شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

ملف أسرار الروائح الشرقية

من محلات العطارة في القاهرة وطرابلس وعمان، إلى صناع الزيوت العطرية في دمشق وحلب، إلى زارعي ومصدري ماء الورد في إيران، إلى شواطئ اليمن حيث ينام حوت العنبر، إلى أثمن محلات العطور في الخليج، كتبت مواد هذا الملف، ولم تترك خلفها أجمل ما قالته العرب في ديوانها من شعر في مديح الطيب ورائحة الحبيبة. 

للروائح الشرقية سحرها الخاص الذي لا يضاهيه أي سحر، فلا هي تنافس العطور الغربية في جاذبيتها، ولا هي تباغت الأنف لتفوز بلحظة انتصار. فليست هذه غاية "الطيب"، وليس هذا الهدف من صمته المثير.

حين يتعلق الأمر بالروائح الشرقية فالأمر يتعدى السعادة اللحظية إلى أهداف أكثر غموضاً وغيبية من التمتع الآني بحاسة الشم. 

الرائحة في موروثنا العربي دليل مكانة اجتماعية قبل أي شيء، فبخور الأسياد غير بخور الناس، لأنها -أي الرائحة- أول ما يقع في النفس من هيبة.

وهي أيضاً النداء غير المرئي إلى القوى الغائبة لتحضر وتساعد، ففي الحرب كانت دعاء واستدعاء المحاربين للآلهة لمنحهم الشكيمة والبأس أمام أعدائهم، وفي الجنس هي خيوط الجنيات القادرات على الإتيان بأعتى الرجال إلى مخادع النساء، وفي الأمومة هي التي تحمي الأطفال من عيون الحساد. وهي أيضاً التي ترافق العروس إلى منزلها الجديد، والتي رافقت القوافل في ليالي الصحراء الباردة. 

هناك ما علق من عطر الأمس باليوم، فالروائح التي منحنا إياها الشرق هي تلك التي تنساب ببساطة إلى ذاكراتنا لتترك بصمة مختلفة لكل واحد وواحدة منا، حيث يمتزج الحب بالأمان بالحنين بالغواية. فحين نقول "سحر" نقصد ما عبر إلى وجداننا واستقر فيه من حب محمولاً على الرائحة. 

رائحة الغواية التي يمررها الغار على أجساد الحلبيات وهن خارجات من الحمام.

رائحة الحب حين ندخل المنزل وتكون الأم قد انتهت لتوها من الطبخ.

رائحة الحنان في لباس الطفل الجميل وقد عطرته نساء العائلة بالقرنفل ليحمينه من العين.

رائحة الحضن الأدفأ فوق صدر الجدة، حيث ذاب التعب بالأعشاب والحناء.

رائحة الترف في بخور العود الفاخر في المجالس الخليجية.

روائح السعادة الدافئة التي يغمرنا بها الزعفران وماء الورد  من إيران.

رائحة الشرق الخالصة في العنبر حين تجود به شواطئ اليمن.

وروائح الجنس الشرقي في المسك الذي دسّته الزوجة في الفراش، لتوقظ في الزوج الرغبة قبل أن ينام.

لكل واحد وواحدة منا ذاكرة قديمة قادمة من الشرق، رائحة للحب، ورائحة للحنو، ورائحة للغواية، والأهم رائحة للأمان.

هل فكرتم يوماً ما هي روائحكم الآمنة؟ 

Website by WhiteBeard
Popup Image