شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بعد حكم أخير بالبراءة… يوسف بطرس غالي يتلقى التبريكات ويستعد لـ

بعد حكم أخير بالبراءة… يوسف بطرس غالي يتلقى التبريكات ويستعد لـ"إنقاذ الاقتصاد المصري"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 9 يوليو 202304:38 م

"سأل الدكتور يوسف بطرس غالي: كم لبثتَ في غربتك القسرية؟ يجيبك: لبثت 4544 يومًا، وكل يوم 24 ساعة، وكل ساعة ستون دقيقة، وكل دقيقة ستون ثانية، والثواني جمرات في دمي"*.

بهذه الكلمات بدأ الكاتب حمدي رزق مقاله المنشور أمس السبت 8 يوليو/ تموز الجاري، في صحيفة المصري اليوم، ضمن طائفة من المقالات والتصريحات المحتفية بأنباء تتردد عن عودة وزير المالية المصري الاسبق يوسف بطرس غالي من مهربه في المملكة المتحدة، التي فر إليها عقب اتهامه في سلسلة من قضايا الفساد وتبديد المال العام إبان فترة قيادته لوزارة المالية المصرية في عهد الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك.

القضايا التي اتهم فيها غالي أغلقت ملفاتها تباعاً في أعقاب العام 2013 بالتصالح أو التبرئة، وأحدثها قضية "فساد الجمارك"، التي انغلق ملفها بتبرئة ساحته وفق حكم من محكمة جنايات شمال القاهرة صدر في السادس من يوليو/ تموز الجاري.

أبدى وزير المالية المصرية الأسبق يوسف بطرس غالي، الذي تمت تبرئته والتصالح معه في عدد من قضايا الفساد وتبديد المال العام، رغبته في العودة إلى مصر لخدمتها في أزمتها الحالية، فهل هو قادر على إنقاذ الاقتصاد؟

وعقب الحكم انهالت التصريحات المحتفية ببراءة الوزير الأسبق، كان على رأسها تصريح الإعلامية لميس الحديدي، التي قالت في تدوينة على حسابها الموثّق على تويتر: "وأخيراً وبعد 12 سنة قاسية رحلت فيها زوجته وتغرب هو وأولاده، البراءة الأخيرة للإقتصادى العظيم المفترى عليه يوسف بطرس غالي، كنت أعجب من صلابتك كلما التقينا، لم تيأس لم تتوقف عن العمل. احترمك العالم في سلطتك وفي أزمتك، لكن العدالة البطيئة دائما ظلم بين".

أما عمرو أديب فقد خصص جزء من حلقته في ليلة الحكم للحديث عن وزير مالية مبارك، فقال في برنامجه "الحكاية" إن يوسف أرسل له رسالة مفادها عودته قريباً إلي مصر بعد انهاء بعض الأمور في العاصمة البريطانية لندن، واصفاً غالي بأنه "عقلية اقتصادية محترمة يحترمها العالم في الخارج"، وأنه رآه أكثر من مرة في لندن، "ولم يكن يعيش مثل باقي الهاربين، وأن عيشته لم تكن لطيفة، واضطر للعمل حتى يستطيع أن يعيش".

ولم يشر الصحافيون والإعلاميون أصحاب التعليقات المرحبة، إلى أن الحكم في القضية الأخيرة لم يكن براءة مطلقة، فقد جاء في منطوق الحكم "حكمت المحكمة ببراءة المتهم يوسف بطرس غالي من تهمتيّ التربح، وإهدار المال العامة، وانقضاء الدعوى بالتصالح في تربحه بفساد الجمارك". وهو ما يعني أن غالي قام بالتصالح، ورد قيمة ما تربحه من الواقعة المذكورة أو جزء منه للدولة، وعليه فقد انقضت الدعوى ضده.

لم يأت ارتباط اسم مبارك وغالي من فراغ، فالأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، سابقاً، بزغ نجمه ودخل إلى عالم رجال مبارك منذ عام 1986، أي بعد تولي مبارك الحكم بخمس سنوات فقط 

غالي ومبارك

لم يأت ارتباط اسم مبارك وغالي من فراغ، فالأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، سابقاً، بزغ نجمه ودخل إلى عالم رجال مبارك منذ عام 1986، أي بعد تولي مبارك الحكم بخمس سنوات فقط، كمستشار اقتصادي لرئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي، اعتماد على 6 سنوات قضاها كمستشار اقتصادي في صندوق النقد الدولي، ثم بعد ذلك انطلق لسلك الوزارة الذي لم يتركه منذ عام 1993 إلا بعد ثورة يناير، فبدأ وزيراً للتعاون الدولي، وانتهي وزيراً للمالية من 2004 وحتى 2011، وخلال الرحلة تولى وزارات الاقتصاد، والدولة للشؤون الاقتصادية والتجارة الخارجية.

خلال فترة توليه وزارة المالية، نفذ العديد من السياسات والقرارات الهامة التي كان لها تبعاتها المستمرة إلى الآن، أهمها على الإطلاق الاستيلاء على أموال التأمينات، والمضاربة بها في البورصة الأمريكية بحسب شهادة السفيرة ميرفت التلاوي التي شغلت منصب وزيرة التأمينات في ظل حكومة نظيف، حيث حضر وزير المالية يوسف بطرس غالي إلى مكتبها مع رئيس بنك أمريكي، وطلب منها استثمار 200 مليار جنيه من أموال التأمينات في هذا البنك إلا أنها بحسب حوارها المنشور في المصري اليوم رفضت ذلك، وطلبت إنهاء المقابلة، لتفاجأ بعدها بقرار سيادي يضم أموال التأمينات إلى وزارة المالية التي يتولاها غالي.

ورغم عدم محاسبة غالي على أموال التأمينات، حتى بعد حكم القضاء الإداري برد هذه الأموال لحساب التأمينات في 2015، وعدم أحقية الدولة ممثلة في وزارة المالية في التصرف فيها، الأمر الذي دفع الدولة إلى التسوية بحكم قانون المعاشات والتأمينات الاجتماعية الصادر عام 2019، والذي نص على سداد الدولة أموال التأمينات بأقساط على 50 عاماً على أن يكون أول قسط في العام المالي 2019/2020.

القضايا التي اتهم فيها غالي هي 5 قضايا فقط لا غير، الأولي كانت "الدعاية الانتخابية" حيث اتهم بطباعة دعاية الحزب الوطني الانتخابية بأموال الوزارة، إلا أنه حصل على البراءة فيها عام 2011، والثانية هي كوبونات الغاز، والتي اتهم فيها بإسناد صفقة "كوبونات أسطوانات البوتاجاز" إلي شركة بالأمر المباشر بالمخالفة للطرق القانونية للتعاقد، وقضت المحكمة في 2013 بمعاقبته غيابياً بالسجن لمدة 25 عاماً، قبل أن يستأنف الحكم في 2021، ويصدر حكم بالبراءة، وهو ما تكرر في قضية اللوحات المعدنية أيضا، والتي اتهم فيها مع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بالتعاقد بالأمر المباشر مع شركة ألمانية يمتلك فيها غالي أسهماً بحسب تحقيقات النيابة بالمخالفة للقانون، وقتها حكمت المحكمة عليه بالسجن عشر سنوات، قبل أن يستأنف في 2020 ويحصل على براءة، أما القضية الأخيرة فكانت "فساد الجمارك"التي أصدر فيها أمراً بتخصيص 102 سيارة متحفظ عليها على ذمة مالكيها بالجمارك لموكبه (6 سيارات) وجهات أخرى (96 سيارة)، وحكم عليه في القضية بالسجن المشدد 15 عاماً، قبل إصدار حكم البراءة الأخير بعد التصالح، إضافة إلى جنحة بناء فيلا داخل محمية قارون لزوجته وانتهت بالتصالح ورد الفيلا للدولة.

بعد صدور الحكم الأخير، خرج السياسي المصري مصطفي الفقي ليمهد الأرض "للاستفادة من خبرات يوسف غالي"، حيث قال في تصريحات صحفية: "يمكن للدولة الاستفادة من غالي لأنه اسم معروف دولياً وكثير من الدول تستشيره وتتعامل معه"

عودة إلى مصر أم المنصب؟

في أكتوبر/تشرين الأول 2016 في معرض أزمة اقتصادية أولى ألمت بالبلاد وتسببت في نقص شديد في السلع الغذائية والطبية وندرة في الدولار، صرح بطرس غالي مبدياً استعداده لـ"العودة لخدمة البلاد وتقديم استشارات اقتصادية"، وظهر وقتها في اجتماعات مصر مع البنك الدولي بواشنطن، وهو الأمر الذي تسبب في انقسام في البرلمان المصري، لا سيما وأن القضايا التي اتهم فيها لم يكن قد تم الفصل في معظمها.

وبعد أقل من عام على هذه التصريحات، تم استحداث تعديل تشريعي حمل رقم 11 لسنة 2017 يسمح للمتهم بطلب إعادة المحكمة بتوكيل، بعد أن كان قانون الإجراءات الجنائية يتطلب حضور المتهم وتسليم نفسه لطلب إعادة المحاكمة، الأمر الذي مكن غالي من الاستئناف على كافة الأحكام الصادرة ضده بينما هو باق في مهربه في الخارج، لتبدأ سلسلة البراءات لصالح غالي.

وبعد صدور الحكم الأخير، خرج السياسي المصري مصطفي الفقي ليمهد الأرض "للاستفادة من خبرات يوسف غالي"، حيث قال في تصريحات صحفية: "يمكن للدولة الاستفادة من غالي بوجوده مستشاراً للدولة المصرية للشؤون الاقتصادية، وإدارة العلاقات مع المنظمات الدولية الاقتصادية، لأنه اسم معروف دولياً وكثير من الدول تستشيره وتتعامل معه، ومرحبا بكل أبناء مصر لخدمة الوطن".

من جانبه قال الباحث الاقتصادي ونائب رئيس حزب التحالف الاشتراكي إلهامي الميرغني لرصيف22: "إن يوسف بطرس غالي كان من أسوأ وزراء المالية في تاريخ مصر، فهو الذي رفض فرض نظام ضرائب تصاعدية على الدخل [وجعل الزيادات الأقل لأصحاب الدخل المرتفع]،وكانت انحيازاته في كل التشريعات التي صدرت خلال توليه الوزارة هي انحيازات لصالح المستثمرين ورجال الأعمال ومعادية لمصالح الموظفين والعمال وأصحاب المعاشات".

الدكتور وائل النحاس: "يوسف بطرس غالي، هو أحد أكفأ العقليات الاقتصادية في العالم، واتضح ذلك في الطريقة التي استطاعت فيها مصر في عهده الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008"

وأضاف الميرغني لـرصيف22 أن أفكار غالي التي اتبعها إبان توليه حقيبة المالية من اجل إصلاح الموازنة لا تدل على أن لديه حلولاً ناجعة للأزمة التي تعانيها مصر الآن، "غالي هو صاحب فكرة الاستيلاء علي أموال التأمينات الاجتماعية ومبادلتها بأصول في حكومة عاطف عبيد 2005، وهو الذي استولي علي 200 مليار من فائض صناديق المعاشات وأموال العجزة والأرامل، وأصدر بهم صك لأصحاب المعاشات، وهو ورقة مالية ضعيفة القيمة لا هي سهم ولا هي سند ولا هي إذن خزانة، وفي هذه الفترة عين الدكتور محمد معيط - وزير المالية الحالي ومستشاره في ذلك الوقت- مسؤولاً عن الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية، وكانا وراء أخطر التشريعات عداء للفقراء والمؤمن عليهم، وهما قانون التأمينات الاجتماعية وقانون التأمين الصحي، وفشل في تمريرهما في ظل حكم مبارك ولكن ظل التلميذ النجيب محمد معيط سائراً علي الدرب إلي إن صدر القانونين وتم تقنين الاستيلاء علي أموال المعاشات". متسائلاً عن الحلول التي يمكن يضيفها غالي إلى ما قام به تلميذه الذي يتولى وزارة المالية بالفعل.

يذكر أن غالي عمل خلال فترة هروبه خبيراً ضمن كبار مستشاري صندوق النقد الدولي في عدد من الدول، لذا فهو يتبنى نفس السياسات المتبعة حالياً في مصر في إطار اتفاقتها مع الصندوق، "الممثلة في الخصخصة والاستدانة وإلغاء الدعم وخفض الإنفاق العام على الخدمات وفتح الأسواق وتعويم العملة المحلية وغيرها من السياسات الليبرالية".

ويختلف معه الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس المتخصص في الأسواق المالية. إذ يقول النحاس لرصيف22 إن غالي "واحد من أكفأ العقليات الاقتصادية في العالم، واتضح ذلك في الطريقة التي استطاعت فيها مصر في عهده الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، إلا أن الأزمة لم تكن في شخصه وإنما في النظام بالكامل، فهو يضع خطط اقتصادية لكن التوجيهات الأساسية للدولة مثل قضية التأمينات، فهو كوزير لا يستطيع أن يرفض توجيهات الرئاسة ولا حتى أي وزير حالي".

وأضاف النحاس أن غالي استطاع وضع سياسات اقتصادية جيدة، لكنه "كان كمدرب كرة القدم الجيد مع فريق من اللاعبين غير الأكفاء؛ لا يستطيع أن ينفذ بهم خطته. وبالتالي كان مصيره الفشل".

وحول اتهامات الفساد والتصالح، قال وائل إن هذا يخص القضاء وما يهم هو أن ذمة غالي نظيفة حالياً، لاسيما أن الاتهامات التي وجهت له "كان أغلبها في ظل فورة حماس يناير، وشابها الانتقام السياسي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard