لم تنطوي حدة المواجهات المباشرة بين النساء السودانيات والسلطة طوال أربعة أعوام من الثورة، المواجهات التي بدا فيها كعب السودانيات عالياً وصمدت شجاعتهن في المنازلات المتعددة لتحرير أجسادهن والبلاد…فهل يحاول العسكر الانتقام منهن باغتصاب اكثر من 53 امرأة (بحسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان) واعادتهن لعصمة القهر والعار والفضيحة؟. حسب المعايير المجتمعية الابوية ذلك ما ترفضه السودانيات، بشدة.
المؤلم أن ذلك السلوك المنحط مازال دائراً ففي الخرطوم وولايات دارفور. ووثقت مبادرة "ناجيات حرب 15 أبريل" نحو 18 بلاغ فقط من جملة الاعتداءات الجنسية العنيفة أثناء الحرب، منهن ثلاث فتيان لقين حتفهن بعد الاغتصاب
وفي حادثة بشعة مماثلة، تحدثت لجنة الأطباء المركزية عن تناوب اغتصاب سيدة على يد مجموعة من القوات المتمردة، على مرآى من الجيران في منطقة كافوري، شمال الخرطوم، وقد تم توثيق ذلك الاغتصاب الوحشي من قبل إحدى القاطنات ببناية قريبة من مسرح الجريمة، وانتشر الفيديو على صفحات التواصل محدثاً موجة من الغضب والاشمئزاز
أن التفكير في مقاومة الاغتصاب لن يكون مفيداً من دون النظر إلى الدولة العسكرية التي تربى "الذكورية" كعقل "مُجيّش" يتغذى على الكراهية
"أخلاق" الجنود
"في مثل هذه الحروب أول ما يجب أن تفكر به هو إجلاء النساء وابعادهن عن خطر الجنود". هكذا يستهل "حاتم" حديثه بعد أن انسحب من دائرة ساخنة أحاط فيها الجنود بالمنازل ووجد مخرجاً سرياً في أحد بيوت أم درمان القديمة أجلى عبره عائلته المؤلفة من ثلاث فتيات مذعورات ووالدته وخالة. يستطرد الشاب السوداني حديثه معنا ويقول: وصلنا لاهثين لمكان آمن نسبياً، ولا ندري ما الذي حدث خلفنا. فالجنود بلا أخلاق. على حد قوله.
وتتوالى الفجائع على النساء السودانيات وبدأ توظيف الاغتصاب كسلاح منحط لكسر عزيمة واذلال السودانين عبر نشر مقاطع فيديو صادمة على مواقع التواصل على نطاق واسع لفتيات يتلذذ الجنود بصراخهن وتوسلاتهن وهم يتناوبون على اغتصابهن بوحشية، ملوحين بعلامة النصر.
وسرعان ما أصدرت قوات الدعم السريع بياناً على إثر موجات الغضب المتلاحقة تنصلت فيه من تلك الأفعال مدعية انها مقاطع مفبركة.
لكن الكثيرون في الخرطوم والمدن الكبرى يتحدثون عن عشرات الحالات لم تنجو منها حتى القاصرات، جرت في شوارع فرعية وأفنية منازل ولم توثق الكاميرات.
وقد بلغ إجمالي حالات الاعتداء الجنسي في الخرطوم التي رصدتها "وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل" (42) حالة، وفي نيالا (25) حالة، بينما سجلت في الجنينة (21) حالة عنف جنسي مرتبط بالنزاع، وفيما قيّدت معظم البلاغات في الخرطوم ضد قوات الدعم السريع، أفادت جميع الناجيات في نيالا والجنينة بأن الاعتداءات كانت على يد قوات الدعم السريع
وتقول رئيسة الوحدة، سليمى إسحق، إن حالات اغتصاب مؤكدة طالت فئات عمرية مختلفة تراوحت بين 12- 56 عاما، وكشفت ان اغلبهنواجهن الاغتصاب وتبعاته دون عون طبي أو دعم نفسي حيث لجأت المصابات للتداوي بالماء والأعشاب، في حين تكتمت العديد من الناجيات عن توثيق حالاتهن خشية الفضيحة ونظرة المجتمع.
(صورة من أحد فيديوات الاغتصاب)
منازل غير آمنة
يكشف الصحفي علاء الدين محمود لرصيف 22 أن المرأة السودانية ظلت عرضة للعنف الجسدي منذ الطفولة المبكرة، فالمنزل نفسه مؤسسة للعنف بما تحمله من تمايزات تفرق بين الذكر والأنثى، بالتالي شكّل هذا التوجه منظومة محمية بالعادات والتقاليد التي أفرزت سلطة مجتمعية ونظاماً مدرعاً بقوة الدولة.
يضيف "محمود" منذ أول الانتفاضات والاحتجاجات والثورات الاجتماعية والسياسية كان العنف الجسدي سلاحا موجها لقمع النساء في ثورتي أكتوبر وأبريل وطوال سنوات حكم الإنقاذ وكذلك في الصراعات السياسية والاجتماعية في مناطق دارفور وغيرها". ويضيف: رئينا هذا جلياً في ثورة ديسمبر وأحداث فض الاعتصام، ويحدث الآن في هذه الحرب من قبل قوات الدعم السريع بصورة أكثر دموية كما تقول التقارير.
الذكورية .. ماكينات ضارية
ترى الكاتبة والنسوية السودانية "حكمة يعقوب" أن التفكير والانخراط في مقاومة حالات الاغتصاب لن يكون لوحده مفيدا من دون النظر إلى الدولة العسكرية التي تربى "الذكورية" كعقل "مُجيّش" يتغذى على الكراهية، غذاه تكون الميليشيات وعسكرة الخطابات ومنح حصانات مطلقة للرجل". تضيف "يعقوب": لابد من النظر إلى الآلة التي تنتج الحرب ونقد خطابها الذي يصور الحرب كأمر مقبول وأخلاقي. فرعاية الذكورية المستندة على اظهار العضلات والقوة تجعل الرجال قابلين للحرب، وماكينات ضارية لا تقتصر انتهاكاتهم على استخدام الجسد المحارب. ولغة الحرب تلك تفكك الأطر الآمنة حيث الانفجارات والحرائق، والنزوح، والتشظي.
الاغتصاب لا يعدو كونه بترٌ للوجدان وجرح يتفاقم في الجسد والروح، الذي يمكن أن لا يرى العافية للأبد. والمرعب اكثر أن إمكانية الحصول على العدالة داخل منطق الحرب تكاد تكون منسوفة. حالة اليأس اللحظي تلك من الإنصاف تعصف بالضحية في ظل انعدام مؤسسة تساعد، أو رفقة تدعم
أما الكاتبة سارة ضيف الله، فلا ترى ما يجري في الخرطوم من جرائم اغتصاب وهتك للأعراض، قصدي وممنهج لكنها تعزوه لدناءة المقاتلين وحقارتهم على حد تعبيرها، وتضيف: الأخطر أن الاغتصاب يتأسس على بُعد عنصري من قبل هذه القوات، التي تتعامل مع النساء المختطفات كغنائم حرب!
المعارك التي يخوضها الجنود على جسد السودانيات اليوم متوحلة في التاريخ السوداني المكتوب والمسكوت عنه ولم تأتي بغتة
الشرف الكامن بين فخذي طفلة
في حسرة وقلق تتساءل الروائية اشراقة مصطفى: "إلى متى؟". فهي ترى أن أجساد النساء ظلت ساحات لمعارك لا تنفصل عن المعارك والحروب الطويلة في جسد السودان كله، ولا غرابة، فإنسانيتنا جريحة وأجسادنا، نحن النساء، تحملت معاناة الطفولة الغضة حين إجتزت أيادي القبيلة زهراتها البريئة وهي في حالة استلاب كامل لعقلية الشرف التي تعتقد إنه كامن بين فخذي طفلة.
أن المعارك التي يخوضها الجنود على جسد السودانيات متوحلة في التاريخ السوداني المكتوب والمسكوت عنه ولم تأتي بغتة، ومن المهم البحث والتقصي عن تواريخ ضاربة في البُعد، أججتها دولة الإخوان في قرى دارفور والمعسكرات وبيوت الاعتقال الشبحية، فضلاً عن سن القوانين التي تعزز من إهانة النساء. فجرائم الاغتصاب التي حدثت في حرب الجنرالات ليست سوى امتداد لجرائمهم التي جعلوا أجساد النساء ساحة لها دون أن يرمش لهم جفن". لذلك فالتوثيق مهم لمعاقبة المجرمين يوماً ما.
وفي ظل غياب الدولة والمستشفيات ومأساوية الحرب، وفي اجواء تلبد سمائها القمع والذكورية والانتهاك، تسعى النسويات والناشطات السودانيات الي توسيع حملات التوعية الصحية والنفسية وتشجيع المنظمات الإغاثية غير الحكومية لتقديم العون الضروري للضحايا، والاهم من ذلك كله حث المجتمع على دعمهن لا نبذهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ يوممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ يومينلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ 3 أيامهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ 3 أيامجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...