شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل اخترعت كليوباترا الـ

هل اخترعت كليوباترا الـ "ديلدو" الهزّاز حقاً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الثلاثاء 18 يوليو 202311:20 ص

تاريخ الأوهام الذكورية عن النساء وعوالمهن مليء بحكايات لا تصدّق، ويبدو خيال الذكور فيها مبدعاً للغاية في الشرّ الذي يحيط ويؤدي إلى إنتاج كل وهم منها، من الحكايات المخيفة عن "الفرج الأسطوري" الذي يبتلع من يقترب منه، إلى نهمها الجنسي الذي لا يُشبعه أحد أو شيء، إلى "سائل الطاعة" الذي تصنعه من دماء حيضها فيصبح الزوج خاتماً في إصبعها.

وفي كل حكاية أو وهم من هذه الأوهام، ثمة خوف عميق، سرّي، غير معترف به، من فكرة السيطرة وفقدان المكانة المركزية في العالم. ثمة رعب يجتاح بعض الذكور فيدفعهم لتأليف قصص أو تصديق أخرى، وإذا تتبعنا مخاوفهم/ فسنحصل على عالم من التحريض الفالت من عقاله.

وبمجرد الحديث عن كليوباترا، الملكة المصرية الشهيرة، أو حتى كتابة اسمها على "كلّي المعرفة"، سيّدنا جوجل، حتى تظهر مجموعة من الأساطير والخرافات حول هذه الملكة، في أغلبها تدلّل على هوسها الجنسي وإدمانها، ويصل الأمر لنسب اختراع الـ "ديلدو" الهزّاز أو الـ "فايبراتور" لها.

كوميكس وكومي‑سيكس

تجلس السمراء كليوباترا بهيئتها الملكية التي يعزّزها اللون الذهبي على شعرها الأسود (قبل انتشار خزعبلات نيتفليكس بكثير) على سريرها الواسع، ممسكة بلفافة من ورق البردي والمليئة بالنحل الطنّان الذي لا يهدأ، ما يجعل اللفافة تهتزّ  باستمرار، قبل عدة مئات من السنين من اختراع البطاريات، تهزّه قليلاً ليهتاج النحل أكثر، ثم تدسّه برفق بين ساقيها المفتوحتين، مرة وأخرى وأخرى، حتى تنتشي، فتلقيه من يدها لينطلق سرب النحل مهتاجاً، ربما بتأثير الفيرومون، ليكتب في سماء الصورة، وبلغة فرنسية سليمة: بززززززز.

تاريخ الأوهام الذكورية عن النساء وعوالمهن مليء بحكايات لا تصدّق، ويبدو خيال الذكور فيها مبدعاً للغاية في الشرّ الذي يحيط ويؤدي إلى إنتاج كل وهم منها، من الحكايات المخيفة عن "الفرج الأسطوري" الذي يبتلع من يقترب منه، إلى نهمها الجنسي الذي لا يُشبعه أحد أو شيء

هذا المشهد جزء من كتاب مصوّر أو كوميكس، صدر في 2015، من تأليف الطبيب النفسي وعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي فيليب برينو، والرسامة الفرنسية لاتيتيا كورين، تحت عنوان "قصة الجنس" وفيه ينسب الاثنان، رغم طرافة الحكاية، مجموعة من الأكاذيب للملكة كليوباترا، تدور حول الهوس الجنسي واستخدام القضبان الاصطناعية الهزّازة (رغم أنه اختراع يحقّ لها، ولنا، أن تفخر به لو صحّ الأمر) قبل أن يفكّر أحد بذلك بوقت طويل.

لكن الأمر لا يتعلّق فقط برسامة كوميكس ولا بعالم أنثروبولوجيا مختلّ فحسب، القصّة تعود إلى مجموعة هائلة من الأكاذيب والحكايات المختلقة التي يخترعها الرجال عن النساء، وفي حالة ملكتنا كليوباترا، يعود الأمر ببساطة لصراعها مع الإمبراطور الروماني أغسطس وتلك الحقبة من تاريخ مصر والعالم.

الملكة التي لا تشبع

"إنها تحتاج لأن تُخترق مائة مرّة في الليلة، وإلا فإنها لن تكون راضية. وبسبب هذه الشهوة الجنسية غير العادية، اضطرّ عشيقها مارك أنطونيو للتواصل مع طبيب لمحاولة إيجاد حل، دون جدوى"، هذا جزء مما كُتب في العصور القديمة المتأخّرة، وجزء مما يتداوله المؤرخون، فالتاريخ كما نرى، وجبة مصنوعة من المخاوف الوهمية، يطبخها الرجال ويأكلونها، ويتبقى على النساء تنظيف المائدة.

لم يكن التاريخ في يوم ما، علماً دقيقاً، بل سردية تخدم المشاريع السياسية المنتصرة، ولا حاجة لسرد أمثلة، ولنكتف بما لدينا اليوم، مما عشناه وعاصرناه وتذوقنا دموعه، إذا أردنا التذكير، فسنذكر مأساة الفلسطينيين ومشاريع الربيع العربي

فرجيل وهوراسيو وليفي، شعراء ومؤرخو الإمبراطور الروماني، وبعد هزيمة كليوباترا وعشيقها مارك أنطونيو في معركة أكتيوم البحرية، لم يتكاسلوا عن كتابة العديد من الأكاذيب عن الملكة المهزومة، وتبعهم في ذلك العديد من الكتّاب والمؤرخين لعدة قرون، محوّلين كراهيتهم الذكورية تجاه الملكة التي تجرّأت على تحدّي الإمبراطور إلى واحدة من أكبر الأكاذيب في التاريخ (تتفّوق عليها كذبة الديمقراطية الأميركية بالطبع) حتى انتشرت بعض الجرار الفخارية، وهي موجودة حتى اليوم، مزينة بميدالية منقوش عليها الملكة كليوباترا تجلس على قضيب ضخم يستند إلى تمساح نيلي، وتحمل بيدها غصن نخيل، كأن المشهد يحتاج لمزيد من العناصر المحلية لنفي أي لبس يمكن أن يحصل في نسب الصورة إلى الملكة.


العشاق السريون والعلنيون لكليوباترا

في الحقيقة، نحن لا نعرف الكثير عن حياة كليوباترا اليومية، ناهيك عن حياتها  الجنسية، وكل ما لدى غير المختصّين هو المشاهد التي صنعتها السينما الأميركية في الأذهان، عن جموح الملكة الجنسي ونهمها المرضي، واستقبالها العشرات في سريرها يومياً. أفلام مثل "العربدة الجنسية لكليوباترا" 1970، "كليوباترا ملكة الجنس" 1970، "ليالي كليوباترا الحارّة" 1985، وأكثر من ألف كتاب خلال ألفي سنة عن أسطورة الجنس المظلومة هذه، فكم عشيق امتلكت؟

تنقل كتب التاريخ أن لكليوباترا ثلاثة عشّاق فقط، ابن بومبي لعدة ليالي فقط، يوليوس قيصر لأربع سنوات، ومارك أنطونيو لعشر سنوات. هذا كل شيء؟ 

ثلاثة عشّاق لإمبراطورة عبر حياتها كلّها جعلت منها، بتأثير المؤرّخين الرومانيين الذكور، أسطورة جنسية وحفرة لا تكتفي، بينما يتحدّث التاريخ عن عشرات ومئات المحظيات للعديد من الملوك الرجال، كهنري الرابع وهنري الثامن، والملك شارل، وحتى ألف امرأة للملك سليمان، كما تقول التوراة، وإذا أردنا أن نعدّ الملوك والخلفاء العرب لتجاوز العدد ما يمكن تخيّله. كل هذه العشيقات لم تجعل منهم أساطير جنسية ولا منحرفين أو مهووسين، بل كان هذا الهوس بالنساء محموداً، وفي حالة الأنبياء، مقدّساً.

كانت كليوباترا امرأة طموحة وذكية، وأرادت أن تمدّ سيطرتها وتوسّع ملكها، فعملت على التواصل مع الإمبراطورية الأكبر في ذلك الزمان، والتحالف مع يوليوس قيصر ومارك أنطونيو لاحقاً من أجل ضمان أمنها واستمرارية حكمها، ولم يكن تنقصها الثروة ولا الموارد للقيام بمغامرات جنسية مع من ترغب في بلاطها الفخم، خصوصاً أن هذه المغامرات لم تكن شيئاً مرذولاً وقتها، بل كانت سلوك ملوك فحسب، وبالتالي لم تكن لتستخدم ألعاب النساء المهملات، ولم تكن بحاجة لفعل ما نُسب إليها.

لم يكن التاريخ في يوم ما، علماً دقيقاً، بل سردية تخدم المشاريع السياسية المنتصرة، ولا حاجة لسرد أمثلة، ولنكتف بما لدينا اليوم، مما عشناه وعاصرناه وتذوّقنا دموعه، إذا أردنا التذكير، فسنذكر مأساة الفلسطينيين ومشاريع الربيع العربي، وهذا ما دفع  أحدهم مرّة للقول: "التاريخ يكتبه المنتصرون"، لكن في حالة كليوباترا، يبدو أن "التاريخ يكتبه الرجال فقط".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image