شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"حرماني من ابنتيّ جعلني كئيبا"... هل "ينحاز" القانون التونسي للمرأة بعد الطّلاق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 15 يوليو 202302:09 م

مضت سبع سنوات، ولم يستطع فتحي (اسم مستعار) رؤية ابنته من طليقته الأجنبية. استطاعت زوجته السابقة مغادرة الأراضي التونسية رفقة ابنتهما بعد أن وعدته بالعودة مجدداً، رغم انفصالهما، وانقطعت أخبارها وأصبح هاتفها مغلقاً منذ سنوات.

لم يستطع محدِّثنا العثور على أيّ أثر لابنته أو السفر لرؤيتها. ورغم محاولاته مع الأصدقاء وبعض المحامين إلّا أن جهده ذهب سدى. في القانون التونسي يعبر عن هذه الحادثة بـ"فرار بمحضون إلى خارج البلاد".

فتحي على قناعة تامّة أنّ الثغرات في القانون التونسي جعلت هذه الحادثة تتكرر في مناسبات عديدة، فهي ليست فريدة أو معزولة. يقول "مثّل ابتعاد ابنتي عنيّ منعرجاً مفصلياً في حياتي. أعيش بين شوقي الكبير إليها من جهة وبين الإجراءات القانونيّة التي غيّرت نمط حياتي وعدم قدرة المحامين على استعادتها. جعلتني هذه المسألة مكبّلا غير قادر على تجديد حياتي الأسرية لأني غير واثق في نجاحها بالمرة".

الحضانة للأمّ... وللأب الزيارة فقط

يعاني سفيان هو الآخر من تبعات طلاق أضاع معه حياة مشتركة وأبناءه. تعرض لأزمة نفسيّة حادّة بعد المماطلة التي تعرّض لها بخصوص مسألة الحضانة. ففي معظم الحالات يفضِّل القانون التونسي حصول المرأة على حضانة الطفل القاصر مع تمكين الأب من حق الزيارة في فترات زمنية محدّدة يضبطها القانون وحسب السلطة التقديرية للقاضي.

 شعور الحرمان من وجود ابنتيّ  برفقتي جعلني حزيناً كئيباً على الدّوام ممّا أثّر على علاقتي بالآخرين خاصّة العائلة المقرّبة والأصدقاء

تمكنت طليقة سفيان الذي يبلغ 39 عاماً من الحصول على حضانة طفلتيها وهو حكم أصبح نهائياً بعد أن تقدّم محدّثنا بطعن مرات عديدة، مطالباً بحقوقه في تربية بناته. وتعرض سفيان إلى أزمة نفسية، تطلبت "الخضوع للعلاج النفسي"، نظراً لتعلّق محدثنا بطفلتيه، وفق حديثه.

يقول سفيان "أعترف أنّ ابنتيّ تتلّقيان الاهتمام اللازم من طرف والدتهما. لكن شعور الحرمان من وجودهما رفقتي جعلني حزيناً كئيباً على الدّوام ممّا أثّر على علاقتي بالآخرين خاصّة العائلة المقرّبة والأصدقاء. كبرى بناتي تبلغ من العمر 8 سنوات بينما تبلغ شقيقتها 4 سنوات. لم أعد أستطيع العيش في منزلي المليء بضحكات طفلتيّ وألعابهما والذكريات. لذلك هجرته وفضّلت العيش مؤقتاً رفقة والديّ".

مطالب بالمساواة في الحضانة

وضعيّة عدد هامّ من الرّجال التونسيين الذين يعانون ممّا يعتبرونه "ضيماً وجوراً في حقهم من طرف القانون" دفعتهم للمطالبة بتمكينهم مما يعتبرونه "حق المساواة" عند الطلاق في مسائل العناية بـ"المحضون"، على الرغم من أن القانون التونسي لا ينص على تمتع المرأة بشكل آلي بحضانة أبنائها عند الطلاق وإنما يضع السلطة التقديرية بهذا الخصوص بين يدي القضاء.

حاتم المنياوي أستاذ إنجليزية في الثانوي، وناشط في المجتمع المدني، وباحث في القانون الخاص يعمل على التشريع المتعلّق بمجلّة الأحوال الشخصية (قانون الأسرة التونسي). هو كذلك من أوائل مؤسسي "الجمعية التونسية للنهوض بالرجل والأسرة والمجتمع" ورئيسها.

كان دافعه الأوّل لإحداث هذه الجمعيّة شخصيّاً بالأساس بعد طلاقه من زوجته وتعرّضه لـ"مماطلة قانونيّة" في مسائل عدّة تتعلّق برعاية ابنه من بينها الحضانة والنفقة والسّكن.

افترقت عن زوجتي منذ سنة 2010 بينما تم الطلاق سنة 2015. لا أفكر في الزواج مجدّداً لعدم ثقتي في القوانين التي يجب تغييرها حتّى استطيع التفكير في الأمر مرة أخرى

يقول المنياوي في حديث جمعه برصيف22 "افترقت عن زوجتي منذ سنة 2010 بينما تم الطلاق سنة 2015. لا أفكر في الزواج مجدّداً لعدم ثقتي في القوانين التي يجب تغييرها حتّى استطيع التفكير في الأمر مرة أخرى. تخلّيت عن فكرة الزواج وانغمست في الدراسة، واختيار موضوع البحث في المرحلة الثالثة من التعليم العالي (الدكتوراه) كان مرتبطاً بتجربتي في الزواج وعلاقتي بابني التي أصبحت جيدة جداً نتيجة تضحياتي ومعركتي القضائية التي تطلبت الكثير من الجهد. لقد كانت معركتي ضد القانون وليس الأشخاص والهدف منها هو الحفاظ على الأسرة والأبناء".

يؤكد محدثنا على أن هناك إشكالا "في مسألة النفقة في القانون التونسي إذ أنها واجبة على الرجل فقط. من المفروض أن تجب على الطرفين في حال كانت الأم تعمل. لأنّ الراتب الشهري بالنسبة للموظف أو الأستاذ أو لمن يعملون في مهن عدّة في تونس محدود جداً لذلك يجب تغيير نقاط عدة في مجلة الأحوال الشخصية".

يقترح الناشطون المدافعون عن الرجال بأن تكون الحضانة بالتساوي لتفادي حرمان أحد الوالدين من رعاية الطفل وضمان التوازن النفسي للمحضون

يتحفّظ المنياوي على منح الأم الحق الحصريّ في حضانة الطفل في السنوات الأولى من عمره، بينما "لا يتمتع الأب إلّا بساعات قليلة"، على حد تعبيره.

يقترح الأب والناشط المطالب بحقوق أكبر للرجال في ما يخص الحضانة، بأن تكون "بالتساوي لتفادي حرمان أحد الوالدين من رعاية الطفل وضمان التوازن النفسي للمحضون".

ومسألة التناوب في الحضانة أمر ممكن، على حد تعبير، محدثنا إذ "يمكن المحافظة على نفس المسكن حتى عند الطلاق فيظل الأطفال في نفس محل السكنى ويعيشون حياة طبيعية".

ويضيف: "لكن الفرق الوحيد أن تكون الحضانة بالتناوب بأن يغير الوالدان كل منهما مقر السكن، ويتناوبا على زيارة الأطفال بشكل مشابه لسفر أحدهما بينما الطرف الثاني موجود. وبهذه الطريقة يتحقق الاستقرار النفسي والدراسي للطفل ولا يعيش الطفل الحرمان من أحد والديه. كما يعود كلّ إلى فراشه ومكتبه وغرفته وربما يدفع الأمر إلى عودة الوالدين إلى بعضهما البعض وتفاديهما الانفصال حفاظاً على استقرار حياة طفلهما أو أن يكون ضحيّة مشاكل الكبار".

وتمنح تشريعات دول عدّة، منها دول غربيّة، إمكانية للطليقين في اقتسام الحضانة بالمساواة بينهما، ما عدا إذا اعترض أحدهما على ذلك، وهو ما يبث القضاء الأسريّ فيه.

السّجن ضريبة عدم الإنفاق

مسألة الإنفاق على الطليقة والمحضون في تونس اعتبرها المنياوي "باهظة وجائرة" جعلت الرجل المطلّق "غير قادر على الزواج من جديد"، في حال فشل زواجه الأوّل.

كما أن اقتصارها على الرجل ساهم في خلق قطيعة بين الزوجين المنفصلين والتي من المفروض "أن تكون متوازنة لأن الطلاق ليس خاتمة الحياة بينما القانون التونسي سيف على عنق الرجل وقد يؤدي به الأمر إلى السجن في حال لم يستطع دفع النفقة"، يقول المتحدث الذي طالب بضرورة "إصلاح القوانين التونسية لتفادي تحطيم الأسر وإهمال الأبناء بسبب مسائل النفقة والحضانة".

لم يعد الرجل اليوم متحمساً للنشاط في الجمعية التي من أولوياتها الدفاع عن الأسرة وفي مقدمتها الأطفال. وتقوم الجمعية بطرح أهدافها على هياكل الدولة التونسية المخصّصة لإيجاد حلول لمثل هذه المواضيع والتي من بينها مجلس نواب الشعب واللجان المعنية.

ويرى أنه منذ إحداث الجمعية لم تحظ مطالبها إلاّ "بالمماطلة والتسويف"، نتيجة ظروف عديدة تعيشها الدولة منذ الثورة والتي جعلت مناقشة المسائل الاقتصادية والسياسيّة أولوية غالبة وطاغية على المسائل الاجتماعية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image