اختتمت الجولة العشرون والأخيرة لما بات يعرف بمسار أستانا، المكرّس للبحث في الأزمة السورية وتداعياتها والمخارج منها، بصدور بيان ختامي عن أشغالها في يوم الأربعاء بتاريخ 21/6/2023. من المعلوم أن مسار أستانا هو بالأصل إبداع روسي، كان الهدف منه جمع الأطراف الأكثر تأثيراً في الأزمة السورية، وهما إيران وتركيا، ومشاركة شكلية لوفد يمثل النظام وآخر يمثل المعارضة، لمناقشة مختلف جوانب الأزمة السورية والبحث عن حلول لها.
وبالفعل، منذ انطلاق أولى جولات اجتماعات أستانا في عام 2017 وحتى الجولة التاسعة عشرة منه، كان جلّ النقاشات تدور حول ضرورة تهيئة الظروف للخروج من الأزمة السورية، والتي ركزت في البداية على الحدّ من الصراع المسلّح، فكان الاتفاق على ما سُمّي، في حينه، بمناطق خفض التصعيد. لم تكن المسألة الكردية مسألة محورية في الجولات التسع عشرة السابقة عن الجولة العشرين الأخيرة، في حين ركّزت الدورة العشرون عليها.
إن إعلان وزير خارجية كازخستان عن نهاية مسار أستانا لكونه حقق النتائج المرجوة منه، شكّل مفاجأة لروسيا، بحسب ما صرّح به ممثلها في الاجتماع، السيد لافرنتييف، مع أنه يصعب تصديق ذلك. على كل حال، تابع لافرنتييف القول بأن الاجتماعات سوف تستمر في المستقبل بصيغة أو بأخرى، وسوف يتم تحديد أماكن عقدها في حينه.
إعلان وزير خارجية كازخستان عن نهاية مسار أستانا لكونه حقق النتائج المرجوة منه، شكّل مفاجأة لروسيا، بحسب ما صرّح به ممثلها في الاجتماع، السيد لافرنتييف، مع أنه يصعب تصديق ذلك
من المعلوم أن مسار أستانا في جانبه العسكري قد حقّق نجاحات كبيرة لصالح النظام، إذ من خلال ما سُمّي بمناطق خفض التصعيد، تم تجميد جميع الجبهات، سمح للجيش السوري بالتفرّغ للقضاء على المسلحين في جبهة تلو أخرى. فبعد أن استعاد المساحات الشاسعة التي كانت تسيطر عليها داعش إلى الشرق من حمص وحماه حتى ريف دير الزور والرقة الغربي، استعاد ريف دمشق الشرقي، ومحافظتي درعا والقنيطرة، وريف حمص الشمالي، وريف حماه الشمالي وبعض مناطق ريف إدلب الجنوبي، ولولا الموقف التركي المعارض لكان قد استعاد محافظة إدلب وريف حلب الشمالي.
إذن من الناحية العسكرية يمكن القول إن مسار أستانا كان في صالح النظام، في حين بقي المسار السياسي دون إحراز أي تقدّم عليه. وبالمناسبة كانت مشاركة وفد النظام، وكذلك وفد المعارضة السورية، في الجولات التسع عشرة السابقة شكلية إلى حد بعيد، واستمرت شكلية بالنسبة لوفد المعارضة في الجولة العشرين الأخيرة، في حين كانت مشاركة وفد النظام فيها أساسية.
لقد جرت تكهّنات كثيرة حول إنهاء كازخستان لمسار أستانا، ويبدو لي أن تفسير وزير خارجيتها لموقف بلاده المستجد من المسار أقرب إلى المنطق. فبحسب رأيه منذ انطلاق اجتماعات أستانا في عام 2017 وحتى اليوم، جرت تغيرات جوهرية على صعيد الأزمة السورية. سورية اليوم عادت إلى جامعة الدول العربية، وتركيا تجري مفاوضات مباشرة معها، وبالتالي فلا حاجة لكازخستان لتؤدي دور الوسيط الميسّر للاجتماعات.
وإذ تعلن روسيا استمرار المحادثات بصيغ أخرى لتطبيع العلاقات بين سورية وتركيا، وكذلك للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، فمن المرجّح أن تكون موسكو مكان متابعة اجتماعات صيغة "أستانا"(التسمية غير مهمة)، مع أن دمشق وأنقرة قد تكونان مكاناً محتملاً بالتناوب لإجراء هذه الاجتماعات، خصوصاً وأن ذلك سوف يكون التنفيذ العملي لعبارة وردت لأول مرة في البيان الختامي الصادر عن الجولة العشرين الأخيرة وتنص على "دفع هذه العملية على أساس حسن النية وحسن الجوار".
البيان الختامي الذي صدر في نهاية الجولة العشرين من اجتماعات أستانا هو بيان استفزازي للمواطنين السورين الكرد، بل لكل السورين الوطنيين، ويتضمن مغالطات كثيرة سوف تكشفها قادمات الأيام
نسبت وكالة الأناضول تصريحاً لوزير خارجية تركيا يفيد بأن الأطراف المشاركة في اجتماع أستانا بشأن سوريا أكّدت على "ضرورة تهيئة الظروف اللازمة داخل سوريا" من أجل ضمان العودة الآمنة والطوعية للسوريين، وضرورة تسهيل هذه العودة، وبحسب المصدر ذاته، فإن الأطراف المشاركة (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري) أكّدت "التزامها القوي بوحدة سوريا السياسية ووحدة أراضيها، والدور الريادي الذي يقوم به مسار أستانا في إيجاد حل سلمي للمسألة السورية".
في هذا المقتبس يرد أسم النظام السوري كطرف مشارك لأول مرّة في البيانات الختامية التي كانت تصدر في ختام جولات اجتماعات أستانا، كما وصف التزامها بـ "القوي" في إيحاء لا يُخفى ضدّ الكرد المتهمين من قبل تركيا والنظام السوري بنزعتهم الانفصالية.
إن التأكيد على "وحدة سورية" من كليشيهات جميع البيانات التي صدرت عن اجتماعات أستانا، وهي عمليا ليست المقصودة لذاتها، بل محاربة "الأجندات الانفصالية" التي تهدد "الأمن القومي " لبعض دول الجوار (المقصود تركيا) بحسب ما ذهب إليه وزير خارجية تركيا. ويصير التصريح أكثر وضوحاً عندما يذكر "الإدارة الذاتية" بالاسم، إذ تحاول اكتساب الشرعية حسب زعمه بذريعة "مكافحة الإرهاب".
مساكين هم المواطنون السوريون الكرد، يتهمونهم دائما بالنزعة الانفصالية، رغم تأكيدهم المستمرّ على حرصهم على وحدة سورية أرضاً وشعباً.
إن البيان الختامي الذي صدر في نهاية الجولة العشرين من اجتماعات أستانا هو بيان استفزازي للمواطنين السورين الكرد، بل لكل السورين الوطنيين، ويتضمن مغالطات كثيرة سوف تكشفها قادمات الأيام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين