شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
موقف لطيف من الحياة، على غير العادة

موقف لطيف من الحياة، على غير العادة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والفئات المهمشة

الأحد 25 يونيو 202312:01 م

ليس هذا حديثاً ينتمي لظاهرة التنمية البشرية التي لا أحب وأرى أنها لا علاقة لها بالبشر من الأساس، لكنه حديث عن نقطة نورٍ أضاءت حياتي العملية يوماً، وأعطتني أملاً بأنها قد تتكرّر يوماً، وهذا الأمل هو ما أعيش عليه حتى الآن.

تعرّضت في بداية حياتي المهنية للعديد من العقبات التي لا دخل لي بها، أشياء لن تتخيّلها وقتها، مثل الأزمة المالية العالمية في 2008، أو ثورة يناير 2011، تقدمت لوظائف كنت أخطط للعمل بإحداها منذ أن كنت طالباً في الكلية، وبعد أن كنت على وشك الوصول إلى أكثر وظيفة أرغب فيها وقتها، وقعت بعض الأحداث الكبيرة التي أثّرت على المؤسسة التي كنت أقف على بابها، ما جعلها تغلقه في وجهي أنا ومن كان معي. حزنت وقتها ولكني لم أجزع أو أيأس، لازلت صغيراً وبالتأكيد سأجد طرقاً أخرى لأصل إلى ما أريد.

لن أتحدث عن الإصرار والسعي هنا، ولن أخدعك وأخبرك أنني كنت متفائلاً، أجتهد بدأب لتطوير نفسي والاستعداد للفرصة، فقد تملكني الإحباط ونهشني الاكتئاب، لكن غريزة البقاء والاستمرار هي ما تفوّق في النهاية، وتعلمت عندها درس حياتي حتى الآن: يجب عليك الاستمرار بغض النظر عن حالتك النفسية. ليس لديك حلول أخرى.

المشهد قبل الأخير

داخل حجرة التدريب، أقف أمام شاشة اللابتوب وخلفي السبورة البيضاء والقلم في يدي. أتطلع إلى العشرين متدرباً الذين نقصوا واحداً هو أنا. قبل ذلك اليوم بيومين، لم أكن أتخيل أن يحدث ذلك ولا كنت أخطط له ولا أسعى إليه. وقبل أسبوعين دخلت تلك الغرفة ساخطاً لاضطراري لأن أحضر تدريباً على نظام تشغيل تحصّلت على خبرة كبيرة فيه من خلال عملي السابق طوال عامٍ كامل، لكنهم في هذا المكان رأوا أن ثلاثة أشهر بين عملي السابق وهذا العمل فترة تجعلني أفقد الذاكرة، ويجب أن يُعاد تدريبي من جديد.

لن أتحدث عن الإصرار والسعي هنا، ولن أخدعك وأخبرك أنني كنت متفائلاً، أجتهد بدأب لتطوير نفسي والاستعداد للفرصة، فقد تملكني الإحباط ونهشني الاكتئاب، لكن غريزة البقاء والاستمرار هي ما تفوّق في النهاية

فتحت ملف الباوربوينت الذي أعددت في اليوم السابق، وشغلت البروجيكتور وبدأت في تدريب زملائي.

المشهد الأول

قرّرت مغادرة مدينتي في الصعيد والانتقال إلى القاهرة، حيث تختبئ كل الفرص منتظرة من يسعى لإيجادها، رأيت وقتها أن هذا هو الأفضل لأنني رغبت في تحصيل بعض الكورسات التي ستساعدني في مهنتي المستقبلية، وفي نفس الوقت أحصل على عملٍ يمكّنني من التوقف عن الاعتماد على أبي الذي صرت أشعر بالحرج كلما طلبت منه نقوداً بعد أن تخرجت، رغم أنه لم يبد اعتراضاً يوماً.

وبعد رحلة بحث مدتها شهر تقريباً، حصلت على وظيفة موظف خدمة عملاء في شركة من شركات مراكز الاتصال "call center"، وكانت الوظيفة لحساب شركة اتصالات أجنبية نظراً لجودة لغتي الإنجليزية، كنا نعرف وقتها أن تلك الوظائف ليست مجزية، لكنها فرص سهلة ويجب التعامل معها على أنها مؤقتة.

انخرطت في العمل وأقمت علاقات جيدة جداً بزملائي الذين صار كثير منهم أصدقائي، وطوال عامٍ كنا نبحث جميعاً عن فرص أخرى، لكننا لم نكن نجد وقتها إلا Call center، أيضاً ولم تكن تلك رغبة أحداً منا.

