"المهدي المنتظر" بين النص الديني والاستغلال السياسي
السبت 10 ديسمبر 201604:15 م
انتشر في الفترة الماضية عدد من المجادلات والمناظرات حول موضوع "المهدي المنتظر". ما بين مصدق مؤمن بحقيقة وجوده، ومكذب يعتبره مجرد خرافة وأسطورة، تابع المصريون على شاشات التلفاز، عدداً من البرامج الحوارية التي تناولت ذلك الموضوع، بعدما قام أحد رجال الدين المسلمين بالتهكم على مسألة المهدية، وادعى ساخراً أنه المهدي المنتظر، مطالباً عموم المسلمين باتباعه وطاعته.
في هذا المقال، نقدم تناولاً مبسطاً لمسألة المهدية، وكيف تمت مقاربتها على مدار التاريخ الإسلامي.
المهدي: في القرآن والحديث النبوي
جاء في لسان العرب لابن منظور، أن اسم المهدي من الفعل "هدى" أي بين طريق الهدى وعرفه وأرشد إليه، أما المدلول العام لتلك الكلمة فهو "الإشارة إلى رجل هداه الله الطريق القويم"، وأخذت تلك الكلمة معنى اصطلاحياً معيناً في العقل الإسلامي الجمعي، وهو "الإشارة إلى إمام منتظر يأتي في آخر الزمان فيملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً". لم ترد كلمة المهدي بهذا المعنى في القرآن الكريم، كذلك لم ترد في صحيح البخاري أو صحيح مسلم. لكن مع ذلك، وردت الإشارة إلى المهدي المنتظر في العديد من الكتب المعتبرة عند أهل السنة والجماعة، منها على سبيل المثال سنن ابن ماجة وسنن أبي داود وسنن الترمذي. وتتفق معظم الفرق والمذاهب الإسلامية على أن المهدي هو شخصية بها نوع من القداسة، وأنه هو الذي سيقود قوى الخير والإيمان ضد قوى الباطل والظلم والعدوان في معركة النهاية وآخر الزمان.المهدي: الاسم والشكل والصفات
هناك اختلاف حول الصفات اللازم توافرها في شخص المهدي، فهناك من يرى أنه يلزم أن يوافق اسم المهدي اسم الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم"، دون الأخذ في الاعتبار اسم أبيه. وهناك من يرى أن اسم المهدي يجب أن يكون "محمد بن عبد الله"، ليتطابق مع اسم الرسول واسم أبيه. ويرى بعض علماء السنة مثل الشاطبي في كتابه الاعتصام، أن المهدي هو "المسيح عيسى بن مريم" عليه السلام، وذلك اعتماداً على حديث ورد فيه إنه "لا مهدي إلا عيسى بن مريم". ويجمع الشيخ السلفي محمد اسماعيل المقدم في كتابه "المهدي"، الصفات التي نقلتها الأحاديث النبوية عن المهدي المنتظر، في أنه "أقنى الأنف، أجلى الجبهة، يخرج في أخر الزمان، يحكم سبع سنين، ويصلي خلفه المسيح ابن مريم".مهدي السلطة
تم استخدام نظرية المهدي المنتظر كثيراً في التاريخ الإسلامي، إما من جانب الحكام والخلفاء القائمين بهدف الحفاظ على سلطتهم وحكمهم، وإما، وهي الحالة الأكثر شيوعاً، من جانب المعارضين بهدف إسقاط السلطة والتأسيس لدولة جديدة. فمع نهاية الدولة الراشدة، وبدايات الدولة الأموية، لمس الأمويون انخفاضاً حاداً في شعبيتهم وسط عموم المسلمين، لذلك وجدنا أن الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان حاول أن يستميل الناس إلى جانبه، مستخدماً الدعاية السياسية القائمة على فكرة المهدية، إذ ورد في مسند أحمد بن حنبل أن بعض الرواة قد أشاعوا في عصر معاوية أن الرسول قد قال عنه "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به". أما أبو جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين والمؤسس الفعلي للدولة العباسية، فحاول أن يستفيد من الزخم العاطفي الهائل الذي يصطبغ به من يتسمى باسم المهدي، فلقب ابنه وولي عهده "محمد بن عبد الله" بالمهدي، مستغلاً التشابه بين اسمه واسم الرسول. ورغم أن الكثير من المسلمين تأثروا بذلك المسمى في بداية حكمه، إلا أن حقيقته انكشفت بسرعة، بعدما عُرف عنه الميل لشرب الخمر وسماع الغناء، وحضور حفلات المجون والطرب والتعلق بالجواري والقيان.محمد بن الحسن العسكري: المهدي المغيب
أما الشيعة الاثنا عشرية، فيعتقدون أن المهدي المنتظر هو "محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب"، وهو الإمام الثاني عشر في سلسلة الأئمة الشيعة الإثني عشرية. ويذكر الشيخ الصدوق في كتابه "الاعتقادات" أن الشيعة الإثني عشرية يعتقدون أن المهدي اختفى في سامراء، ومذاك دخل في ما يعرف باسم "الغيبة الصغرى"، التي استمرت سبعين عاماً. ثم دخل في فترة "الغيبة الكبرى"، التي بدأت عام 329هـ ولم تنته حتى الآن. وأنه عندما يشاء الله، سيخرج من غيبته ويظهر للناس لينصر الحق ويهزم الظلم والطاغوت.مهدي الإسماعيلية: عُبيد الله مؤسس الدولة الفاطمية
يعتقد الشيعة الإسماعيلية أن المهدي المنتظر هو الإمام "عبيد الله"، المولود في عام 260هـ/873م، والذي ينتهي نسبه إلى الإمام محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. بعد عشرات الأعوام من التخفي والفرار من وجه السلطات العباسية المتحفزة، استطاع عُبيد الله أن ينتقل من السلمية في سوريا إلى تونس، حيث أسس لدولة عظيمة عام 297هـ/909م. تلك الدولة التي عُرفت باسم الدولة الفاطمية، والتي امتدت في عهد خلفاء المهدي لتضم أقاليم واسعة في آسيا وأفريقيا.فكرة الشخص المنتظر الذي يأتي في آخر الزمان لينصر أهل الحق هي فكرة موجودة في العديد من الأديان… كيف تم استغلالها؟