شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل يكره الله ممارسة الحب؟

هل يكره الله ممارسة الحب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 18 يوليو 202308:56 ص

يصعب على المرء، وقد اختار ألّا ينحاز عن تعاليم دينه، أن يسأل: "هل يكره الله الحب؟".

ما زالت تتردّد في أذني جملة قالها معلّمي عندما كنت في عمر المراهقة: "إياكم يا أبنائي أن تدخلوا يوماً الحجرة وتقفلوا الباب، وتسألوا أنفسكم أسئلة عميقة يصعب أن تجدوا لها أجوبة واضحة، والا ستَكفرون. الأجدى بكم ألّا تفكّروا بها أبداً".

الخوف من الخروج "عن السكّة" التي لازمتني منذ صغري كان كبيراً. لم أخفِ توتري عندما قرّرت أن أختلي بنفسي لأجد الإجابة التي أبحث عنها، ولكن عذراً معلّمي، غنائم المرء تجاربه، وتجربتي الجديدة تلك تستدعي الخلوة أكثر من أي شيء آخر.

بدأ الامر عندما حزمت أمتعتي وأنا أستعد لأول سفرةٍ سأخوضها كفتاة عزباء خارج البلاد، وذلك من دون مرافقة أي فرد من أفراد عائلتي. عندما سأصل إلى هناك، سيتبدّد الخوف من المراقبة، التسلّط، التشدّد، التحكم... سأكون قادرة على التحرّر من كلّ ما اعتدت على الالتزام به على مضض. هذا ما كنت أعتقده قبل أن أحطّ على الأرض الجديدة، وقد أحضرت معي هواجسي وقلقي واضطراباتي و"معتقداتهم".

لم يكن انجذابي لشخصٍ آخر أمراً خارجاً عن المألوف، إلاّ أن الاختلاف هذه المرة تجسّد في تواجدي على أرضٍ لا تربط بيني وبين روّادها أي علاقة متينة وممتدّة. كلّ ما سأخوضه فيها من تجارب ستنتهي عندما أرحل عن حدودها البعيدة عن بلدي الأمّ، فهل يمكن أن تتجاوز علاقتي مع هذا الشخص حدود الوعد الذي أبرمته مع الإله؟ وهل سأتخطى ذنوبي القديمة إلى ذنوب أعظم عنده؟

يصعب على المرء، وقد اختار ألّا ينحاز عن تعاليم دينه، أن يسأل: "هل يكره الله الحب؟". رغباتي أم حماية قدسية هذا الجسد الفاني على أية حال؟ كسر قيود العائلة أم الحفاظ على شرفها المرتبط بشكل لا منطقي بأجساد النساء؟ لذة الاستمتاع أم الالتزام بوصايا الدين؟

صراع بدأ ينشأ: رغباتي أم حماية قدسية هذا الجسد الفاني على أية حال؟ كسر قيود العائلة أم الحفاظ على شرفها المرتبط بشكل لا منطقي بأجساد النساء؟ لذة الاستمتاع أم الالتزام بوصايا الدين؟

كانت علاقتي بذلك الرجل قد بدأت بالنموّ خلال أيام معدودة، وتجاوزت أحاديثنا فيما بعد مسمّى الصداقة الذي نختبأ خلفه كلّما أردنا إطفاء رغباتنا. وجدنا أنفسنا في ليلة رحيلي وجهاً لوجه أمام رغبتنا القوية بالاقتراب جسدياً من بعضنا البعض.

لم أتوان أبداً عن الاعتراف: إقامة علاقة جنسية كاملة خارج إطار الزواج أمرٌ مرفوض البتة. هنا بدأت حدودي ترسم نفسها بنفسها: الوصول إلى اللذة الكاملة أمر مرفوض، فهو سيكلفني قلقاً من فقدان غشاء البكارة، وتجاوز العلاقة الجسدية لحدود القبلات والتلامس السطحي أيضاً مرفوض، فذلك سيكلفني شعوراً قوياً بالذنب والخطيئة.

كلانا يعرف أننا لن نلتقي مجدداً، ومشاعر الحب التي خُلقت على هيئة رعشات، تآلف أرواح، نظرات دافئة وغيرها... على الرغم من نقائها وحلاوتها وقوة ذبذباتها المفعمة بالشغف، سيكون مصيرها الانطفاء، بحكم ظروفنا التي تحكمنا بالبعد، فهل كان علينا أن نتذوق حلاوة هذه المشاعر حتى الثمالة؟

وَقف الرجل أمام النافذة يشعل السيجارة ببطء، وسألني: "لماذا ترفضين ممارسة الحبّ بينما أنتِ الآن متحرّرة من كلّ ما يكبّلك؟"، فأجيبه: "من سيحميني عندما أعود من مشاعر الذنب التي ستلاحقني؟". تلك المشاعر لا تعرف الحدود الجغرافية، شأنها شأن مشاعر القلق والخوف، تتربّص بالإنسان لتلازمه أينما حلّ، كذلك القيود الدينية والمجتمعية، ليس سهلاً أن نتحرّر منها لمجرد الابتعاد عن عيونهم التي تراقبنا باستمرار، نسمعها تناجي ضمائرنا كلما فكّرنا مجرّد تفكير بالاقتراب من أحدهم.

لنعط أنفسنا الحقّ بأن نستشعر اللحظات من دون أحكام، لنشعر، ولو للحظة، أننا ما زلنا على قيد الحياة، لنمض بحرية إلى ما نحبّ دون حسيب أو رقيب، فالله لا يكره الحبّ

اليوم، أدخل الغرفة بمفردي، أسترجع اللحظات التي جمعتني بذلك الرجل، وأفكّر باللحظات التي لم أعشها معه، رغم أنني كنت أتمنّاها بقوة. أعضّ أصابعي ندماً على قبلة حميمة لم نسرقها رغماً عن أنف المجتمع وأولئك المتحدّثين باسم الدين. أسأل نفسي سؤالاً واحداً: "هل يكره الله الحب؟". وأحسم إجابتي دون أن أنتظر من أحد آخر أن يقتنع بها.
من هو خالق الحب؟ من الذي يبني جسور التلاقي الجميل بين المحبّين؟ ماذا عن مشاعر الحبّ التي نشعر بتوهجها حين تلتقي أيدينا؟ أليست هي نفسها التي تسيّرنا نحو لقاء أكثر حميمية مع من نحبّ؟ خالق الحبّ لن يمنعه عن مخلوقاته.

فلنمض إذن دون أن نلتفت للخوف الذي يلاحقنا، لنصدّق يوماً أننا نستحق الحبّ والفرح، لنضع قلوبنا أولاً، لنحسب أن الحياة تبنى على مشاعرنا، دون أن نعير أي اهتمام لهواجسهم الدائمة، لنعط أنفسنا الحقّ بأن نستشعر اللحظات من دون أحكام، لنشعر، ولو للحظة، أننا ما زلنا على قيد الحياة، لنمض بحرية إلى ما نحبّ دون حسيب أو رقيب، فالله لا يكره الحبّ!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard