بعد الخروج المخيّب للمنتخب السعودي من كأس العالم 2018، في روسيا، على الرغم من الآمال الكبيرة التي عُقدت عليه يومها، بالإضافة إلى سلسلة إخفاقات متتالية، عربياً وقارّياً، أطلق مسؤولو الكرة في المملكة ورشة عمل كرويةً كبيرةً، بهدف تنظيم الأمور، وإعادة الكرة السعودية إلى مكانتها العربية والآسيوية.
بدأ العمل من خلال التعاقد مع المدرب الفرنسي هنري رينارد، المتخصص في إنقاذ المنتخبات المتعثرة، وتحقيق نتائج مميزة معها، ومن أهم إنجازاته في هذا المجال، كان الظفر بكأس أمم إفريقيا في العام 2012، مع منتخب زامبيا.
بالإضافة إلى التعاقد مع رينارد، بدأت حملة استقطاب نجوم من الدوريات الأوروبية، للّعب في الدوري السعودي، بهدف رفع مستوى الدوري ومستوى اللاعبين، ورفع شعبية الدوري أيضاً. الحديث هنا عن لاعبين بقيمة الكولومبي دافيد أوسبينا، الحارس السابق لأرسنال، والبرازيلي باولينيو اللاعب السابق لبرشلونة ومنتخب البرازيل، وغيرهما.
إلا أن الحدث الأكبر في هذا المجال، والنقطة التي رفعت الدوري السعودي إلى مستوى آخر، تمثّلت في تعاقد نادي النصر السعودي في الشتاء الماضي، مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، المتوّج بالكرة الذهبية خمس مرات في السابق، بعقد يمتد لعامين ونصف، وبراتب سنوي فاق الـ200 مليون يورو.
النقطة التي رفعت الدوري السعودي إلى مستوى آخر، كانت تعاقد نادي النصر السعودي مع كريستيانو رونالدو
البداية... رونالدو
التعاقد مع رونالدو، بطبيعة الحال، لم يكن لأسباب رياضية بحتة فقط، بل هو جزء من خطة السعودية لرؤية 2030 التي أعلنت السلطات عنها، وشملت مختلف المجالات الحياتية ومن بينها الرياضة وكرة القدم خاصةً، كما تمّ إطلاق مشروع تخصيص الأندية الرياضية مطلع العام الحالي، والذي هدف إلى خلق فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار، ورفع مستوى الاحترافية والحوكمة والاستدامة المالية في هذه الأندية. كما أن المملكة تسعى إلى استضافة مونديال 2030، ويدرك القيّمون على الرياضة فيها أن وجود رونالدو ونجوم آخرين في السعودية، سيدفع بملفها إلى الأمام، كذلك سيكون لهؤلاء النجوم دور في الترويج للنشاطات الرياضية، الثقافية، والاجتماعية التي تقام هناك.
صحيفة نيويورك تايمز، أشارت مطلع العام إلى أن السعودية وضعت خطةً ماليةً مدعومةً من صندوق الثروة السيادية الذي يترأسه ولي العهد محمد بن سلمان، وقد تمّ رصد أكثر من مليار دولار لهذه الغاية، ووُضعت أسماء عشرات النجوم العالميين على القائمة للتفاوض معهم، وقد أراد القيّمون أن تكون الصفقة مع رونالدو أولى هذه الصفقات، لتحفيز النجوم الآخرين للقدوم إلى الدوري.
وكان واضحاً للجميع منذ فترة، أن سوق الانتقالات سيشهد صيفاً حارّاً في السعودية، وما صفقة رونالدو سوى المقدمة، وأن الدوري السعودي انتقل إلى مستوى جديد، وباتت أنديته تستهدف النجوم العالميين وهم في أوج عطائهم، ولا تنتظرهم حتى يقتربوا من الاعتزال، فانتقل كريم بنزيما صاحب الكرة الذهبية إلى نادي الاتحاد، ولحقه إلى هناك مواطنه نجولو كانتي (32 سنةً)، بطل العالم مع فرنسا (2018)، والمتوّج مع تشيلسي بدوري أبطال أوروبا 2021، ونجم المنتخب البرتغالي روبن نيفيز الذي كان مطلوباً في برشلونة، وأيضاً انتقل إلى الهلال، فيما تنتظر الجماهير صفقات كبيرةً أخرى قد يتم حسمها في الأيام والأسابيع القادمة، مثل الثنائي السنغالي إدوارد ميندي وخاليدو كوليبالي، فيما هناك حديث عن صفقات كبرى أخرى محتمل إبرامها مع كثيرين مثل النجم الكوري الجنوبي هيونغ مين سون.
استقطاب النجوم العالميين إلى الدوري السعودي ليس الأول من نوعه، فقد شهدنا في السابق انتقال عدد كبير من النجوم إلى الدوري القطري، والدوري الصيني، إلا أن الجديد هذه المرة نوعية اللاعبين، وأن التفاوض معهم تمّ في وقت كانوا فيه على القمة تقريباً. السؤال اليوم هو كيف ستؤثر هذه الصفقات على الدوري السعودي من الناحية الفنية والجماهيرية، وما سيكون أثرها على الكرة السعودية وبالأخص المنتخب الأول.
الفائدة المضمونة
على الصعيد التسويقي وزيادة شعبية الدوري، فإن الفائدة شبه مضمونة، وبعض نتائجها تبدأ بالظهور سريعاً، مثل الزيادة المهولة في عدد متابعي صفحات الأندية عبر مواقع التواصل، وقد شهدنا هذا الأمر مع نادي النصر بعد التوقيع مع رونالدو، حيث تضاعف عدد متابعي النادي على موقع إنستغرام تسع مرات، كما حصلت صفحة النادي على موقع تويتر على أكثر من ثلاثة ملايين متابع جديد، بعد أيام من تعاقد الفريق مع "الدون". الأمر نفسه نشهده اليوم مع الاتحاد، بعد انتقال كريم بنزيما إليه وإن بنسبة أقل، كذلك الأمر من الناحية الجماهيرية للدوري، ويكفي النظر إلى حفلَي تقديم رونالدو وبنزيما لفهم الأمر أكثر.
من المنتظر أن تصبح الأندية السعودية أكثر قوةً في المنافسات القارّية، العربية وحتى الدولية، وستستفيد من الخبرات الكبيرة التي يمتلكها النجوم القادمون، ولكن أين يأتي دور اللاعب المحلي؟
أما على الصعيد التنافسي، فمن المنتظر أن تصبح الأندية السعودية أكثر قوةً في المنافسات القارّية، العربية وحتى الدولية، وستستفيد من الخبرات الكبيرة التي يمتلكها النجوم القادمون، وقدرتهم على التعامل مع المواقف الصعبة، فنحن نتحدث هنا عن أبطال عالم وأبطال أوروبا، ولاعبين متوّجين بالكرة الذهبية وجوائز فردية وجماعية. كل هذا سيكون لصالح الأندية السعودية، وبالأخص في البطولة الأهم قارّياً، أي دوري أبطال آسيا، الذي يشهد تنافساً شديداً، بشكل خاص بين الأندية السعودية وأندية اليابان وكوريا الجنوبية.
إلا أن السؤال الأهم في هذا المجال، بمعزل عن الأمور التسويقية والترويجية، هو حول مدى استفادة المنتخب السعودي بمختلف فئاته العمرية، وبالأخص المنتخب الأول الذي أظهر بشائر واعدةً في مونديال فيفا قطر 2022، بالإضافة إلى الأداء المميز في تصفيات كأس العالم نفسه، من هذه الصفقات، وهل أن الفائدة حتمية؟
الأمور هنا ليست مضمونةً، ويجب انتظار المحافل والمسابقات الدولية التي يشارك فيها الأخضر السعودي للحكم على الأمر.
الاستحقاق الأول للسعودية سيكون في كأس آسيا القادم التي تستضيفها قطر مطلع العام المقبل، ولن ترضى جماهير الأخضر بنتيجة أقل من الظفر بلقب المسابقة، خاصةً أن السعودية لم تحقق كأس آسيا منذ عام 1996، عندما هزمت الإمارات في النهائي بالركلات الترجيحية، كما أنها لم تبلغ أي مباراة نهائية منذ خسارتها أمام العراق بهدف يونس محمود، في نهائي نسخة 2007.
من الواضح أن مسيّري الكرة السعودية يضعون الأولوية الكبرى للتسويق والترويج للمملكة، وزيادة شعبية الدوري ومعها شعبية الكرة والرياضة في البلاد، ورفع مؤشرات ومعدلات الرفاهية، بالإضافة إلى زيادة فرص فوز الملف السعودي بتنظيم مونديال 2030، أكثر مما تهتم برفع مستوى المنتخبات السعودية في الفئات العمرية المختلفة، خاصةً أن بعض التجارب السابقة في ما يخصّ استقدام النجوم، استخدمتها بعض الدول في السابق، وإن لم يكن الحديث يومها عن أسماء بقيمة بنزيما وكريستيانو رونالدو، من دون أن تأتي بالنتائج المرجوة.
في ميزان السلبيات والإيجابيات لكيفية تأثر المنتخبات ومستوى الكرة السعودية، يمكننا أن نضع العديد من النقاط في كلّ كفّة.
هل يتحسن المستوى؟
على صعيد النقاط الإيجابية، تتمثل النقطة الأبرز في رفع مستوى المنافسة في الدوري، واحتكاك اللاعبين المحليين السعوديين مع النجوم العالميين بشكل يومي، سواءً في التدريبات أو في المباريات، فهناك من سيزامل رونالدو، أو سيدافع ضد كريم بنزيما، ومن سيلعب تحت إدارة مدربين عالميين قد يصلون إلى السعودية في أي وقت.
تحقيق المنتخب السعودي نتائج مميزةً من بينها الفوز على الأرجنتين بطلة النسخة لاحقاً، عكست قوة الدوري وتطوره
كذلك قد يكون للنجوم الكبار دور في مساعدة اللاعبين السعوديين، وبالأخص الناشئين، من خلال نقل ثقافة الفوز وكيفية مواجهة المواقف المعقّدة والتعامل مع الضغوط، فيما سيستفيد العاملون في الأجهزة الفنية والتدريبية من الخبرات الكبيرة التي سيحصلون عليها من العمل مع المدربين العالميين المنتظر قدومهم إلى الدوري، وسينعكس الأمر إيجاباً عليهم في حال استلموا لاحقاً مهام مع المنتخب الأخضر بفئاته العمرية كافة.
على المقلب الآخر، تأتي هجرة النجوم هذه إلى المملكة، في وقت تعيش فيه الكرة السعودية أياماً طيبةً كما سبق وذكرنا، فظهر الأمر جلياً في كأس العالم الأخيرة وخلال التصفيات المؤهلة، وقد شارك المنتخب السعودي في تلك المسابقة بتشكيلة جلّها من اللاعبين النشيطين في الدوري المحلي، وهو المنتخب الوحيد في مونديال قطر الذي امتلك هذه الميزة، وتالياً فإن تحقيق المنتخب نتائج مميزةً من بينها الفوز على الأرجنتين بطلة النسخة لاحقاً، تعكس قوة الدوري السعودي وتطوره في السنوات الأخيرة. اليوم، سيخطف النجوم الكبار الواصلون، كلّ الأضواء، وقد رأينا هذا الأمر مع النصر في الموسم الفائت، إذ كان رونالدو هو الحدث الوحيد تقريباً، والأمر نفسه سيتكرر مع بنزيما ومع الآخرين، وتالياً قد يشعر اللاعب السعودي بأن دوره أصبح ثانوياً، وهو ليس أكثر من تكملة عدد في فريق يضمّ أكثر من نجم عالمي؛ ضربات الجزاء والركلات الحرة ستكون من نصيب النجوم القادمين، والجوائز الفردية كذلك والتي عادةً تدخل فيها بعض المجاملات.
دور اللاعب السعودي سيتراجع بشكل كبير، بعكس السنوات الماضية التي تألق فيها وكانت معظم الأنظار موجّهةً إليه، كما هو الحال مثلاً مع سالم الدوسري، فهد المولد، نواف العابد، علي البليهي، محمد كانو وغيرهم.
في السياق نفسه، وافق الاتحاد السعودي على زيادة عدد اللاعبين الأجانب المسموح تقييدهم في قوائم المباريات إلى ثمانية لكل نادٍ، وتالياً قد نرى فرقاً سعوديةً، وبالأخص الفرق الكبيرة التي تستفيد من الصندوق الاستثماري، مثل الهلال، النصر، والاتحاد جدّة، تشارك في مبارياتها بتواجد ثلاثة لاعبين سعوديين أساسيين فقط. ولتقريب الأمر، عندما لعب الهلال ضد ريال مدريد في كأس العالم للأندية، قبل ستة أشهر، ضمّت تشكيلته الأساسية خمسة لاعبين محليين، ومع الصفقات المحتملة قد ينخفض العدد إلى ثلاثة فقط، في المقابل فإن التشكيلة الأساسية السعودية التي هزمت الأرجنتين بطلة العالم، كانت تضم سبعة لاعبين من الهلال.
وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية مؤخّراً، تقريراً تحت عنوان: "هل توقّف الكبار عن ملاحقة اللاعبين السعوديين المميزين؟"، أشارت فيه إلى غياب الأسماء المحلية عن "المركاتو" الصيفي الحالي، وتركيز الأندية على اللاعبين الأجانب الذين رُفع عددهم إلى ثمانية، كما لفت التقرير إلى أن عدداً من اللاعبين المحليين انتهت عقودهم ولم يتمّ تجديدها حتى الآن، وتالياً فإن المخاوف من تأثير الصفقات الجديدة على المنتخب السعودي، في مكانها، وهذا أمر مفهوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم