاطمية التي تتبنّى الفكر الشيعي في فرعها الإسماعيلي، في المغرب على يد عبيد الله بن محمد بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم الفاطمي. يعود نسبه إلى فاطمة الزهراء، ابنة الرسول محمد، وإن شكك عدد من المؤرخين في نسبه، إلا أن ابن خلدون والمقريزي أكّدا نسبه إلى آل البيت.

اعتمد عبيد الله على أبي عبد الله الحسين، المعروف بأبي عبد الله الشيعي، في نشر دعوته في المغرب، حتى صار أمرها مستفحلاً، ومنتشراً هناك، وأخذ يبشّر بقرب ظهور المهدي المنتظر.

"أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرةً بعيدةً، وتلقى محناً شديدةً"

يذهب ابن خلدون في كتابه "ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر"، إلى أن أول من لقَّب عبيد الله بالمهدي، أبوه محمد بن جعفر في آخر أيامه، قائلاً له: "أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرةً بعيدةً، وتلقى محناً شديدةً". فلمّا اشتد طلب العباسيين له، فرّ من الشام إلى الإسكندرية، ومن هُناك إلى سجلماسة في المغرب.

بويع بالخلافة سنة 295 هـ، فانتشرت مبادئه، ونجح في تأسيس دولة امتدت حدودها إلى طرابلس وصقلية، واتخذ من مدينة المهدية التي بناها في المغرب عاصمةً للدّولة. دامت خلافته 24 سنةً، حتى وفاته سنة 322 هـ.

بذلك تُعدّ المهدوية الفاطمية، أمّ المهدويات في بلاد المغرب، وكانت بذلك تمهيداً لظهور مدّعين للمهدوية في المغرب الأقصى، وعلى إثرها أصبحت طابع العصر.

استغل عبيد الله فكرة المهدوية، والطابع القدسي التي تحمله في قلوب المسلمين، من أجل جذب الجماهير، والالتفاف حوله، إذ لم يأخذ من المهدوية شيئاً؛ تصرفاته في السلطة أساءت إلى الصورة المثالية التي يحملها رعاته عن المهدي المنتظر.

مهدية "الماسي" التي كادت تعصف بالدولة الموحدية

لم تكن فترة حكم الموحدين لشمال إفريقيا، بالأمر الهيّن والسلمي، إذ عرفت منذ بداية دعوتهم وتشكلها، صراعات عديدةً، بدايةً بالصراع مع المرابطين، من أجل هدم الدولة المرابطية، ثم الصراع مع القبائل المتمردة بعد أن مكّنت "الدولة الموحدية" نفسها من إقامة دولة ونظام.

قمّة التمرد ضد الموحدين، ظهرت بعد فتح مراكش، سواء من المدن أو القبائل. في سياق هذا الاضطراب، ظهر "الماسي" بفكرة المهدوية.

هو محمد بن هود بن عبد الله السلاوي، أصله من أهل مدينة سلا، شهد فتح مراكش مع عبد المؤمن بن علي الكومي، وكان مناصراً للدولة الموحدية في بداياتها، قبل أن يفارق عبد المؤمن في رباط ماسة.

قمّة التمرد ضد الموحدين، ظهرت بعد فتح مراكش، سواء من المدن أو القبائل ليزعم الماسي أنه "المهدي المنتظر"

هناك أطلق الأخبار عن أنه "المهدي المنتظر"، وناصرته قبائل عدة في دعوته من أهل سجلماسة ودرعة وقبائل دكالة وتامسنا. ويُرجع أحمد عزاوري في كتابه "رسائل موحدية"، أسباب هذه النّصرة إلى سهولة تقبّل الناس لفكرة المهدي، وكذا عدم الرضى عن الحكم الموحدي والسعي إلى تحطيمه قبل قيامه حتى.

استغل الماسي انشغال عبد المؤمن بمحاربة المرابطين لنشر دعوته التي ذاع صيتها في كل أقطار المغرب، دون فاس ومراكش كما جاء في كتاب "الحلل الموشية".

وما يُظهر قوة شوكة ثورة الماسي، أن عبد المؤمن أرسل حملتين من أجل محاربته، فكان مصيرهما الهزيمة، ما اضطر عبد المؤمن إلى حشد قوات ضخمة من القبائل والشيوخ والمرتزقة من الروم (الإسبان).

في هذه المعركة قُتل الماسي (524هـ-1148م)، بعد معركة ضارية، فتراجع أتباعه بعد مقتله، لتنتهي بذلك ثورة الماسي التي هُدّت بعد أن هددت أركان الدولة الموحدية.

الفقيه الثائر "ابن أبي المحلي"

لم يكن صعود الدولة السعدية وحكمها المغرب، مماثلاً لانهيارها، باعتبار أن صعودها ارتبط بمحاربتها "الصليبيين" من الإسبان والبرتغال، وفرض الأمن في المغرب، بينما ارتبط انهيارها بالصراع العائلي حول السلطة والحكم، خاصةً بعد وفاة أقوى ملوك السّلالة، أحمد المنصور الذهبي. زِد على ذلك الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي أصبح المغاربة يعيشون فيها، ما أدى إلى تضعضع أركان الدولة، ونهوض قوى متمردة ثائرة على الحكم السعدي، تفكّكت معها الدولة، ما عجّل في سقوطها وظهور الإمارات المستقلة.

ضمن هذا السياق المركّب، ظهرت ثورة ابن أبي المحلي.

هو أبو العباس أحمد بن عبد الله السجلماسي العباسي الفيلالي، المشهور بابن أبي المحلي، وُلد في سجلماسة سنة 967 هـ. ساهمت تنشئته الأسرية، ورحلاته، خصوصاً إلى فاس، في نبوغه العلمي الديني. أسس زاويته في وادي الساورة، وهناك كثُر أتباعه من الشيوخ والفقهاء، وذاع صيته في بلاد المغرب.

لم يكن ادّعاء ابن أبي المحلي المهدوية إلا مطيّة من أجل إضفاء طابع الشرعية على ثورته السياسيّة ضد السعديّين، من أجل تأسيس دولة الخلافة الإسلامية، مستغلّاً كذلك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها دولة السعديين.

لم يكن ادّعاء ابن أبي المحلي المهدوية إلا مطيّة من أجل إضفاء طابع الشرعية على ثورته السياسيّة

يؤكد ذلك أحمد بن خالد الناصري في كتابه "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، قائلاً إن أبا العباس لما كثرت جموعه صرّح بوجوب القيام بتغيير المنكر الذي شاع في الناس، ونهب الأموال وانتهاك المحارم من طرف أبناء المنصور.

ولم يقتصر ابن أبي المحلي على ادّعاء المهدوية فحسب، بل حاول الربط بين ظهور المهدي المنتظر واستمرار الحكم العباسي، وأن المهدي من ذرّية العبّاس، وذلك من أجل أن يمنح نفسه نسباً يمتد إلى النبيّ محمد.

لكن، كيف نجح ابن أبي المحلي في إقناع الناس من أقطار المغرب بثورته، برغم وجوده في سجلماسة النائية؟

يُجيب عبد المجيد القدوري في كتابه "ابن أبي محلي الفقيه الثائر ورحلته الإصليت الخريت"، بأنه اعتمد على الخطب والحجج الدينية، وصبغها بصبغة مصلحة الأمة التي تفرض الاستشارة، محاولاً بدايةً إقناع الوجهاء والأعيان والفقهاء، زِد على ذلك قوته الدلالية في نقد الوضعية المتأزمة التي تعيشها الدولة في ظل الحكم السعدي.

شنّ ابن أبي المحلي حملات عسكريةً عديدةً ضد سلطان السعديين زيدان الناصر بن أحمد، توّجها بدخول مراكش منتصراً، واستقر فيها، وهناك أسس دولته واتخذ مراكش عاصمةً له، وعمل على إصدار عملته الخاصة.

تشير مصادر عدّة إلى أن حكم ابن أبي المحلي الذي دام ثلاث سنوات، اتّسم بالعدل والأمن والاستقرار، قبل أن يُسقطه زيدتن الناصر، مستنداً إلى أبي زكرياء يحيى بن عبد الله أحد الفقهاء، من عرشه والقضاء عليه سنة 1022 هـ.

محمد بن سليمان الجزولي... بين الصوفية والمهدوية

هو أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي بكر الجزولي السّملالي، وإليه تُنسب الطريقة الجزولية في التصوف.

استفاد الجزولي من المناخ الفكري المتّسم بالتشبّع بالغيبيات في القرن العاشر الهجري، والذي أفرزته الفوضى السياسية والانهيار الاقتصادي في بلاد المغرب، فكثُر بذلك الإفتاء حول علامات الساعة المرتبطة بظهور المهدي، من ادّعائه المهدوية، وتأسيس طريقته في التصوف، مستفيداً أيضاً من باعه ومكانته في العلوم الدينية.

تمكّن الجزولي من تجييش الأفكار ومشاعر الناس وكسب ولائهم، وهذا سيكون سبيلاً نحو خلق تمرّد ضد الدولة وتحميلها مسؤولية ما يعانيه المغاربة من محن، معتمداً من جانب آخر على تضعضع دور الفقهاء في إحياء تعاليم الدين والعقيدة. وكان الجزولي، وفق محمد جنبوبي في كتابه "الأولياء في المغرب"، "أوَّل من فتح طريقته لاحتضان المقاومة المسلحة والشعبية بصورة جماعية وتلقائية في المغرب".

غير أن محافظ مدينة آسفي، لم ترُق له هذه الدعوة، وبذلك اتجه نحو وأدها قبل انتشارها، فلم يجد سبيلاً إلى ذلك إلّا تسميم الجزولي في بلدة سوس سنة 870 هـ. غير أن ثورة الجزولي استُكملت على يد تلميذه عمرو بن سليمان الشيظمي.

هكذا ارتبطت المهدوية في المغرب بالتمرد والثورة ضد السلطات السياسية، واستغلال الأوضاع المعيشية والسياسية والاجتماعية، والّلعب على الوتر الديني للمغاربة في إضفاء الشرعية على الحركات المهدوية، برغم فشلها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard