شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
علّمني الحجّ احترام شعائر غير المسلمين... كيف؟

علّمني الحجّ احترام شعائر غير المسلمين... كيف؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والخطاب الديني

الأحد 9 يوليو 202311:01 ص
Read in English:

Hajj taught me to respect the rituals of non-Muslims

صار بعيداً، كنت حينها في الحادية عشر من عمري تقريباً، حين سمعت لأول مرة مصطلح الشيعة، أخبروني أنها فرقة "تدّعي" الإسلام، وتؤمن أن علي بن أبي طالب هو الرسول الحقيقي وليس النبي محمد، ثم إنهم لا يصلّون بطريقتنا، لذلك حين عرفت أنهم يحجّون مثلنا، أي السُنّة الذي انتمي إليهم، كان من الطبيعي أن يحدث لدى عقلي "إيرور 404".

هذه مجرد بداية، فخلال السنوات الماضية تكرّر المشهد ولم يعد قاصراً على السنة والشيعة التي ثبت كذب معظم ما أُلصق بهم من شيوخ السلفية، كما اتضح لي بالقراءة، المهم أنني صرت كلما قرأت عن فرقة إسلامية موصوفة بـ"الكفر"، أبحث عن شعيرة الحجّ لديها، فأعرف أنها تحجّ إلى مكة وتؤدي نفس الشعائر والطقوس، وبالطبع لم تصدر فتوى واحدة تقول إن تلك الفرقة ممنوعة من زيارة بيت الله الحرام.

ليس هذا فحسب، بل هناك ملايين المسلمين في هذا العالم يحجّون كل عام وهم لا ينتمون مرجعياً إلى الأئمة الأربعة عند أهل السنة، أو حتى أئمة أهل الشيعة، ولا يعرفون البخاري ولا يخوضون معركة حول مدى صحة الأحاديث التي وردت فيه، وليس لديهم أي من كتب التراث، رغم ذلك، يؤدون الشعيرة المقدسة كونهم مسلمين، ويدعون الله عند بيته الحرام ويرجمون الشيطان وفق الطريقة الإسلامية.

إذا كانوا غير مسلمين كما يتم وصفهم، فلماذا يُسمح لهم بالحجّ؟ أم أن الإسلام غير مرتبط بفرقة واحدة وشيخ واحد وكتب تراث بعينها كما يحاول اتباع كل فرقة إقناعنا، وأنه يمكنك أن تكون مسلماً بدون الإيمان بكل هؤلاء؟

إذا كانوا غير مسلمين كما يتم وصفهم، فلماذا يُسمح لهم بالحجّ؟ أم أن الإسلام غير مرتبط بفرقة واحدة وشيخ واحد وكتب تراث بعينها كما يحاول اتباع كل فرقة إقناعنا، وأنه يمكنك أن تكون مسلماً بدون الإيمان بكل هؤلاء؟

بين السؤالين، كانت الإجابة التي اقتنعت بها، أن الإسلام يحوي كل الفرق، وحتى الذين لا ينتمون لأي مذهب ويتسع لهم، وأن الفريضة التي فُرضت قبل جامعي الأحاديث والفقهاء والاختلافات المذهبية هي الأصل، وأن أصل الدين هو التنوّع مهما حاولوا إقناعنا أن رفضنا لشيخ أو كتاب أو حتى مذهب يكفي لإخراجنا من الدين نفسه وخلودنا في النار، أو أن هناك فرقة وحيدة ناجية تحتكر الإيمان وسيذهب الباقون إلى الجحيم، والدليل هذا المشهد السنوي الذي نراه يوم عرفة، وتتغنّى به المؤسسات الدينية الإسلامية باختلاف مذاهبها لتدلّل على تنوّع الإسلام، وهي أصلاً تكفّر كل ما عداها في خطابها.

التنوع ورسالة التعايش والقبول بالأخر الذي يدعونا إليه الحج كل عام لكل من يعتبر ويفكّر، لم يتوقف لدي عند المسلمين أنفسهم، بل وغير المسلمين أيضاً، فقد تخيّلتني غير مسلم، وتأملت بعض الطقوس والشعائر التي يؤديها الحجاج في تلك الفريضة، يشربون ماء لاقتناعهم أنها مباركة وقادرة على صنع المعجزات "زمزم"، يتكالبون للإمساك بالحصى وإلقائه بكل قوتهم في أماكن بعينها، ظنّاً منهم أنهم بذلك يرجمون الشيطان، ويقبّلون حجراً أسود يعتقدون أنه نزل من السماء أبيض اللون وسوّدته خطايا البشر.

بالتأكيد تلك الأفعال بالنسبة لغير المسلمين تصرفات غير عقلانية، وقد تثير سخريتهم من أناس يقبلون حجراً ويرجمون شيطاناً افتراضياً، لكنها عند المسلمين جزء من فريضة عظيمة، وكل تصرف له معناه الإيماني وأصله الديني، سواء ماء زمزم التي فجّرها الله من بئر في قلب الصحراء للسيدة هاجر لتطعم صغيرها، نبي الله إسماعيل، أو الحجر الأسود الذي وقف فوقه النبي إبراهيم بعد بناء البيت الحرام، بحسب كتب التراث.

حين سألني أخي الصغير ساخراً من شعائر أديان أخرى، فقلت له تخيل غير مسلم يتابعك وأنت تبكي من فرط الإيمان لتقبيلك حجر؟ أو تستجمع قوتك وتلقي بكل قوتك حصى صغيرة في الهواء وأنت تظن أنك بذلك ترجم الشيطان؟ ماذا سيكون رأيه؟

إذن، فالتصرفات غير المنطقية عند البعض، عند البعض الآخر منطقية وإيمانية، وتستند إلى أصول كثيرة يؤمنون بها،  ومن هذا المنطلق، لماذا لا نتصرّف نحن المسلمين بنفس المنطق مع شعائر وطقوس الأديان والمذاهب الأخرى، كالهندوس الذين يقدسون البقر، أو الذين يقدّسون النمور في كوريا، أو أي شعيرة أخرى نعتبرها نحن غير منطقية ويعتبرها أهلها مقدسة، ومتى نكف عن السخرية من تلك العبادات التي يدين بها غيرنا، مُدللين بطقوسهم "غير المنطقية" على فساد عقيدتهم، فيما لو نظروا إلينا هم لشاهدوا أيضاً طقوس" غير منطقة" للدلالة على فساد عقيدتنا!

هكذا كان الحجّ بطقوسه وشعائره، بوابتي لعبور احترام الآخرين، سواء كانوا مسلمين أم لا، وبجانب عدم اقتناعي أن من حق أي مخلوق الحُكم على إيمان أحد ولو بكلمة، لكن ظل الحج بتنوعه وشموله حجة أسوقها لكل من يسألني عن فرقة متهمة بـ"الكفر"، فاكتفي بالقول، ولماذا يُسمح لهم بالحج مثلنا؟ فيصمت السائل الذي أتمنى أن يبحث ويفهم قصدي، وتماماً حين سألني أخي الصغير ساخراً من شعائر أديان أخرى، فقلت له تخيل غير مسلم يتابعك وأنت تبكي من فرط الإيمان لتقبيلك حجر؟ أو تستجمع قوتك وتلقي بكل قوتك حصى صغيرة في الهواء وأنت تظن أنك بذلك ترجم الشيطان؟ ماذا سيكون رأيه؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image