شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"يجلب الحبيب ويمنح قدرات جنسية هائلة"... حكايات وأقاويل تهدد الضبع السوري بالانقراض

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 21 يونيو 202312:57 م

في دمشق يعمل حسان شويكاني منذ سنوات طويلة في تربية وتدريب الحيوانات البرية، وعلى رأسها الضباع التي كان يحضرها خصيصاً للاعتناء بها وإعادة تأهيلها. وبعد قرابة أربعين عاماً من التعامل معها، يصر على وصفها بأنها "خجولة ومظلومة ولا تمت بصلة لما يُحاك عنها من أساطير".

خلال عمله مع الضباع وتأهيلها، كان شويكاني يعمل تارة على إعادة بعضها لموطنه الأصلي، وإعطاء عدد منها لهواة الحياة البرية، ويلفت في حديثه لرصيف22 إلى أنه لم يبع أي ضبع لشخص يتعامل بالسحر أو الشعوذة، ويقول بأسف: "أشتاق للتعامل معها ثانية"، في إشارة لتراجع أعدادها بشكل كبير ودخولها في دائرة خطر الانقراض.

وفق ما تذكره صفحة "الحياة البرية السورية" للباحث إياد سليم، فإن الضبع السوري المخطط حيوان ينتشر في كل مناطق سوريا، ينشط ليلاً وقليلاً ما نراه نهاراً، وتختلف أشكال خطوطه وألوانها من ضبع لآخر وحسب المنطقة التي يعيش فيها، فقد تكون أفتح في المناطق الداخلية والصحراوية.

الضباع السورية خجولة ومظلومة ولا تمت بصلة لما يُحاك عنها من أساطير.

ويعيش الضبع عادة بشكل إفرادي ويلتقي أنثاه في وقت التزاوج، ويعيش على الجيف والحيوانات السهلة الصيد والحشرات وحتى الفواكه، وبذلك يعتبر حيواناً "قمّاماً"، وهو لا يهاجم الإنسان وإنما يهرب منه بسبب الخوف والجبن.

يوضح الباحث البيئي أحمد أيدك لرصيف22 بأن الضبع السوري المخطط، هو نوع فرعي من الضبع المخطط، واسمه العلمي Hyaena hyaena syriaca، وينتشر في بلاد الشام من جنوب تركيا حتى شمال الجزيرة العربية، وهو من أكبر الحيوانات اللاحمة الموجودة حالياً في معظم المناطق السورية لكن بأعداد قليلة جداً.

أساطير وخرافات

ارتبط الضبع في ذاكرة السوريين بعدة أساطير تدور حول قدرات خارقة يتمتع بها هذا الحيوان، فهو بحسب ما يشاع يحف نفسه بالشخص الذي يمر أمامه كي يختبر خوف البشر، أو يتمكن من تنويمه بشكل مغناطيسي بمجرد تبوله عليه، وفي هذه الحال يتبعه الشخص المسحور ويسير خلفه دون أي مقاومة، ومن هنا ربما جاء مصطلح يتداوله السوريون بكثرة وهو "يضبع الشخص"، بمعنى يخيفه ويرهبه ويتمكن من السيطرة عليه.

ويقول السليم إن كلمة ضبع ترن في آذان الناس في مجتمعنا الشرق أوسطي بسبب الأساطير حوله، في حين أنه حيوان مظلوم، فأحياناً يموت شخص بسبب تعرض حيوان مفترس آخر له فيتهمون الضبع، كونه أكبر الحيوانات وفكّه ضخم وهي ميزة تساعده على أكل الجيف.

ويستشهد السليم على ضعف الضبع من طريقة صيده، ويوضح: "انتشرت منذ فترة فيديوهات لصيد الضباع على أنه تحدٍ، ولكن الأمر ليس صعباً، فهم يتبعون دعسات الضبع لأنها ضخمة مميزة، فيدخل الصياد للوكر ومعه ضوء صغير وكمامة للحماية من التراب، فأوكار الضباع ضيقة، وعندما يشاهد الضبع الصياد يحشر نفسه في زاوية داخل الوكر لأنه جبان وخائف، والصياد يحمل فقط حبلاً خناقاً وكمامة أقرب لقطعة من الجلد يضعها على فمه كي لا يعض، فيضع الصياد الحبل على الرقبة والكمامة على الفم ثم يسحبه لخارج الكهف".

هذه الأساطير والشائعات دفعت شويكاني لدخول عالم الضباع والتعرف عليها، فأحضر أول ضبع من محافظة السويداء جنوب سوريا من نحو أربعين سنة، إذ أخبره أبناء المنطقة أن أم هذا الضبع وأخوته قُتلت، وبدأ الاعتناء به وتحوّل لما يشبه رفيق درب له وصديقاً له ولعائلته، ولم يتعرض لأي أذيه منه أو غدر، ومن هنا بدأت حكاياته مع الضباع وعشقه لها، واستمر بتربيتها حتى وصل عددها في بعض الأحيان لأربعين في مزرعته.

ارتبط الضبع في ذاكرة السوريين بأساطير تدور حول قدرات خارقة يتمتع بها، فهو بحسب ما يشاع يحف نفسه بالشخص الذي يمر أمامه كي يختبر خوف البشر، أو يتمكن من تنويمه بشكل مغناطيسي بمجرد تبوله عليه، وفي هذه الحال يتبعه الشخص المسحور ويسير خلفه دون أي مقاومة

ويقول إن الضباع لطالما عاشت معه في حديقة المنزل بين أفراد عائلته، وكانت كأنها من العائلة، ولا يتجاوز عددها في المنزل الثلاثة بسبب خصوصية التعامل معها، فهي تحتاج لغذاء خاص واعتناء دائم، ولطالما كانت صديقاً لأولاده ولكل من زار منزله، مغيراً بذلك الصورة المأخوذة عن الضبع بأنه حيوان مفترس يجب قتله.

"أشبه بقطعة نادرة"

الأساطير حول الضبع لم تقتصر على تنويم الناس مغناطسياً، بل امتدت لتشمل أجزاء من جسمه، والادعاء بأنها تملك قدرات خارقة في زيادة القدرة الجنسية للبشر، أو في "جلب الحبيب"، وأصبح هذا الضبع هدفاً للسحرة والمشعوذين خاصة من قبل بعض قاطني الدول العربية الذين كان يدفعون مبالغ عالية للحصول عليه حياً أو ميتاً.

ويقول السليم: "قبل الأزمة كان للضباع سوق مخصصة، إذ يشتري التجار الضبع الحي الممسوك بالخناقة، ويفكونه منها، ويدفعون مبالغ كبيرة لوجود زبائن دسمين، وخاصة من المغرب، كانوا يأتون بشكل خاص لأخذ الضبع، فيذبحونه ويأخذون أعضاء منه لصنع التعاويذ، ولكن هذه التجارة تراجعت بعد الحرب في سوريا".

ويتابع: "للأسف الأساطير أصبحت أشبه بالمسلمات، ولهذا إذا شاهد الناس ضبعاً سيقتلونه لحمايتهم منه أو للتجارة به، وهذا سبّب تناقصاً لأعداده وبات قطعة نادرة"، ويضيف أنه إذا أردنا القيام بإحصائيات للضباع في جبال الساحل والمناطق الداخلية السورية، وبحسب تقديراته من خلال مشاهداته على أرض الواقع وتواصله مع المهتمين، فإن الوجود الأكبر لها (قرابة 55% من مجمل أعدادها) هو في المنطقة الوسطى رغم أنها قاحلة، والأمر غريب لأن إمكانية وجود غذاء للضبع في الساحل أكبر، والنسبة الأقل هي في جبال الساحل والمناطق الداخلية الصحراوية أو شبه الصحراوية في منطقة الفرات.

ويقول في هذا الصدد: "تفاجأت بقلة أعداد الضباع في المناطق الساحلية، فخلال جولاتي الليلية عبر السنوات الطويلة بين الجبال نادراً ما كنت أصادفها، وبسبب ندرتها نسي الناس شكل الضبع وبات يخلطون بينه وبين حيوانات أخرى، وعدة مرات يخبرونني بوجود ضبع وآتي من مسافات بعيدة، لكن أنصدم بأنه ليس ضبعاً".

قبل الأزمة كان للضباع سوق مخصصة، إذ يشتري التجار الضبع الحي الممسوك بالخناقة، ويفكونه منها، ويدفعون مبالغ كبيرة لوجود زبائن دسمين، وخاصة من المغرب، كانوا يأتون بشكل خاص لأخذ الضبع، فيذبحونه ويأخذون أعضاء منه لصنع التعاويذ، ولكن هذه التجارة تراجعت بعد الحرب

ويضيف الباحث أحمد أيدك أنه لا توجد أي دراسات تحدد أعداد الضباع في سوريا لا قديماً ولا حديثاً، ولكن ندرة رؤية هذه الحيوانات حالياً تدل على أنه على حافة الانقراض، كما أنه مصنف وفق الاتحاد الدولي لصون الطبيعة ومواردها IUCN بأنه "قابل للتهديد بالانقراض"، والاتحاد هو من أكبر المؤسسات في العالم بما يخص العمل البيئي والبحث العلمي المرتبط بالموارد الطبيعية، وتصدر عنه القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض كل عام.

في السياق ذاته، يطالب ناشطون سوريون بالاهتمام بهذا الحيوان وحمايته، ونشرت جمعية سنديان لحماية البيئة والتنمية المستدامة في صفحتها على فيسبوك: "الضباع قليلة العدد في مناطقنا وتعد مهددة بالانقراض، وترجع حالات مصادفتها من قبل البعض إلى تراجع موائلها ونقص موارد طعامها في البرية، فمع زيادة جشع الإنسان وآثاره السلبية العامة من الصيد الجائر، والتوسع بالأراضي الزراعية على حساب الحراجية، والقطع الجائر للأشجار، وحرائق الغابات المفتعلة، لم يبق للضباع حيز كافٍ يحميها ويأويها".

وتابعت الجمعية المرخصة في محافظة طرطوس والمهتمة بالتنوع الحيوي وحماية الغابات وغيرها من النشاطات البيئية: "الوضع الاقتصادي السيئ انعكس على الحيوانات القمّامة بشكل غير مباشر ومنها الضباع، فمخلفات المداجن تناقصت جداً مع انخفاض قدرتها الانتاجية، وأيضاً مخلفات القصابين من العظام وأقدام الدجاج تباع لصنع الاعلاف ولأغراض أخرى. وهكذا فإن الحيوانات القمّامة فقدت أغلب مصادر غذائها، وفي ظل هذه الظروف يمكن للجوع أن يدفع بهذه الحيوانات إلى جوار المنازل متحسسة لروائح الحيوانات الداجنة ورائحة السماد الطبيعي، وحتى ما يطبخه الإنسان ويخلفه من قمامة".

لم يعد شويكاني قادراً على الحصول على أي ضبع، فآخر أفراد هذا الحيوان موجود اليوم في مناطق ما تزال غير آمنة، ومن الصعب الوصول إليها، كما أن نسبة من أعدادها تقلصت بفعل الجرائم التي ارتكبها الناس بحقها بحجة الخوف منها، أو قتلت بسبب الحرب.

* الصور من صفحة "الحياة البرية السورية" على فيسبوك

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard