ملامح هادئة* ونظارة عادية لتصحيح النظر لم يتخل عنها إلا قليلاً، بهما ظهر علاء عبد الخالق في بداية الثمانينيات، حاملاً صوتاً مختلفاً تماماً عن مجايليه الذين ظهروا معه أو قبله بسنوات قليلة، لم يهتم باستعراض صوته الدافئ، ولا غناء كلمات معقدة تدعي ثورية وغضباً لا يخبئهما في صدره، يقف بين فتاتين شابتين يحمل صوتهما رقة مقاربة، ليغني عن الموضة والاغتراب والغربة الإجبارية، منتجين مع قائدهم الموسيقار الراحل عمار الشريعة أغينة "الحدود" إنجيل المغتربين من أجل لقمة العيش في الثمانينيات، والتي عادت لتكون معبرة عن المغتربين نفياً بسبب اتجاهتهم السياسية خلال العشرية الأخيرة في مصر.
ربما كان هذا واحداً من الاسباب التي جعلت إعلان رحيل المطرب والملحن المتفرد علاء عبد الخالق فجر امس الثلاثاء 4 يوليو/ تموز الجاري، ينزل كالصاعقة على أبناء جيله وأجيال تلت تعلقت بأغانيه التي لم تشبه أغاني مجايليه من نجوم الاغنية الشابة خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والذين كان حضورهم لافتاً في صورة جمعته بهم في حفل زفاف ابنته قبل اسابيع من رحيله.
جاء رحيل عبد الخالق مع رحلة مرض عاندها واستمر في الغناء على الرغم منها، متمسكاً بمساندة رفاق مشواره حسام حسني وحميد الشاعري وإيهاب توفيق ومصطفى قمر وهشام عباس، أعمدة الغنية الشابة خلال العقدين الأخيرين في القرن الماضي.
ملامح هادئة ونظارة عادية لتصحيح النظر لم يتخل عنها إلا قليلاً، بهما ظهر علاء عبد الخالق في بداية الثمانينيات، حاملاً صوتاً مختلفاً تماماً عن مجايليه الذين ظهروا معه أو قبله بسنوات قليلة، لم يهتم باستعراض صوته الدافئ، ولا غناء كلمات معقدة تدعي ثورية وغضباً لا يخبئهما في صدره
"مستمرين في الصعود"
الحزن والأسى الذي أغرق مواقع التواصل الإجتماعي بعد الإعلان عن وفاة علاء عبد الخالق، منبعهما شعور أجيال اعتادت صوت علاء عبد الخالق وصورته باعتبارهما ممثلين لهما، وخاصة جيل علاء المماثل له في العمر (نهيايات الخمسينيات) الذين شعروا أن العُمر قد سرق منهم. فقد كان علاء عبد الخالق أحد وجوه الشباب المفضلة لجيلي الثمانينيات والتسعينيات، وكان حالة تعبر عنهم منذ إنطلاقه مع الموسيقار عمار الشريعي عبر فرقة "الأصدقاء" رفقة حنان ومنى عبد الغني في بداية الثمانينيات.
ظهر ذلك الشعور العميق بالفقد فيما كتبه الروائي والمحرر المصري هشام أصلان عبر حسابه على فيسبوك بعد إعلان رحيل عبد الخالق بدقائق: "الواحد بدون قصد عمال يقراها، رحيل الفنان (الشاب) علاء عبد الخالق، وبعدين ينتبه".
"الصدق له صاحب"
الناقدة المصرية ماجدة خير الله عبرت عن غضبها هي الأخرى لما يعانيه جيل عبد الخالق، وقالت في نعيها لنجم التسعينيات: "جيل بحاله عمال يتآكل، وينسحب من الحياة نتيجة الإحباط، إنعدام الامل، قلة التقدير، غياب الفرص، لخبطه إنسانية، أمراض غير مفهومة، وتغير كامل وارتباك في المحيط العام يعجز البعض عن التعايش معه، وداعا صاحب الصوت الجميل والأخلاق الأكثر جمالاً ، علاء عبد الخالق".
وصدقت ماجدة خير الله في وصفها لعلاء عبد الخالق، فقد كان النجم الراحل حالة فنية متميزة ومختلفة وسط نجوم الغناء من مجايليه، بشكل عبر عنه الكاتب عمر طاهر في منشور كتبه عبر صفحته الشخصية علة فيسبوك، جاء في نصه: "المكانة المختلفة ماكنتش جاية من فراغ، ده مطرب تبع موجة الأغنية الشبابية – زي ما كانوا مسمينها وقتها- لكن تقدر تقول عليه بالبلدي مكمل تعليمه، جي من منطقة الشغل مع عمار الشريعي و سيد حجاب، جي من منطقة ثقة و تقل فني فكان وجود علاء في الصورة سند كبير لتجربة موسيقى الجيل".
عمر طاهر: المكانة المختلفة لعلاء عبد الخالق ماكنتش جاية من فراغ، ده مطرب تبع موجة الأغنية الشبابية – زي ما كانوا مسمينها وقتها- لكن تقدر تقول عليه بالبلدي مكمل تعليمه
كلام عمر طاهر الذي استغرق فيه في وصف اختلاف علاء عبد الخالق عن مجايليه في الذائقة والمعرفة الموسيقية والتي انعكست في اختياراته الفنية، يؤكده كون عبد الخالق قد درس الموسيقى في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة، ثم تخصص في العزف على آلة الناي، وهي الآلة واضحة الحضور في موسيقاه حتى التي اعتمد فيها على ملحنين وموزعين آخرين.
الحب بحر
على طريق احتراف الغناء كانت البداية مع أصدقاء الدفعة وزملاء الدراسة، الذين كون معهم فرقة الأصدقاء مع زملاء الدراسة "منى عبد الغني والمطربة المعتزلة حنان"، وذلك بقيادة الموسيقار الكبير الراحل عمار الشريعي، وقد أصبح اسم الفرقة رسميا "الأصدقاء" في عام 1980م، وشكلت تلك الإنطلاقة بداية طريق علاء عبد الخالق مع الشهرة.
المحطة الثانية بعد الموسيقار عمار الشريعي جاءت مع صديق العمر الفنان حميد الشاعري الذي عمل على توزيع وإصدار أول البوم منفرد لعلاء بعنوان "مرسال" في عام 1985، وشاركه حميد الشاعري في أداء أغنية "بحبك كون" في نفس الألبوم.
من هنا تبلور مشروع علاء عبد الخالق الفردي بالتوازي مع صعود عمرو دياب ومحمد فؤاد، ليصدر بعدها ألبوم وياكي في عام 1987، ثم ألبوم علشانك عام 1989، ثم ألبوم راجعلك 1990، وألبوم هتعرفيني 1991، وألبوم اتغيرتي 1992، وألبوم مكتوب عام 1993، وألبوم لازم 1995، وصولا إلى ألبوم طيارة ورق 1997 والذي حافظ فيه عبد الخالق على استقراره داخل منطقته المتفردة بين نجوم جيله، وكان آخر ألبوماته الكاملة هو "ليلة" في العام 2000 الذي أصدر بعده عدة أغاني متفرقة لم يجمعها البوم متكامل، بعد تراجع شكل الألبومات في الإنتاج الموسيقي العربي، كما ذكر هو في لقاء معه استضافه خلاله الإعلامي عمرو الليثي في 2015.
طيارة ورق
الإعلامي والناقد المصري أحمد فايق وصف رحيل عبد الخالق بـ"كسرة ضهر" لجيل كامل، وقال عبر حسابه على فيسبوك: "زينة شباب التسعينيات مات، وفاة علاء عبد الخالق النهاردة ضربة كسرت ضهر جيلنا كله، حبينا فيه صوته وكلماته وألحانه، ونظارته اللي ادته وقار ماكانش عند حد، حبينا فيه شكله المصري قوي، لا هو تخين ولا رفيع، لا طويل ولا قصير، لا أبيض ولا أسود، ولا عنده عضلات منفوخة، حبينا فيه ستايله اللي شبه الطبقة الوسطى، جيلنا كله دلوقتي في طيارة ورق، محدش عارف رايحة فين وجاية منين، ربنا يرحمك ويطبطب عليك ياعلاء".
الشاعر أيمن بهجت قمر استعاد موقف من زمن ما قبل الشهرة، حدث بينما كان علاء عبد الخالق متربعاً على قمة الأغنية وقال: "ولد عنده 17 سنة واقف بشريط كاسيت في شارع جامعة الدول العربية، والشريط عليه أغنيه من كلماته نفسه يسمعها للنجم اللي قاعد في عربيته "السيليكا" عند أوتو ماركت، أروح؟ ما أروحش… أروح، ما أروحش؟ وماروحتش ومشيت. الولد ده يبقى أنا، والنجم ده علاء عبد الخالق في بداية التسعينيات، كان حلم لكل جيلنا".
آخر فرصة للمغرمين
قبل عامين قدم نجوم جيل علاء عبد الخالق ما يشبه مرثيتهم الخاصة، بأغنية "زحمة الأيام" من كلمات الشاعر الراحل سامح العجمي، الذي رحل أيضاً في السنوات الأخيرة بشكل مفاجئ، وهو أحد نجوم هذا الجيل أيضاً.
الأغنية التي قدمها نجوم التسعينيات حميد الشاعري ومصطفى قمر وإيهاب توفيق وهشام عباس، تقول كلماتها: "أرضي بقليل وبعيش. وأنده بصوت مبحوح. علي حلم كان مسموح. بيعدي ما يشوفنيش…عمر إتسرق مننا، فين اللي كانوا هنا.. راحوا خلاص ومفيش".
استعاد محبو علاء عبد الخالق تلك الأغنية على الرغم من أنه لم يشارك فيها مع أصدقاء العمر، كونها معبرة عن حزنهم للاختفاء المبكر لعلاء عبد الخالق من المشهد، ربما منذ نهاية التسعينيات أو بداية الألفية الجديدة، خاصة أن النجم الراحل كان يبدو عليه أنه أحد أكثر أبناء جيله تنوعاً وحداثة، ولذلك فقد حافظ على حالته حتى فترة متأخرة حتى بدايات الألفية الجديدة وأثر على جيلين متعاقبين.
يقول الكاتب الصحافي المصري سيد محمود الذي ينتمي لجيل عبد الخالق: "لسه فاكر يوم ما صاحبي محمد عبد العاطي من 35 سنة [كان] قاعد في بلكونة بيتهم، وقال لي اسمع علاء عبد الخالق، له طعم مختلف، وفضلنا نغني (وأنا ع الوعد متصاحب)، الله يرحمه كنا بنحب إحساسه".
أما الروائي الشاب أحمد عبد المنعم فكتب عبر حسابه على فيسبوك: "وأنا طفل ومراهق مكنتش بانتبه لعلاء عبد الخالق أوى، كنت عارفه وعارف أغانيه بس عادى، مكنتش بأشوف فيه بريق النجومية وكاريزماتها اللى بتجذب فى السن ده، البريق اللى جزء كبير منه كداب، بمرور الوقت بدأت أرجع ليه ولأغانيه، وانتبه لجمال صوته ولصدق مشاعره، مشاعر تقدر تحسها وتوصلك بسهولة، إنسان شفاف جدا، كنت بأفكر أن لو الواحد ليه صاحب فى المجال ده غالبا كان هيبقى علاء عبد الخالق، أو لو حبيت أكون حد من الجيل ده من المغنيين اللى وعيت على شهرتهم، هأحب أكون علاء عبد الخالق".
أما الصحافي محمد الشماع فيقول: "حياة علاء عبدالخالق بالنسبة لي رسالة، إن اللي بيغيب حجته ممكن ماتبقاش معاه عادي، دي ممكن تبقى معاك إنت، وإن غيابه يبقى بسببك إنت، بسبب ذوقك اللي بيفسد شوية بشوية، أو بسبب حياة لاهياك بتنسى فيها عمر بحاله، تقعد تتصعبن على نفسك وتقول كان فيه واحد يا عيني اسمه علاء عبدالخالق اختفى، من غير حتى ما تكلف نفسك عناء إنك تدور عليه أو تسأل عنه وعن أخباره".
----------------------------------------------
(*) العناوين الجانبية من كلمات أغنيات الراحل علاء عبد الخالق
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون