صداقات منتهية الصلاحية... عن خسارة الأصدقاء بعد الزواج في المغرب

لماذا يختار بعض الأشخاص إنهاء صداقاتهم القديمة مباشرةً بعد الزواج؟ هل بسبب الانشغال، أم بسبب الخوف من الماضي والرغبة في التحلل من عادات ما قبل الزواج، ومحاولة بناء شخصية أخرى؟ أم بفعل قيود علاقة الزواج وطبيعة البيئة الجديدة؟ أم بطلب من الشريك الجديد؟

هي أسئلة تثيرها وقائع انتهاء صداقات عديدة، سواء من جهة الزوجة أو من جهة الزوج. فما الذي يجعل زوجةً حديثةً تلغي صداقتها مع أقرب صديقاتها على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وما الذي يدفع متزوجاً إلى تغيير رقم هاتفه والابتعاد عن أصدقاء العزوبة؟ وما الذي يؤدي إلى برود علاقة حميمة بشكل مفاجئ بعد زواج أحد طرفيها؟

الارتباط... بداية نهاية الصداقة!

إلهام ، من مدينة برشيد (غرب المغرب)، تقول: "كانت لي صديقة ترغب في الزواج، وكنت مهمومةً بتحقيق حلمها؛ إذ كلما وجدتُ شاباً محترماً اقترحتُ عليه الزواج منها. لكنني في يوم من الأيام، اكتشفت عن طريق فيسبوك أنها تزوجت. تفاجأتُ لأنها فعلت ذلك من دون أن تخبرني بأمر خطوبتها أولاً، ثم زواجها ثانياً وأخيراً، فتألمت كثيراً، وهنّأتها بطريقة عادية، كما يمكن أن أفعل مع أي إنسانة غريبة".

في حالة إلهام، برود علاقة الصداقة كان سببه التكتم الذي مارسته صديقتها على خبر ارتباطها، وهو ما عدّته غير مقبول بالنظر إلى القرب الذي كان يطبع صداقتهما، إذ لم تستسغ إلهام أن تخفي عنها صديقتها التي كانت تشاركها جميع تفاصيل حياتها، أهم حدث في مسيرتها، أي حلم الزواج الذي شاركته معها لمدة ليست بالهيّنة، وحملت هَمَّ تحقيقه من أجلها وبغرض إسعادها.

في يوم من الأيام، اكتشفت عن طريق فيسبوك أنها تزوجت. تفاجأتُ لأنها فعلت ذلك من دون أن تخبرني بأمر خطوبتها أولاً، ثم زواجها ثانياً وأخيراً، فتألمت كثيراً

مع مرور الأيام، "حاولت الصديقة المتزوجة حديثاً توطيد العلاقات من جديد، لكن الأمر كان صعباً جداً"، تحكي إلهام في حديثها إلى رصيف22، وتضيف: "لأنني أرفض فكرة استغلالي، كما أرفض عودة العلاقات مع إنسانة كان تريدني بجانبها في لحظات الحزن فقط، ونسيتني عند لحظة الفرح. إذ بالرغم من أن جلّ الصديقات بعد مرور زمن على ارتباطهن في تستّر تام، ينشدن إرجاع علاقات الصداقة القديمة، إلا أنني شخصياً أرفض استئنافها".

"استر لكي تتيسّر!"

"بالنسبة لي، هناك صديقات بالرغم من زواجهن، لا تزال علاقتي بهن مُستمرةً، ولم ينقطع بيننا التواصل، غير أنه يقِلُّ فقط، بسبب جُملة من الانشغالات الطبيعية التي تطرأ على حياتهن"؛ تحكي كريمة حباط، مدربة تنمية بشرية، في حديثها إلى رصيف22، مضيفةً أنه "في المقابل، هناك صديقات بمجرد زواجهن، تنقطع علاقتك بهن؛ وفي رأيي، لم يكُنّ صديقات حقيقيات منذ البداية، وإلا ما الذي سيمنعهن من التواصل، في زمن يسهل فيه السؤال عن أحوالك إلكترونياً".

ترى كريمة، أنه "إذا كانت للبنت علاقات متشابكة قبل الزواج ومعارف دون المستوى، فإنه بمجرد زواجها تقطع الصلة مع الجميع، برغبة خالصة منها، أو بطلب من زوجها، الذي قد تكون له نية مُبَيّتة في إبعادها عن علاقات ما قبل الزواج؛ وهناك مِن الفتيات مَن بمجرد زواجها تغيّر صديقاتها العزبات، بأخريات متزوجات، بهدف تقليل خروجها، وهذا أمر خطأ، إذ إن الأمر هنا مرتبط برغبة داخلية في ضبط النفس، والتقيّد بعدد من القيود في علاقاتها، أو بخوف من الماضي، ورغبة ملحّة بالانطلاق في حياة جديدة".

هناك مِن الفتيات مَن بمجرد زواجها تغيّر صديقاتها العزبات، بأخريات متزوجات، بهدف تقليل خروجها، وهذا أمر خطأ

وعمّا إذا كانت قد عاشت تجربة قطع أواصر علاقتها بصديقة، مباشرةً بعد زواج هذه الأخيرة، تقول المتحدثة: "أنا شخصياً تعرضت لمثل هكذا موقف مع ابنة عمي، وفعلياً تأثرت نفسياً في بادئ الأمر؛ غير أنني أيقنت في ما بعد أن تلك العلاقة لم تكن سوى رابطة عائلية وليست صداقةً حقيقيةً نابعةً من القلب؛ وفي المقابل لي صديقة متزوجة، تسأل عني أكثر مما أسأل عنها، وأنا أحترمها جداً، لأنها برغم انشغالاتها لم تقطع تواصلها معي، كما أن لي صديقةً أخرى، شاركت معي جُلّ تفاصيل علاقتها، من ارتباط وخطبة، وشاركت معي تفاصيل فرحتها، لكن هذه بالفعل صديقة حقيقية، تشعرين بصفاء نيتها، وصفاء روحها، بالرغم من قلة اللّقاء الفعلي، لكنها علمتني أن الصداقة الحقيقية لا تأتي بتوالي السنين، وإنما بتوالي المواقف والأفعال".

