استحوذ بيان الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهي الجهة المنظِّمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بشأن إلغاء مشاركة "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، على اهتمام جمهور القراءة في مصر خلال اليومين الماضيين، لأن لغة بيان الهيئة، مساء الأحد 30 كانون الأول/ يناير، أتت مجافية لما اعتاده من رصانة وتحلٍّ بشيء من الدبلوماسية.
وجاء بيان الهيئة رداً على منشور كتبه نواف القديمي، مدير ومؤسس الشبكة عبر حسابه الخاص على فيسبوك: "مساء الجمعة، وبعد يومين من المشاركة، تم إقفال جناح الشبكة العربية من قبل إدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، لم نعد مشاركين". وذلك بعد يومين من المشاركة في الدورة الـ53 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي فتح أبوابه في 27 كانون الثاني/ يناير الجاري.
رد الهيئة المنشور عبر الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة حمل عنوان "حين يصبح التزييف عنواناً"، واتّهم الشبكة بـ"التزييف والتحايل"، وبأن دار النشر الأكاديمية التي تعنى بنشر الدراسات السياسية والتاريخية والثيولوجية (الدراسات النقدية والتاريخية للأديان) قد احتالت على هيئة الكتاب لتشترك في المعرض من خلال احتلال موضع دار نشر سورية تغيبت عن المشاركة. علماً أن الشبكة "غير مشاركة في المعرض من الأساس"، وقامت "بالتزييف والتدليس على جمهور المعرض وإدارته"، وتم اكتشاف ذلك خلال "إحدى حملات التفتيش المستمرة داخل المعرض".
يأتي تحرك إدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب ضد الشبكة العربية للأبحاث والنشر بعد أسابيع من اضطرار الشبكة إغلاق مكتبتها الأخيرة بمصر، وكان موقعها في وسط القاهرة، بعد ما وصفه مدير الشبكة بـ"تضييق أمني مستمر"
وواصل البيان: "ولعل الأغرب هو تصوير المزيفين للأمر على بعض صفحات التواصل الاجتماعي بأنه إغلاق قسري وافتئات من المعرض وإدارته ووزارة الثقافة المصرية"، ولوّح البيان بتحرك قانوني ضد الشبكة وإدارتها.
يأتي تحرك وزارة الثقافة ضد وجود الشبكة العربية في المعرض بعد أسابيع قليلة من اضطرار "الشبكة" إلى إغلاق فرعي مكتبتها في القاهرة والأسكندرية لأسباب عدة ذكرها نواف القديمي في منشور له على فيسبوك في 17 كانون الثاني/ يناير، منها: التضييق الأمني المستمر الذي بدأ منذ عام 2013"، حتى أن (القديمي) مُنع من دخول مصر في مطار القاهرة في نيسان/ أبريل 2017. ومن الأسباب أيضاً ما وصفه القديمي بـ"التحريض الصحافي" في إشارة إلى حملة بدأها الصحافي المتعاون مع هيئة الكتاب سامح فايز في مجلة "المصور"، واتهم فيها الشبكة العربية ودور نشر أخرى بأنها "إخوانية" ومتورطة في تمويل الإرهاب. كما أرجع القديمي قرار الإغلاق إلى "التفتيش المتكرر للمكتبات، وعمل قضية ضد الشبكة وصاحبها بدعوى بيع كتب إثارية، والقلق على الموظفين بعد احتجاز اثنين منهم يومين، والرقابة المشددة على دخول الكتب. فإحدى الشحنات التي أرسلت إلى المكتبة من بيروت ضمن 90 كرتونة بقيمة تجاوزت الـ40 ألف دولار أمريكي بقيت محتجزة في الجمارك عاماً ونصف بحجة تفتيشها ووجود كتب مخالفة، هذا بالإضافة إلى تراجع الوضع الاقتصادي وضعف المبيعات، خاصة أن مكتبة الشبكة تعتمد على بيع الكتب غير الصادرة في مصر، وكل كتبها تأتي من الخارج. ومع تشديد الرقابة وتعطيل الشحنات وصعوبة وصول الكتب إلى المكتبة بات الاستمرار صعباً".
الشبكة العربية لم تكن هدفاً وحيداً لحملات الاتهام بالأخونة، إذ مُنِعَت دار "عصير الكتب" من المشاركة بعد اتهامات مماثلة، ودفعت هيئة الكتاب بأسباب "إدارية" لتبرير المنع
ووفقاً لموقعها الرسمي، فالشبكة العربية للأبحاث والنشر، هي مشروع ثقافي تأسس في بيروت عام 2008، على يد عبد العزيز القاسم ونواف القديمي - كلاهما من السعودية-. وتهدف إلى "نشر الكتب والأطروحات في حقول الفلسفة والفكر والسوسيولوجيا والأنثربولوجيا، وإعادة قراءة التراث والإصلاح الديني والسياسي، وتعزيز قيم الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني بما يتواءم مع هوية المجتمعات العربية وثقافتها، والإسهام في تنمية الوعي بأزمة العالم العربي المتمثلة في الاستبداد السياسي والفقر وانخفاض مستويات التعليم وتدني التنمية وضعف الإنتاج العلمي والمعرفي، بالإضافة إلى الخروج النقدي من ثنائية الصراع بين التبعية السياسية والثقافية للغرب من جهة، ورفض التعاطي النقدي وتجاوز الإرث الثقافي والسياسي العربي المعوق لتقدم المجتمعات وتنميتها وتحررها من جهة أخرى".
وخلال 10 أعوام، نشرت الشبكة العربية نحو 220 كتاباً وأطروحة أكاديمية، نصفها مترجم عن الإنجليزية والفرنسية، كما أسست مكتبات تجارية في عدة مدن عربية منها: بيروت والدار البيضاء وتونس واسنطبول، وبدأت انطلاقتها في مصر عام 2011 عندما أسست مكتبتها الأولى في القاهرة، وفي بدء عام 2016 افتتحت مكتبتها الثانية في الإسكندرية.
ومع قرار الإغلاق التام في مصر، أعلن القديمي أن الشبكة ستحاول توفير بعض كتبها وكتب بعض دور النشر التي تتولى توزيعها في عدد من مكتبات القاهرة، كما ستحاول المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لكن محاولاتها للوصول إلى معرض الكتاب هذا العام انتهت إلى الإغلاق أيضاً بعد يومين من بدء المعرض.
العثرات التي تقابلها "الشبكة العربية" في مصر ليست جديدة عليها، فعام 2014، أغلقت إدارة معرض الرياض الدولي للكتاب جناح الشبكة، وتحفظت على جميع الكتب التي وصفتها بالمثيرة للجدل، كما منعت مشاركتها في معرض الرياض للكتاب في جميع دوراته المتتالية.
ضحايا آخرون
من الدور التي شملتها حملة صحافية تتهمها بالانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين والترويج لأفكاره، كانت دار عصير الكتب، وهي دار نشر مصرية ناشئة، قررت إدارة المعرض رفض مشاركتها هذا العام.
"عصير الكتب"، التي تُعد من أبرز دور النشر التي تشارك بفاعلية في معرض الكتاب منذ نشأتها عام 2014، وكانت ممثلاً لمصر والمتحدثة العربية في المؤتمر العالمي للناشرين "إستراتيجيات النشر القومي" الذي أقيم في معرض الشارقة الدولي للكتاب، كما حصلت على لقب أفضل ناشر مصري مرتين خلال عام 2019، إضافة إلى جوائز أخرى، منها جائزة أفضل جناح في الدورة الـ51 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2020.
ووفقاً لسعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، لم تشارك "عصير الكتب" في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بناءً على الاتهامات التي وجهتها الدار وصاحبها محمد شوقي عبر فيسبوك إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب والقائمين عليها، والتي ترتب عليها إحالة الدار إلى اللجنة التأديبية في الاتحاد.
وكان مدير دار عصير الكتب، محمد شوقي قد كتب منشوراً على فيسبوك قال فيه "إن هيئة الكتاب تدار بالشائعات والقرارات الفردية لا بالقوانين واللوائح"، وإن كانت المصادر الرسمية ترد سبب حرمان "عصير الكتب" من المشاركة في المعرض لهجومها على هيئة الكتاب، إلا أن مصادر الدار أرجعت السبب إلى اقتناع مسؤولي الهيئة المصرية للكتاب بعدد من الاتهامات التي وُجهت للدار خلال الفترة الماضية، والتي تتعلق بنشرها عدداً من الكتب والمطبوعات التي تحمل توجهات تدعم التطرف الديني، مؤكدة أن الدار قدمت أكثر من مرة توضيحاً لمسؤولي الهيئة حول هذا الشأن لكن من دون جدوى، حتى أن دار النشر طالبت وزارة الداخلية والجهات المسؤولة بالتحقيق معها في الاتهامات التي وجهت إليها.
وفي تصريح تلفزيوني لرئيس الهيئة العامة للكتاب، هيثم الحاج علي، إبان أزمة الدار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، قال إن الهيئة لم تمنع أي دار نشر من المشاركة في معارض الكتاب، والمسألة دائماً تتصل بتطبيق القانون، فمن يُمنع من المشاركة هو من عليه حكم قضائي يتعلق بدعم الإرهاب أو التعدي على الملكية الفكرية أو سرقة الكتب أو تزييفها، وذلك بالتعاون مع اتحاد الناشرين المصريين والعرب، وأضاف: "ده السبب الوحيد اللي ممكن علشانه يتم منع دار من المشاركة في معرض الكتاب، وإن كنت بحتفظ بحقي القانوني في تقديم بلاغ ضد عصير الكتب وعرض الأمر على مجلس إدارة اتحاد الناشرين واللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لازم يكون فيه موقف".
تواصل رصيف22 مع المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2022، شوكت المصري، الذي عبّر عن تعجبه من المتضامنين مع الشبكة العربية للأبحاث والنشر، وأضاف: "الضوابط ما بتزعلش حد"
وتواصل رصيف22 مع المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2022، شوكت المصري، الذي عبّر عن تعجبه من المتضامنين مع الشبكة العربية للأبحاث والنشر: "دي دار ارتكبت جريمة سرقة وتزوير ومكانها النيابة، وأكيد اللجنة العليا للمعرض هتاخد قرارات بشأنها في اجتماعها أثناء الدورة".
وتابع المصري: "يعني إيه حد يقول وفيها إيه لما خد مكان بشكل غير رسمي، على كدا اللي يلاقي عربية في الشارع يركبها والناس تقول معلش سيبوه أصل ماعندهوش عربية، هو ماقدمش ليه في فترة التقديم اللي امتدت لشهرين وأكتر؟ وكان فيه مساحات وماقولناش لحد ورقه سليم لأ. وراح يكتب على فيسبوك تصريح مقتضب "لم نعد مشاركين"، ما قالش الأسباب ليه لو حد ظالمه؟ بس بشكل عام فيه ناس بتحب تاخد موقف معارض تجاه أي قرار حكومي حتى لو كان صح، دايماً وجهة النظر الرسمية خاطئة، لكن في النهاية فيه ضوابط والضوابط ما بتزعلش حد".
إلى جانب بعض المشكلات التي واجهتها دور النشر، قال الكاتب علاء فرغلي، الذي يشارك برواية "ممر بهلر" في معرض هذا العام، إن روايته صودرت قبل خروجها من المطبعة، لأن جهات رقابية رأت أنها إباحية وتزدري الأديان وتهدد السلم الاجتماعي، وأُفرج عنها بعد جهود دار النشر ومحاميها. وأضاف: "لكن المصادرة تظل غصة في الحلق وخوفاً على المستقبل وترقباً لما هو قادم، كأن على كل كاتب ومبدع وفنان أن يتحسس خطواته قبل أن يكتب كلمة أو يرسم لوحة أو يعزف نغمة".
مشكلات فردية
وقال جمال عبد الرحيم، مدير المكتبة العربية للنشر والتوزيع، إحدى دور النشر المشاركة في معرض الكتاب، إن هناك الكثير من دور النشر التي لم تستطع المشاركة في معرض هذا العام، إذ لكل دار ظروفها الخاصة. وأضاف لرصيف22: "اللي أعرفه ان عصير الكتب اتأخرت في التسجيل في معرض مدينتي، ولما مشاركتش هاجمت هيئة الكتاب، فالهيئة عاقبتها بالإقصاء السنة دي من معرض الكتاب، والشبكة العربية للنشر ماقدمتش أصلا للمشاركة وخدت مكان دار تانية فإدارة المعرض أغلقت الجناح، وفيه دور تانية زي مؤسسة الشريف اللي تم إغلاق جناحها أيضاً لأنها خدت توكيلات فوق العدد المسموح، وفيه دور أحجمت بنفسها عن المشاركة لظروفها المادية مثل: يافي وملتقى المعرفة، بالإضافة لمجموعة الدور الشبابية اللي عندها مخالفات إدارية فمشيت بعد بدء المشاركة في المعرض أو ماشاركتش من الأساس".
وماذا عن الدور التي لم تشارك لأسباب تتعلق بالمخالفات الإدارية أو تأخرت في التقديم في المواعيد المحددة؟ أجاب عبد الرحيم: "السنة دي مفيش طرف أعلن إن تم إقصاءه ولا إدارة المعرض أعلنت إنها أقصت دار بعينها"، موضحاً أن المشاركة تتطلب تقديم الأوراق الرسمية للدار، على أن تكون الدار عضوة في اتحاد الناشرين ومسددة الرسوم السنوية.
وقال لرصيف22 الكاتب هاني خليفة، الذي يشارك ببعض مؤلفاته في دورة هذا العام من معرض الكتاب، إن فكرة حرمان أي دار من المشاركة في معرض الكتاب ليست في مصلحة الثقافة والحراك الثقافي في مصر: "المفروض لو فيه مشكلات ينفع تتعالج نعالجها بأي طريقة غير طريقة الإقصاء، إلا لو الدار عاملة مشكلة كبيرة تهدد الأمن القومي أو تتعرض للجوانب الأخلاقية أو تخالف القانون، لكن غير كدا حتى لو الدار لديها بعض الكتب المحظورة فيمكن إزالتها دون إقصاء الدار بأكلمها".
وأضاف أن إجراءات التقدم بالمؤلفات لمعرض الكتاب هذا العام كانت مشددة جداً: "السنة دي كان فيه ضوابط مشددة وأرقام الإيداع اللي بتطلع في يوم طلعت في 4 أيام، وده صعب الأمر على دور النشر".
أما الكاتب والروائي يوسف القعيد فقال لرصيف22 إن الأزمات المثارة بشأن مشاركة بعض دور النشر في معرض الكتاب "لا تدخل ضمن مصادرة حرية الفكر والتعبير"، فوزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب هذا العام فتحتا الساحة للجميع". وأضاف: "كل دار ماشاركتش لأسباب ومشكلات تتعلق بيها هي، وده جزء من تنظيم المعرض اللي بيشارك فيه أكثر من 1000 دار نشر، طبيعي بعض الدور تواجه مشكلات".
وأكّد أنه ضد المنع العشوائي لدور النشر من المشاركة في معرض الكتاب، لكنه يثق لأن وزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب، هيثم الحاج، لا يترصدون دوراً بعينها، حتى أن هذا العام هو الأول الذي تخصص فيه وزيرة الثقافة مكتباً خاصاً لها داخل المعرض تعبيراً عن اهتمامها الشديد. وختم: "السنة دي المعرض صورته كويسة جداً أكثر من أي سنة فاتت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...