شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الاغتصاب في الحروب: حرب القضيب والحديد 

الاغتصاب في الحروب: حرب القضيب والحديد 

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 29 يونيو 201611:27 ص
نساء كثيرات اغتُصبن في الحروب. كانت أجسادهن مداساً للعدّو. يحاول العدّو أن يكسر إرادة المقاومة بالتعدّي على أعراض النساء، فيدخل الحرب بسلاحين، سلاح ماديّ وآخر معنوي ليفوز، والحرب بدون أخلاق دائماً. ما زالت جرائم اغتصاب الجزائريات من قِبل المستعمرين الفرنسيين تثير الجدل إلى اليوم. كثيرات من المجاهدات والمتضررات وثّقن شهاداتهن عن تعرضهن للاغتصاب من أجل انتزاع معلومات منهنّ أو من أجل التشفي برجال المقاومة الجزائرية والإساءة إليهم عن طريق المرأة التي ترمز إلى العفة والشرف في المخيال الجمعي. بعد ثورة التحرير الجزائرية وبشاعات جرائم المستعمر الفرنسي ضدّ الجزائريين، عادت إلى الواجهة جرائم الاغتصاب في تسعينيات القرن الماضي، إذ تعرضت 60 ألف امرأة للاغتصاب في حرب البوسنة. وبعد ذلك، أُدرج الاغتصاب جريمة حرب ضمن اتفاقية روما لعام 1998، جريمة لا تسقط بالتقادم ويمكن تتبع الجناة ومقاضاتهم والحصول على تعويضات مادية. وأخيراً، عايش المجتمع الدولي ما تتعرّض له المرأة السورية في الحرب الدائرة هنالك. دفعت المرأة الثمن غالياً من خلال جسدها وكانت محوراً، بشكل أو بآخر، لتلك الحرب. فقد رسمت المعركة ملامحها ابتداءً من المعتقلات ومروراً بفيديو رجم المرأة المتهمة بالزنا في ريف حماة، وقد نفذ حدّ رجمها عناصر من تنظيم داعش وبموافقة والد المرأة ومباركته، ووصولاً إلى أحداث لم تقع بعد. وثّقت بعض التقارير الدولية اغتصاب النظام للنساء المعارضات داخل حجرات التحقيق والسجون، وأشارت منظمات عالمية مثل الشبكة الأوروبية المتوسطية إلى ممارسات النظام السوري ضدّ النساء والتي تراوح بين الابتزاز والتعذيب النفسي وصولاً إلى الاغتصاب الممنهج. يلجأ الطرفان المتنازعان في الحروب إلى استعمال المرأة كورقة ضغط وسلاح ذي حدين. فكلّما تغتصب المرأة تصبح على سبيل المجاز أرضاً مستعمرة، يرسم العدوّ بقضيبه، على جسدها المستباح، حدودها الاجتماعية والحميمية الخاصة. في المقابل، وفي المشهد السوري تحديداً، نرى امرأة أخرى تغيّر ملامح المرأة السورية إلى شريكة مقاومة وفاعلة وهي "المرأة الكردية" التي تحمل السلاح وتقاوم وكأنّها رسالة الأرض التي تقول إنّها لن تستسلم وتنهزم أمام الطغاة. إنّ جسد المرأة لا يقلّ قداسة عن قداسة الأرض فكلاهما يخضعان إلى مجال المقدّس، والحرص على الأرض هو الحرص نفسه على العرض وإلى اليوم ما زال يعايَر الرجل الذي فرّط في عرضه ويُلفظ من المجتمع ويصبح مكروهاً ومذموماً. فالأرض والعرض لهما الجناس نفسه وتفرق كلمة الأرض عن العرض بحرف العين، وكأنّها العين الفارقة والرقيبة على كليهما، فشرف الرجل يستمدّ أساساً من المحافظة على عفّة نساء أهله، وسمعته مرتبطة أساساً بسلوكهن فإن خرجن عن العادات والتقاليد، يفقد الرجل سطوته وحظوته ويصبح ذكراً بلا قيمة. ما زال إلى اليوم يحظى جسد المرأة، لا سيّما المرأة البكر، بنفس القداسة التي كان يحظى بها في القرون الماضية في المجتمعات الشرقية ذات الغالبية المسلمة. فعين الرقيب تراقبها وتحرسها من الوقوع في الأذى سواء بإرادتها أو بدون إرادتها. فكيف سيكون الحال إن تعرّضت للاغتصاب من قِبل العدّو؟ الأكيد أنّ الأمر سيكون أكثر خطورة، فالمغتصب من أهلها أو من بلدها يمكن أن تقدَّم له عروساً وتلملَم الفضيحة بالقانون، ولكن هل يمكن أن تُزوَّج المغتصبة من العدّو؟ في حالة اغتصاب النساء في الحروب والتي يلجأ إليها كورقة ضغط، يصبح المشهد كالآتي: يكسر العدّو العين الرقيبة لتكون مقاومتها ضعيفة أو معدومة تماماً. فأحد المقدّسات قد انتهكت وكأنّه مقدمة لانتهاك الباقي بأريحية، ما دام المقاوم فقد إحدى ركائز مقاومته المعنوية، "عفّة أهله تحت طائلة العنف". فجسد المغتصَبة ليس جسدها في لحظة الاغتصاب بل يخرج من نطاق الكتلة اللحمية ليصبح أرض الرجل وشرفه. يخرج الاغتصاب في الحرب من طور ممارسة الجنس تحت طائلة العنف والإكراه إلى سلاح سياسي لتحقيق السيطرة والإخضاع. فهو تعويض للحرب الدائرة رحاها على الأرض، تحت أزير الرصاص وصراخ النساء واستغاثتهن بالرجال الذين لا يملكون القدرة على تخليصهنّ من المغتصب، فتنقلب الصورة: الرجل الذي يحمي شرفه منذ ولادته عاجز الآن عن صونه وحمايته، إذن الإرهاب سلاح رخيص يهدف أساساً إلى الإذلال والتطويع عن طريق الجسد الأنثوي. حتى لدى انتهاء الحرب تبقى جراح المغتصبات أشدّ وجعاً وألماً من مشاهد البيوت المهدمة والأشلاء المبعثرة هنا وهنالك، جراح مفتوحة إلى الممات لا تندمل إلا بالموت، جراح تروي كيف أصبحت المرأة مجرّد سلعة مثلها مثل رصاصة يمكنها أن تنهي مقاومة شعب ووطن. ويبقى المشهد الأكثر رمزية ومقاومة في تاريخنا الحديث زواج المقاوم بضحية العدوّ، إذ عمد بعض المقاومين بعد انتهاء الثورة الجزائرية إلى التزوّج بالجزائريات المغتصبات نكاية في المستعمر الذي لم يكسر شوكة المقاوم وتحديه وكأنّه يعلن أنّه قادر على لملمة جراحه وتحويل هزائمه إلى انتصارات. يتطلب التعامل مع النساء المغتصبات في حالة الحرب جهداً كبيراً يجب من خلاله التخلي عن الغرور الذكوري، جهداً كبيراً كجهد الإعمار. فبناء النفس البشرية من جديد وتخليصها من أحزان الماضي ضرورة قصوى من أجل وطن جديد يتحمل أعباء تحريره المادية والمعنوية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image