شهد الجولان السوري المحتل، احتجاجات غير مسبوقة، خلال اليومين الماضيين، بين الأهالي وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في مواجهة مشروع "توربينات الهواء"، الذي تحاول شركة "إنرجيكس" التابعة للحكومة الإسرائيلية تنفيذه منذ أن تم إقراره في كانون الأول/ ديسمبر عام 2020.
الاحتجاجات خرجت بعد أن بدأت الشركة الإسرائيلية بالعمل على نصب التوربينات في مواقع مختلفة، وتحديداً في منطقة سحيتا بين قرى مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا، حيث يواجه المشروع معارضةً شديدةً من أهالي الجولان لخشيتهم من آثاره السلبية على مزارعهم، والضوضاء التي تسببها هذه المولدات، والأضرار المحتملة على البيئة والحياة الطبيعية، وما يُمكن أن يخفي من مشروع استطياني وتهويدي.
في مقابل ذلك، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، يوم أمس الأربعاء، إنه وجه الشرطة الإسرائيلية للبدء بعملية أطلق عليها اسم "رياح الجولان"، للتعامل مع احتجاجات السوريين من أبناء الجولان المحتل على إقامة توربينات لتوليد الكهرباء في أراضيهم.
وبيّن بن غفير، المعروف بتطرفه، أن "عملية نصب التوربينات تم تأجيلها مراراً بسبب تهديدات من حفنة من الأشخاص سيرشقون الشرطة بالزجاجات الحارقة والحجارة"، وأكد أنه "يجب على إسرائيل ألا تتراجع. لا يمكن أن تكون إسرائيل غير قادرة على تنفيذ العملية والسماح لشركة خاصة بحقها في الملكية".
قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إنه وجه الشرطة الإسرائيلية للبدء بعملية أطلق عليها اسم "رياح الجولان"
واتسمت السياسة الإسرائيلية في الجولان المحتل، منذ قرار الضم في عام 1981، بالكثير من العنصرية والظلم تجاه أبناء الجولان الذين لا يزالون يرفضون تهويده وسلخه عن سوريا، فيما ما قبلوا بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، وهذا ما جعل العلاقة بين الطرفين مبنيةً على الضغوط من قبل السلطات الإسرائيلية التي ولّدت انفجار الأهالي في وجهها، وهذا ما يدفع إلى التساؤل حول هذا التمييز والسياسة الإسرائيلية، وأسباب رفض الأهالي للمشروع، وما الذي يمكن أن يجري في الأيام القادمة؟
مشروع لتهويد الجولان
منذ العام 2020، يخرج سكان المنطقة الشمالية من الجولان المحتل في مظاهرات احتجاجاً على مشروع التوربينات، الذي يرونه مخططاً استعمارياً تهويدياً يستهدف مناطقهم، والسلطات الإسرائيلية تعمل على تنفيذه تحت ذريعة توليد الكهرباء من طاقة الرياح.
الأهالي يعتقدون أن الهدف الرئيسي من نصب التوربينات هو الاستيلاء على أراضٍ تتجاوز مساحتها 6 آلاف دونم من أراضيهم بشكل تعسفي، وهو ما يشكل انتهاكاً للاتفاقيات الخاصة بحماية الشعوب الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وانتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981، الذي يؤكد أن جميع الإجراءات الإسرائيلية في الجولان المحتل لاغية وباطلة.
يقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور ثائر أبو صالح، وهو من الجولان المحتل، إن "إسرائيل تسعى بكل قوتها إلى تهويد الجولان والاستيلاء عليه بشكل كامل وإلى الأبد، كما أن الحديث عن تقسيم سوريا ومصطلح 'سوريا المفيدة' وغيره من المصطلحات فتح شهيتهم أكثر، وهم يرون أن هناك فرصةً لا تفوّت في الاستيلاء الكامل على الجولان".
ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "العقبة الأساسية في وجه مخططهم هي من تبقوا من السكان السوريين في قرى الجولان الذين يرفضون هذا التوجه، لذلك قامت إسرائيل بتسريع عملية الأسرلة في الجولان ومحاولة إقناع الجيل الجديد بأن سوريا كدولة انتهت وعليهم أخذ الجنسية الإسرائيلية ليتحولوا إلى إسرائيليين، وهذا لو حصل سيساعد إسرائيل في إقناع دول العالم على الاعتراف بضم الجولان لأنهم سيقولون لهم إنها رغبة السكان السوريين في الجولان ونحن نلبّي رغبتهم".