مشاهد بدون ترتيب

أتانا الخبر بأن شركة الاتصالات الأجنبية التي تتعاقد مع شركتنا والتي نعمل لحسابها قد قرّرت فسخ التعاقد معها لسوء البنية التحتية التي أدت إلى انقطاع الخدمة عدة مرات، وتعاقدت مع شركة أخرى منافسة، هاتفتنا جميعاً كي تحصل على خدماتنا ولكن بمرتبٍ أقل، في محاولة لاستغلال وضع لا نحسد عليه، ولكني قرّرت مع بعض زملائي ألا نخضع لمثل هذا الضغط غير المقبول، خاصة وأن شركتنا قد أخبرتنا أنها قد تعاقدت مع شركة اتصالات أخرى بالفعل، وأننا من ضمن خطة العمل فيها، لكن الأمر سيستغرق شهراً أو اثنين على الأكثر حتى يتم تأسيس نظام التشغيل الجديد.

قررّ العالم أجمع أن يهتم بي ويحاول التواصل معي في اليوم عينه الذي تعطل فيه جوالي. لم يحدث شيء للجوال سوى أنني استيقظت من النوم فوجدته قد فقد شغفه في الحياة وتركني "محتاساً" دونه. طفت به على محلات صيانة الجوالات، وفي كل مرة أسمع نفس الجملة: "تكلفة تصليحه أعلى من ثمنه، اشتر هاتفاً جديداً أفضل".

الكلام سهل بالطبع، فكيف أشرح لهم أن مدخراتي القليلة قد أوشكت على النفاذ، وأنا على وشك إتمام شهري الثالث دون عمل سوى تدريب بدون مقابل في مكتب للمحاسبة. استغرقت عدة أيام حتى أتمكن من الحصول على جوال آخر على سبيل السلف من أحد أصدقائي المقربين، حتى يتيسر الأمر وأشتري جوالاً جديداً.

طوال ثلاثة أشهر أعيش على قلق أن تنفذ مدخراتي قبل أن أجد عملاً، كنت لا أعرف كم ستطول المدة، واقتصدت قدر استطاعتي، فلم أكن أرغب في أن أطلب مدداً من أبي الذي يهاتفني يومياً، وفي آخر المكالمة يسألني إن كنت أحتاج نقوداً، فأنفي بصوت يحمل ثقة بيل جيتس شخصياً.

قررّ العالم أجمع أن يهتم بي ويحاول التواصل معي في اليوم عينه الذي تعطل فيه جوالي. لم يحدث شيء للجوال سوى أنني استيقظت من النوم فوجدته قد فقد شغفه في الحياة وتركني "محتاساً" دونه

اتصلت بأحد زملائي السابقين والذي كان أحد شركائي في قرار رفض عرض الشركة المنافسة لأستعلم منه إن كان أحداً من شركتنا قد تواصل معه، فأخبرني بأنهم تواصلوا معه في اليوم الذي فارق فيه جوالي الحياة، وأنه سيبدأ التدريب بعد أسبوع، أنهيت المكالمة معه واتصلت بمسؤول الموارد البشرية في شركتنا فأخبرني أنهم حاولوا الاتصال بي كثيراً لكني لم أكن أجيب، وأنهم قد اختاروا الموجة الأولى من الموظفين ولا مكان لي، ويجب علي أن أنتظر شهراً أو أكثر حتى يبدأوا في تعيين الموجة الثانية.

انتظار آخر؟ لمدة لا أعلم كم ستطول؟ لماذا يحدث كل هذا معي؟ كانت تلك القشة التي قصمت ظهري وقتها. تهافتت علي كل أحداث الماضي تنهشني وتحفر داخل رأسي تساؤل: "لماذا يحدث كل هذا معي أنا بالذات؟".

قرّرت في لحظة يأسي أن أتواصل مع الشركة المنافسة التي رفضتها في البداية، طلبوا مني أن أرسل لهم سيرتي الذاتية وسيعاودون الاتصال بي، وعادوا بالفعل محدّدين موعداً لمقابلة شخصية انتهت بالموافقة على تعييني، لكني سألتحق في البداية بتدريب لمدة شهر دون أجر. حاولت إقناعهم بأنني لا أحتاج إلى تدريب، ويمكنهم أن يختبروني ليتأكدوا من ذلك، لكنهم أصرّوا، ولم أكن في موقف يسمح بالتفاوض.

أدرك المدرب سريعاً أنني أحمل خبرة في نظام التشغيل، ربما أكبر مما يحمل هو نفسه، عندما رآني أساعد زملائي لفك ما استغلق عليهم. وبعد أسبوعين من بداية التدريب، مرّ هو بظرفٍ طارئ اضطره إلى طلب إجازة ولأنه لا يوجد مدربين شاغرين فقد رشحني  للإدارة لأتولى أنا التدريب.

وهكذا صرت مدرباً مساعداً بدلاً من "موظف سماعة"، وبمرتب أفضل بعض الشيء.

المشهد الأخير

لم يُكتب بعد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard