شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عندما أخبرني جدّي عن ابن عمّه عبد الحليم وخوفه من

عندما أخبرني جدّي عن ابن عمّه عبد الحليم وخوفه من "بطش النظام"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأربعاء 21 يونيو 202301:33 م

في عام 2018، بينما كان الدكتور عبد العزيز، مدرّس مادة مناهج البحث في جامعة دمشق، يتفقد أسماء الطلاب في المحاضرة كي يضع علامةً للحضور، وصل إلى اسمي. وقفت وقلت له: رؤى شبانة، فاستغرب وسأل: "شو بيقربك عبد الحليم؟". جميع من في القاعة ظنوا أنه يمزح، لأردّ بابتسامة: هو ابن عمّ جدّي، ليبدأ بالحديث عن الرومانسية والحب اللذين شعر بهما مع زوجته خلال زيارتهما إلى النيل وسماعهما أغاني العندليب.

ولكن لم يكن الدكتور يعلم أن عبد الحليم ليس مغنّياً فحسب، بل كان رومانسياً وناشطاً في السياسة، وقلما يُذكر ذلك عنه.

عبد الحليم شبانة، المعروف بالاسم الفني عبد الحليم حافظ، كان ولا يزال تدور حوله أخبار مختلفة عديدة، كما العديد من الآراء المتباينة حوله وحول حياته. قال لي جدي مرّةً، وهو الذي تربطه علاقة قرابة بعبد الحليم، كونهما "أولاد عمّ": "هذا التباين يرجع إلى حب حليم للخصوصية الشديدة، فلا يمكنك إيجاد شخص واحد يعرف كل شيء عنه، بل إن كلاً منا كان يعرف القليل". لم يكن جدّي معجباً بالنظرة التي يُنظر بها إلى ابن عمه على أنه زير نساء أو "كما صوّره مسلسل قصة حياته بأنه ليّن، إذ لا يليق بعبد الحليم تصويره بهذا الشكل، فلطفه مع الجميع ومبتغاه في البعد عن المشاكل، لا يدلّان على جبن على الإطلاق. يُذكر لحليم الكثير من المواقف المميّزة التي غُيّبتْ، سواء داخل الوسط الفني أو خارجه".

قليلاً ما كان جدي يحدثنا عن أيامه القديمة، ففي شبابه كان ناشطاً بين الأحزاب واسمه مُذاع في تنظيمات الشباب، ما شدّ عبد الحليم إلى الذهاب معه ومعاينة أوضاعهم من قُرب. حين بدأ ينشط في هذا المجال، تمّ استدعاء حليم إلى مكتب عبد الحكيم عامر (نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية سابقاً)، ليتغير حال حليم ويبتعد عن حضور جلسات الأحزاب، بعدما وجه إليه تهديداً شديد اللهجة، وينقل جدّي عن حليم قول عامر له: "كول عيش وخليك بالفن والرقاصات لو عايز تكبر".

سألته على الفور، عن رأيه بلقب عبد الحليم وأنه ابن الثورة الناصرية، فتجهّم وجهه، وبشيء من الغضب قال: "حليم لم يكن ابناً لأحد، بل هو مغنٍّ وطني كان يحب مصر ويحب الشعب المصري الذي بادله الحب، وبالرغم من السمعة الحسنة التي عُرفت عن علاقة عبد الحليم حافظ والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلا أن حليم كان لديه وسواس بالتدخل في سياسة مصر الداخلية بعد الحادثة، ولكن هذا لم يمنعه لاحقاً من الغناء والاحتفاء بانتصارات بلده الخارجية، وتمثيل مصر في العديد من المناسبات والأعياد الوطنية".

عبد الحليم شبانة، المعروف بالاسم الفني عبد الحليم حافظ، كان ولا يزال تدور حوله أخبار مختلفة عديدة، كما العديد من الآراء المتباينة حوله وحول حياته. قال لي جدي مرّةً، وهو الذي تربطه علاقة قرابة بعبد الحليم، كونهما "أولاد عمّ": "هذا التباين يرجع إلى حب حليم للخصوصية الشديدة، فلا يمكنك إيجاد شخص واحد يعرف كل شيء عنه، بل إن كلاً منا كان يعرف القليل"

على الفور تذكرت الحادثة الشهيرة لحليم والراحلة أم كلثوم، في تموز/ يوليو 1964، لأسأله إن كان قد حضر الحادثة بنفسه، فيجيب: "لم تستطع السلطات إخفاء هذه القصة كغيرها من القصص ومنع الصحافة من تسريبها، حيث أنها حدثت في حفل عام ولم يكن السبب الرئيسي لانزعاج حليم هو عدم رغبته في الغناء بعد أم كلثوم، ولأن الجمهور بالفعل سيكون متعباً، بل كان لأن حليم كان يصارع المرض وقتها بالفعل، ولم تكن لديه القوة الكافية للانتظار خلف المسرح للغناء فجراً كما حدث، وتم إيقاف حليم وهو يغني على المسرح بأمر سياسي من عبد الناصر، بعدما أبدى استياءه مما حصل أمام جمهوره".

يضيف جدّي: "لكن هذا لم يكن كل شيء، فلاحقاً في تلك الليلة تلقّى حليم مكالمةً عند الساعة الخامسة فجراً يهدده فيها عامر عبر الهاتف كما أخبرتني عالية (أخت عبد الحليم). ولكن حتى هي لم تعرف نوع التهديد الذي تلقاه حليم. كل ما قالته إن لونه تغيّر فجأةً، وأوقع الهاتف من يده، بعدها صار قليل النوم وكثير القلق، وحين اجتمعت به لأحاول أن أفهم ما الذي يحصل، قال لي حليم: "دا (أي عامر) بيسيّب الكلاب الجعانة على شباب الجامعة، حيعمل معايا أنا إيه؟".

لفتتني إجابته، فسألته عن قصده من أن السلطات لم تستطع إخفاء القصة كغيرها، ليرد باختصار بأنه لم يكن آخر تدخّل من السلطة المصرية السابقة في فن عبد الحليم، فلاحقاً في زمن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، حصل سوء تفاهم بين حليم وفايزة أحمد بخصوص حفلة من المفترض أنها كانت ستقام في المغرب، وفور رجوع حليم إلى مصر تم تحذيره بترك الموضوع من دون تفسير، وأخبرني بأنه لا يعرف أكثر من هذا، فهذه الحادثة كانت قبل وفاة حليم بست سنوات تقريباً.

أصابني الفضول وقتها لأعرف ما إذا كانت لحليم قصة نضالية سياسية، أو إن كان قد استمر في نشاطاته الحزبية ولو من بعيد، وحاولت أن أعرف المزيد في هذا الخصوص، فأجابني جدّي: "عبد الحليم حتى لم يكن يفضّل الجلوس في أماكن تحتوي على تجمعات بغرض الكلام عن أي حديث يتعلق بسياسة الحكومة المصرية داخلياً. حتى أنه ذات مرة قبل جلوسه مع الفنانة فاتن حمامة صاحبة الاهتمامات الحزبية، قال لها ممازحاً: لو كنا هنقلب القعدة سياسة خليني أرجع أنام في بيتي أحسن".

كثيراً ما أخبرني والدي عن حب عبد الحليم للحياة، وعلى الرغم من قسوة طفولته إلّا أنها لم تكن بالشكل الذي نتخيله، فحب أخته "عالية" له هوّن عليه مرارة الأيام في صغره، وحب جميع الناس له هوّن عليه مرضه الشديد وآلامه المختلفة

سألت جدّي عن رأيه في هذا كله، وعن ابتعاد حليم عن نشاط الأحزاب بعد العديد من المواقف التي واجهته، فقال: "رحمه الله، عبد الحليم شبانة حمل رسالةً فنيةً عظيمةً وافتخر بإنجازات مصر العسكرية في ظل الظروف التي كانت تمر بها، في الوقت نفسه، لم يُنافق في وجه الحكومة وساستها بل كان يتهرب من حديث السياسة لكيلا يضطر إلى الكذب وليضمن سلامته وسلامة عائلته".

اقترب موعد الغداء، وكنت على ثقة بأنه بمجرد أن ينضج الطعام سيكون الحديث قد انتهى، فسألت بفضول عن أكثر امرأة أحبّها عبد الحليم، فكان جوابه: "كل ما أعرفه أن أكثر امرأة أحبّها حليم كان اسمها جيهان، وهي المرأة التي لم يخبر عنها أحداً غير شقيقته، ولكن العائلة عرفت الاسم لاحقاً عندما ذكرها وهو على فراش موته. حليم كان ينادي جيهان دائماً بدلع جيجي. أعرف أنها ماتت بمرض السرطان في فترة مبكرة من عمرها، بعد أن كان حليم يجهّز لخطوبته منها.

سألت جدّي إن كان حليم قد قابل نزار قباني من قبل، ليخبرني بأن جلّ ما يعرفه عن علاقة الشاعر والفنان، قصة حدثت قبل غناء حليم أغنية "قارئة الفنجان"، وعن رفض حليم غناء الأغنية في البداية لاحتوائها على الكثير من الكلمات التي لم يعتد على غنائها ووجدها قاسيةً بعض الشيء مثل "فنجانك دنيا مرعبةٌ"، وقد اعترض أيضاً على جملة "والقصر كبيرٌ يا ولدي وكلابٌ تحرسه وجنود"، ليتدخل بعدها عدد من الملحنين كي تسجَّل أغنية "قارئة الفنجان" كما نسمعها اليوم.

كثيراً ما أخبرني والدي عن حب عبد الحليم للحياة، وعلى الرغم من قسوة طفولته إلّا أنها لم تكن بالشكل الذي نتخيله، فحب أخته "عالية" له هوّن عليه مرارة الأيام في صغره، وحب جميع الناس له هوّن عليه مرضه الشديد وآلامه المختلفة.

في ذكرى ميلاده، كُلّ سنة ونحن بخير ونستمع إلى "أسمر يا أسمراني" و"أهواك"، والعديد من الأغاني الرومانسية والوطنية، والفن الذي لا يموت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard