بعد إصابتها في عدوان 2014 وتشوه جسدها، رفض زوج خديجة رمضان (اسم مستعار) الاستمرار في الحياة الزوجية معها، ثم أجبرها على ترك المنزل من دون أطفالها الثلاثة بدعوى أنها غير أهل لرعايتهم.
بعد صولات وجولات بين عائلتي الطرفين وتدخل مصلحين بينهما، بقي الزوج على رفضه العيش مع خديجة لكنه امتنع عن التوقيع على الطلاق رسمياً تجنباً لما يترتب عليه من دفع مستحقات مالية لزوجته، كما سمح لها آنذاك باحتضان أطفالها الثلاثة (صبي عمره ست سنوات، وبنتان عمر الكبيرة منهما أربع سنوات والصغيرة سنتان) من دون أن يُقدّم لهم حق النفقة الذي يُقره القانون في حالة الطلاق.
ست سنوات قضتها خديجة وحيدة ترعى أولادها في كنف عائلتها التي خرجت منها عروساً وعادت إليها زوجة معلقة، مُنكَرة الحقوق. تقول: "رفض زوجي أن يُثبت الطلاق في المحكمة خشية الإنفاق على أطفاله. وفي الوقت نفسه يستمر في التهديد أنه سيحرمني من الأطفال".
تعرف خديجة تمام المعرفة أن زوجها سيُعاود "اختطاف" أبنائها من حضنها بعد بلوغهم العمر الذي يُحدده القانون للحضانة، لذلك تُعلي صوتها في جميع الحملات الخاصة برفع سن الحضانة للأبناء لـ15 عاماً، حتى أنها جابهت مخاوفها قبل عام ورفعت قضية تتصل بحضانة أطفالها.
تعتبر خديجة أنها تملك الأسباب كافة التي تُقنع القضاء الشرعي بمنحها الحضانة، فزوجها لا يُؤدي حق النفقة التي حكمت لها المحكمة به. وتقول: "يُفضل السجن ثلاثة أشهر مقابل ألا يدفع شيكلاً واحداً لي ولأولاده"، متسائلة: "كيف لي أن أترك أبنائي له؟ هل أتركهم للجوع والإهانة؟".
قوانين متعددة
يوضح القاضي الشرعي سعيد أبو الجبين أن قوانين الحضانة المطبقة في الأراضي الفلسطينية تستمد تشريعاتها الأساسية من القانون العثماني لعام 1917 الذي تفرع منه قانون الأحوال الشخصية، شارحاً أن المشكلة تكمن في تطبيق تلك القوانين وفقاً للسيادة السياسية على الأراضي الفلسطينية، فـ"قبل اتفاق أوسلو وبدء السلطة الفلسطينية عام 1994 بالحكم الذاتي، كانت الضفة الغربية تُطبق قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 1976 لأنها تتبع السيادة الأردنية، فيما قطاع غزة يحتكم لقانون الأحوال الشخصية المصري وقانون العائلة لعام 1959".
قرار رفع سن الحضانة إلى 15 عاماً، على الرغم من انتصاره لحقوق المرأة، اقتصر تطبيقه على الضفة الغربية فقط، وغاب عن قطاع غزة بسبب الانقسام الفلسطيني الذي أعقب الانتخابات عام 2006.
وحددت قوانين الأحوال الشخصية تلك انتهاء فترة حضانة الأم للأولادها بسبعة أعوام للأطفال الذكور وتسعة للإناث، في حين يعطي قانون حقوق العائلة للقاضي الإذن باستمرار حضانة النساء لأطفالهن لعامين آخرين على المدة المقررة سابقاً، وذلك وفقاً لما تقتضيه المصلحة الفضلى للطفل، حسب أبو الجبين.
في ظل تلك الاختلافات، أدركت السلطة الفلسطينية ضرورة إجراء تعديل، فعمل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على تشكيل لجنة قانونية لتوحيد القوانين في الأراضي الفلسطينية، وتمخض عن تلك اللجنة قرار "60-2005" الذي يقضي برفع سن الحضانة إلى 15 عاماً وهو سن البلوغ في الشريعة الإسلامية ويُمكن للصغير بعد هذه السن تحديد خياراته وفقاً لمصلحته.
في هذا السياق، يوضح أبو الجبين أن قرار رفع سن الحضانة إلى 15 عاماً، على الرغم من انتصاره لحقوق المرأة، اقتصر تطبيقه على الضفة الغربية فقط، وغاب عن قطاع غزة بسبب الانقسام الفلسطيني الذي أعقب الانتخابات عام 2006 والتي رفضت السلطة الفلسطينية نتائجها بعدما فازت فيها حماس بأغلبية ساحقة.
وبحسب ما قاله أبو الجبين لرصيف22، فإن قطاع غزة بقي يعمل وفق قانون العائلة المصري الذي يُتيح للقاضي تمديد سن الحضانة عامين للذكر والأنثى، لافتاً إلى أن عدم تطبيق قرار 2005 مثَّل انتكاسة حقيقة للمرأة، وخاصة لتلك التي حبست نفسها سنوات طويلة من دون زواج أملاً في العيش وإكمال حياتها في رعاية أولادها لتجد نفسها قد خسرت كل شيء".
تمييز في القوانين
لم تقف مشكلة اختلاف القوانين الخاصة بحضانة النساء لأطفالهن عند ما يُطبق في غزة والضفة بل إن القانون الذي يُطبق في القطاع عُدّل بعد الحروب المتوالية التي شنّها الاحتلال على السكان هناك، مخلفاً الآلاف من الأرامل، لكن التعديل لم يمس حضانة المرأة بشكل عام بل شمل حصراً المرأة الأرملة التي حرمت نفسها من الزواج لرعاية أبنائها.
ونصت المادة (1) من قانون رقم (1) لسنة 2009 معدل لقانون الأحوال الشخصية على أن للقاضي حق الإذن باستمرار حضانة الأم المتوفى زوجها وحبست نفسها على تربية أولادها ورعايتهم إذا اقتضت مصلحتهم ذلك مع اشتراط الأهلية في الحضانة والمشاهدة والمتابعة للعصبة، كما أصدر تعميماً آخر رقمه (13-2013) وأعطى المطلقة التي توفي طليقها الحقوق نفسها التي تنالها المرأة التي توفي زوجها في ما يتعلق بصلاحية القاضي في تمديد الحضانة لها، إذا كانت أهلاً لها.
في المقابل لم يوفر المشترع لصغار الأم غير الأرملة الفرصة نفسها للتمتع برعاية أمهم، وتَرَك الأم تعاني ترقب فقدان حضانتها أو الحرمان من أولادها.
بقي الزوج على رفضه العيش مع خديجة لكنه امتنع عن توقيع الطلاق رسمياً تجنباً لدفع مستحقات مالية... في غزة تمييز قانوني بين مطلقة وأرملة في سن الحضانة، والأم مغبونة في جميع الحالات
"القوانين والتعميمات المطبّقة أمام المحاكم الشرعية في قطاع غزة تنطوي على تمييز سلبي ضد المرأة في مسألة الحضانة، منها إسقاط الحضانة عن الأم تلقائياً إذا ما تزوجت من غير محرم بينما لا تُسقطها عن الزوج إذا تزوج بأخرى"
في هذا السياق، تقول المحامية الشرعية في "جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل" مها العجلة لرصيف22: "القوانين والتعميمات المطبّقة أمام المحاكم الشرعية في قطاع غزة تنطوي على تمييز سلبي ضد المرأة في مسألة الحضانة، منها إسقاط الحضانة عن الأم تلقائياً إذا ما تزوجت من غير محرم للصغير بينما لا تُسقطها عن الزوج إذا تزوج بأخرى".
وتضيف العجلة: "القانون يُفرّق في الشروط التي يجب توافرها في الأم الحاضنة عن الرجل الحاضن، بينما لا تراعي أحكام النفقة المصلحة الفضلى للطفل ببقائه في المستوى الاقتصادي والاجتماعي نفسه الذي كان يعيش فيه لدى أسرته قبل الانفصال"، مشيرةً إلى أن "غالبية قضايا النفقة يُفضل فيها الأزواج السجن 3 أشهر على دفع النفقة بذريعة سوء الوضع الاقتصادي الذي يُعانونه وعدم قدرتهم على توفير أجرة النفقة التي تقرها المحكمة للطفل والأم الحاضنة".
توافق على رفع سن الحضانة
أوجد التمييز في القوانين حالة من الإجماع بين المؤسسات النسوية والحقوقية ومؤسسة القضاء على ضرورة المساواة في حقوق الحضانة بين الأم الأرملة والمطلقة.
ومن جهتها، تبنت وزارة المرأة الفلسطينية في قطاع غزة مبادرة "15 لأمي" التي تهدف إلى انتزاع حق المرأة المطلقة التي امتنعت عن الزواج لتربية أبنائها في الحضانة ريثما يصل الأطفال إلى سن البلوغ الشرعي، وإذ ذاك يختارون البقاء لدى أحد الوالدين وفقاً للمصلحة الفضلى لهم.
وتقول مديرة الدائرة القانونية في وزارة شؤون المرأة في غزة رندة السبتي إن وزارتها تولي اهتماماً خاصاً بتحسين البيئة القانونية للمرأة، لافتة إلى أنها في سعي دائم مع المجلس الأعلى للقضاء الشرعي لإقرار العمل بقرار عام 2005 القاضي برفع سن الحضانة إلى 15 عاماً للمرأة التي حبست نفسها عن الزواج.
وتشير الصحافية والناشطة في قضايا النساء ماجدة البلبيسي إلى أن الهدف من المطالبات برفع سن حضانة الطفل هو تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في الرعاية والاهتمام وتوفير جميع حاجاته النفسية والمادية، مشددةً على ضرورة تخيير الطفل بعد سن الـ15 بين بقائه لدى الأم أو لدى الأب.
وتوضح البلبيسي أن المطالبات تبنتها المؤسسات النسوية والحقوقية وجاءت بعد الزيادة المطردة في حالات الطلاق في الآونة الأخيرة.
وتشير الناشطة المجتمعية فاتن حرب لرصيف22 إلى أن رفع سن حضانة الأم لأطفالها حتى 15 عاماً مهم جداً من الناحيتين النفسية والاجتماعية للأم والطفل معاً، لافتة إلى أن الكثير من الحالات التي واجهتها تمثلت في هروب الأبناء من الفئة العمرية (9-11) من بيوت آبائهم أو أجدادهم إلى بيت الأم بسبب عدم تفهم الأب أو الجدة أو زوجة الأب لحاجاتهم.
القضاء الشرعي يُرحب ولكن
من جهته، يعترف المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة بأهمية رفع سن حضانة الأم المطلقة لأبنائها الذكور والإناث إلى 15 عاماً، داعياً إلى ضرورة إعادة النظر في قانوني العائلة والأحوال الشخصية.
بينما يُمكن لرئيس مجلس القضاء الأعلى في غزة أن يُصدر تعميماً إلى المحاكم المختصة في القطاع برفع سن الحضانة إلى 15 عاماً، إلا أنه رغم تأييده العلني للفكرة لم يفعل.
ويرى رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة الدكتور حسن الجوجو أن هذه السن للحضانة لا يتوافق مع سن الطفولة التي حددها قانون الطفل الفلسطيني وهي 18 عاماً، ويناقض أيضاً قانون الأحوال الشخصية نفسه الذي حدد سن الطفولة بسن البلوغ أو 15 عاماً.
ويلفت الجوجو، في حديثه لرصيف22، إلى ضرورة توحيد سن الطفولة في جميع القوانين من أجل تحديد سن الحضانة في ضوئه على نحو يناسب الحالة النفسية والجسدية والاجتماعية وتحقيق المصلحة الفضلى للطفل، معتبراً أن "الطفل لا يُمكنه الاستغناء عن أمّه باعتبارها الأقرب إليه والأقدر على فهم حاجاته ومشاكله".
في الواقع، وبينما يُمكن لرئيس مجلس القضاء الأعلى في غزة أن يُصدر تعميماً إلى المحاكم المختصة في القطاع برفع سن الحضانة إلى 15 عاماً، إلا أنه رغم تأييده العلني للفكرة لم يفعل، وحين سألناه عن السبب اعتبر أن تعديل أي قانون أو سن قانون جديد هما من حق المجلس التشريعي فقط، قائلًا: "لا يملك أحد آخر حق سن القوانين أو تعديلها".
وعند سؤال المجلس التشريعي عن رأيه، في ظل حالة التوافق التي أقرها المتحدثون المذكورون آنفاً حول ضرورة رفع سن الحضانة بشكل عام وللأم المطلقة التي حبست نفسها عن الزواج لتربية أبنائها بشكل خاص إلى 15 عاماً، بقي السؤال معلقاً من دون رد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...