من جهته، يقول الناشط السياسي من الجولان المحتل، هاني زهوة، لرصيف22: "في البداية يجب أن نضع الأمور في سياقها الحقيقي والطبيعي من دون مواربة أو تهميش؛ لا يمكن وضع مشروع المراوح خارج سياق الأسرلة والسياسات المتعمدة لتهميش الهوية الوطنية ونسيانها، كما أن مشروع المراوح هو امتداد سياسي وفعلي لمشاريع الاحتلال الإسرائيلي على أرض الجولان من يوم فرض الجنسية الإسرائيلية عام 1982 إلى يومنا هذا، ومخاطر هذا المشروع تهدد بقاءنا في أرضنا".
خديعة إسرائيلية
القضاء الإسرائيلي رفض طلبات الأهالي في الجولان المقدمة ضد نصب التوربينات، في الوقت الذي يؤكد فيه المحتجون أن نصب هذه التوربينات سوف يعيق قدرتهم على زراعة الأرض، كما أنها ستشكل خطراً على البيئة والحياة الطبيعية وتربية النحل وغيرها.
لا يمكن وضع مشروع المراوح خارج سياق الأسرلة والسياسات المتعمدة لتهميش الهوية الوطنية ونسيانها، وهو امتداد سياسي وفعلي لمشاريع الاحتلال الإسرائيلي على أرض الجولان
بحسب أبو صالح، "دخلت شركة 'إنرجيكس' إلى الجولان تحت مسمى مشروع استثماري للطاقة الخضراء، وأقنعت البعض بتأجير جزء من أراضيهم لإقامة هذه التوربينات، ووقّع هؤلاء على اتفاقات مع الشركة من غير علم بأضرار هذا المشروع. لكن بعد دراسة المشروع من قبل مختصين، تبيّن أن المراوح مؤذية جداً لصحة الإنسان وللبيئة وللحيوانات وللطيور، والمنطقة هي منطقة زراعية، لذلك فقد تقضي المرواح على النحل وتلقيح الأشجار".
ويروي: "حينها، تراجع الذين قاموا بإبرام الاتفاق مع الشركة، ولكن تبيّن أنهم وقّعوا على اتفاق لا يمكن العودة عنه، وقد قامت الحكومة الإسرائيلة بإعلان هذا المشروع على أنه 'مشروع قومي' أي لا يمكن الاعتراض عليه. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أنه ستتم مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي من أجل شق الطرقات للوصول إلى أماكن وضع المراوح، أيضاً فإن المراوح ستحد من التطور العمراني وتمنع توسيع الخرائط الهيكلية للقرى لذلك تم الاعتراض بكل الوسائل القانونية ولكنها لم تجد نفعاً ما أوصل الوضع اليوم إلى المواجهات".
يقول أبو صالح، الباحث والمتابع لما يحصل، إن "الأهالي يرفضون أي تعويض أو قبول للمشروع أو إعطاء شرعية للاستيلاء على الأرض، على الرغم من أن الشركة مستعدة لدفع الأموال كتعويضات للأهالي"، مبيّناً أن المشكلة تكمن في استيلاء السلطات الإسرائيلية بواسطة الشركة على الأراضي، وضرب الزراعة كوسيلة لمعيشة السكان، والإساءة إلى المنظر العام نتيجة وجود التوربينات العملاقة".
أيضاً، وفي السياق نفسه، يشير زهوة إلى أن "الجولان حالياً يشهد حالة غليان شعبي لم يسبق لها مثيل في الدفاع عن الأراضي المستهدفة، بعد أن نفدت كل السبل القانونية لمواجهة هذا المشروع"، معللاً: "أهل الجولان انطلقوا في معارضتهم لهذا المشروع من مبدأ حمايتهم لأراضيهم ولمحاصيلهم الزراعية التي تشكل جزءاً أساسياً من قوت يومهم ومعيشتهم، بالإضافة إلى الحفاظ على طبيعة منطقتهم الريفية، ومنع السلطات الإسرائيلية من تحويلها إلى مناطق ميتة على الصعيدين البيئي والصحي، وما يشكله هذا المشروع من خطورة كبيرة على الطبيعة والإنسان على حد سواء".
توقف مؤقت للمشروع
خلال اليومين الماضيين، أصيب عشرات الأهالي في الجولان المحتل، بعضهم إصاباتهم خطيرة، نتيجة تفريق الشرطة الإسرائيلية للمظاهرات التي خرجت للاحتجاج على بدء نصب التوربينات الهوائية في أراضيهم الزراعية، كما خرج مئات من أبناء الطائفة الدرزية داخل الخط الأخضر في مظاهرات غاضبة للتضامن مع أهالي الجولان.
نتيجةً لذلك، اجتمع كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والرئيس الروحي للطائفة الدرزية في الجولان الشيخ موفق طريف، ورئيس جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" رونين بار، يوم أمس الأربعاء، وتم الإعلان عن اتفاق هدنة مع الشيخ طريف، يقضي بوقف تنفيذ المشروع إلى ما بعد عيد الأضحى، مقابل توقف الاحتجاجات في المناطق الدرزية، وبالفعل عاد الهدوء "الحذر" مساء أمس الأربعاء، إلى الجولان المحتل بعد المواجهات التي كانت قد اندلعت فيه.
الشرطة الإسرائيلية نفت اليوم الخميس إيعازها بإيقاف أعمال البناء، مؤكدة أن القرار منوط بالمستوى السياسي
وجدير بالذكر أن الشرطة الإسرائيلية نفت اليوم الخميس إيعازها بإيقاف أعمال البناء، مؤكدة أن القرار منوط بالمستوى السياسي و"ما زالت قوات الشرطة تتواجد بكثافة في قرية مسعدة".
في هذا السياق، لا يعتقد أبو صالح أن السلطات الإسرائيلية ستتراجع بسهولة عن هذا المشروع، ولذا التوقف سيكون مؤقتاً، وهذا سيؤدي إلى مواجهات جديدة لا يمكن معرفة إلى أي مدى ستصل، ولكن السكان يصرّون على أن يبذلوا كل ما في وسعهم لمنع إقامة المشروع.
ولكن بحسب أبو صالح، فإن المشكلة التي يعاني منها أهالي الجولان، هي أنه لا يوجد من يقف إلى جانبهم، فالدولة السورية التي تُعدّ صاحبة الأرض الشرعية لا تحرّك ساكناً ولا تتقدم بشكاوى إلى المنظمات الدولية للضغط على إسرائيل لوقف هذا المشروع، لذلك فإن الأهالي يخوضون معركتهم ضد الاحتلال بشكل منفرد، لا يدعمهم سوى الفلسطينيين، ولكن أيضاً الأخيرين محدودو القوة ولذلك إذا لم يتحول هذا الملف إلى ملف دولي فإن إسرائيل ستستمر في تنفيذ مشروعها.
أيضاً، يتحدث زهوة عن أن الجولان شهد في اليومين الماضيين دفاعاً كبيراً من قبل الأهالي عن بقائهم وتمسّكهم بأرضهم وطبيعتها، و"هم لم يكونوا طوال السنوات الخمس السابقة دعاة عنف أو شغب في اعتراضهم على هذا المشروع، ودائماً ما كان الخطاب السلمي والشعبي سيد الموقف في جميع نشاطاتهم الحقوقية والاجتماعية والشعبية".
ويلفت إلى أن "الأهالي العُزّل قوبلوا نتيجة نشاطهم واحتجاجهم السلمي الرافض لهذا المشروع بالقمع والضرب من قبل شرطة الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى ردة فعل طبيعية من قبل الأهالي والشبان، ونتيجةً لذلك وقعت إصابات عديدة بين الأهالي بعضها خطرة".
"أتمنى أن يبقى النشاط السلمي سيد الموقف وأن نكون بعيدين كل البعد عن حالات الشغب والعنف، وأن نمارس حقنا الطبيعي في الدفاع عن أرضنا وبلدنا من دون دماء ودفع أثمان، كما أن الحالة السلمية مع دعمها وتغطيتها إعلامياً قد يكون لها أثر كبير في إيقاف هذا المشروع"، يختم زهوة.
لا يبدو أن محنة أهالي الجولان نتيجة التعنت الإسرائيلي في تنفيذ المشروع سوف تنتهي، على الرغم من توقفه توقفاً مؤقتاً ولأيام ليس أكثر، فالسلطات الإسرائيلية تعدّ المشروع مشروعاً قومياً لا يمكن لأحد إيقافه أو المساس به، ولا توجد أي جهة دولية أو دولة فاعلة على الساحة الدولية طالبت حتى الآن بإيقافه، وهو ما تعدّه إسرائيل موافقةً دوليةً ضمنيةً على الاستمرار في سياستها التهويدية في الجولان، للوصول إلى الحصول على اعتراف دولي بضمّه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...