شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
هل من العيب أن يهتم الرجال ببشرتهم؟

هل من العيب أن يهتم الرجال ببشرتهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 5 يوليو 202302:15 م

في إحدى الجلسات التي تجمع أشخاصاً بصورة عشوائية لا يجمع بينهم رابط معيّن، استمعت بعناية إلى رجل يشرح لصديقته أهمية تنظيف البشرة عبر جلسات روتينية يقوم بها كل فترة، وينصحها بأن تقوم بها هي أيضاً.

عزف الكلام على مسامعي لحناً غريباً: هل للرجال بشرة؟ بالطبع، ليس هذا السؤال الصحيح، إنما هل يهتم العديد من الرجال ببشرتهم؟ هل هذه العناية الشخصية بالفعل مقصورة على جندر معيّن أم تشمل الجميع باعتبار أن الأشخاص جميعاً يمتلكون الجلد ذاته الذي يحمل الصفات عينها ويحتاج إلى العناية نفسها؟

الخوف من المجتمع والوهابية

هل تساءلتم/ نّ يوماً، كيف اعتاد البشر في العصور القديمة، العناية بأنفسهم؟ وهل بدأ الإنسان الحديث باستخدام منتجات العناية بالبشرة؟

في الحقيقة، إن تاريخ العناية بالبشرة يعود إلى أزمان قديمة للغاية، فأول دليل أثري على مستحضرات التجميل جاء من مصر القديمة، قبل ما يقرب من 6000 عام، لكن مستحضرات التجميل لم تكن فقط من أجل الجمال، بل قامت أيضاً بحماية قدماء المصريين من العناصر الطبيعية، مثل الشمس والحشرات.

في ما يتعلق بالعناية بالبشرة، استخدم القدماء المصريون زيوت الخروع والسمسم والمورينغا لمحاربة التجاعيد والحفاظ على شبابهم، كما صنعوا عجينة صابون من الطين وزيت الزيتون لتطهير بشرتهم.

هل يهتم العديد من الرجال ببشرتهم؟ هل هذه العناية الشخصية بالفعل مقصورة على جندر معيّن أم تشمل الجميع باعتبار أن الأشخاص جميعاً يمتلكون الجلد ذاته الذي يحمل الصفات عينها ويحتاج إلى العناية نفسها؟

زيادةً على ذلك، قام القدماء المصريون بدمج أقنعة العسل والحليب لترطيب البشرة واستخدموا حمامات الحليب وأملاح البحر الميت لتقشير البشرة وتجديد شبابها وشفائها.

هذه الوسائل لم تكن مقصورةً على النساء في هذه الفترة، بل استخدمها كل من الرجال والنساء، ولكن ما يحدد من يستخدمها هي الطبقة الاجتماعية والوضع المادي، فكلما ارتفع مستوى هذين العاملين، يعتني الشخص، أياً كان جنسه، أكثر ببشرته وجمالها.

على مر السنوات، تغيّر الوضع وأصبحت هناك بعض الاعتبارات التي قد تمنع الرجال من العناية ببشرتهم، مثل الأعراف الاجتماعية السائدة أو كنتيجة للموجات الوهابية التي فرّقت بشدة بين الرجال والنساء وحددت بدقة ما على كل منهما فعله أو عدم فعله، حتى في أماكن إزالة الشعر وأوقاتها وطريقتها.

ولكن تغيّر الزمن الآن، وأصبحت هناك بعض المرونة التي قد تسمح للرجال بالعناية ببشرتهم.

تحدث أحمد سالم، وهو طالب، عن رأيه في تنظيف البشرة للرجال، والعناية بالبشرة بشكل عام، فقال لرصيف22: "أمام هذه المواضيع، هناك نقطة مفصلية تحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول مجتمعياً، فطالما شكلك العام لا يوحي بأي صورة نمطية، كل شيء متاح، بل يمكن أن يتم التشجيع عليه كذلك، لذا نجد أن الحلاقين في أكثر المناطق شعبيةً يقدّمون لروّاد صالوناتهم العديد من خدمات العناية بالبشرة، مثل ماسك الطمي، ويزيلون بعضاً من شعر الوجه، طالما الموضوع لم يتخطَ حدود التشبه بالنساء".

وأكمل أحمد: "يمكن بسهولة ملاحظة أنه تم تقبّل أشياء كانت غالبية الناس تربطها بالسيدات، تدريجياً، وذلك بالتوازي مع تراجع سطوة الخطاب الوهابي، لأنهما مرتبطان ببعضهما إلى حدّ كبير. على سبيل المثال، في السابق سادت صورة الرجل الشعِر، وعُدّ الأمر مثالاً على الرجولة، ولكن في الوقت الحالي يمكن تقبّل إزالة شعر الرجال بالليزر من قبل لاعبي كمال الأجسام، أو حتى الرجال العاديين الذين يقضون جل وقتهم في بناء عضلاتهم في الصالات الرياضية، ويتم تقديم هذه الخدمات لهم بأريحية، من دون تعليق سلبي، أو وصم".

ورداً على السؤال التالي: "هل يمكنك القيام بتنظيف بشرتك؟"، أجاب ضاحكاً: "أنهي الامتحانات وسأقوم حتى بالمانيكير والباديكير".

بين نعم ولا

مرّ المهندس يوسف حسن، مؤخراً، بتجربة تنظيف البشرة خلال تحضيرات حفل زواجه، وعن هذه التجربة وشعوره نحوها وهل سيكررها بعد ذلك كنمط ثابت في حياته، أجاب: "لم أتضايق لكن لم أتخيل من قبل أن تنظيف البشرة مؤلم إلى هذه الدرجة. لم يجبرني أحد على القيام بذلك، ولكن رغبت في الشعور بأني عريس".

حول عادته في العناية بنفسه، قال: "أتفهّم أهمية عناية أي شخص بنفسه سواء كان رجلاً أو امرأةً. بالنسبة لي يتمثل الأمر في استخدام مزيل رائحة العرق أو لوشن البشرة، ولكن تنظيف البشرة ليس مهماً بالنسبة لي، فأنا من المحظوظين الذين يتمتعون ببشرة بلا مشكلات حقيقية، ولذلك ما قمت به قبل الحفل كان على سبيل الرفاهية أو الاستعداد ليوم مهم، ولكن لن أحكم على شخص يقوم بتنظيف بشرته بصورة مستمرة بشكل سلبي".

أقنعت ضحى حسام، الرجال في محيطها وأصدقاءها، بالاهتمام ببشرتهم وتنظيفها، ولاقت ردود أفعال إيجابيةً بشكل كبير، فحكت لرصيف22، عن هذه التجربة، قائلةً: "لم تكن لديّ خطة، ولكن أول ما أقنعتهم به هو استخدام واقٍ من الشمس. أخبرتهم بأن ذلك غير كافٍ، لكنه بداية مهمة للوقاية من أضرار كثيرة، واستخدمت في ذلك صوراً للتأثيرات السلبية لأشعة الشمس، من أشهرها صورة لسائق سيارة نقل يتضح فيها الفارق بين نصف وجهه المعرّض للشمس والنصف غير المعرض لها، الأمر الذي أثار رعبهم بالفعل، واقتنعوا حينها بأن العناية بالبشرة ليست رفاهيةً، بل لها علاقة بالنظافة والاهتمام بالذات، ثم صنعنا روتيناً بسيطاً معاً، مثل الغسول و'صن بلوك'، بحيث لا تكون عليهم التزامات كبيرة أو صعوبة في اختيار المنتجات، وبدأ الأمر يتطور بشكل إيجابي معهم".

أضافت ضحى: "في إحدى المرات، جمعت أصدقائي الشباب في الجامعة، وجعلتهم يضعون ماسك تنظيف البشرة المصنوع من الطمي. سُعدوا بهذه التجربة، وشعرت بأنها تجربة تواصل وترابط أيضاً".

هل يعتني الرجال ببشرتهم فعلاً؟

توجهنا إلى الصيدلانية سارة الشبراوي، وسألناها عن الرجال الذين يشترون منتجات العناية بالبشرة من الصيدلية التي تعمل فيها، فأجابت: "عندما بدأت بالعمل، كان الرجال يحضرون إلى الصيدلية بخجل ويسألون عن منتجات بسيطة مثل مرطب أو بلسم للحلاقة، وعن منتجات تشعرهم بالحرقان أو الألم في بشرتهم ويرغبون في بدائل لها، ويطلبون استشارتي حول ما يمكن أن يستخدموه".

وتابعت: "لكن مؤخراً، أصبحوا يعرفون المنتجات وراحوا يطلبونها بالاسم، ويحددون احتياجاتهم قبل المجيء، وذلك خلال عملي في حي شبرا، وهو حي للطبقة الوسطى الدنيا. وعندما انتقلت إلى مصر الجديدة -حي تسكنه الطبقة الوسطى والوسطى العليا- وجدت أن الرجال يدخلون بثقة ويسألون عن منتجات لإزالة الشعر، ويتضح أنهم يعلمون الفرق بين حلاقة الشعر والكريم أو شرائح إزالة الشعر وغيرها، وعلى مر الشهور تطور وعي الرجال الذين يرغبون في سماع النصائح ومعرفة الفروق بين المنتجات المختلفة وعلاجات البثور أو الاسمرار".

"عندما بدأت بالعمل، كان الرجال يحضرون إلى الصيدلية بخجل ويسألون عن منتجات بسيطة مثل مرطب أو بلسم للحلاقة، وعن منتجات تشعرهم بالحرقان أو الألم في بشرتهم ويرغبون في بدائل لها، ويطلبون استشارتي، لكن مؤخراً، أصبحوا يعرفون المنتجات وراحوا يطلبونها بالاسم"

أكملت الشبراوي: "قد يبدو الفرق هنا بسبب اختلاف المكان وطبقة المشترين، ولكنه يرجع بشكل أساسي إلى الزمن، فعندما بدأت عملي كان بعض الرجال يخجلون من شراء منتجات مثل مرطب البشرة، ولكن الآن أصبح الأمر منتشراً أكثر، ليس فقط بين الشباب، لكن أيضاً بين كبار السن، فعلى سبيل المثال منذ صيف 2022، أصبح الكثير من الرجال يسألون عن الكريمات الواقية من أشعة الشمس".

بدورها، تحدثت طبيبة الجلد، سارة حلمي، إلى رصيف22، عن اهتمام الرجال ببشرتهم بشكل عام: "يحدث ذلك ولكن بنسبة قليلة جداً. بشكل أساسي الرجال يأتون للمعالجة من مشكلات في الشعر، ومن يقوم بالبوتكس على سبيل المثال تكون السبب وراء ذلك تجاعيد قوية للغاية، ومن الصعب إقناعهم بكريمات أو علاج للبشرة يساعدهم على الوصول إلى النتيجة المثالية بعد البوتكس. كذلك عندما بدأ صنّاع المحتوى من الرجال على إنستغرام أو تيك توك بتقديم فيديوهات عن روتين البشرة، قوبلوا بردود فعل عنيفة للغاية، وتحمل الكثير من الاستهزاء، بينما الفتيات هنّ من كنّ يشجعن على ذلك".

وتابعت: "إن نقطة تنظيف البشرة، أو عادة العناية بالبشرة، لا زالت ضعيفةً عند الرجال، فهم إما لم يتعودوا عليها أو يرون أنها تنتقص من قيمتهم".

في الختام، لا بدّ من الإشارة إلى أن الاعتناء بالبشرة ليس رفاهيةً، وليس مرتبطاً بجندر معيّن، فبشرة الرجال مثل بشرة النساء في أغلب النواحي، وما يميّز بينهما هي المخاوف المجتمعية، على الرغم من أن هذه العناية قد تكون في نظر الكثيرين شأناً صغيراً وغير مهم، ولكن يحمل في داخله العديد من الشفرات الاجتماعية التي يجب تفكيكها وفهم ما خلفها. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image