تتفهم كريمة أن تخفي صديقة ما بدايات ارتباطها عن صديقاتها وعموم الناس، أو خبر خطوبتها، لكنها تستغرب من اللواتي يخترن عدم إعلان خبر زفافهن، عادّةً أن "هاجس الخوف وسوء النية، يجعلان المرء ينسى أن التوفيق من الخالق وليس من المخلوق، وللأسف هناك عدد من الأمثال الشعبية المغربية التي تُطبِّع مع هذه المسائل، من قبيل 'استر لكي تَتَيّسر'".

فجأةً تزوّج ثم غيَّر قفل باب المنزل!

بدوره، يحكي موسى من الراشيدية (جنوب شرق المغرب)، عن صديقه الذي كان يشاركه المسكن والمأكل والمشرب لأزيد من 3 سنوات، قبل أن يقرر على حين غرّة الزواج، قائلاً: "كان صديقي المقرب، وكنا نعيش في منزل واحد، ونقوم بكل شيء معاً، إلى أن فوجئت بخبر زواجه. لم أعرف كيف ولا متى أو أين تم الأمر، إلى حين إرساله لي رسالةً خاصةً على واتساب، يخبرني فيها بأنه تزوج وغيّر قفل باب المنزل، وأنه عليّ رمي نسخة المفتاح التي كانت معي في القمامة".

فوجئت بخبر زواجه. لم أعرف كيف ولا متى أو أين تم الأمر، إلى حين إرساله لي رسالةً خاصةً على واتساب

يضيف موسى وهو يبتسم، في حديثه إلى رصيف22: "على الرغم من اتّضاح أن في كلامه شيئاً من المزاح، لكنني كنت متفاجئاً حقاً بالخبر، الذي وددت لو أنني عرفته وعرفت تفاصيل ارتباطه قبل أي كان، بالنظر إلى طبيعة العلاقة التي كانت تجمعنا. الآن لم نعد نتواصل كثيراً، ولا نلتقي إلا نادراً، وأنا أتفهم الأمر، وأرى أن لكلّ إنسان الحرية في تدبير علاقاته سواء قبل الزواج أو بعده، بالطريقة التي يريد وبما يجعله سعيداً في حياته".

قيود... ما بين الصداقة والزواج

يرى الأخصائي النفسي والباحث في علم النفس الاجتماعي ياسين أمناي، أن "الزواج يقتل الصداقة في بعض الحالات، إذ لا يمكن التعميم، لكن بالنظر إلى الممارسات المجتمعية، نجد أن الرجل حين يتزوج قد يغيّر أصدقاءه، على اعتبار أن أصدقاءه القدامى قد يكونون على معرفة بشيء من حياته في وقت مضى، وهو ما يُجبر المتزوج على القطع مع كل ما يمكن أن يعدّه مضيعةً للوقت وعبثيةً ولا مسؤولية و'طَيْشاً'، خاصةً إذا كانت صداقاته قبل الزواج مرتبطةً بما هو سلبي".

"بالنسبة إلى النساء، من الطبيعي أن تكون لهن علاقات صداقة متعددة قبل الزواج؛ فتجدها بعد الزواج تتغير، وتبتعد عن أصدقائها القدامى، بل قد تغيّر رقم هاتفها، محاولةً بذلك الانقطاع عن أواصر الصداقة"، يضيف أمناي، في تصريح لرصيف22، مردفاً أنه "في الصداقة كل شيء مباح، لكن الزواج يجعل هُوية الشخص تتغير، إذ يصبح الأشخاص ذوي مسؤولية، يتوجب عليهم احترامها، الشيء الذي يستدعي منهم الابتعاد عن الزمن الماضي، والعيش في زمن الحاضر؛ بالرغم من أن الذكريات الماضية مع أصدقائهم لا تُنسى، غير أنهم يضعون قيوداً جديدةً لشخصياتهم ".

بالرغم من أن الذكريات الماضية مع أصدقائهم لا تُنسى، غير أنهم يضعون قيوداً جديدةً لشخصياتهم

يشير المتحدث إلى أن "هناك من يربط الأشخاص بمرحلة معيّنة في حياته، وسرعان ما ينهي علاقته بهم بانتهاء هذه المرحلة، وكأن الشخص يؤكد لنفسه أن سلوكيات مرحلة ما قبل الزواج يجب القطع معها بعد الزواج، مادياً وافتراضياً، إذ إن مفهومي الصداقة والزواج مختلفان؛ فالزواج يتعلق بطرفين، وهو عبارة عن عقد مكتوب، يجعل الأطراف فيه ملتزمةً بعدد من الواجبات، ومجموعة من الممارسات المتعارفة داخل ثقافة مجتمع معيّن؛ أما الصداقة فهي مجرد ميثاق أخلاقي، وهي متعددة، إذ إن الطرف الواحد قد تكون له مجموعة من الصديقات والأصدقاء، الأمر الذي يستدعي التمييز بين ما هو ميثاق مكتوب وما هو ميثاق أخلاقي في العلاقات".

بين هذين الميثاقين تضيع علاقات كانت تبدو قويّةً، إلى أن هزّتها رياح الزواج.